الهجوم على الشعراوي.. بحث عن مجد ضائع أم طعن في ثوابت الدين؟

محمد ثابت | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"إبراهيم عيسى الآن في مثل النهايات، يحاول أن يستعيد بهارات إبهاره، بما بدأ به أولى كتاباته في مجلة روز اليوسف بانتقاد الشيخ الشعراوي رحمه الله، تلك الكتابة التي كانت فاتحة الخير عليه يومها، لعلها اليوم تنجي شمسه الصيفية من الغرق في الغروب".

كلمات كتبها المدون ياسر سليم على صفحته بـ"فيسبوك"، مقارنا بين عيسى وهو في "النزع الأخير" وبين الفنان الكوميدي الراحل إسماعيل ياسين عندما حاول "التشبث بتلابيب المجد الآفل فقام ببطولة مسرحية، اجتر فيها كل إفيهاته القديمة، وكل حركات فمه ووجهه التي بدأ ونجح بها، دون جدوى".

مضيفا: "لم يضحك الجمهور القليل الموجود في المسرح، وانصرف قبل أن تنتهي المسرحية، إيذانا بموت الفنان كوميدياً، فعاد خطوة أكبر للوراء، وسافر إلى لبنان يقدم في ملاهيها الليلية مونولوجاته، تلك التي بدأ بها في كباريهات القاهرة، وحتى هذه لم تفلح، فأدرك الفنان أنه آن له أن يموت، فمات مثقلاً بالديون".

"عبث" عيسى في دفاتره القديمة ليخرج كتاب "أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي حتى سلمان رشدي"، ويصور غلافه الأخير، وهو الكتاب الذي ألفه في 1994م قبل وفاة الشعراوي في 17 يونيو/حزيران 1998، متهما أفكاره بأنها تحض على القتل.

باحث عن الشهرة

عبر حسابه على موقع "تويتر" استبق عيسى الذكرى الحادية والعشرين لوفاة الشيخ الشعراوي، التي حلت في 17 يونيو/حزيران الجاري، وبدأ في شن حملة هجومية شديدة على الشيخ الراحل، الذي تجنب كعادته مع كل الخصوم الرد على هجوم عيسى أثناء حياته ليسخر الله له الملايين الذين يدافعون عنه اليوم ويردون على خزعبلات "عيسى" على وسائل التواصل.

عيسى زعم في تغريدته أنه لم ير "شيخاً يمثل مجموعة من الأفكار المناهضة للعلم إلا الشعراوي"، مضيفا "هذا بعض مما كتبته ونشرته عن الشيخ الشعرواي عام 1994 على عينه وفي عز شهرته ونجوميته وسلطته الجماهيرية".

وأمام ملايين المشاهدات لفيديوهات الشيخ الشعراوي، يبدو أن عيسى المولود في أرياف مصر بمركز قويسنا بمحافظة المنوفية في نوفمبر/تشرين الثاني 1965، يشعر بالنضوب والجفاف والضآلة.

عيسى الذي بدأ حياته المهنية منذ التحاقه بكلية الإعلام عام 1984، وهو يهاجم الشيخ الشعراوي على صفحات مجلة روز اليوسف الذي بدأ فيها كمتدرب، لم تخلو مؤلفاته التي قدمها للمكتبة العربية من الهجوم الحاد على الرموز الدينية، ومن بين هذه المؤلفات "مولانا"، "رحلة الدم"، "مريم التجلي الأخير"، و"رجال بعد الرسول، صلى الله عليه وسلم".

اعتمد عيسى في مزاعمه حول الشعراوي على غلاف كتابه "أفكار مهددة بالقتل من الشعراوي إلى سلمان رشدي"، مدعيا أن الشيخ الراحل "يستخدم كل المنح الربانية التي أنعم بها عليه فيما يخدم التطرف".

عيسى قال: "سألوني، هل بينك وبين الشيخ الشعراوي شيء؟ قلت أبدًا، إنه شيخ جماهيري، واسع النفوذ والتأثير، ومن ثم فإن أيًا من آرائه تصبح ذات أهمية كبيرة لأنها ذات تأثير أكبر. مضيفا: "إنكم تصدقونه، فحين أراه مخطئًا، أسارع وأفند وأناقش وأحيانًا أهاجم، بل والحق يقال، إن الرجل يدفعني دفعًا إلى الخلاف معه".

دك الحصون

الهجوم الضاري من عيسى على الشعراوي جعل محبيه يتساءلون على مواقع التواصل: لماذا لا ينتقد عيسى أحد قساوسة الكنيسة؟ ولماذا لا توجد له رواية عن الراهبات أو فقرات من الإنجيل؟.

وأضاف محمد سعد الأزهري، بأن "مواقفه (عيسى)  تبدو من الدين الإسلامي في حد ذاته لا من التدين، ومن رموز الدين لا من الرموز في حد ذاتها، ومن دين الإسلام لا من غيره من الأديان".

أما الدكتور محمد عباس فقال في تغريدة: "يبدو أن الدولة العميقة أعطت الضوء الأخضر للهجوم عليه (الشعراوي) هدما للإسلام…. حذاؤه أنظف من رؤوسكم وأطهر من قلوبكم".

