دعوة ابن سلمان المعارضين بالخارج للعودة.. تغيير جدي أم فخ لاصطيادهم؟

يوسف العلي | منذ يومين

12

طباعة

مشاركة

في خطوة نادرة، وجه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان دعوة إلى المعارضين السعوديين في الخارج للعودة إلى بلدهم من دون أن ينالهم "عقاب"، حال عدم ارتكابهم أي جرائم، الأمر الذي أثار جملة من التساؤلات عن توقيت هذا الطرح، والمغزى من ورائه.

وتأتي دعوة ابن سلمان في وقت لا يزال فيه نحو 150 شخصا من معتقلي الرأي في السجون السعودية اعتقل غالبيتهم منذ عام 2017، وعلى رأسهم دعاة بارزون وأكاديميون وصحفيون ومدونون وناشطون حقوقيون، وصدرت بحقهم أحكام مختلفة.

"عودة بلا عقاب"

الدعوة الأولى من نوعها، نقلها رئيس جهاز أمن الدولة السعودي، عبد العزيز بن محمد الهويريني، عن ابن سلمان إلى المعارضين السعوديين في الخارج، قائلا إنه بإمكانهم العودة دون أن ينالهم “عقاب”. مؤكدا أن هذه الرسالة هي توجيه حرفي من ولي العهد.

وقال الهويريني خلال مقابلة على قناة "إم بي سي" السعودية في 2 مارس/ آذار 2025: إن الأمير محمد بن سلمان، "وجّه بالعفو" عمن وصفهم بـ"المغرر بهم الذين هاجموا المملكة من الخارج".

وأضاف أن هذه الدعوة موجّهة لكل "معارض وشخص جرى استغلاله من قبل مغرضين أو تلقّى أموالا في مرحلة من المراحل أو غُرّر به".

وأضاف المسؤول السعودي أن هؤلاء سيجرى الترحيب بهم إذا لم يكونوا قد ارتكبوا جرما كالقتل أو الاعتداء على أحد ولن ينالوا العقاب.

وقال: "إن لم يكن عليك حق خاص. قتل أو سرقة أو اعتداء وكنت من المغرر بهم، فإن الدولة ترحب بك ولن تعاقبك".

ولفت الهويريني إلى أن الراغبين في العودة يمكنهم التواصل مع السفارات السعودية في الخارج، التي باتت على علم بهذا الأمر، أو مع الجهات المختصة أو مع عائلاتهم.

وزعم أن "قرابة 20 بالمئة من السعوديين الموقوفين في البلاد، أُوقفوا برغبة أهاليهم أو بطريقة مرتبة معهم (أسرهم)، الذين بدأوا يشعرون بأن الدولة تعالج ولا تعاقب، ما دام لا يزال الشخص في مرحلة الأفكار".

ولم يتطرق الهويريني إلى مصير معتقلي الرأي الذين يعاني بعضهم ظروفا صحية صعبة، فهم مسجونون منذ تنصيب ابن سلمان وليا للعهد عام 2017. 

وتردى واقع حقوق الإنسان في السعودية بشكل غير مسبوق منذ تولي ابن سلمان منصب ولي العهد، والذي يعد حاليا الحاكم الفعلي للبلاد بسبب عدم استقرار الوضع الصحي لوالده الملك سلمان بن عبد العزيز، وغيابه المستمر عن المشهد في البلاد. 

وفي عام 2020، طالبت 29 دولة أمام مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف بإلزام السعودية إطلاق سراح جميع المعارضين السياسيين وناشطي حقوق المرأة.

كما نددت تلك الدول بانتهاكات السلطات هناك لحقوق الإنسان وبينها اغتيال الصحفي جمال خاشقجي عام 2018.

شروط المعارضين

وعلى صعيد الشخصيات المعارضة، فقد ردت على دعوة ابن سلمان بشكل متباين، لكن الكثير منهم أكدوا أن الأسباب التي دفعتهم إلى الخروج من السعودية لم تكن تتعلق بأمور شخصية، وإنما لانعدام مستوى الحريات، و"الحرب على القيم الإسلامية" والفساد وغيرها من القضايا.

وقال المعارض السعودي البارز سعد الفقيه: إن "ابن سلمان والحاشية التي ارتكبت الجرائم معه هي من عليها أن تطلب العفو ممن قتلوا وعذبوا وانتهكت محارمهم، وليس الشخصيات المعارضة، التي اجتهدت أن تقدم من حياتهم ووقتهم وجهدهم للبلد، وليسوا في مقام أن يعفى عنهم".

وأضاف: "ما لم يكن هناك مشروع إصلاح حقيقي عبر إطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، ورفع الحظر عن الحريات العامة والندوات السياسية وإنشاء الجمعيات وغيرها، فلن تكون لدعوة ابن سلمان أي قيمة".

وأشار الفقيه عبر مقطع فيديو نشره على منصة "إكس" في 3 مارس إلى أن "دعوة ابن سلمان قد تفيد بعض الأشخاص الذين وجدوا أنهم غير قادرين على تحمل مشاق الحياة في الغربة، لكن الأغلبية لن يكترث بها".

من جهته، قال المعارض المقيم في كندا عمر الزهراني، إنه وغيره من المعارضين البارزين لن يعودوا، منوها إلى أن هذه الدعوة موجهة بالأساس إلى معارضين جدد، أو أشخاص يقيمون في الخارج ويخشون المساءلة في حال عودتهم إلى المملكة.

