موقع أمريكي يرصد مدى استعداد الشعوب العربية للتحول الديمقراطي

12

طباعة

مشاركة

سلّط موقع "أتلانتك كاونسل" الأمريكي، الضوء على رغبة الشعوب العربية في الحصول على أنظمة ديمقراطية، متناولا في استطلاع للرأي أبرز الأولويات التي يتطلعون إليها في بلدانهم، ومن أهمها: "تحسين النظام التعليمي" و"الإصلاح السياسي والحكومي".

وتساءل الموقع في مقال مشترك، للباحثين في مركز "رفيق الحريري" التابع للمجلس الأطلنطي، السفير ريتشارد لوبارون، وليه هيكرت، قائلا: هل يريد المواطنون العرب  الديمقراطية حقا، وهل هم مستعدون لها؟ لافتا إلى أن هذا السؤال استغرق عقودا في التحليل والنقاش وطرح الحجج، لكن استطلاعين حديثين يقدمان إجابات على بعض هذه الأسئلة.

أولويات الشعوب العربية

وأوضح: "تظهر نتائجهما مدى أهمية اعتبار العرب أن السعي وراء الديمقراطية يرتبط بالأولويات الوطنية الأخرى".

ومضى الكاتبان يقولان: "في شهري أغسطس/آب، وسبتمبر/أيلول من العام 2018، أجرى مركز زغبي للأبحاث مسحا على 8628 فردا من البالغين في تونس ومصر ولبنان وفلسطين والأردن والعراق والسعودية والإمارات وتركيا وإيران".

وبحسب الموقع، فقد طُلب من المجيبين في كل بلد، التمييز بين أولوياتهم الثلاثة العليا، وتصنيفها من قائمة مجالات القضايا العشرة.

وكانت النتيجة في 8 من البلدان العشرة التي شملها الاستطلاع، أن اعتبر المشاركون، "توسيع فرص العمل" هو القضية الأكثر أهمية، بينما حظي "تحسين النظام التعليمي" و"الإصلاح السياسي والحكومي" باهتمام كبير. إلى جانب هذه الأولويات الثلاث، اختلفت البلدان حول الأهمية النسبية لمجالات القضايا التالية:

  • إنهاء الفساد.
  • محاربة الجماعات المتطرفة.
  • صد الأعداء الأجانب.
  • تحسين الرعاية الصحية.
  • حماية الحقوق الشخصية.
  • تحسين حقوق المرأة.

ولفت الموقع إلى أنه من بين الدول العشر التي تم فرزها، صنفت تركيا فقط "تطوير الديمقراطية" كأولوية من بين الأولويات الثلاث الأولى.

نتائج ليست مفاجئة

وقال الكاتبان: "هذه النتائج ليست مفاجئة. حتى أثناء الاضطرابات التي شهدتها عام 2011، اعتبر المشاركون في الاستطلاع أن التوظيف يمثل همهم الأكبر، بينما صنّف المشاركون في تونس وإيران الديمقراطية بين أولوياتهم الثلاثة الأولى".

وتابع "لوبارون" و"هيكرت": "قد يفسر البعض نتائج المسح على أنه يدل على قلة الطلب أو عدم الإيمان بالديمقراطية من جانب العرب".

ونوّه الموقع إلى أنه "من المحتمل أن يكونوا على خطأ، أو على الأقل يستخدمون بشكل انتقائي البيانات التي تدعم وجهات نظرهم. لكن وعلى سبيل المثال، أظهرت نتائج مسح الباروميتر العربي لعام 2018، أن العرب يعتبرون الديمقراطية بشكل متزايد أفضل نظام حكم. توضح البيانات الأخرى الواردة في التقرير كيف أن التصورات الشعبية والأولويات الأخرى قد تعرقل السعي الفعلي للديمقراطية في بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا".

وبحسب الموقع، فإنه لم يتم إدراج السعي الفوري للأنظمة السياسية الديمقراطية كأولوية بين الثلاثة الأوائل في أي من مجموعات البيانات. وتابعا: بتصنيف "توسيع فرص العمل" و"الإصلاح السياسي والحكومي" كأولوية تسبق "النهوض بالديمقراطية"، يبدو أن المشاركين يميلون إلى وضع اقتصادي أفضل ونهج بطيء نحو التغيير السياسي.

وأشار إلى أنه "في حين أنه من الصعب استخلاص استنتاجات مؤكدة من البيانات، لن يكون مفاجئًا إذا كانت النتائج تعكس الحذر العام تجاه عدم استقرار الحركات الديمقراطية التي شوهدت في مصر وتونس".

وأضاف: "مع ذلك، يجب أن نكرر أن هذا الميل إلى التغيير السريع لا يعني الخوف العربي من الديمقراطية أو كرهها. تبدو المواقف العربية تجاه نظام الديمقراطية إيجابية بشكل ساحق؛ في آخر موجتين من استطلاع الباروميتر العربي، أظهرت جميع الدول العربية الست التي شملها الاستطلاع قبولا قويا ومتناميا للديمقراطية كأفضل نوع للحكومة".