فيما قال مغرد آخر: "‏‎لقد نجح الشيخ في دك حصون المنافقين والشيوعيين وكان يملك أسلوب عرض بسيط ومفهوم استطاع من خلاله أن يوصل فكرته للعامة والخاصة وهؤلاء الساقطون يظنون أنهم بهجومهم عليه صاروا ندا له، نقول لهم ما ضر بحر زاخر إذا ما ألقي فيه غلام بحجر…".

فيما دوّن رامي جمال أبو مكة: "أستاذ إبراهيم، الشيخ الشعراوي -رحمه الله- عمره ما كان يستخدم المنح الربانية لخدمة التطرف، لو كان في شيء الشعراوي غلط فيه فكلها اجتهادات الله يجزيه بها سواء صح أو غلط، لكن أعداء الإسلام (يوجد بعض مسلمين ظاهريا لكن من داخلهم الله أعلم بهم) هم من يحاولون تشكيكنا في ديننا وفي مشايخنا".

حالة إيمانية

وعلى ذكر مواقع التواصل الاجتماعي، رد الأزهر عبر صفحته الرسمية على فيسبوك بمقطع فيديو عن سيرة الشعراوي باعتباره واحدا من رموز الأزهر والدعوة الإسلامية، وأضافت الصفحة:  "إذا تكلّم (رحمه الله) شَنَّف الآذان بحديثه العذب الرقراق، تجمعت حوله القلوب، وأحاطته بمشاعر الحب والتقدير، إنه صاحب الخواطر حول كتاب الله".

وهو الرد الذي رأه كثيرون غير واف ولا كاف، وجعل محمد عبد الرحيم الشعراوي الحفيد الأكبر  للإمام الراحل، يقول خلال مداخلة هاتفية ببرنامج "حضرة المواطن"، المذاع على فضائية "الحدث اليوم": "إمام الدعاة كان يمثل الدين في ظاهره وباطنه، وكان يطبق الدين في كل تصرفاته سواء في معاملته للضيوف أو مع أهله وأصدقائه".

واختتم كلماته بالقول: "الهجوم على جدي سيثاب عليه عند الله و له الأجر ولهم ما يستحقون من الله".

تكرار الهجوم على الشعراوي جعل عمرو أديب رغم هجومه الدائم على الإسلاميين والإخوان يقول الجمعة 14 من يونيو/حزيران الجاري في برنامجه "الحكاية" على قناة إم بي سي مصر:" لا أحد يفهم سر الهجوم على الشعراوي الآن، وحالة الهستريا الموجودة عليه هذه الأيام".

فيما قال الداعية المقرب من سلطة الانقلاب خالد الجندي عبر برنامجه التلفزيوني: "إن حملات الهجوم على الشعراوي تتجدد من جهات مشبوهة كإعصار تسونامي، وورائها خطة ممنهجة لضرب الثوابت الدينية والرموز الإسلامية، حتى تخرج الأجيال المقبلة لا تعرف شيئًا عن الدين، الشعراوي هو من أعادنا إلى القرآن، وعمل صلحا ما بين المجتمع واللغة العربية وعلم النفس والطعن فيه طعن في الوطن مصر، وبالتالي مهاجمي الشعراوي يريدون أجيالا لا تحترم علماءها".

هجوم متكرر

منذ ذيوع وانتشار تفسير الشيخ الشعراوي للقرآن الكريم والهجوم عليه متواصل، في نهاية عام 2016، بدأ الإعلامي مفيد فوزي الهجوم على الإمام، ما دفع الكاتب جمال سلطان، رئيس تحرير المصريين للكشف عن سبب الهجوم قائلا: الإمام طرد فوزي أثناء إجراء حوار معه، بعد أن راح فوزي يحدث الإمام على أنه مدان ومتهم ومطلوب منه الدفاع عن نفسه، ما دفع الشعراوي لوقف التسجيل وتعنيفه وبشدة، ووقف الحوار".

وفي العام الماضي شن عدد من أدعياء العلم والتنوير في مصر هجوما على الشيخ الراحل، منهم الصحفية فريدة الشوباشي التي دعت على الرئيس الراحل محمد أنور السادات لأنه أتى بالشيخ الشعراوي، زاعمة أن الشعراوي من أدوات تفتيت الوطن العربي.

أما الشاعر والصحفي أحمد عبد المعطي حجازي فسخر من سجود الشعراوي لله عقب هزيمة يونيو/حزيران 1967م، وهو السجود الذي فسره الشعراوي في حياته بأنه لم يكن يريد أن يفتن الناس في دينهم لانتصار مصر في الحرب بعد ابتعادها عن الإسلام واتباعها النهج الاشتراكي.

أما الدكتور أحمد رشوان، الأستاذ بكلية التربية في جامعة دمنهور، فاتهم الشيخ الشعراوي بأنه "دجال"، مما دفع برئيس الجامعة لإحالته للتحقيق مع الاعتذار والاعتداد بمكانة الشعراوي.

