تقارب إماراتي إيراني.. قراءة في طبيعة علاقات أبوظبي والرياض
في زيارة لافتة للأنظار، أجرى وفد إماراتي في 30 يوليو/تموز الماضي مباحثات مع نظراء له في طهران لمناقشة مواضيع تتعلق بأمن الحدود البحرية بين البلدين على ضفّتي الخليج العربي.
بدا اجتماع 30 يوليو/تموز فنيا تقنيا، إلا أنّ ما تشهده المنطقة من توترات بين الولايات المتحدة وإيران، والإعلان الإماراتي عن الانسحاب الجزئي من اليمن لفتح الطريق أمام جهود السلام، يُعطي بُعدا سياسيا للاجتماع مع الإيرانيين بصفتهم الدولة الراعية لجماعة الحوثي في اليمن.
مع تعرض أربع ناقلات للنفط في ميناء الفجيرة الإماراتي في أيار/مايو الماضي، أشارت تصريحات لمسؤولين سعوديين أكدّها مسؤولون أمريكيون إلى مسؤولية إيران المباشرة عن تلك الهجمات في تصعيد خطير للتوترات في المنطقة، إلاّ أنّ دولة الإمارات تجنّبت في تصريحات لعدد من المسؤولين تحميل إيران المسؤولية عنها، أو عن هجمات لاحقة تعرضت لها ناقلتي نفط في بحر عُمان جنوب مضيق هرمز في شهر يونيو/حزيران الماضي.
وتنقلُ صحفٌ غربية عن مسؤولين إماراتيين لم تكشف عنهم، إنّ دولة الإمارات بدأت تبنّي "دبلوماسية أمن الحدود" مع إيران في أعقاب الهجمات التي تعرضت لها أربع ناقلات نفط في ميناء الفجيرة، إحداها إماراتية، وهو ما يُفسر زيارة الوفد الإماراتي المكوّن من قيادات عسكرية في حرس السواحل الإماراتي.
وخلا البيان الختامي المشترك لاجتماعات قائد قوات حرس الحدود الإيراني قاسم رضائي مع قائد قوات خفر السواحل الإمارتين محمد علي مصلح الأحبابي من أيّ إشارات سياسية مكتفيا بالتأكيد على إنّ حماية منطقة الخليج وبحر عُمان ينبغي أنْ تعودَ مسؤوليتها لشعوب المنطقة، وعدم السماح للدول الأخرى بالمساس بالأمن الإقليمي، في إشارة إلى مساع أمريكية وأخرى أوربية لتشكيل قوات لحماية أمن الملاحة في المنطقتين.
وأبدت الإمارات على لسان مدير إدارة التعاون الأمني الدولي بوزارة الخارجية سالم محمد الزعابي ارتياحاً لنتائج اجتماعات طهران التي اقتصرت "حسب جدول الأعمال على ما يتصل بشؤون الصيادين المواطنين ووسائل الصيد المملوكة لهم"، مؤكدا أهمية هذه الاجتماعات "في ظل الاحتياجات العملية المتعلقة بالحدود البحرية بين البلدين"، ووجوب استمرار "التنسيق المشترك للحفاظ على سلامة التجارة البحرية".
وتعوِّل الإمارات كثيرا على الدور الإيراني في مكافحة تهريب المخدرات عبر مياه الخليج العربي، بالإضافة إلى تأمين التجارة الدولية والملاحة البحرية.
تصاعد حدّة التوترات بين الولايات المتحدة وإيران وبلوغها في مرحلة ما قبل أسابيع حدود الاقتراب من "المواجهة الوشيكة" في منطقة الخليج العربي، دفع الكثير من الدول في المنطقة، ومنها دولة الإمارات، إلى تبني سياسات أكثر "حذرا" لتجنيب المنطقة مخاطر الحرب سواء المفتوحة على كل الاحتمالات، أو الحرب "المحدودة" التي دفع إليها بعض كبار صناع القرار الأمريكي في الدائرة الضيّقة المحيطة بالرئيس الأمريكي، منهم جون بولتون مستشار الأمن القومي، خاصةً بعد إسقاط إيران طائرة "تجسس" أمريكية في 19 يوليو/تموز الماضي.
مع حقيقة تباين رؤية كلٍّ من الإمارات والسعودية في نقاط عدّة حول الحرب اليمنية، إلا أنّ تصاعد التوترات في المنطقة قد تكون وراء القرار الإماراتي بسحب الجزء الأكبر من قواتها من اليمن في سياق استعدادات استباقيةٍ لاحتمالات مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران سيكون على الإمارات، والسعودية أيضا، أنْ تشكّل قواتهما البحرية والجوية القوات الرئيسية في المواجهة على الرغم من عدم رغبتهما في حدوث مثل هذه المواجهة التي يملك قرارها الولايات المتحدة، أو إيران.
