تراجع ترامب عن الضغوطات على تركيا بشأن منظومة الدفاع الروسية

رائد الحامد | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعتقدُ تركيا أنّها بحاجة إلى منظومة دفاع جوي متقدمة لاستخدامها في حال تعرض البلاد لأيّ هجومٍ خارجي، وتُعد منظومة الصواريخ الدفاعية أس-400 الأكثر تطوراً من نوعها في روسيا، ولها قدرة على تدمير الأهداف الجوية سواء الطائرات أو الصواريخ البالستية على مسافةٍ تصل إلى 400 كيلومتراً وارتفاع يصل إلى 30 كيلومتراً.

تتجنب تركيا أي ما من شأنه الإضرار بعلاقاتها مع الولايات المتحدة، لكنّها لم تتلق رداً أمريكياً على مقترحها بتشكيل فريق عمل مشترك تركي-أمريكي لتدارس أزمة صفقة الصواريخ الروسية "أس-400".

وتواصل الولايات المتحدة على لسان كبار مسؤوليها تحذير تركيا من "عواقب سلبية" إذا لم تتخل عن شراء منظومة الصواريخ الروسية التي تتعارض مع رغبة أنقرة في شراء طائرات الشبح الأمريكية "أف 35" المتطورة جداً، التي تحرص الولايات المتحدة على عدم بيعها إلاّ لحلفائها مثل إسرائيل وتركيا التي سبق أنْ وقّع البلدان صفقة شراء أعدادٍ منها ارتبط تسليمها حتى الآن بتخلي تركيا عن صفقة الصواريخ الروسية.

لكنّ الولايات المتحدة ستظلّ بحاجة إلى تركيا الحليف الإستراتيجي والعضو الفاعل في حلف شمال الأطلسي ووجودها ضمن هذا الحلف مع احتمالات تورط الولايات المتحدة بمواجهاتٍ عسكريةٍ مع إيران.

منحت الولايات المتحدة مهلةً زمنيةً تنتهي بنهاية يوليو/تموز للتراجع عن شراء المنظومة الروسية كونها تتعارض مع صفقة أمريكية لبيع طائرات "أف 35" إلى تركيا والشراكة في تصنيع بعض أجزائها، لكنّ تركيا لا يبدو أنّها ستتراجع عن شراء تلك المنظومة التي أعلنت إنّها في مرحلة الشحن إلى تركيا وأن جزءاً من قيمتها قد دُفعت فعلاً إلى روسيا.

ترى تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أنّ قضية منظومة الصواريخ الروسية "أس-400" هي قضيةٌ ترتبط مباشرةً بالسيادة التركية ولا تحتاج تركيا إلى الحصول على إذنٍ من أحد، كما أنّها لن ترضخ للضغوط الخارجية، وأنّ بلاده لن تتراجع عن شراء المنظومة الروسية التي سيبدأ تسليمها خلال هذا الشهر يوليو/ تموز.

في تصريحاتٍ للرئيس التركي تحدث عن أنّ بلاده قد دفعت بالفعل مبلغ 1.4 مليار دولار إلى شركة لوكهيد المصنِّعة لطائرات "أف 35" من أصل إجمالي مبلغ الصفقة الموقعة لشراء 116 طائرة.

ومع نهاية المهلة الزمنية الممنوحة لتركيا فإنّ طيارين أتراك يتدربون في الولايات المتحدة على طائرات "أف 35" سيعودون إلى بلادهم، كما أنّ عقوداً ممنوحة لشركاتٍ تركيةٍ لتصنيع أجزاءٍ من هذه الطائرة ستُلغى، بالإضافة إلى عدم تسليم الطائرات التي اشترتها تركيا من الطراز نفسه، وفق بيانات عن وزارة الدفاع الأمريكية.

لا تقتصر التحذيرات الأمريكية على تركيا إنّما تشملُ الهند أيضاً التي عقدت صفقة مماثلة لشراء منظومة الصواريخ الروسية.

التحذيرات الأمريكية تأتي وفق سياسة خارجية "قد" تأتي بنتائجَ عكسية على المصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في آسيا والشرق الأوسط جراء تدخلها في سياسات الدول الأخرى، تركيا والهند، التي ترفض الإملاءات الخارجية من منطلق الحفاظ على سيادتها وقرارها المستقل. 

من المؤكد أنّ كلاً من تركيا والهند ستواصلان تمسكهما بقرارهما السيادي في رسم سياساتهما الخارجية بما يخدمُ مصالح أمنهما القومي على الرغم من الصعوبات التي قد تواجهانها في عدم التوافق مع الإملاءات الأمريكية.

