"مورو" من الدعوة إلى رئاسيات تونس.. تعرّف على مرشح النهضة
أخيرا، خرج الدخان الأبيض من اجتماع مجلس شورى حركة النهضة التونسية، معلنا اختيار نائب رئيسها ورئيس مجلس نواب الشعب (البرلمان) بالإنابة عبد الفتاح مورو مرشحا لرئاسة الجمهورية.
القرار الذي اتخذ قبل يومين فقط من إغلاق باب الترشح للانتخابات الرئاسية في 9 أغسطس /آب الجاري، يعتبر سابقة في تاريخ الحركة التي نأت بنفسها عن خوض الاستحقاق الرئاسي لمرتين متتاليتين.
الأولى بعد أن ساندت الرئيس السابق محمد منصف المرزوقي عبر تصويت كتلتها النيابية في المجلس الوطني التأسيسي له في ديسمبر/كانون الأول 2011، والثانية عندما اتخذت مؤسساتها قرار الحياد في الانتخابات الرئاسية عام 2014 ما أدّى إلى فوز الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
قرار ترشيح مورو للرئاسة مرّ بنقاشات طويلة داخل مؤسسات الحركة وفي الفضاء العام، ومتابعة واسعة من المنافسين قبل الأنصار، وأضفى عليه تشويقا غير مسبوق في المشهد السياسي التونسي، خاصّة بعد تغيّر قواعد اللعبة الانتخابية إثر وفاة السبسي وتقديم موعد إجراء الانتخابات الرئاسية على التشريعية.
كرسي الرئاسة يشهد منافسة شرسة حيث بلغ عدد المترشحين حتى كتابة هذه السطور 29 مترشحا، من خلفيات سياسية وإيديولوجية متنوعة، ما جعل النهضة تخوض النزال بأحد أبرز قيادييها.
الشيخ المؤسس
رغم ارتقائه المناصب العليا في الدولة التونسية، وآخرها رئاسة البرلمان بالنيابة، لازال عبد الفتاح مورو يحتفظ بلقب الشيخ وزيه المميز المكون من الجبّة التونسية المطرّزة والعمامة البيضاء على شاشية تونس.
هذا الزي الذي لم يتخلّ عنه مورو منذ شبابه، في تحدّ لسياسة التغريب التي كان يقودها الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، رغم ما كانت تجلب له حينها من سخرية وتندّر منذ أن كان طالبا في كلية الحقوق.
نشأ عبد الفتاح مورو في حي باب السويقة وسط المدينة العتيقة بالعاصمة تونس، ليتتلمذ في المدرسة الصادقية التي تخرج منها معظم الأطراف التي بنت الدولة الوطنية بعد الاستقلال.
درس بعدها في كلية الحقوق وكلية الشريعة حيث تخرج عام 1970، كما تعلم الألمانية في المركز الثقافي الألماني بتونس إضافة إلى إتقانه اللغة الفرنسية، وبعد تخرجه من الجامعة عمل قاضيا حتى عام 1977، حيث قدم استقالته واشتغل بالمحاماة التي ما زال يمارسها.
فباب السويقة الذي ترعرع فيه مورو كان مهدا ومنطلقا لمجالات عديدة، وكان بيئة مفتوحة مثلما يؤكد مورو في شهادته في برنامج "شاهد على العصر"، تعلم من مناهجها التربوية معارف ومعلومات، ومن مناطقها الشعبية كيف يتعامل مع الناس ويتأقلم مع الواقع.
انتمى مورو إلى الطرق الصوفية المنتشرة بكثرة وسط تونس، كما خالط جماعة الدعوة والتبليغ، قبل أن يبدأ في تأسيس النواة الأولى للحركة الإسلامية في تونس، رفقة زعيمها الحالي راشد الغنوشي وعدد من الجامعيين والطلبة عام1968، وينتخب في أول مؤتمر لها أمينا عاما.
تشهد مساجد العاصمة التونسية لعبد الفتاح مورو، فصاحته العالية وقدرته على شدّ الناس إلى خطبه ودروسه، حيث يتمتع بحضور شعبي ويجيد الخطابة، ويمتلك قدرة فائقة على جذب الشباب إلى الحركة.
