إستراتيجية الحرب الناعمة وتدمير التعليم

فاطمة الوحش | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

تعاني الأمة العربية من الاستعباد السياسي والاجتماعي والتميز العشائري، وعدم وجود العدل في توزيع الكيانات السياسية والاجتماعية، بل إن حجم الاهتمام بتوزيع السلطة والثروة بين المجموعات المختلفة والأشخاص هي التي تهيمن على طبيعة هذه العلاقات وتدعمها، وتتحد هذه لتؤثر في نموذج السلطة القائم. سأحاول قراءة المشهد العربي من الجانب التعليمي.

إن السياسة التعليمية في العالم العربي تعيش في كنف السلطات الحاكمة ويتم التنفذ بها وتعطي انطباعا بهشاشتها كما أنظمتها، فالمواقف الهشة هي الطابع السائد في قطاع التعليم، لأنه يتم تحديدها طبقا للالتزامات الإيديولوجية المعلنة وبدون أي اعتبار للمضامين العلمية التي تعنى بتنمية الموارد البشرية والتطور والنماء، إنما بقيت أسيرة السياسة، مما أدى إلى إهمال الاحتياجات المحلية التنموية وقبول إصلاحات سياسية في سياق دولي وبقيت عاجزة أن تخاطب المشاكل الفنية الذاتية. وهيمن الخطاب السياسي على السياسات التعليمية فأوجد الفجوة بل أظهر الخلل الحقيقي الذي ولد صراعا في أحقية الدولة بوضع يدها على التعليم ورسم أبجدياته.

إن فتح المجال للسياسة باختراق التعليم فتح المجال لما يسمى بالدول المانحة والحكومات الأجنبية لاختراق والسيطرة على التعليم في بلداننا؛ لأنها أجبرت دولنا العربية على الدخول في علاقة مع المؤسسات السياسية والاقتصادية والثقافية العالمية، التي لها أجنداتها وأفكارها مما أثر تباعا على مجمل العمليات والقطاعات الثقافية، مما أشكل في عملية البناء لأنه أحدث التسييس العام لكافة القطاعات العامة وهذا ما تم التعبير عنه بظاهرة الفساد المتفشية في أروقة الدول العربية. فأصبح التعليم العربي بمفهومه العام لا ينبع من رؤية تربوية ناتجة عن إيديولوجية وهوية ثقافية عربية إسلامية، وإنما تبنى على سياسة الدولة وحجم تبعيتها وتنازلاتها فهي تنهج ما يسمى تأجير التعليم وتقديم الهوية الثقافية تبعا لها إلى الآخر المانح أو المستأجر الأمر الذي يولد الظواهر الثلاث وهي:

  • الاستغلال الذي يسمح للآخر بالتدخل والتبديل والتغير في مضامين الهوية الثقافية والبنية المعرفية للبلاد، فتكون الفرصة الذهبية للإحلال والإبدال في الثقافة، وهو شكل احتلالي خطير لأنه تدمير لهوية الإنسان العربي وتاريخه ولغته ووعيه الكامل.
  • الاستقطاب: فهم يسعون إلى صناعة النخب التي تتجاوب معهم في منطلقاتهم الفكرية والعلمية التي ستكون سندا ومثبتا لهم في أفكارهم وأهدافهم.
  • التفاوت: وهو صناعة الطبقية المجتمعية بإيجاد فئات اجتماعية ذوات دخل وقيمة مالية ونخب اجتماعية ذات تأثير بين الأفراد والمؤسسات الممولة من الخارج!

 كل هذا يوجد حالة من التفكيك الداخلي، والاندماج مع الخارج المشوه، ويصنع حالة من تخلف في جميع القطاعات وتهميش السكان لإعادة إنتاج بلدان الجغرافيا السياسية.

إن الغرب وجد نفسه من خلال دعم هذه الأنماط السياسية والاجتماعية بأسلوب اختراق رأسي للتعليم، لأنه يشكل اللبنة الأساسية في البناء وأن انهيارها سيولد حالة من الفوضى التي لا يمكن التكهن بنتائجها. إن استبدال فلسفة المساعدات الاقتصادية المباشرة بفلسفة الهيمنة على الثقافة وإيجاد النخب الأرستقراطية على حساب النخب المعرفية العقلية وإظهار التمدن المزيف، ينتهك الثقافة ويسوق للعدمية ويدمر الهوية.

فكانت البداية إبعاد صورة الأمة العربية من وعي الإنسان العربي والعمل على توظيف الممارسة الثقافية المتعالية لبعض الفتاوى الدينية ذات الأثر الاجتماعي التي كثيرا ما تتجاهل القيم الأساسية المكونة للمجتمع في محاولة للاستحواذ على الفكر الإنساني وقلب للحقائق التاريخية.

إنها التربية القهرية الدكتاتورية السلطوية المسيسة في إطار من قرار من الأنظمة العربية التي تقوم على إخضاع الفرد وكسر شوكته وجعله ميالا للاستسلام والخنوع والتقبل، مؤثرا بأساليب النفاق والمجاملة والمسايرة السطحية من تعدد الولاءات للفرد وتحويل الأديان إلى طوائف وإلى مذاهب وإلى زعامات مليشياوية متناحرة، إنها ظاهرة لا تأثير وإنما التأثر بالكلمة الملفتة لتصنع حالة من التناقض في الوعي والعجز عن التفريق بين الاختصاصين التعليمة أو السياسية. 

لا يوجد أكثر مما يخدم الصهيونية والغرب من نشر قيمهم والسيطرة على العقل العربي ومستوى النخب من أبناء الأمة، إنها صناعة مراكز قوى المتنفذة في البلاد التي تقلل من قيمة الدولة بسياسات الاختراق الثقافي في عالمنا العربي الذي نعيش.