أرقام مرعبة لتزايد أعداد حالات الانتحار في مصر

6 years ago

12

طباعة

مشاركة

"الانتحار ظلم للنفس، ويستحق العقوبة في الآخرة، ولكن مرتكبه ليس كافرا"، هذه جملة من بيان لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فنّدت رؤية المؤسسة الدينية الأكبر والأعراق في مصر والعالم الإسلامي لظاهرة الانتحار المتفشية في مصر خلال السنوات الأخيرة، متجاوزة الدوافع الرئيسية، وعابرة حدود الضغوط الواقعة على المواطن، ما يفتح باب التساؤلات حول الدور الحقيقي للمؤسسة الدينية، وأسباب غياب الوازع الديني المؤدي إلى إقدام الشخص على قتل نفسه؟

بإلقاء أنفسهم في النيل، أو عن طريق الشنق، أو القفز من أعلى مبان شاهقة، إضافة إلى ظاهرة الانتحار تحت عجلات المترو، كان هذا حال بعض المصريين لإنهاء عثراتهم الخانقة، وكما تقول الحكمة "تعددت الأسباب والموت واحد".

وهنا اختلفت التفسيرات، ما بين إرجاع الظاهرة إلى غياب الوازع الديني، بعد غياب واضح للمؤسسات الدينية والدعوية داخل المجتمع، وبين زيادة حدة الاكتئاب نتيجة الأزمات الاقتصادية المتتابعة التي تشهدها البلاد خلال الأعوام الأخيرة، تلك التي أعجزت الكثير من الشعب المصري عن سد احتياجاته الأساسية، كذلك الأزمات الاجتماعية والعاطفية ساهمت بشكل فعال في زيادة معدلات الانتحار.

فخلال الشهر الأول من العام ٢٠١٩ سجلت المحاضر الرسمية أربع حالات انتحار في محافظات متفرقة، ليستمر الحال على ما هو عليه، كما في ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٨، الذي شهد تسجيل ١٧ حالة انتحار أغلبها من الشباب، ما دعا "المؤسسة المصرية للنهوض بأوضاع الطفل" لإصدار بيان تحذر فيه من خطورة ارتفاع حالات قتل النفس بين الشباب والأطفال، مؤكدة أن "المؤشر خطر على أوضاع البلاد المستقبلية".

حالات مأساوية

شهدت منطقة فيصل بمحافظة الجيزة في مايو/آيار ٢٠١٨ واقعة انتحار المهندس محمد فرغلي، الشاب الثلاثيني الحاصل على بكالوريوس الهندسة، وزوجته الطبيبة البيطرية ميار، خلال شهر رمضان المعظم،  حيث كشفت تحقيقات النيابة أن فرغلي ألقى بنفسه من شرفة منزله عقب آدائه لصلاة الفجر، ثم تبعته زوجته مباشرة بعدما رددت (أنت مت يا محمد يا حبيبي، أنا هاجي وراك علشان نروح الجنة)، فيما أفادت أقوال الشهود في التحقيقات بأن المهندس المصري مرّ بضائقة مالية نتيجة تراكم الديون.

وفي ديسمبر/ كانون الأول ٢٠١٨، ألقت السيدة (عواطف. م) نفسها أمام عربات المترو داخل محطة دار السلام بالقاهرة، لتلقى حتفها بعد دقائق قليلة، وبرر الجيران إقدام ربة المنزل على الانتحار بخلافات زوجية.

وبسبب تكرار تلك الحوادث، أصدرت الهيئة العامة للمترو، بيانا عبر متحدثها الرسمي الذي قال إن "المترو ليس جهة انتحار، وأن تلك الحوادث تكبد الدولة خسائر فادحة بسبب تعطل عمل المترو لعدة ساعات في كل مرة، بخلاف عمليات الصيانة التي يتم إجراؤها بعد كل حادث مشيرة إلى تكوين فرق خاصة للرقابة على خطوط المترو الثلاثة لمنع مثل تلك الحالات"، وهو ما أثار استهجانا وسخرية واسعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

ومن أعلى برج القاهرة- أحد أبرز معالم العاصمة المصرية- ألقى الطالب جرجس يوسف (١٩ سنة) بنفسه، ليسقط على سطح أحد المباني المجاورة صريعا.

بينما شهدت محافظة الفيوم في نوفمبر/تشرين الثاني ٢٠١٨، عددا من البلاغات المقدمة إلى أجهزة الأمن بإقدام مواطنين على الانتحار، أولهم مستورة محمد، التي أغرقت نفسها بسبب مرورها بأزمة نفسية حادة، أما الحالة الثانية أفادت بمصرع محمد أحمد، بعد تناوله سم فئران نتيجة مشكلات مادية.

واقع الانتحار في مصر

جاء تقرير رسمي لوزارة الصحة المصرية عن العام ٢٠١٧/٢٠١٨، ليؤكد وصول أكثر من ١٠ آلاف حالة تسمم سنويا إلى "مراكز السموم" يتم إنقاذ أعداد منها.

وفي العام ٢٠١٦ أصدر "مركز السموم" التابع لجامعة القاهرة تقريرا يؤكد من خلاله موت نحو ٢٤٠٠ حالة، نتيجة الانتحار باستخدام العقاقير السامة.