ارتقى مورو المنبر لأول مرّة وهو لم يتجاوز 16 عاما من عمره، وكان متأثرا بالمدرسة الزيتونية، وبمواقف العلامة الشيخ محمد صالح النيفر الذي ترك تونس واستقر في الجزائر بعد معارضته للحبيب بورقيبة، لكن الشيخ عاد عام 1970 في بداية التشكل للحركة الإسلامية.
وفي مسجد سيدي يوسف الواقع خلف مقر رئاسة الحكومة بتونس، أصبح عبد الفتاح مورو يلقي خطبة الجمعة بشكل دوري في الجامع بطلب من الإمام محمد صالح بن مراد الذي ألبسه "العمامة" و"الشاشية" التي يرتديها حتى الآن.
وفي غضون 6 أشهر ارتفع عدد المصلين في مسجد سيدي يوسف من 3 أشخاص فقط (الإمام والمؤذن وشخص آخر) إلى حوالي 2000 شخص جلّهم من الشباب، ومن هنا بدأت هذه الفئة ترتاد المساجد.
الطريق إلى السياسة
حافظ مورو على نشاطه الدعوي مع رفاقه من مؤسسي الحركة، حتى تم القبض عليه لأول مرة في مدينة سوسة عام 1973، إلاّ أن النظام لم يفطن لوجود تنظيم إسلامي ذي أبعاد سياسية.
وفي أغسطس/آب 1979 أقامت "الجماعة الإسلامية بشكل سري، مؤتمرها التأسيسي الذي صادقت فيه على قانونها الأساسي، وانتخبت راشد الغنوشي "أميرا" لها، وعبد الفتاح مورو أمينا عاما.
وإثر كشف نظام الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تنظيمها السري يوم 5 ديسمبر/كانون الأول 1980، كان عبد الفتاح مورو صاحب تقديم طلب الترخيص لتأسيس حزب سياسي يحمل اسم "حركة الاتجاه الإسلامي".
وهو ما قررته الحركة خلال المؤتمر الثاني لها والذي عقد في سوسة 10 أبريل/نيسان 1980 بالتزامن مع خطاب بورقيبة الذي أعلن فيه عن التعددية السياسية في تونس.
كما قررت الحركة الانفتاح على المعارضة ودخول الحياة السياسية بشكل قانوني، ليتم الإعلان عن تأسيس حزب سياسي في ندوة صحفية عقدت في مكتب الشيخ عبد الفتاح مورو.
سفير الإسلاميين
تميّز مورو بلعب دور سياسي مميّز داخل الحركة، وأقام علاقات مع عدد من الأطراف داخل السلطة والمعارضة، خاصة بعد اعتقال قيادات الحركة عام 1981 وفي مقدّمتهم رئيسها راشد الغنوشي، وعبد الفتاح مورو.
وبتدخل من وسيلة زوجة بورقيبة التي كانت قد حضرت متخفية في إحدى خطبه بجامع القصبة، نُقل مورو إلى مقر وزارة الداخلية التونسية وحجز في غرفة، وأطلق سراحه بعد سنتين ليوضع في الإقامة الجبرية في منزله.
في يوليو/ تموز 1984، أرسل مورو رسالة إلى الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، قال مورو أنها كتبت بالتوافق مع قيادات الحركة.
حيث أكّد مورو أنه خلال إقامته الجبرية كان على اتصال سري مع حمادي الجبالي الذي انتخب رئيسا للحركة عندما أدخل قادتها إلى السجن وبينهم راشد الغنوشي.
من هنا جاءت فكرة عرض مبادئ الحركة على بورقيبة، لكن مورو نفى أن يكون ذلك من باب طلب العفو من الرئيس مثلما روّج البعض، وتضمنت الرسالة أن حركة الاتجاه الإسلامي "لا تقدم نفسها ناطقا باسم الإسلام وأنها ترفض مسلك العنف وتعتمد الحوار والإقناع".