وعلى هامش قمة مجموعة العشرين "G 20" أجرى الرئيس الأمريكي مباحثات مع رئيس الوزراء الهندي في 28 يونيو/ حزيران الماضي لمناقشة سُبل تعزيز العلاقات الدفاعية والأمنية وقضايا أخرى تتعلق بالتجارة العالمية والملف الإيراني دون مناقشة ما يتعلق بالخلافات حول صفقة الصواريخ أس-400. 

يذكرُ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أنه يتفهم موقف نظيره الأمريكي من شراء منظومة "أس-400"، وأنه "اعترف" خلال لقائهما في أوساكا باليابان على هامش قمة مجموعة العشرين بأنّ أزمة الصواريخ ناجمةٌ عن "أخطاءٍ ارتكبتها إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي رفضت بيع منظومة الصواريخ الدفاعية الأمريكية (بتريوت)". 

قُبيل لقائه بالرئيس الأمريكي، التقى الرئيس التركي بنظيره الروسي لمناقشة قضايا ثنائية عدّة، منها شراء منظومة الصواريخ الروسية، التي أكدّ الرئيس التركي على أنّها تسير "دون تأخير" مع التشديد على حقِّ تركيا السيادي في اختيار مورديها بشكلٍ مستقلٍ بعيداً عن الضغوط الأمريكية. وكانت تركيا قد اتفقت مع روسيا مؤخراً على إشراك شركاتٍ تركيةٍ في عملية إنتاج منظومة "أس-400" الدفاعية. 

وعلى هامش قمة مجموعة العشرين التقى الرئيس الأمريكي في 29 يونيو/حزيران الماضي نظيره التركي ناقشا خلالها العديد من الملفات العالقة من منطلق رؤية الرئيس التركي بأنّ العلاقات بين البلدين هي "علاقات شراكة إستراتيجية وأنّها ستستمر".

ويعوّل الرئيس التركي على علاقاته الجيدة مع الرئيس الأمريكي في عدم اتخاذ أيّ إجراءاتٍ عقابيةٍ أمريكيةٍ تدعو إليها بعض قيادات الكونجرس ومسؤولون في الإدارة الأمريكية. لكنّ ذلك لا يعني انعدام احتمالات فرض عقوبات أمريكية على تركيا بالإضافة إلى العقوبات المعلنة بوقف توريد طائرات "أف 35" وإبعاد الطيارين الأتراك الذين يتلقون تدريباتهم في الولايات المتحدة.

وتحاول تركيا تجنب أيّ عقوباتٍ أمريكيةٍ يمكن أنْ تتسبب بتداعيات سلبية على الاقتصاد التركي الذي يعاني من مشاكل تراكمية وتراجع في أسعار صرف العملة المحلية في مقابل العملات الأجنبية.

سبق أنْ تحدث الرئيس التركي في 26 يونيو/حزيران الماضي وهو في طريقه إلى قمة مجموعة العشرين عن انطباعٍ خرج به من الاجتماعات مع الرئيس الأمريكي بأن الولايات المتحدة لا تنوي فرض أي عقوبات على تركيا، خلافاً لتصريحات أدلى بها مسؤولون أمريكيون عن احتمالات فرض عقوبات ثانوية بموجب قانون مكافحة خصوم أمريكا جاستا (CAATSA).

وعلى الرغم من الشراكة في حلف شمال الأطلسي واعتبار تركيا الحليف التاريخي للولايات المتحدة، إلاّ أنّ العلاقات بين البلدين لا تزال مثقلة بعددٍ من الملفات الخلافية مثل استضافة الولايات المتحدة للمعارض التركي المُتهم بالوقوف خلف المحاولة الانقلابية الفاشلة في يوليو/تموز 2016 فتح الله غولن، والدعم الأمريكي غير المحدود لوحدات حماية الشعب الجناح العسكري لحزب "الاتحاد الديمقراطي الكردستاني"، الذي تنظر إليه تركيا على أنه الفرع السوري لحزب "العمال الكردستاني" المصنف على لائحة الإرهاب في تركيا، والولايات المتحدة ودولٍ أوربيةٍ عدّة. 

تحتاج تركيا حفاظاً على أمنها القومي إلى قدراتٍ كفأة في الصواريخ الدفاعية مع تصاعد حدّة التوترات في دول الجوار والمنطقة جراء التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران إلى جانب مجموعة من التهديدات، سواء في جنوب البلاد الذي تنشط فيه مجموعات حزب "العمال الكردستاني" الذي يخوض قتالاً ضد الجيش التركي منذ عام 1984 أو امتداداته التي تنشط في سوريا على الحدود مع تركيا، وغيرها من التهديدات والتوترات في منطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.