هل العرب مستعدون

وتساءل الموقع: "لكن هل يعتقد العرب أنهم مستعدون؟ وفقا لبيانات مقياس البارومتر العربي نفسه، كان هناك تصور متزايد منذ عام 2014 بأن الناس في فلسطين والجزائر وتونس ليسوا مستعدين للديمقراطية. يتزامن هذا الاتجاه مع البيانات الأخرى من نفس التقرير؛ على وجه الخصوص، تصادف أن هذه الدول الثلاثة هي أكثر الدول تشككا في استقرار الديمقراطية ومزاياها الاقتصادية، كانت المغرب والأردن، قد أعرب المجيبون عن ثقتهم الأكبر في توفير الديمقراطية للاستقرار والمزايا الاقتصادية، البلدان الأكثر ثقة في ملاءمتها للديمقراطية. باختصار، يعتقد بعض العرب أن الديمقراطية غير فعالة في الحفاظ على الاستقرار، بينما يعتقد آخرون أن الافتقار إلى حكومة تمثيلية يمثل عقبة أمام الاستقرار".

وتابع الكاتبان: "من خلال الجمع بين فلسطين والجزائر وتونس ضد المغرب والأردن، قد يتساءل المرء لماذا تمتلك بلدان من نفس المنطقة مثل هذه المواقف المتناقضة تجاه الديمقراطية وآثارها؟ ربما يمكن تفسير هذه الظاهرة بالظروف المخففة المحيطة بالمجموعة الأولى من البلدان. يمكن القول إن الجزائريين، الذين يعتبر معظمهم البلد أقل ديمقراطية في عام 2017 عما كان عليه في عام 2014، يستخلصون آراءهم حول الديمقراطية من جارتهم، تونس".

وبيّن الموقع: "إذا كان هذا هو الحال، فقد يشعر كل من الجزائريين والتونسيين بأنهم أقل استعدادا للديمقراطية الآن، لأن الأخيرة اهتزت بسبب عدم استقرار انتقالها نحو الديمقراطية في عام 2011".

وأردف: "كان عدم الاستقرار هذا مؤثرا بشكل خاص في تونس - وليس بالضرورة في المغرب أو الأردن - لأن التونسيين يفتقرون إلى ثقة كبيرة في القادة والمؤسسات السياسية؛ ومزيد من الثقة كان من شأنه أن يجعل عملية التحول الديمقراطي أكثر استقرارا".

واستطرد الموقع قائلا: "في الوقت نفسه، يمكن أن يعزى عدم استعداد الفلسطينيين إلى الصعوبات الفريدة المتمثلة في تحقيق الديمقراطية وسط الانقسامات السياسية المستمرة والاحتلال الإسرائيلي المستمر. ومع ذلك، يتم استقراء هذه التفسيرات من مجموعات بيانات (البارومتر العربي) و (زوغبي لخدمات الأبحاث) المنفصلة، وبالتالي تقع في نطاق التكهن المنطقي. على سبيل المثال، يمكن المبالغة في اعتماد الجزائريين على تونس كنموذج سياسي".

تحولات غير مكتملة

وبيّن الكاتبان، أن هناك طرقا أخرى لشرح مواقف الشرق الأوسط وشمال إفريقيا المتنوعة تجاه عملية التحول الديمقراطي. وهناك تفسير محتمل آخر يعزو مشاعر الاستعداد المغربية والأردنية إلى التحولات الديمقراطية غير المكتملة.

وأوضحا، أنه "من الناحية النظرية، تجري المملكة المغربية والأردنية انتخابات تنافسية وتحاول تغيير تصورات المواطنين عن أنظمتهم. ومع ذلك، قد لا تكون هذه الإصلاحات ديمقراطية بقدر ما تحاول الاستعراض، كما يتضح من موجات الاحتجاجات العنيفة في جميع أنحاء المغرب".

وتابعا: "يفترض هذا التفسير أن دولا فقط مثل تونس ولبنان هي التي شهدت الاضطرابات المرتبطة بالتحولات الديمقراطية الحقيقية ويمكنها أن تفهم بدقة مدى ملاءمتها للديمقراطية. بالطبع، هذا التوقع له حدوده الخاصة، أحدها عدم القدرة على قياس الديمقراطية بشكل ملموس، خاصة وأن المغاربة والأردنيين على حد سواء يعتقدون أن دولتهم أصبحت أكثر ديمقراطية الآن مما كانت عليه في السنوات السابقة.

وزاد الموقع: "في حين أنه يحتاج بالتأكيد إلى تحليل أكثر بكثير مما يمكن توفيره هنا، فإن هذه البيانات لها آثار بالنسبة لأولئك الذين هم خارج المنطقة الذين يدعمون ويشجعون التغيير الديمقراطي سواء كانوا حكومات أو منظمات غير حكومية أو مواطنين معنيين يؤمنون ببساطة بالديمقراطية. كما أن الملوك والديكتاتوريين في المنطقة سيحسنون أيضا ملاحظة البيانات".

وبحسب الكاتبين، فإن الملاحظة الأولى التي نستخلصها من البيانات هي أن العرب لم يرفضوا الديمقراطية بالتأكيد كشكل من أشكال الحكومة المناسبة لهم. أما الملاحظة الثانية، تحتاج بلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا إلى الاستجابة للتطلعات الاقتصادية غير المحققة لشعوبها. إنها الأولوية القصوى في جميع أنحاء العالم العربي.

وختم الكاتبان مقالهما بالملاحظة الثالثة: وهي ضرورة ألا نخلط بين إعطاء الأولوية للرفاه المادي وعدم الاهتمام بالتقدم نحو الديمقراطية. يتوقع العرب الذين شملهم الاستطلاع أكثر من حكوماتهم، كما يتضح من الاهتمام المستمر بالإصلاح السياسي والحكومي، والإيمان الدائم بفكرة الديمقراطية باعتبارها أفضل نظام سياسي شامل.