وأعدّت وزارة الصحة المصرية دراسة على عينة من طلاب الثانوية العامة خلال العام ٢٠١٨، أكدت من خلالها أن ٢١.٧ بالمئة من الطلبة يفكرون في الانتحار.

بينما كشف تقرير مركز المصريين للدراسات الاقتصادية والاجتماعية، أن مصر شهدت ٤ آلاف حالة انتحار بسبب الحالة الاقتصادية، في الفترة من مارس/آذار ٢٠١٦ حتى يونيو/حزيران ٢٠١٧.

أما التنسيقية المصرية للحقوق والحريات، فقد قالت في تقريرها إن هناك تزايدا في عدد حالات الانتحار وصل إلى ١٥٠ حالة أغلبها من شباب في الفئة العمرية من ٢٠ إلى ٣٥ عاما، أقدموا على الانتحار منذ يناير/ كانون الثاني ٢٠١٨ إلى أغسطس/آب من نفس العام.

ويعد الفقر العدو الأول للمصريين، ومن أشد دوافع الانتحار في بلد تخطى عدد سكانها ١٠٠ مليون نسمة، وبلغت نسبة الفقر فيها نحو ٢٧.٧ بالمئة وفق إحصائية الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء في مايو/ آيار ٢٠١٨، الأمر الذي يعني وجود نحو ٣٠ مليون مواطنا يرزحون تحت خط الفقر.

"مقاومة الظلم أولى"

في أبريل/ نيسان ٢٠١٨، أصدر مركز الأزهر العالمي للفتوى بحثا عن "الانتحار" قام فيه بتفنيد حكم الانتحار، بأن المنتحر ارتكب ظلما عظيما لنفسه ويستحق العقوبة، ولكنه ليس كافرا، وهو ما فتح بابا آخر للبحث في دور المؤسسة الدينية داخل المجتمع المصري، التي تعاني من غياب وبعد كامل عن واقع المواطن المصري المرير، ولا تقوم باستيعابه، وتقديم حلولا ناجعة لمشكلاته.

كما ساهم انغلاق الأفق السياسي عقب الانقلاب العسكري في ٣ يوليو/ تموز ٢٠١٣، في استبعاد وإضعاف دور الكثير من الجمعيات الدينية الشعبية، التي كانت تؤدي أدوارا خدمية لا تصل إليها يد المؤسسات الدينية الرسمية، وأضعف الوعي والوازع الديني.

وهو ما أكده الشيخ عصام تليمة الداعية الإسلامية، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عندما قال إن "الانتحار حرام شرعا لا جدلية في ذلك، وأن الروح وديعة الله في الإنسان لا يجوز قتلها أو التساهل في التفريط فيها لأن الإنسان مؤتمن عليها، فبدلا من إقدام الفرد على قتل نفسه، عليه مواجهة الظلم ورفض الأوضاع التي أدت به إلى تلك الحالة". 

وفي ١٥ نوفمبر/ تشرين الثاني ٢٠١٦، أقر البرلمان المصري قانونا ينظم عمل الجمعيات وغيرها من المؤسسات العاملة فى مجال العمل الأهلى، بعدها توسعت الأجهزة الأمنية في حصار المنظمات، وقامت بإغلاق مئات المقار للجمعيات الخيرية، وهو ما اعتبر تأميما للعمل المدني، في ظل عدم قدرة الدولة على تحمل أعباء الفقراء المتدهورة أحوالهم المعيشية في ظل الارتفاع الكبير في أسعار السلع والخدمات.

وأغلقت الحكومة مراكز "النديم، والمبادرة المصرية للحقوق الشخصية، والشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، وجمعية نظرة للدراسات النسوية"، فيما أكد المحامي خلف بيومي مدير "مركز الشهاب" لحقوق الإنسان أن "تلك الهجمة الشرسة على الجمعيات ومنظمات العمل المدني في مصر أدت إلى ارتفاع معدلات الانتحار، بل وبدأت تلك الظاهرة في أخذ منحنيات أخرى، حيث رصد المركز محاولة انتحار سجين سياسي في سجن المنيا الأمر الذي يعد سابقة، ويزيد على ذلك الدور الخدمي والتوعي الذي كانت تقوم به تلك المنظمات نتيجة قصور الدولة".

من جانب آخر، أصدرت منظمة "هيومن رايتس ووتش" بيانا عبّرت فيه عن قلقها من تلك السياسة حيث قالت "إنه على الحكومة المصرية أن ترفع يدها عن منظمات المجتمع المدني في مصر وألا تتخذ الخطوات القمعية التي تعدها من أجل تطويع منظمات المجتمع المدني أو غلقها بناء على قوانين قمعية".

وتعد تلك التصفية للعمل المدني والأهلي، قد ساهمت في سد مسارات الحلول الكلية والجزئية للمشكلات الاجتماعية والاقتصادية.

ومن تلك السياسة العامة للدولة كانت المآلات الصعبة، وبروز ظواهر مستجدة غير مسبوقة، على رأسها ارتفاع معدلات الانتحار والإقدام على قتل النفس والتخلص من الحياة نتيجة الظروف الصعبة والأزمات الاقتصادية التي تتشابه في عمومها بين مختلف فئات وطبقات الشعب المصري.