بوادر إيجابية.. هل يحافظ الاقتصاد التركي على مسار تعافيه؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

انطلقت ولاية الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الجديدة بتغييرات في السياسة الاقتصادية بتعيينات في أعلى وزارة الخزانة والمالية والبنك المركزي تلاها ظهور بوادر نتائج إيجابية تبشر بتعافي الاقتصاد.

وتساءل معهد دراسات إيطالي إن كانت السياسات الاقتصادية الجديدة مؤقتة أو نهائية وهو ما يتابعه المستثمرون الأجانب باهتمام وينتظرون جوابا عنه. 

وقال معهد "الدراسات السياسية الدولية" إن الرئيس التركي يقود البلاد اليوم نحو ما وصفها هو نفسه برؤية "قرن تركيا".

ونوه بأنها شهدت "خلال 20 عاما من حكم أردوغان وحزبه العدالة والتنمية، تحولات سياسية ومؤسسية واقتصادية واجتماعية عميقة غيرت وجهها بشكل كامل". 

وأكد المعهد الإيطالي أن "أنقرة أمام تحديات عديدة اليوم ولا شك أن تعافي الاقتصاد يظل الأولوية على المستوى المحلي".

خطة جديدة 

قدمت الحكومة التركية في بداية سبتمبر/أيلول 2023، خطتها الاقتصادية الجديدة أو ما أطلق عليه بالبرنامج متوسط المدى (2024-2026).  

ومن بين أهدافه الرئيسة، تخفيض معدل التضخم على مدى السنوات الثلاث المقبلة والذي رفع البنك المركزي أخيرا توقعاته بشأنه إلى 65 بالمئة في نهاية العام مقارنة بتوقعات سابقة بنسبة 58 بالمئة.  

ومن المنتظر أن ينخفض المعدل إلى النصف إلى 33 بالمئة عام 2024 ثم إلى 15.2 عام 2025 ليصل إلى نسبة مئوية 8.5 في نهاية عام 2026. 

ووصف المعهد الإيطالي هذا الهدف بالطموح مذكرا بأن الرئيس التركي فضل على مر السنين تحقيق النمو الاقتصادي حتى على حساب التضخم المتسارع والذي قرر مواجهته من خلال سياسته النقدية غير الإرثدوكسية بإبقاء أسعار الفائدة منخفضة.  

لذلك يشرح أن مسار السياسة الاقتصادية والنقدية التركية قد تغير الآن بعد وصول محمد شيمشك إلى وزارة الخزانة والمالية وتعيين حفيظة غاي إركان على رأس البنك المركزي  وهو ما عكس في الواقع "عودة تدريجية إلى مبادئ الأرثدوكسية الاقتصادية".

بدأ ذلك في البداية برفع تدريجي في أسعار الفائدة في غضون ستة أشهر من 8.5 بالمئة إلى 40 بالمئة في تناقض واضح مع سياسة أسعار الفائدة المنخفضة التي اتخذها أردوغان في السنوات الأخيرة.

ومع ذلك، لا يزال المعدل مرتفعا عند نسبة 62 بالمئة في نوفمبر بسبب الطلب المحلي المستمر وزيادة تكلفة الواردات مع تواصل انخفاض  قيمة الليرة التركية مقابل الدولار. 

تشديد السياسة

وفي مقابلة أجريت معه في نهاية سبتمبر/أيلول، أكد وزير الخزانة والمالية شيمشك التزامه بإعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح وخفض الطلب المحلي.  

وذلك بهدف دفع النمو من خلال زيادة الصادرات وزيادة الاستثمارات الأجنبية لتقليل الاعتماد على الطلب المحلي الذي يسبب التضخم.

وقد تُرجم ارتفاع الطلب المحلي وارتفاع الواردات إلى زيادة في العجز المزمن في الحساب الجاري.  

ويعادل عجز الحساب الجاري نحو 49 مليار دولار أي 5.4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي بعد أن كان في 2022 بحسب بيانات وحدة الاستخبارات الإيكونوميست، في حدود 40.84 مليار دولار في الفترة من يناير إلى سبتمبر مسجلا ارتفاعا مقارنة بـ38.21 مليار في نفس الفترة من العام 2022. 

وفي يونيو 2023 حقق فائضا قدره 674 مليون دولار لأول مرة منذ أكتوبر 2021 بفضل قطاع السياحة الذي شهد في الأشهر الستة الأولى من عام 2023 نموا بنسبة 27 بالمئة مقارنة بعام 2022.

