دعم العدوان على غزة.. كيف تخدم القواعد البريطانية في قبرص إسرائيل؟

لطالما عدت جزيرة قبرص ذات أهمية إستراتيجية وجيوسياسية لإسرائيل، حيث يمكن لقبرص الرومية توفير مزايا كبيرة لإسرائيل فيما يتعلق بقضايا مثل الأمن وتبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري.
كما أن الفرص التجارية والسياسية والاقتصادية التي تتيحها عضوية الإدارة القبرصية اليونانية في الاتحاد الأوروبي قد زادت من جاذبية قبرص في نظر إسرائيل.
وقضت الولايات المتحدة الكثير من الوقت لتحسين وتطوير العلاقات الإسرائيلية القبرصية خلال الحرب الباردة.
وبانضمام الإدارة القبرصية اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي عام 2004، بدأ الاتحاد الأوروبي بدعم هذه العملية بنشاط.
وهكذا دخلت العلاقات بين إسرائيل والإدارة القبرصية اليونانية عملية تطور سريع، وذلك بفعل الجهود الدبلوماسية المبنية على المصالح المشتركة للولايات المتحدة من جهة والاتحاد الأوروبي من جهة أخرى.
ارتباط إستراتيجي
وقالت صحيفة "ستار" التركية في مقال للكاتب إسماعيل شاهين إنه "من الواضح أن الهدف المشترك للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هو ضمان ارتباط إسرائيل وجنوب قبرص إستراتيجيا واعتماد بعضهم على بعض، ولذلك تم تشجيع التفاعل والتعاون بين البلدين تحت مظلة السلام والاستقرار والأمن الإقليميين".
وأضاف الكاتب التركي أن "العلاقات بين الإدارة القبرصية اليونانية وإسرائيل، التي تسارعت في نطاق مشاريع الطاقة المشتركة، تم توسيعها وتعزيزها لتشمل الميدان العسكري".
وكما هو معروف فإن إحدى الوظائف المهمة للقواعد البريطانية في قبرص هي "ضمان أمن إسرائيل".
فمنذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، عندما شنت إسرائيل عدوانها على قطاع غزة، استخدمت واشنطن ولندن بنشاط القواعد البريطانية في قبرص لدعم الهجمات الإسرائيلية على غزة، وتزويد إسرائيل بالمعلومات الاستخباراتية من جهة ودعم الأسلحة من جهة أخرى.
وقال شاهين إن "الطائرات البريطانية والأميركية تستخدم في قواعد عسكرية في قبرص لتوفير معلومات استخباراتية ونقل الأسلحة إلى إسرائيل، وهذا يظهر مدى أهمية قبرص بالنسبة إلى إسرائيل".
بالإضافة إلى أن "الدور الذي تلعبه قبرص في أمن إسرائيل يُعد أحد أسباب تطوير الحكومة الإسرائيلية للعلاقات مع جنوب قبرص واليونان خلال السنوات الأخيرة".
وأردف شاهين أن "إسرائيل تحاول بسط نفوذها في شطري قبرص منذ سنوات عديدة".
ممارسة النفوذ
وأشار الكاتب التركي إلى أنه "قد تمت مناقشة سياسات إسرائيل التي تهدف إلى إقامة وجود على الجزيرة من خلال امتلاك العقارات وزيادة السكان والتنظيم وإقامة الروابط السياسية والتجارية في وسائل الإعلام المحلية والدولية".
وتتناول بعض النقاشات العلاقة بين إسرائيل وقبرص في إطار "مشروع الأرض الموعودة/إسرائيل الكبرى"، بينما يقوم البعض الآخر بتقييم العلاقة بناء على الظروف المادية المواتية التي تقدمها قبرص.
ومع ذلك، فإن معظم النقاشات تجاهلت تحليل العلاقة بين إسرائيل وقبرص في سياق الربط بين "القواعد البريطانية في الجزيرة وأمن إسرائيل".
ومن الواضح جدا أن إسرائيل أيدت وجود قاعدتي أكروتيري وديكيليا في جنوب قبرص منذ يوم تأسيسهما.
