لماذا فشل التعليم في المغرب؟

فرح أشباب | 6 years ago

12

طباعة

مشاركة

يُحكى أن شابا في منتصف القرن الماضي ابتهج كثيرا بخبر حمل زوجته بطفلهما الأول لدرجة أنه اشترى خشبا غالي الثمن، وتوجه إلى نجار ليصنع له سريرا مريحا لطفله القادم. وعد النجار الأب بأنه سيصنع له أفضل ما جادت به يد نجار في العالم. قبل الولادة بأيام توجه الشاب إلى النجار ليجد أنه لم يصنع السرير بعد. مرت الأيام والسنين وفي كل مرة يمر فيها الأب على النجار ليسترجع خشبه ونقوده؛ يجد النجار الكسول لم يجمع أجزاء السرير بعد. نسي الأب الأمر وصار كهلا وصار طفله شابا تزوج بدوره، وأثناء حمل زوجته تذكر والده أن هناك سريرا عند نجار في مكان ما سيكون جاهزا للمولود القادم. توجه الشاب إلى النجار مطالبا إياه بلباقة أن يعطيه السرير ليجيبه بكل برود: "إذا كنت مستعجلا مثل والدك فخذ خشبك وارحل".

هذه قصة شعبية بسيطة تسلط الضوء على تماطل شخص مسؤول عن عمل ما من جهة، وعلى تهاون الأب لسنين وعدم مطالبته بحقه المشروع من شخص كسول متماطل، ظنا منه أن الأمور ستستقيم لوحدها يوما ما. 

تذكرنا هذه القصة كثيرا بقضية التعليم في المغرب وتوالي الكثير من الحكومات والمسؤولين والواعدين بمستقبل مشرق في التعليم؛ لأنه مربط الفرس وقطب الرحى والأساس الذي لا تستقيم بدونه أمة دون أن يتغير شيء مهم غير المقررات الدراسية التي طالها التغيير مرارا وتكرارا دون أن يطال منهجية التعليم وطريقة تلقين الأجيال الناشئة.

أصبح التعليم شماعة يعلق عليها المسؤولون آمال الشعب في ثورة جذرية على تعليم عليل؛ لم يصبُ بعد إلى ما صبت إليه الأمم الأخرى من ثورات علمية غيرت خريطة بلادها الاقتصادية والسياسية في العالم كله.

هنا يجدر بنا الحديث عن كوريا الجنوبية، التي كانت في منتصف القرن الماضي بلدا أقل من المغرب في المؤشرات الاقتصادية، إذ أنهكتها الصراعات السياسية والانقسامات، لتتحول بعدها بعقود إلى قوة اقتصادية وتعليمية فذة تخطو بثبات نحو القمة.

اعتبر الساسة الكوريون آنذاك التعليم القضيةَ المستعجلة الوحيدة التي ستخرج البلاد من مستنقع نتن عطل حركتها لقرون، لذلك انتهجت الحكومة الكورية خطة تعليمية تتسم بالفعالية العالية؛ لأنها ترتكز على أربع ركائز قاسمها المشترك هو الاستدامة: 

١- التعليم في كوريا يندرج ضمن إستراتيجة بعيدة المدى، لا تتعلق بأشخاص أو مسؤولين بل برؤية شاملة لتحسين جودة التعليم باستمرار.
٢- العمل على انتقاء معلمين وأساتذة أكفاء، وتوفير كل الظروف الملائمة لهم.
٣- العمل على تكوين المعلمين المستمر، ومدهم بكل الموارد والوسائل من أجل الإبداع.
٤- التكنولوجيا كوسيلة لتسهيل التعليم والتواصل، وابتكار أساليب جديدة تسهل حياة التلاميذ والطلبة. 

بهذا أصبحت كوريا الجنوبة تحتل بجدارة المراكز الأولى في التعليم مرفوقة بفنلندا واليابان والولايات المتحدة الأمريكية وكندا، التي احتلت المركز الأول سنة 2018 وصرح رئيس وزرائها جاستن ترودو خلال World Economic Forum سنة 2016 بأن التعليم هو الثروة الأساسية لبلاده. 

عكس ما أصبح يروج في المغرب باعتبار التعليم عبئا يثقل كاهل الدولة التي فشلت في إصلاحه أو تغيير إستراتيجيته، وأنها تكبدت الكثير من الخسائر المادية بسبب توالي سياسات إصلاحية لا تمت للواقع بصلة وتتساقط كبيت من ورق مباشرة بعد تغيير المسؤول الذي تبناها أو انتهاء ولايته. 