التقى مورو عام 1984 برئيس الوزراء محمد المزالي، ووزير الداخلية حينها، في محاولة للوساطة مع قيادة الحركة المعتقلة للإفراج عنهم، مع تصاعد الأزمة السياسية والاجتماعية في تونس إثر انتفاضة الخبز.
وفي العام 1986، غادر عبد الفتاح مورو التراب التونسي، باتفاق مع الغنوشي ليكوّن الواجهة السياسية الخارجية للحركة.
علاقات واسعة
توجه القيادي في حركة النهضة بعد مغادرته تونس إلى فرنسا، التقى حينها بالرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران في شقة خاصة في أحد أحياء العاصمة باريس.
اللقاء الذي كشف مورو أنه استمر أكثر من 4 ساعات، تقدم خلاله بطلب اللجوء السياسي في فرنسا، لكن ميتران أكد له أن رئيس الدولة لا يمكنه البت في هذا الموضوع لأنه محكوم بنصوص قانونية، وهو نفس رد السلطات في ألمانيا.
بعدها انتقل مورو إلى المملكة العربية السعودية، حيث منحته السلطات الإقامة وجواز سفر سعودي، لكنها اشترطت عليه في المقابل عدم الاشتغال بالسياسة.
وأبلغ حينها من قبل سفير ليبيا في المملكة عن رغبة العقيد الليبي الراحل معمر القذافي في لقاء مورو بليبيا، إلا أنّ الطلب قوبل بالرفض بحجة تعهد مورو بعدم الاشتغال في السياسة بالسعودية.
بعدها أبلغ سفير ليبيا بعدم ممانعته بلقائه خارج الأراضي السعودية والحديث عن لقاء القذافي، وهو ما جرى بعد أيام في نيقوسيا بقبرص، وهناك التقى القذافي قبل الإطاحة ببورقيبة عام 1987.
وفي يناير/كانون الثاني 1987، تلقى اتصالا هاتفيا من الملك فهد آل سعود شخصيا أخبره برغبته في مقابلته، وهو ما حصل فعلا، مما تسبب في احتجاج السلطات التونسية على الرياض.
العودة لتونس
في 7 نوفمبر/تشرين الثاني 1987، نفذ الوزير الأول (رئيس الحكومة) حينها زين العابدين بن علي انقلابا أبيض على الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة، وقدّم بعدها وعودا بالإصلاح السياسي وفتح المجال العام أمام جميع الأطراف السياسية ومن بينها الإسلاميين.
وكتعبير عن حسن النية أطلق سراح قيادات حركة النهضة المعتقلين وفي مقدمتهم راشد الغنوشي المحكوم بالإعدام حينها، ودعا شخصيا عبد الفتاح مورو إلى العودة لتونس، لكنّه فرض عليه حصارا بمجرد عودته وسحب منه جواز سفره.
لتبدأ البلاد وحياة عبد الفتاح مورو بالتغيّر على ضوء الوضع الجديد في البلاد، فالحركة التي قدّمت عددا من التنازلات من بينها تغيير اسمها عام 1989 من الاتجاه الإسلامي إلى حركة النهضة، قررت الدخول بقوة والمنافسة على جميع مقاعد البرلمان في انتخابات أبريل/نيسان 1989.
هذه الانتخابات التي لم يكن مورو من الموافقين على المشاركة الواسعة فيها، كما انتقد الخطاب الذي حمله مرشحو الحركة.
ورغم شعارات التعددية والديمقراطية التي رفعها النظام، إلا أن الانتخابات تمّ تزويرها لصالح الحزب الحاكم التجمع الدستوري الديمقراطي الذي حصد غالبية مقاعد البرلمان بينهما لم يفز مرشحو النهضة بأي مقعد.
انطلقت بعدها حملة اعتقالات واسعة في صفوف قيادات حركة النهضة دشنت في ديسمبر/كانون الأول عام 1990، لتندلع بعدها مواجهة شاملة بين حركة النهضة والنظام الذي كشف عن وجهه المستبد.
