لاعبون يقاومون الإسلاموفوبيا في الغرب.. محمد صلاح نموذجا

محمد ثابت | 5 years ago

12

طباعة

مشاركة

"مشاركة مو (محمد) صلاح في نادي ليفربول أظهرت للمشجعين والرأي العام بشكل عام أن لاعبي كرة القدم المسلمين يمكن الإعجاب بهم وحبهم والتعلق بهم". هكذا قال إمام عطا مدير مؤسسة "تيل ماما"، الموكل إليها تسجيل حوادث العداء ضد المسلمين في بريطانيا في تقرير نشرته جريدة "التايمز" البريطانية في 5 يونيو/حزيران 2019.

وتزامنا مع كلمة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب في احتفال ليلة القدر في 2 يونيو/حزيران الجاري، وتأكيده بأن "الإسلاموفوبيا ظاهرة إعلامية غريبة تستهدف صناعة التخويف من الإسلام"، كشفت دراسة لجامعة ستانفورد البريطانية، أنه منذ توقيع لاعب كرة القدم المصري محمد صلاح للعب مع فريق ليفربول الإنجليزي في صيف 2017، قلت جرائم الكراهية ضد المسلمين في مدينة ليفربول بنسبة تقارب 19%.

وقاد صلاح ليفربول إلى الفوز ببطولة دوري أبطال أوروبا "الشامبيونزليج" بعد غياب الأخير عنها 14 عاما، ومع حرص صلاح على السجود بأرض الملعب عقب كل هدف يحرزه، ما جعل أطفال ومراهقين بريطانيين يحرصون على تقليده في السجود عقب كل هدف، بالإضافة إلى أن تغريدات جماهير ليفربول المعادية للإسلام انخفضت 50 بالمائة.

وفي مقاطعة ميرسي سايد البريطانية ومنذ وصول صلاح للعب مع فريق ليفربول، تقلصت ظاهرة كراهية الإسلام وتغيرت اتجاهات تفكير وسلوكيات الأفراد الإنجليز في المقاطعة نتيجة سلوكيات صلاح كمسلم محبوب من الجماهير، حسب الدراسة الأكاديمية.

ويعد صلاح ثالث لاعب عربي يساهم في تحقيق فوز لفريق غربي في دوري أبطال أوروبا بعد الجزائري رابح ماجر مع فريق بورتو البرتغالي في نهائي 1987 أمام بايرن ميونخ الألماني حيث سجل هدفا بكعب رجله ليصبح أول لاعب عربى فى التاريخ يفوز بدورى أبطال أوروبا.

ثم يأتي المغربي أشرف حكيمي لاعب ريال مدريد الإسباني، كثاني لاعب عربي يفوز بـ "الشامبيونزليج"، حينما فاز باللقب مع فريقه العام الماضي 2018 بعد فوزه على ليفربول الإنجليزي 3ـ1 في النهائي.

قوى ناعمة

بوجه عام يرى البعض أن ظاهرة الإسلاموفوبيا في الغرب تتجاوز الجانب الديني العقائدي التخويفي من الإسلام إلى العنصرية الخالصة الهادفة إلى فرض السيطرة الغربية على العالم الإسلامي، وبالتالي تشويه صورته أمام الغربيين.

ظاهرة التخويف من الإسلام الغربية إذن، والتي تغذيها أحيانا تنظيمات متطرفة تنتسب إلى الإسلام كذبا مثل القاعدة، وتنظيم الدولة، يدحضها وجود نماذج مسلمة ناجحة في الغرب، ومنها صلاح.

فصلاح وأمثاله يمثلون حائط صد ضد تنامي الكراهية الغربية والأحداث الإرهابية ضد المسلمين، لعل آخرها مجزرة مسجدي نيوزيلندا، التي نفذها متطرف أسترالي وحصد فيها أرواح 50 مسلما، ومثلهم من الجرحى أثناء أدائهم صلاة الجمعة في مارس/آذار الماضي.

سؤال صلاح عن مكان وجود صديقه محمد أبو تريكة "الماجيكو" عقب تتويج ليفربول بالبطولة الأوروبية كان موفقا للغاية ودليل على الحب والتعلق بالنجم المصري الذي سبقه في مشوار كرة القدم والمشهور بأخلاقه وسلوكياته الرفيعة، وعقب المباراة التقط النجمان الصور التذكارية معا.

لم ينس العالم لقطة تضامن أبو تريكة مع غزة أثناء قصفها في 2008، فبعد تسجيله هدفا في البطولة الإفريقية لكرة القدم كشف تريكة عن الشعار المطبوع على الـ "تي شيريت" مكتوب عليه "تعاطفا مع غزة".

تريكة كرر الأمر نفسه بتي شيرت مكتوب عليه "لبيك رسول الله"، أثناء نشر الرسوم المسيئة للرسول، صلى الله عليه وسلم، في 2008 أيضا.

أبو تريكة تم اختياره عالميا كسفير لبرنامج الأغذية للأمم المتحدة لمحاربة الفقر، بعد تبرعه بأموال لإنشاء مسجد في غانا 2008، وآخر في رواندا في 2009.

