ماذا لو كانت الطائرات المسيّرة لغير إسرائيل؟
عندما تتحدث لغة القوة وينطق السلاح بلغة أهله، ذلك يعني أننا أمام حقائق على الأرض وفي السماء لا يجب القفز عليها. ومعطيات أخرى موجبة للانكسار والهزيمة بل وعدم النصر المطلق.
إسرائيل قصفت بطائراتها المسيرة في غضون أيام متقاربة ثلاث دول عربية؛ العراق وسوريا ولبنان ووصلت قذائفها إلى مناطق متفرقة في البلدان الثلاثة.
هل كانت إسرائيل تريد ضرب هذه الدول بمفهومها دولاً؟ أم أنَّها قامت بملاحقة تنظيمات معادية لها اتخذت من هذه البلدان الثلاثة ملاذاً لها؟ هل هي الحرب العربية الإسرائيلية التي لا تزال أبوابها مفتوحة أم أنَّها حرب مختلفة خارجة عن طبيعة الصراع المعروف؟
تساؤلات كثيرة تُحيط بهذا الحدث الذي لم يأتِ فجأة ولا هو قفز أو حرق للمراحل بقدر ما هو مسيرة تأخُّر فاضح للإجابة عن تساؤلات كان يجب الإجابة عنها مُنْذُ عشرات السنين. أبرزها من يقاتل من ومن؟ من هو العدو من الصديق؟
يبدو أنَّ بوصلة الصراع تشير إلى أكثر من اتجاه وأنَّ الحروب المتداخلة لها أدبياتها ومفاهيما وقابلة للتجديد بحسب واقع الحال.
بالطائرات المسيرة وحدها استطاعت إسرائيل اليوم أن تُخلخل قواعد وقوائم وقلوب القوم. المسألة لا تحتاج إلى تحليل إذا كان السؤال.. هل استطاعت ما تسمى بجيوشنا الباسلة عندما كانت تمتلك الأرض والسلاح والتأييد الشعبي أن توقف زحف الصهاينة أو أن تمنع غطرسة عصاباتها؟ الجواب لا بعيداً عن واقعة هنا وأخرى هناك مازال البعض يمضغ حكاياتها المتناثرة في صفحات تاريخنا المدرسي الحديث. ولولا حكمة الله في أن هيَّأَ ثورات الشعوب لتكشف المستور من الكذب القَسريِّ، لاستمر الكذب التصاعدي عن مفاخر لم تكن موجودة.
بِضع طائرات مسيرة تدفع باتجاه دعوات الانسحاب وإعادة التموضع لميليشيا الأذرع الإيرانية المسنودة بدولة الكذب والتفتيت المجتمعي. بضع طائرات تنذر بمواجهة قد لا تجد ساحة لها غير الدول الثلاث العراق وسوريا ولبنان.. ماذا فعلت وماذا تفعل إيران بالمنطقة وشعوبها وعلى أي قاعدة ستكون التسوية بينها وبين إسرائيل؟
تصوروا بلدان تقصف ويموت الجنود والميليشيات ويُنكب الأهالي فوق نكباتهم ولا يزال الخلاف على أشُدِّه في مِحنة التَّوَصُل إلى الفاعل. والتستر عليه وهم يعرفون الفاعل لكنهم يدركون تماماً بأنَّها ليست حربهم. تلك الدول والنُظم التي اعتادت أن تكون فرائسها من أبنائها وشعوبها فقط والتي لا يتردَّد في إبادة المدن فوق أهلها متى أتيحت له الفرصة.
هذه المرَّة المواجهة مختلفة وشعار المرحلة كما هو مصطلح المرحلة (اعمل نفسك نايم) ... المؤسف أنَّ رئيس وزراء الاحتلال الصهيوني لم يترك مناسبة مُنْذُ شهر إلا ويُؤَكِّدُ أننا ضربنا معسكرات الحشود والأحزاب التابعة لإيران في العراق وسوريا ولبنان ويُؤَكِّدُ أنَّه سيضربها في أيِّ مكان وتوقيت يراه مناسباً.
أخيراً اعترف القوم وافتضح الأمر فماذا هم فاعلون تجاه إسرائيل التي تلاحقهم وتتجسس عليهم وتضربهم وتقتل أفرادهم وتُقوِّض نفوذهم الذي سمحت لهم به في فترة احتاجت به إسرائيل ومن خلفها أمريكا أن يكون لإيران وأذرعها هذا النفوذ.
لسنا بصدد التوسع في طبيعة الصراع الإيراني الإسرائيلي وشكله وحقيقته، بقدر التساؤلات فيما يخص الأذرع والنتوءات العالقة بين طرفي الصراع. أقصد مصيبة الأمة التي ابتُليت بشراذم ما تسمى بالحشود والكتائب والأحزاب والحكومات التي "سامها كل مغلس".