 وذلك بفضل تدفق أكثر من  22 مليون زائر معظمهم من ألمانيا وروسيا وبريطانيا العظمى وبلغاريا وإيران وعائدات قدرها 21.7 مليار دولار.  

كما سجل فائضا في سبتمبر/أيلول بلغ 1.9 مليار دولار بعد عجز بحوالي 357 مليون دولار في أغسطس/آب.  

وبالإضافة إلى الأداء الجيد لقطاع السياحة باستقبال 30 مليون سائح في الأشهر السبعة الأولى من العام (بزيادة 16 بالمئة مقارنة بنفس الفترة من العام السابق)، جاء التحسن نتيجة لتشديد السياسة النقدية ما أسهم في تقليص الطلب على الواردات.  

وتتوقع الحكومة أن يبلغ عجز الحساب الجاري 4 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام على أن ينخفض إلى 3.1 بالمئة في 2024.

كما اتخذت الحكومة إجراءات بدءا من أول يوليو لمحاولة إبطاء الطلب المحلي وشملت الترفيع بنسبة 2 بالمئة في ضريبة القيمة المضافة والتي وصلت بالتالي إلى 20 بالمئة على السلع والخدمات، وزيادة الضرائب على الوقود، وكذلك زيادة بنسبة 5 بالمئة في معدل الضريبة على الشركات.  

واستبعد المعهد الإيطالي أن يتم اعتماد إجراءات مؤثرة ضرورية قبل الانتخابات المحلية المقبلة في مارس/ آذار 2024، والتي يهدف حزب العدالة والتنمية من خلالها إلى استعادة المدن الكبرى إسطنبول وأنقرة بعد أن خسرها عام 2019.

نتائج إيجابية

وجزم المعهد الإيطالي أن أولى العلامات الإيجابية للتغيير الذي طرأ على السياسة الاقتصادية والنقدية "بدأت في الظهور". 

 ويذكر أن أهمها ارتفاع إجمالي احتياطيات النقد الأجنبي التي سجلت في نهاية نوفمبر رقما قياسيا ب 136.5 مليار دولار.  

ومنذ يونيو، تم تسجيل زيادة قدرها 38 مليار دولار مع ارتفاع صافي الاحتياطيات من 29 إلى 36 مليار دولار.  

كما أكملت تركيا برنامج إقراض بقيمة 10 مليارات دولار في الأسواق الدولية ببيع 2.5 مليار دولار في صكوك مدتها خمس سنوات (سندات دين إسلامية)، وهي الأولى منذ إعادة انتخاب أردوغان.  

ووفقا لما أوردته وكالة "بلومبرغ" الأميركية، حوالي نصف المشترين هم من المستثمرين الشرق أوسطيين.

وعلق المعهد الإيطالي بأن هذا ليس مفاجئا بالنظر إلى النشاط الدبلوماسي المكثف الذي قام به القادة الأتراك تجاه بلدان الخليج الغنية في الأشهر الستة الماضية لجذب استثمارات جديدة وزيادة "التبادل التجاري". 

من جانبه، رفع البنك الدولي في تقرير أصدره في أكتوبر 2023 توقعاته لنمو الاقتصاد التركي من 3.2 إلى 4.2 بالمئة.

وأشار التقرير أنه من المنتظر أن يسجل الاقتصاد التركي نموا بنسبة 3.1 بالمئة في 2024، و3.9 بالمئة في 2025.

وقبل بضعة أسابيع، قامت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني ثم تبعتها "فيتش" و"ستاندرد آند بورز" في سبتمبر بتعديل التوقعات الاقتصادية لتركيا من سلبية إلى مستقرة.  

وفي نهاية نوفمبر، قامت وكالة "ستاندرد آند بورز" بتعديل توقعاتها بشكل غير متوقع إلى إيجابية ويبدو أن الزيادة في احتياطيات العملات الأجنبية لعبت دورا هاما في تقييم وكالة التصنيف. 

وبالتوازي مع هذه العلامات الإيجابية، ينقل المعهد تساؤلات كثيرين بشأن مدى تمكن أردوغان من الحفاظ على هذا المسار الجديد. 

ويفسر ذلك "بعدم القدرة على التنبؤ بحركات الرئيس التركي وهو ما يلقي بثقله على اختيارات المستثمرين الأجانب الذين سينتظرون على الأرجح ليروا ما إذا كانت التغييرات التي تحدث بعد الانتخابات في تركيا دائمة قبل أن يتخذوا خطواتهم التالية".