انتحار اليمنيين.. حالات فردية قد تتحول إلى ثقافة مجتمعية

آدم يحيى | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

ألقت الحرب والأزمة الاقتصادية بظلالها على أوضاع اليمن، منذ انقلاب الحوثيين في سبتمبر/كانون الأول 2014، ثم شن التحالف بقيادة السعودية، عملية عسكرية في مارس/آذار 2015، فإلى جانب الآثار الاقتصادية وانعدام الخدمات الأساسية، انقطعت الرواتب أيضا.

لم يتلق نحو مليون ومائتي ألف موظف، هم قوام الجهاز الإداري للدولة رواتبهم، منذ سبتمبر/ أيلول 2016، وتسبب ذلك بحرمان ستة ملايين فرد من أسرهم من الحق في الحياة الكريمة في حدودها الدنيا.

تسبب ذلك التدهور الاقتصادي والمعيشي بحدوث حالات انتحار في أوساط المواطنين، سواء في المدن أو في القرى و الأرياف اليمنية، وقد شهدت حالات الانتحار تصاعدا لافتا، منذ انقلاب الحوثيين على الدولة، وانطلاق العملية العسكرية التي شنها "التحالف"، مخلّفة أزمة إنسانية هي الأسوأ في العالم، بحسب تقارير دولية.

لا يخلو شهر من ورود جملة من الأخبار الموثقة بالصور ومقاطع الفيديو التي تتضمن حالات انتحار بين أوساط الشباب والنساء، السيدات على وجه الخصوص.

لا توجد إحصائية حديثة ورسمية بعدد حالات الانتحار في اليمن، نظرا لغياب المؤسسات الرسمية للدولة، غير أن منظمة الصحة العالمية كانت قد نشرت تقريرا لها في 2014، أي قبيل انقلاب الحوثي على الدولة، يفيد بأن اليمن يأتي في المركز الرابع عربيا في معدلات الانتحار، بواقع 3.7 لكل مائة ألف حالة.

إلا أن حالات الانتحار شهدت تصاعدا ملحوظا ارتبط بتدهور الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطنين، ولاسيما بعد انقطاع الرواتب منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وفقدان آلاف الموظفين لأعمالهم ووظائفهم.

قرار بإنهاء الحياة 

وكانت سيدة أربعينية، قد انتحرت مع طفلتيها (أريج تسع سنوات) و (إيمان 10 سنوات) بجرعة سم قاتلة، بمديرية السدة شرق محافظة إب، بعد تردي الأوضاع المعيشية، ووصول المرأة لحد العجز، بحسب موقع "الصحوة نت"، وكانت الأم قد اضطرت للانتقال من صنعاء إلى القرية، غير أن تدهور الأوضاع الاقتصادية المستمر وحالة العوز وقلة الحيلة دفع المرأة لاتخاذ ذلك القرار، خصوصا بعد انفصالها عن زوجها وعدم قدرتها على إعالة ابنتيها. 

وتأتي هذه الحادثة، بحسب "الصحوة نت"، بعد أيام من انتحار اثنين من أبناء مديرية حزم العدين شنقا بحادثين منفصلين نتيجة تردي الأوضاع الاقتصادية، وانتحار ضابط رفيع بالجيش من أبناء مديرية النادرة شرق محافظة إب نتيجة تدهور وضعه المعيشي وتوقف مرتبه منذ أشهر عدة.

وفي يناير/تشرين الأول الماضي، قرر شاب عشريني الانتحار، برمي نفسه من الدور العاشر في برج الأطباء بميدان التحرير في صنعاء، وأظهرت كاميرات التسجيل  الشاب وهو يجري مسحا للمكان قبل أن يلقي بنفسه ويلقى حتفه على الفور.  

ولم يتسنَّ لـ"الاستقلال" الوقوف على الأسباب الحقيقية لانتحار الشاب، غير أن وسائل صحفية وإعلامية نقلت أن الشاب كان يعمل معلما، وانقطع راتبه منذ نحو ثلاثة أعوام، وقد تلقى، قبيل الانتحار، إخطارا من قسم الشرطة بسبب شكوى تقدم بها صاحب البقالة في الحي الذي يقطن فيه لعدم سداد الديون المتراكمة عليه منذ أشهر طويلة، إضافة إلى مطالبة مالك المنزل بدفع الإيجارات المتراكمة والإخلاء الفوري للمنزل.

وقد قللت وسائل إعلامية تابعة للحوثيين من شأن الحادثة، وقالت: إن "الرجل كان يعاني من حالة نفسية سيئة، لا علاقة لها بالراتب أو بالأوضاع الاقتصادية".