ولد صلاح عام 1992، في قرية "نجريج" التابعة لمركز بسيون بمحافظة الغربية شمالي مصر، وفاز بجائزة أفضل لاعب في إفريقيا عامي 2017 و2018، وقاد المنتخب المصري إلى نهائيات كأس العالم في موسكو بعد غياب 28 عاما.

نجح صلاح مع لاعبين آخرين مسلمين في تغيير الصورة النمطية عن المسلمين في الغرب وتحول الهتاف المضاد للإسلام في الملاعب فترة الثمانينيات والتسعينيات، إلى آخر مشيد به.

من هؤلاء اللاعبين: بول بوغبا لاعب "مانشستر يونايتد" المتبرع من راتبه بمبالغ  لصالح جمعيات خيرية، ورياض محرز لاعب "ليستر سيتي" ثم "مانشستر سيتي"، ونغولو كانتي لاعب "تشلسي"، ومسعود أوزيل لاعب "أرسنال"، وبابا توريه لاعب "مانشستر سيتي"، وإسلام سليماني في "نيوكاسل" وغيرهم.

إيجابية فورية

الأكاديمي المصري في الخارج السيد أبو الوفا يقول: "غنيٌّ عن التذكير بأن الإسلاموفوبيا، أو الرهاب من الإسلام، حالة من الخوف المبالغ فيه وغير المنطقي، أمام ظاهرة تعتري المجتمع الغربي نتيجة خلل في الصورة النمطية التي تقدمها الدوائر الفاعلة عن الإسلام، ما يؤدي إلى حالات كثيرة من الفزع الشديد والشك والقلق والحقد والكراهية، وربما العداء السافر للإسلام والمسلمين".

ويضيف الأكاديمي المصري لـ "الاستقلال": "بالنظر لدور المشاهير خاصة لاعبي كرة القدم في التأثير على مثل هذه الظاهرة داخل المجتمعات الغربية إيجابًا، فإن الوقوف على دور لاعبي الكرة مثل محمد صلاح ومحمد أبو تريكة نموذجًا يبدو منطقيا لأسباب عديدة".

متابعا: "لعل أولها الدور الآني الذي تلعبه هذه الفئة والنتائج الفورية التي تجنيها بصورة ملموسة في التأثير على جماهيرها المحبة والعاشقة لأدائها ونجاحاتها داخل المستطيل الأخضر، خاصة حين تثبت وعيا وتمسكا بمظاهر تدينها البسيطة كسمت السجود وحجاب الزوجة، والأخلاق الحميدة في التعامل مع لاعبي الخصم".

ويؤكد أبو الوفا: "بعد هؤلاء اللاعبين عن السياسة والأدلجة من الأهمية بمكان لمخاطبتهم جماهير غفيرة بتوجهات مختلفة ومتنوعة، بالسلوك الفاعل، والنجاح الأكيد والتعايش السلمي الباني والمشاركة في سلسلة من النجاحات التي يحققها أعضاء فريق كرة القدم بمشاركات هذه الفئة المميزة من اللاعبين".

ويختتم الأكاديمي المصري كلماته بالقول: "أخلاق أمثال صلاح وأبو تريكة تغير الصورة النمطية عن دين هؤلاء اللاعبين ولكن تبقى أسئلة ملحة أولها: هل يدوم تأثير هؤلاء زمنيا أم يذهب الوقت به؟ وهل ستسمح المجتمعات الغربية لهما بمزيد من الازدهار؟".

المسئولية فردية

أما الأستاذ المشارك بجامعة المدينة العالمية في ماليزيا عبد الله رمضان فيقول: "من المهم أن نظهر للآخر ما لدينا من قيم إنسانية وتسامح، وهذه مهمة يمكن أن يقوم بها كل مسلم مهما كان تخصصه، فقط يجعل أخلاق الإسلام تظهر في تصرفاته، ويا حبذا لو كان هذا الشخص بارعا في مجال من المجالات التي لها علاقة بالجماهير الغربية أو تقع في دائرة اهتمامه، ككرة القدم".

ويضيف في حديثه مع "الاستقلال": "نموذج اللاعب المصري العالمي صلاح خير مثال على إظهار قيم الإسلام بشكل عفوي لا اصطناع فيه، لأنه من طبيعة اللاعب نفسه هذا أولا، والتميز الكبير في مجاله جعله محبوبًا ومن ثم أعطى صورة إيجابية عن المسلم المبدع المجتهد الحريص على التميز الذي أصبح من أسباب إسعاد هذه الجماهير، فذلك كله يحد من ظاهرة الخوف من الإسلام، ويجعل صورة المسلم لدى الآخر هي تلك الصورة المشرقة".

ويؤكد رمضان أن المسئولية فردية قبل أن تكون على مؤسسة من المؤسسات أو حكومة من الحكومات العربية والإسلامية، ولعل فردية المسئولية ما يضفي عليها قبولا أكبر لعدم ارتباطها بأي نوع من المصالح المتصارعة، فقط أنا مسلم متميز في تخصصي ألتزم بأخلاق الإسلام، هذه هي القدوة الحسنة التي تحد من كراهية الإسلام وتؤلف قلوب الجماهير".