"في نور القرآن"

يعد الشعراوي، رحمه الله، من أبرز الدعاة لله، وهو صاحب أول تفسير صوتي لكتابه، مع قدرة على التعبير وإفهام الناس بمختلف مستوياتهم الفكرية، ولد في 15 من أبريل/نيسان 1910م لأسرة متوسطة بدقادوس في مركز ميت غمر بمحافظة القليوبية، ينتهي نسبه للإمام الحسين، رضي الله عنه.

حفظ الشعراوي القرآن الكريم في العاشرة من عمره، وتلقى تعليما أزهريا حتى نال الإجازة من كلية اللغة العربية عام 1941، وشهادة الدكتوراه مع إجازة التدريس عام 1943، ولم يكن رحمه الله معنيا بكتابة الكتب وأبرزها التفسير، وإنما جمعها مريدوه.

وعن تفسيره كان الراحل يسميه: "خواطر الشعراوي حول القرآن الكريم"، وحينما سئل عن ذلك قال: "لأن القرآن الكريم أكبر من أن يفسره بشر، ولو شاء الحق سبحانه أن يتم تفسير القرآن بواسطة أحد من البشر، لكان أولى البشر بذلك هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم الذى أُنزل القرآن على قلبه".

مضيفا "الرسول لم يفسر إلا الآيات التي تختص بالأحكام الشرعية والتى لا تختلف فى عصر دون عصر.. أما أسرار الآيات الكونية فقد تركها للزمن الآتي ولنشاطات العقل البشري".

عد كثيرون الشعراوي من مجددي الإسلام في القرن العشرين، ولقبوه بإمام الدعاة في عصره، وتوفاه الله في 17 يوينو/حزيران 1998م، وتم دفنه خلف "مجمع الشعراوي" الذي بناه لأهل قريته دقادوس.

وعن هجوم عيسى على الإمام الشعراوي قال الدكتور نبيل الفولي أستاذ العقيدة الإسلامية بجامعة محمد الفاتح بإسطنبول لـ"الاستقلال": "غالبا إبراهيم عيسى مدفوع من آخرين للتعرض إلى الشيخ الشعراوي، خاصة مع توالي الهجوم عليه بعد الصحفية فريدة الشوباشي، رغم أن الشيخ لم يكن يرد على أحد يتعرض طيلة حياته خاصة المغرضين منهم".

ويضيف أستاذ العقيدة: "الأمر يتعدى الهجوم على الشعراوي لمحاولة الهجوم على كلام الله نفسه، وبرأي بعض المعاصرين فإن هناك سعيا لدى بعض الأنظمة، لتقديم إسلام أشبه بالمسيحية، أي بلا شرائع ومنهج حياة، وعند محاولة تمرير مثل هذا الأمر تصطدم بتراث الشيخ الشعراوي، ورغم أن الشباب لم يعودوا يستمعون للراحل مثل ذي قبل، إلا أن كلمات عيسى تدفع كثيرين منهم للاتجاه المضاد تماما، أو البحث عن فيديوهات الشيخ للاستماع إليها.

ويؤكد الفولي إن احتمالات أن يكون الانقلاب يعمل على إلهاء الناس ببعث كلمات أمثال عيسى واردة، ولكن أفكار الشيخ البسيطة والجيدة على اليوتيوب تقول بأنه مايزال حيا لدى الملايين، ولذلك فهو يغيظ النظام القمعي وأمثال عيسى، ويكفي أن نتجول في بعض فيديوهاته: فـ"موسى والخضر" شاهده 3 ملايين، سورة الواقعة 2.3 ملايين، قصة يأجوج ومأجوج 1.3 ملايين، وحلقة ممنوعة عن الحكام العرب 6 ملايين مشاهد!

أما الدكتور مجدي شلش، أستاذ أصول الفقه بجامعة الأزهر سابقا فيقول: في رأيي أمثال إبراهيم عيسى لا قيمة لهم لكي نبرزهم ونرد على سفاهاتهم وكلماتهم، وما قاله كلام تافه، والرد عليه يجب الاكتفاء فيه بخطوط عريضة، وعيسى مثله مثل الإعلاميين أحمد موسى وخالد صلاح.. أي أصحاب أجندات انقلابية فلا ينبغي أن يجرونا إلى مساحاتهم الفارغة، فالأهم لدينا قضايانا السياسية والمتعلقة بالشأن العام".

وأضاف لـ "الاستقلال": "أمثال عيسى معروف لدى الجميع، فلن يؤمن بكلماته إلا أولئك الذين يريدون ذلك، ممن هم على شاكلته، ولكن الجيل الجديد ربما لا يعرف الشيخ الشعراوي على النحو الكافي، ولكن هل يصلح هنا أن نتذكر نحن أنفسنا الشيخ في مثل هذه المواقف والمهاترات؟ لابد من إستراتيجية كبيرة لدى دعاة الحق تذكر أمثال الشعراوي وتذكر الناس بهم والشباب كل حين، لا انتظارا لكلمات سفيهة من أمثال عيسى".