فصل واستبدال

الجدير بالذكر أن الحوثيين، منذ سيطرتهم على مؤسسات الدولة، قاموا بإفراغ البنك المركزي من الاحتياطي النقدي الذي يتعدى خمسة مليارات دولار، وسيطروا على موارد الدولة، وقاموا بتحصيل العائدات المالية كالجمارك والضرائب، وفي المقابل امتنعوا عن دفع المرتبات لموظفي الدولة في المدن الخاضعة لسيطرتهم منذ سبتمبر/أيلول 2016، ما تسبب بحرمان نحو مليون ومائتي موظف من مرتباتهم.

وقد فقد الآلاف من العاملين في الجهاز الإداري للدولة وظائفهم وأعمالهم، إضافة إلى العاملين في القطاع الخاص، وفصل عدد كبير منهم من الوظيفة على يد جماعة الحوثي، وتم إحلال عناصر موالية للحوثيين مكانهم.

وكانت جماعة الحوثي، قد قامت بفصل 43 ألف موظف من الجهاز الإداري للدولة تنفيذا، لما أسمته "التعميم المشترك" رقم 28 لسنة 2018، وإحلال عناصر موالية لها، وقد جاءت تلك الخطوة استجابة لخطاب سابق لزعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، والذي دعا إلى "تطهير" مؤسسات الدولة ممن أسماهم "المرتزقة والخونة الموالين للعدوان".

وقد طال سوء الأوضاع المعيشية وانقطاع المرتبات جميع موظفي الدولة، بما فيهم الأكاديميون والأساتذة الجامعيون والصحفيون والمدرسون ومعظم العاملين في الوظائف الحكومية أو القطاع الخاص، وقد عمد البعض إلى ممارسة بعض الأشغال الشاقة، بما فيهم أكاديميون امتهنوا العمل في المخابز ومعامل الطوب وغسيل السيارات.

أسباب الانتحار

في الحديث عن تصاعد أسباب الانتحار، تقول الاختصاصية النفسية، الدكتورة رينا محمد، في حديثها لـ"الاستقلال": إنه "بلا شك، الإقدام على ذلك القرار هو في معظمه، بسبب الحالة التي وصل إليها البعض من اليأس وانعدام الأمل، بالتزامن مع ضغوط الحياة المضاعفة وتكاليفها الهائلة بالنسبة لهم، في ظل الأوضاع الاقتصادية التي تراكمت فيها الأعباء والالتزامات، كل تلك أسباب جعلت البعض منهم يقرر إنهاء حياته بتلك الطريقة".

وأضافت: "أصبح البعض يعيش بلا أفق منظور، ويشعر بأن أهدافه التي خطط وسعى لها خلال السنوات الماضية، لم تعد قابلة للتحقق، أو لم يعد قادرا على تحقيقها".

وأوضحت الدكتورة رينا، أن "هناك علاقة بين الجهل والأمية وزيادة حالات الانتحار، حيث أن الجهل والأمية يقللان من فرص العمل والحصول على خيارات أخرى وخيارات بديلة تمكن الفرد من مواصلة عمله، ما ينعكس على حالة الإحباط لديه، وعادة ما يكون الشباب المراهقون حديثو السن والنساء محدودات التعليم هم ضحايا هذا الجهل وتلك الأمية".

من المسؤول؟

وحول الجهات التي تتحمل مسؤولية تزايد حالات الانتحار، قال اختصاصي علم الاجتماع الدكتور فكري الفقيه، في حديث لـ"الاستقلال": إن "الانتحار نوع من أنواع الهروب من المسؤولية والخلاص الفردي، ففي الوقت الذي يفترض أن يعمل الإنسان و يحتال للتكيف مع الظروف الجديدة وإن كانت قاسية، يقرر إنهاء حياته، سعيا منه للخلاص".

ورأى الدكتور الفقيه، أن "الانتحار يعد صورة صارخة من صور الأنانية، فالمنتحر يهرب من المسؤولية ليلقي بها على آخرين، وقد تكون زوجته أو أولاده أو أي أحد من أسرته هو من يتحمل تلك التركة الثقيلة"، مضيفا: "بالطبع المسؤولون الحكوميون الذين تسببوا بوصول الوضع الاقتصادي لهذا الحد، هم مسؤولون عن حالات تلك الانتحار، والمسؤولية مشتركة، لا أحد بريء منها".

من جهته، قال الباحث في علم الاجتماع، مبروك المرشدي، في حديث لـ"الاستقلال": إن "الخطورة في حالات الانتحار تكمن في تحولها من حالات فردية لثقافة مجتمعية عند بعض الشرائح، فالجهل عند المراهقين يدفعهم للانتحار، في تصور منهم لموجة التعاطف الذين سيجدونها بعد إقدامهم على مثل تلك الخطوة، وهذا نتيجة للجهل أو الحداثة في السن".