أطاح بقيادات كبيرة.. لماذا أعاد الأسد هيكلة الأمن العسكري؟
أثار إعادة رئيس النظام السوري بشار الأسد، هيكلة الأجهزة الأمنية الرئيسية وكبار قياداتها في البلاد، التي وصفت بأنها الأكبر منذ عام 2012 تساؤلات عدة، بشأن أهدافها وتوقيتاتها، وفيما إذا كانت جزءا من التنافس الروسي الإيراني في سوريا.
سؤال حاول موقع "ميدل إيست أي" في نسخته الفرنسية الإجابة عليه، حيث بيّن أن التغييرات الأمنية التي بدأها الأسد في 8 يوليو/تموز الجاري، تعد أكبر تعديل وزاري على رأس الجهاز الأمني العسكري منذ التعيينات عقب الهجوم الذي أدى إلى مقتل رئيس وحدة الأزمات التي تم تشكيلها لقمع التظاهرات في 18 يوليو/تموز 2012.
خمسة مناصب
وأشار التقرير إلى أنه في ذلك اليوم، استهدف تفجير مقر الأمن القومي في دمشق خلال اجتماع لكبار المسؤولين العسكريين والأمنيين في البلاد، ما أسفر عن مقتل رئيس أركان خلية الأزمة، الجنرال حسن تركماني، ووزير الدفاع داود راجحة، وصهر بشار الأسد، الجنرال آصف شوكت، ورئيس مكتب الأمن القومي، هشام إختيار.
وأوضح الموقع، أن التغييرات الأخيرة تتعلق بخمسة مناصب رئيسية، اللواء جميل الحسن، الذي يرأس جهاز المخابرات القوي التابع للقوات الجوية (الذي تمتد صلاحياته على كل الأرض السورية) منذ ثماني سنوات، تم شكره واستبداله بنائبه غسان إسماعيل.
كما تم استبدال الجنرال محمد ديب زيتون، رئيس أمن الدولة، باللواء حسام لوقا، الذي ترك منصب مدير الأمن السياسي للجنرال ناصر العلي، فيما كان التغيير الأبرز هو ترقية الجنرال علي مملوك، رئيس مكتب الأمن القومي، كنائب للرئيس للشؤون الأمنية.
يذكر أن اللواء مملوك وعقيد في الجيش السوري يدعى عدنان متهمان ومدانان من القضاء اللبناني بالقيام بـ"أعمال إرهابية" بواسطة عبوات ناسفة والتخطيط لقتل شخصيات دينية وسياسية في لبنان عام 2012.
شخصيات سنية
وأوضح "ميدل إيست آي" أنه تم إنشاء مكتب الأمن القومي في أعقاب مقتل أعضاء "خلية الأزمة" للإشراف على الأجهزة الأمنية المتعددة من أجل تحسين التنسيق لمواجهة الاحتجاجات، الذي تحول إلى قتال مسلح على مدار أشهر.
وأكد، أن علي مملوك أصبح أحد أبرز الشخصيات السنية في النظام، وتعيينه كنائب للرئيس جعله أقوى شخصية سنية في البلاد، وقد خلفه في منصبه السابق محمد ديب زيتون، وهو جنرال سني بعثي قريب من الرئيس الأسد.
ونوّه الموقع إلى أن هناك تغييرا آخر حصل، دون أن يلاحظه أحد تقريبا في وسائل الإعلام، وهو تعيين الجنرال علي تركماني، نجل الرئيس السابق لخلية الأزمة، مستشارا رئاسيا لشؤون الأمن، حيث تم إرسال هذا الطبيب الهادئ مؤخرا إلى الخارج في مناسبات عدة من رئيس النظام الأسد والجنرال مملوك.
ولفت "ميدل إيست أي" إلى أن هذه التغييرات الكبيرة أدت إلى تحليلات جدية أو مفرطة في بعض الأحيان في الصحافة العربية والدولية، إذ اعتبرت بعض وسائل الإعلام هذه التغييرات كجزء من صدام النفوذ بين روسيا وإيران من أجل السيطرة على الجيش والأجهزة الأمنية في سوريا، أو كجزء التنافس الجيوسياسي بين الحلفاء المفترضين في المنطقة.
فمن جهتها ربطت صحيفة "كوميرسانت" الروسية بين هذا التعديل الوزاري والاجتماع الأمني الثلاثي الذي عقد في إسرائيل للمرة الأولى، في 24 يونيو/حزيران الماضي، بين مستشاري الأمن القومي لإسرائيل والولايات المتحدة وروسيا.
هل الروس أقالوا الحسن؟
وتشير المصادر التي نقلتها الصحيفة الروسية اليومية إلى أن "إقالة" الجنرال جميل الحسن جاء بعد اجتماع تم في أواخر يونيو/حزيران في القنيطرة (الجولان)، والذي ضم الضابط السوري، وعسكريين روس، وممثلي الفيلق الخامس بالجيش السوري (القريب من روسيا) وضباط إسرائيليين.
وفي هذا الاجتماع الذي لم تؤكده دمشق أو موسكو أو تل أبيب، الجنرال الحسن، الذي وصفه العقيد فاتح حسون، أحد قادة المعارضة المسلحة السورية بأنه قريب من الإيرانيين، "لم يلب مطالب إسرائيل بسحب القوات الموالية لإيران من الحدود الإسرائيلية".