في الوقت الذي تسير فيه الدول المتقدمة بسرعة وثبات إلى القمة وتحقق إنجازات مذهلة حجرها الأساس هو التعليم الجيد، وجب الوقوف على الأسباب التي تعرقل تحسين جودة التعليم المغربي:

  • خطط واستراتيجيات تعليمية مرتجلة؛ تفتقد إلى الرؤية الثاقبة وترتبط بأشخاص محددين وليس بخطة وطنية محكمة.
  • غياب الحكامة الجيدة في قطاع التعليم، واستمرار نزيف النهب والفساد رغم أن الدولة تصرف من ميزانيتها على التعليم 28%، حسب تصريح لوزير التعليم المغربي سعيد أمزازي سنة 2018.
  • الاكتظاظ، إذ لم تستطع الدولة بعد احتواء وفود التلاميذ المتزايدة كل سنة، ويبلغ العدد في بعض الأقسام خمسين تلميذا. 
  • اضطرار المعلمين في بعض المناطق، نظرا لغياب الموارد، إلى تدريس ثلاثة مستويات في نفس الوقت وفي قسم واحد. 
  • عدم وعي الآباء بضرورة التعليم من أجل مستقبل مريح لأبنائهم. 
  • أجور المعلمين والأساتذة غير كافية لتحفيزهم على العطاء مع غياب التكوين المستمر.
  • معظم المؤسسات التعليمية في الأرياف غير مرتبطة بشبكة الكهرباء والمياه، ولا توجد بها دورات مياه إضافة إلى غياب المساعدين الاجتماعيين والتطبيب بالمدارس. 
  • افتقار كل المدارس العامة إلى وسائل التكنولوجيا والرقمنة من أجل انتهاج أساليب مبتكرة في التعليم. 
  • نسب الهدر المدرسي في صفوف التلاميذ مرتفعة جدا، خصوصا في الأرياف بسبب الفقر وبُعد المدارس أو عدم وجودها وعدم توفر داخليات كافية تستقبل الوافدين.  
  • عدم قدرة المدارس والجامعات على تكوين يد عاملة مؤهلة للتغيير الإيجابي وتبني أفكار إبداعية جديدة.

كشفت الإحصائيات الرسمية لوزارة التربية والتعليم سنة 2018 أن نسبة التمدرس في التعليم الأولي لا تتجاوز 49,6٪‏: مجموع الأطفال بالتعليم الأولي لا يتجاوز 699 ألف و265 طفلا، مقابل مليون و426 ألف و185 طفلا في سن التمدرس، و726 ألف و920 طفلا غير مستفيد من التعليم الأولي. تجدر الإشارة إلى أن هذا الأرقام قابلة للارتفاع كلما تقدمنا  في المستويات التعليمية ناهيك عن التفاوتات الجسيمة بين العالم القروي والحضري والذكور والإناث، إذ يتمكن عدد قليل جدا من تلاميذ العالم القروي من الحصول على شهادة الباكالوريا. 

من جهة أخرى، يتوالى فشل التلاميذ في الحصول على نقط جيدة بسبب الأسباب السالفة الذكر؛ فيغادر التلميذ بمحض إرادته مقاعد المدرسة أو بسبب ضغط الأهل الذين يعتقد بعضهم أن التعليم في هذه الظروف مضيعة للوقت، لتستمر الحلقة المفرغة في التوسع شاملة أكبر عدد من الأشخاص غير المؤهلين لوضع بصمة إيجابية ومواكبة الركب الحضاري والتكنولوجي الذي تقوده الدول المتقدمة، والدول التي صنعت معجزات اقتصادية في العقود الأخيرة كالصين وتركيا والهند وسنغافورة والبرازيل وغيرها. 

يعتبر مشكل التعليم في المغرب أعمق بكثير من لغة التدريس بل هو مسيرة مخجلة من الإخفاقات المتتالية التي استنزفت الكثير من المال والوقت والجهد منذ فجر الاستقلال، دون أن تستقر بعد على خطة جريئة شاملة تعترف أولا بفشل منظومة التعليم وتباشر بإيجاد إستراتيجية فعالة لا تشبه سابقاتها ولا تنسخ من أحد؛ تنهج مبدأ الحكامة الجيدة وربط المحاسبة بالمسؤولية، وتتبنى إجراءات وتدابير صارمة من أجل إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن العالم يسابق الريح والدول المتقدمة تحقق إنجازات مبهرة في هذا القطاع بينما لا نزال نطالب بحل مشاكل وجدتْ لها حلول ناجعة منذ سبعين سنة أو يزيد.