في 17 شباط/فبراير 1991، شن عدد من الشباب المنتمي لحركة النهضة هجوما على مقر حزب التجمع الدستوري الديمقراطي المنحل، وأضرموا النار فيه بهدف إحراق الوثائق الموجودة فيه، والتي يرجّح أنها تتضمّن وشايات ضد معارضي السلطة.
وفي 8 مارس/آذار 1991 أعلن عبد الفتاح مورو وفاضل البلدي وبنعيسى الدمني تجميد عضويتهم في النهضة احتجاجا على تورّط بعض الشباب المنتسب إلى حركة النهضة في حادث الاعتداء الأليم على مقر لجنة التنسيق الحزبي للتجمع الدستوري بباب سويقة وذلك بموافقة من بعض قيادييها.
ورغم أن هذا الموقف أغضب أنصار الحركة وقيادتها، تعرّض مورو إلى العديد من التضيقات والمحاصرة والتشويه من قبل أجهزة النظام الذي سقط في العام 2011.
وبعد عودة راشد الغنوشي من المهجر أسقطت الهيئة التأسيسية للحركة اسم عبد الفتاح مورو منها ما ولّد استياء كبيرا لديه ظهر في أكثر من مناسبة على لسانه.
الباب الكبير
في العام 2011، عاد اسم عبد الفتاح مورو للتداول مجدّدا وسط وسائل الإعلام، إلاّ أن الرجل الثاني في تأسيس الحركة الإسلامية في تونس، لم يجد له موقعا داخل الحركة التي أسسها، ما دفعه للترشح على رأس القائمة المستقلة "طريق السلامة" والتي لم تفز بأي مقعد في المجلس الوطني التأسيسي في انتخابات 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011.
هذا الوضع لم يمنع مورو من مساندة النهضة، الحزب المتصدّر للمشهد السياسي الجديد في تونس، بعد فوزها بغالبية مقاعد البرلمان وترأسها لحكومة ائتلافية.
وفي المؤتمر العلني الأول للحركة عام 2012، وبدعوة من رئيسها راشد الغنوشي، عاد عبد الفتاح مورو إلى حركة النهضة من الباب الكبير، لينتخب عضوا في مجلس شوراها، ويتولى مهمة نيابة رئيسها.
الموقع الجديد سمح لمورو تصدر قوائم الحركة الانتخابية، ليتم اختياره بعد ذلك نائبا لرئيس مجلس نواب الشعب، بعد التوافق السياسي الذي عقدته النهضة مع حركة نداء تونس التي يقودها الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي.
ولعب نائب رئيس مجلس نواب الشعب حينها دورا في التقريب بين الغنوشي والسبسي، حيث عقد لقاء مع الرئيس الراحل في منزله قبل أن يلتقي بالغنوشي في باريس.
المنصب الجديد الذي تقلّده مورو ساهم في الكشف عن شخصيّة مميزة، كسرت لدى التونسيين صورة الشيخ المعمم البعيد عن الأوساط الشعبية وفهم واقع الناس، إلى السياسي المطلع على تفاصيل الحياة اليومية في مجتمعه.
لم يعد غريبا أن تشاهد الشيخ مورو على شاشة التلفاز يؤدّي دورا مسرحيا أو في عرس ينشد ترانيم صوفية أو على منبر مسجد في أوروبا خطيبا أو سياسيا متمرسا يدير جلسات ساخنة تحت قبّة البرلمان.
لطالما احتار المتابعون في تونس في خروج مورو أحيانا عن النصّ الثابت لحركة النهضة، وتساءلوا عن سببه: هل هو تكتيك متعمّد لتضليل الخصوم في الساحة السياسية؟ أم هو موقف مبدئي من عدد من القضايا؟
ولطالما أثارت مواقفه وتصريحاته جدلا بين التونسيين، وفي بعض الأحيان تجاوزت حدود البلاد، لتطرح تساؤلات حول عدد من القضايا في الفكر السياسي والإسلامي، ما اعتبره البعض من أكثر الأصوات الناقدة للحركات الإسلامية من داخلها.