وقال الزهراني عبر مقطع مصور نشره على "إكس" في 3 مارس، إنه من واقع تجربة شخصية مع ولي العهد، فإنه غير مقتنع بهذه الدعوة، مشيرا إلى أن أشقاءه وأصدقاءه معتقلون منذ عام 2018، كوسيلة ابتزاز لإجباره على العودة.

ولفت إلى أن هذه الدعوة تأتي ربما في سياق محاولة السعودية لإصلاح الوضع الحقوقي، بهدف جذب الاستثمارات الخارجية.

وفي السياق ذاته، قال ناصر نجل الداعية المعتقل عوض القرني، عبر تدوينه على "إكس" في 3 مارس، إن ما يُفهم من هذه الدعوة، هو أن الحكومة السعودية باتت تعترف بحجم المعارضة في الخارج.

وأشار إلى أنه بعد سنوات من التغافل والتسخيف من حجم المعارضة في الخارج وتأثيرها، بدأت الدعوات للناشطين أولا عبر شخصيات عامة مثل الفنان السابق فايز المالكي، ثم عبر حسابات في "إكس"، قبل أن تصل إلى أعلى الهرم عن طريق ابن سلمان والهويريني.

وعلى الصعيد ذاته، قال العقيد السعودي المعارض، رابح العنزي، إن "سجن أشخاص لمدة 30 أو 40 سنة لمجرد نشرهم تغريدات عبر تويتر (إكس)، ثم دعوة المعارضين في الخارج إلى العودة، هو أمر غبي وسخيف". 

ولفت عبر مقطع مصور على "إكس" 4 مارس إلى أن العرض الجدي والحقيقي يجب أن يسبقه سن قوانين وتشريعات تسمح بحرية التعبير، وانتقاد المسؤولين والقرارات.

توقيت الدعوة

وفي الوقت الذي يصف فيها دعوة ابن سلمان بأنها نادرة وتاريخية، فإن الباحث السعودي في العلاقات الدولية أحمد الشهري، يرى أنها ليست جديدة، ذلك أن السعودية "لطالما فتحت يديها لأبنائها" المنتسبين إلى المعارضة في الخارج ودعتهم للعودة إلى وطنهم، وفق تعبيره. 

ونقلت "بي بي سي" عن الشهري في 4 مارس، قوله: إن “من حملوا السلاح وقتلوا وفجّروا والتحقوا بالمنظمات الإرهابية، عادوا إلى بلدهم وجرى استقبالهم في المطار ولم شملهم مع عائلاتهم”.

“كما قُدّمت لهم تسهيلات في التوظيف والزواج وتمت معاملتهم معاملة المواطنين العاديين وجرى دمجهم في المجتمع السعودي”، وفق زعمه.

وأشار الباحث السعودي إلى أن العائدين من الخارج ممن تظهر عليهم ما وصفها بعلامات "التطرّف"، يجرى تأهيلهم في "مركز المناصحة" من خلال إشراكهم في جلسات من قبل مختصين حول الدين والأمن الفكري ومحاربة الإرهاب.

وبحسب الشهري، فإن "المعارضة في الخارج يجرى استغلالها من قبل جهات معادية للسعودية بطرق غير أخلاقية".

في حين قال الأكاديمي المقيم في الولايات المتحدة سلطان العامر، إن مبادرة ابن سلمان على لسان الهويريني تبدو مصداقيتها عالية، مضيفا أنها "فرصة لمن صعبت عليه حياة المهجر والمنفى، ومستعد للتنازل عن العمل السياسي والبدء في حياة جديدة".

وأضاف العامر الذي ينتقد سياسات السعودية لكنه لا يصنف نفسه معارضا للحكومة: “لا شك في أن السياسات الأخيرة في تسوية ملفات المعتقلين والانفتاح على تسوية ملف المعارضة الخارجية هو تقدم إيجابي ومرحب به”.

واستدرك: “لكن تبقى المسألة الجوهرية لم تتغير، أن مستوى الحريات الفكرية والسياسية عندنا مازال في مستويات متدنية”.

ولا توجد أرقام محدّدة عن عدد المعارضين السعوديين في الخارج؛ إلا أن التقديرات تشير إلى أنهم بالآلاف، وأنهم في تزايد مستمر.

ويعيش معظم المعارضين في الولايات المتحدة وكندا وأستراليا وبريطانيا وبعض الدول الأوروبية.

وتشير المعلومات إلى أن معظم المعارضين السعوديين المقيمين في الخارج ناشطون وصحفيون وأكاديميون أو أعضاء في جماعات للمعارضة السياسية فرّوا من بلدهم بسبب ما يصفونه بالاضطهاد السياسي أو التهديدات بالإعدام أو السجن.

وتنوّعت المعارضة التي بدأت منذ خمسينيات القرن الماضي بين دينية وسياسية وحتى اجتماعية وثقافية.

إذ شهدت نشاطا ملحوظا في سبعينيات القرن الماضي مع انطلاق الثورة الإيرانية، وطالب بعض السعوديين الشيعة بعدها بحقوق سياسية أكثر تحت عنوان أنهم "مضطهدون". 

وفي ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، تصاعدت المعارضة ذات الطابع الإسلامي وحدثت توترات عدّة على الصعيدين الأمني والسياسي. 

كذلك، شهدت السنوات العشر الأخيرة معارضة من مثقفين وصحفيين وناشطين في مجال حقوق الإنسان وحتى مسؤولين وعسكريين.