"ألقاب مملكة في غير موضعها... كالهِرِّ يحكي انتفاخاً صولة الأسد".
نوري المالكي رئيس وزراء العراق (2008-2014) الذي هرب بجيشة وقواته المليونية أمام (داعش) وترك أربع محافظات عراقية عريقة خلال أيام من عام 2014. تلك الهزيمة التي تمَّ نقلها على الهواء مباشرة. جيش دولة كاملة ينهار بالصيحة فقط أمام جموع من شُذاذ الآفاق يتوعد إسرائيل بالويل والثبور وعظائم الأمور إن فكرت المساس أو ثبت ضلوعها بعمليات قصف مخازن أسلحة وذخيرة تابعة لقوات الحشد الشعبي في العراق. والطريف أنَّه يُهدد بقوة إيران. والسؤال!! بمن ستواجه إسرائيل؟ بالملايين الذين شردتهم عن ديارهم وبلدهم؟ أم بالمدن التي جعلتها وحكومتك أثراً بعد عين؟ أم بأموال العراق التي أضعتها بسياسة السرقة والفساد والخيانة؟
ويبدو أيضاً عادل عبدالمهدي رئيس وزراء العراق الحالي أمام حرج شديد. وهو يدرك تماماً أنَّ المواجهة الإيرانية الإسرائيلية على تحديد مناطق النفوذ ستتخذ من أرض العراق ساحة لتصفية الحساب. وماذا في جُعبته، والعراق مناصفة بين القرار الأمريكي والقرار الإيراني؟ مواجهة بطعم الموت والحنظل.
سياسة تسليم الشعوب والجيوش وترك الأرض والهروب تكاد تتشابه ولا فرق كثير بين ساحات المواجهة المحتملة (العراق وسوريا ولبنان) المصيبة واحدة.. كلها مناطق نفوذ للغير وإيران لن تقاتل على أرضها كما هي إسرائيل. والأنظمة الفاشلة لا تُخجلها اتفاقيات استضافة حالة الصراع الدولي ما دام الثمن هو البقاء على سُدة الحكم. الأنظمة الانقلابية الدكتاتورية المُعمَّرة عادةً ما يتكرر عندها الحدث. ويتشابه إيقاعه.
يقول قائد الفرقة الثامنة السورية إبراهيم إسماعيل كهيا: "في آخر يوم من حرب 1967. تلقينا خبر سقوط القنيطرة عبر الإذاعة السورية مما جعل الكثير من الجنود يغادرون الجبهة والركض عائدين إلى سوريا، بينما الطرق مفتوحة فقد تراكموا على المركبات وانسحبنا قبل أن نرى جندياً إسرائيلياً واحداً". ويقول قائد إسرائيلي: "وصلنا القنيطرة من دون أي عائق تقريبًا. وكان هناك غنائم في كل مكان حولنا. كل شيء كان لايزال يعمل. محركات الدبابات لم تتوقف، معدات الاتصال لاتزال في وضع العمل، وقد تمَّ التخلي عنها. سيطرنا على القنيطرة دون قتال".
إنَّه السقوط والهزيمة بالصيحة. ماذا عملت هذه الأنظمة بشعوب كانت ومازالت تمثل ملح الأرض ومنبع كرامتها. هي فكرة القبول بالعمالة والاستئجار الدولي. إنَّها المؤامرة الكبرى التي تدفع ثمنها شعوب المنطقة. لنعود إلى التساؤل.. ماذا لو كانت الطائرات المسير لغير إسرائيل؟
الجواب ليس صعباً... كنا قد شهدنا حزب الله اللبناني يَعبر الحدود كما عبرها للدفاع عن نظام الأسد ضِدَّ شعبه. ولَسمِعنا صيحات الدفاع عن مراقد آل البيت وهتافات يا لثارات الحسين.
ولو كانت الطائرات المسيرة لغير إسرائيل لانطلقت طائرات الأسد على منازل المدنيين السوريين وألقت براميلها وحِمَمَهَا على رؤوس أهلها ولاستعان النظام بروسيا وإيران وميليشيات القتل المستأجرة من أرذل شعوب العالم.
أما في العراق لو كانت الطائرات المسيرة من غير إسرائيل لوجدت الحشود العراقية و (هوسات) العشائر بمختلف طوائفها تهتف بالموت الزؤام ولا يوقفها رادع حتى تُسقطَ المدن على رؤوس أهلها وتُهَجِّرُ وتَنتهك أعراض من بقي على قيد الحياة.
وضمن فكرة.. ماذا لو كانت الطائرات المسيرة لغير إسرائيل يبقى التساؤل الأهم.. من يجرؤ على الرد على إسرائيل؟ وإذا كان الجواب بالنفي... فنحن جميعاً بحاجة ماسَّة وجادَّة لمناقشة أحوال العقل العربي.