ولفت الموقع إلى أن هذه الرواية وجدت أيضا في مقال نشر بموقع المدن اللبناني، القريب من المعارضة السورية، كما تعتقد دوائر المعارضة السورية الأخرى في بيروت، أن الروس هم "المستفيدون الأكبر" من التغييرات الأمنية التي أجراها الرئيس الأسد، والتي تسمح لهم بالجلوس على حساب إيران "بعد أن فرضوا مرشحهم على رأس أركان الجيش السوري".
ويعتقد الجنرال اللبناني السابق إلياس، وهو خبير عسكري، وأستاذ في جامعات بيروت، أن التغييرات في سوريا تشير إلى "حقبة جديدة تتميز بتقديم الأمن على السياسة"، ويرى أن التعديل الذي جرى في 8 يوليو/تموز الجاري "يعطي اليد العليا لروسيا على حساب إيران".
وأضاف: إن "سوريا دخلت مرحلة جديدة ترى ظهور شخصيات جديدة من المحتمل أن تعزز موقف روسيا وتضعف نفوذ إيران، كل من يعيد هيكلة الجيش السوري سيكون له الكلمة الأخيرة".
كما أكد هذا الخبير في الوقت نفسه، أن الترويج لعلي مملوك لا يجعله "خليفة محتملا لبشار الأسد" من منظور الحل السياسي، مبينا أن "الرئيس الأسد لا يزال اللاعب الرئيسي الذي يعطي الشرعية للدور الروسي والإيراني في سوريا".
أقاله المرض
من جهته، رفض الخبير أمين حطيط، التحليلات التي تدرج التغييرات التي قررها بشار الأسد في سياق التنافس الروسي الإيراني، ويسخر هذا الجنرال السابق بالجيش اللبناني، الذي أشرف على مسار الخط الأزرق على الحدود اللبنانية الإسرائيلية أثناء انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان في عام 2000، من التقارير التي تفيد بأن جميل الحسن قد أقيل بناء على طلب من روسيا.
وقال حطيط: "لقد كان الجنرال الحسن مريضا منذ أكثر من عام، ولم يكن قادرا على أداء واجباته"، لدوره المزعوم في القمع في سوريا، يعاني من مرض خطير وتم نقله إلى لبنان للعلاج في فبراير/شباط الماضي، وقد طالبت السلطات الألمانية باعتقاله بسبب التهم الموجهة إليه، وأخيرا، تم إلغاء سفره إلى لبنان، "فحقيقة استبدال جميل الحسن بنائبه هي علامة على الاستمرارية".
ورأى الجنرال السابق، أن التعديل الوزاري الواسع الذي أجراه الأسد، بما في ذلك إنشاء منصب نائب الرئيس للشؤون الأمنية، هو الرغبة في إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية من أجل "مركزية أكبر وتنسيق أفضل. رئاسة علي مملوك الآن للشؤون الأمنية، تسمح للأسد بالتركيز أكثر على القضايا السياسية وقضايا إعادة الإعمار".
تحليلات متسرعة
وأكد، من جانبه "ميدل إيست أي" أنه على الرغم من أن العديد من وسائل الإعلام عرضتها بشكل استثنائي، إلا أن التغييرات التي قررها الرئيس الأسد لا تفاجئ الخبراء، أولا، لم يتم الدفع بأي شخصية جديدة، ففي الواقع التعديل كان تبادلا أو استبدالا للرؤساء بنوابهم.
كما جرت هذه التغييرات وفقا للجدول المعتاد في سوريا، حيث يتم تحديد الترقيات والتقاعد بمرسوم رئاسي في يناير/كانون الثاني، أو يوليو/تموز من كل عام، كذلك تظل الحقيقة أن الروس والإيرانيين، رغم قتالهم معا في نفس الخندق وضد نفس الأعداء، ليس لديهم بالضرورة أهداف أو أساليب مماثلة، فعلى سبيل المثال، لا يتبنون نفس الموقف فيما يتعلق بإسرائيل وهناك اختلافات بينهم حول العملية السياسية.
وأوضح، أن دبلوماسيين من البلدين التقوا في بيروت وأقروا هذه الاختلافات في وجهات النظر. ووفقا لهم، فإن روسيا ترغب في أن يقدم الأسد تنازلات سياسية، في حين أن الإيرانيين سيشجعونه على البقاء غير مرن.
ومن المعروف أيضا، بحسب الموقع، فإن روسيا تفضل العمل مع وحدات محددة من الجيش السوري، مثل "قوات النمر"، بقيادة اللواء سهيل الحسن، وفيلق الجيش الخامس، فيما حافظ الإيرانيون على علاقات ممتازة مع فرقة النخبة الرابعة في الحرس الجمهوري، بقيادة الجنرال ماهر الأسد، شقيق رئيس النظام.
وخلص "ميدل إيست أي" إلى أن القول بأن البلدين يفرضان مرشحيهما على رأس الأجهزة الأمنية أو فرق الجيش السوري يعد تسرّعا في استخلاص النتائج.