مُنذ تشكيل التحالف لدعم الشرعية في عام 2015، كانت هناك تباينات واضحة في وجهات النظر بين السعودية التي تقود التحالف والإمارات، الشريك الأول لها، تتعلق برؤية السعودية حول وحدة الأراضي اليمنية، ومسائل أخرى تتعلق بالموقف من الجماعات الإسلامية المسلحة وحركات الإسلام السياسي.
قد تجدُ الإمارات ما يكفي من المبررات لتنفيذ انسحاب "كامل" من اليمن في ظل قناعات ترى استحالة الحسم العسكري، وأنّه ليس الخيار الوحيد المتاح أمام قيادة قوات التحالف العربي، من وجهة نظر الإمارات، وقد لا تكون ذاتها وجهة النظر السعودية التي يحكمها عامل الجوار الجغرافي مع المناطق اليمنية التي يشكلُّ فيها الحوثيون الكثافة السكانية الغالبة، وما يشكله هذا من تهديد مزمن على الأمن والاستقرار للمناطق والمدن الحدودية السعودية.
في واقع الانتشار العسكري، فإنّ دولة الإمارات ركزّت وجودها على جنوب اليمن، وشكلّت المزيد من القوات الموالية لها من أبناء جنوب اليمن ضمن إدارات مستقلة عن الحكومة اليمنية التي تتخذ من عدن عاصمةً مؤقتةً لها، بينما تركز القوات السعودية على المناطق الشمالية في مواجهة مباشرة مع قوات الحوثيين.
قد يُعطي الانسحاب الإماراتي من اليمن واللقاء بين وفدي الإمارات وإيران، فرصةً لظهور الخلافات مع السعودية على نطاق أكثر وضوحا، إلاّ أنّ ذلك لا يعني احتمالات تعرض التحالف الوثيق بين البلدين للخطر في ظلّ ما يواجهانه من تهديدات إيرانية مشتركة، وتهديدات أخرى من الجماعات الحليفة لإيران.
تبنّت الإمارات بمفردها سياسة الانتقال في اليمن من إستراتيجية الحسم العسكري إلى السلام عبر تسوية سياسية لإدراكها باستحالة الحسم العسكري، وهو ما تدركه السعودية أيضا.
لا شك في أنّ الانسحاب الإماراتي من اليمن سيتركُ المملكة العربية السعودية في حالة مواجهة مباشرة مع جماعة الحوثي في اليمن وتحميلها وحدها مسؤولية الأزمة الإنسانية المتفاقمة في اليمن إلى جانب جماعة الحوثي التي هي الأخرى تتحمل جزءا منها، حسب تقارير الأمم المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الانسحاب الإماراتي سيضع السعودية بمفردها أمام مهام عسكرية صعبة تتمثل في هزيمة جماعة الحوثي عسكريا من العاصمة صنعاء ومدن أخرى في شمال البلاد، كما ستتحمل أعباء أكبر فيما يتعلق بتأمين حدودها الجنوبية مع اليمن في محافظتي جازان ونجران.
في كلّ الأحوال، خلافا للإستراتيجيات السعودية في اليمن والتي تؤكد على إنهاء أيّ تهديدات محتملة يمكن أنْ تشكلها جماعة الحوثي المرتبطة بإيران، تبنّت الإمارات إستراتيجيات جديدة لا تتوافق مع الإستراتيجيات السعودية ظهرت بوادرها بعد الهجمات التي تعرضت لها ستُ ناقلاتِ نفطٍ في ميناء الفجيرة وبحر عُمان، وحرص الإمارات على عدم تصعيد التوترات مع إيران على خلفية هذه الهجمات وما تلاها من انسحاب جزئي من اليمن ولقاءات أجراها وفدٌ إماراتي مع مسؤولين عسكريين إيرانيين لأول مرة منذ عام 2013 لتعزيز الأمن الحدودي نهاية يوليو/تموز الماضي.
وستظلّ الإمارات، كما هي الدول الخليجية الأخرى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية، بما فيها دولة قطر، بحاجة إلى الدور السعودي الإقليمي والدولي بصفتها المظلة الأوسع التي تستظل بها الدول الخليجية سواء أمنيا أو عسكريا في مواجهة التهديدات الخارجية، أو سياسيا بدرجات متفاوتة تتعلق بتباين مصلحة كلّ دولة في صياغة علاقاتها بالدول الأخرى سواء داخل المنظومة الخليجية، أو العربية، أو خارجهما.