وذلك نظرا لتقديم الولايات المتحدة أو بريطانيا "دعما عسكريا مستمرا لإسرائيل من خلال هذه القواعد"، وفق الكاتب التركي.
ولهذا السبب، عملت الولايات المتحدة وإسرائيل وبريطانيا معا "ضد الآراء السياسية التي تطالب بإغلاق هذه القواعد".
وأضاف شاهين "كما هو معروف فإن القواعد البريطانية في قبرص تهدف إلى دعم المصالح الإستراتيجية للمملكة المتحدة في المنطقة، ومع ذلك فقد تم تجاهل حقيقة أهمية هذه القواعد في قبرص لأمن إسرائيل حتى الآن".
فمن خلال القواعد البريطانية في قبرص "قامت إسرائيل بتقوية قدرتها على جمع المعلومات، ومراقبة الممرات البحرية في المنطقة وتعزيز موقعها العسكري".
واستطرد: "للأسف، تم تجاهل هذا التفصيل من قبل تركيا وقبرص بشكل مستمر".
أمان جديد
وقال شاهين إن "إسرائيل تحاول جر جنوب قبرص إلى دوامة أمنية بل وتمكنت من جذبها إلى جانبها من خلال ادعائها بأن تركيا تعد تهديدا لها".
بالإضافة إلى أن إسرائيل سعت لجعل جنوب قبرص أكثر اعتمادا عليها من خلال ادعاء "استخدام إيران لشمال قبرص لأغراض إرهابية" والبحث عن حلول أمنية جديدة.
وأشار الكاتب إلى أن "الادعاء بأن إسرائيل منعت هجوما يُزعَم أنه تم تنفيذه من قبل الجانب التركي في جنوب قبرص يدعم هذه الإستراتيجية، ويعد بيع إسرائيل لنظام الدفاع الجوي (القبة الحديدية) إلى جنوب قبرص مؤشرا على هذه السياسة".
ولفت إلى أن "تجارة الأسلحة بين إسرائيل وجنوب قبرص أصبحت ممكنة بفضل قرار الإدارة الأميركية برفع الحظر على مبيعات الأسلحة إلى قبرص عام 2022، ومن المحتمل جدا أن تكون إسرائيل وراء اتخاذ هذا القرار".
واستدرك شاهين: "تسعى إسرائيل إلى الحصول على موقع شرعي في الجزيرة من خلال المواطنين الإسرائيليين واليهود في قبرص، وبالتالي فإنها تعتزم التأثير على ميزان القوى الإقليمي أو العالمي من خلال بناء مطالبة أمنية مشروعة في الجزيرة".
وعلى وجه الخصوص تهدف إلى أن تصبح الدولة "الضامنة" الجديدة لقبرص من خلال تزايد عدد السكان اليهود فيها، بالإضافة إلى استغلالها لما تصفه "مسألة الإرهاب" التي قامت بتلفيقها ضد إيران وجمهورية شمال قبرص التركية.
لذلك يمكن القول إن "إسرائيل ستواصل زيادة عدد سكانها وممتلكاتها في الجزيرة من أجل توفير المزيد من الحقوق والفرص في قبرص مستقبلا"، بحسب الكاتب.
ويبدو أن إسرائيل ستستمر في ادعائها حول "التهديد التركي" و"العلاقة الإرهابية مع جمهورية شمال قبرص التركية" وذلك لتخدم مصالحها هناك.
ومن الواضح أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة سيقدّمان الدعم لإسرائيل بشكل كبير "من أجل إنشاء مظلة أمنية مشتركة مع جنوب قبرص".
وختم الكاتب التركي مقاله قائلا إن "الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة يريان أن تأثير إسرائيل على جنوب قبرص من الناحية الجيوسياسية والجيوإستراتيجية ليس تطورا مشكوكا فيه، بل يعدانه مفيدا".
وتابع : "من بين الأسباب التي تبرر ذلك، تأمين سلسلة التوريد الطاقوية وزيادة الأمن البحري الإقليمي وتعزيز السيطرة على المناطق في شرق البحر الأبيض المتوسط بالإضافة إلى تقييد تأثير تركيا".