قتل وجوع وعنف جنسي وتجنيد.. هذه تداعيات الحرب الأهلية على أطفال السودان
الأمم المتحدة: 14 مليون طفل سوداني بحاجة إلى مساعدات إنسانية عاجلة، منهم 4 ملايين طفل تم تشريدهم
عدد سكان السودان بحسب موقع "population today" العالمي المتخصص في إحصاء السكان يصل إلى قرابة 49 مليون نسمة، حتى 17 مارس/ آذار 2024.
يدفع منهم ملايين الأطفال ثمنا غاليا للصراع الدائر بين الجيش السوداني بقيادة عبد الفتاح البرهان، وقوات الدعم السريع بقيادة محمد حمدان دقلو "حميدتي".
300 يوم من الفظائع
وأعلنت منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسيف"، أنه على الرغم من قرار مجلس الأمن القاضي بوقف الأعمال القتالية خلال شهر رمضان في السودان، إلا أن الاشتباكات مازالت مستمرة بين الأطراف المتحاربة.
وأضافت في بيان عبر إكس في 16 مارس : يجب التمسك ببصيص أمل لإنقاذ مستقبل الأطفال ومنع وقوع مأساة جماعية في السودان، حيث تدور حرب داخلية منذ 15 أبريل/ نيسان 2023.
وأكدت اليونيسيف أن 14 مليون طفل بحاجة إلى مساعدات إنسانية منهم 4 ملايين طفل سوداني جرى تشريدهم.
وفي 9 فبراير/ شباط 2024، طلبت الأمم المتحدة عدم غض الطرف عن مأساة أطفال السودان، ووصفتها أنها أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم.
وأعلن المتحدث باسم المنظمة "جيمس إلدر" في مؤتمر صحفي بجنيف، في أعقاب زيارة أجراها إلى تشاد ودارفور التقى خلالها بأسر سودانية لاجئة ونازحة، أنه "تم تهجير 4 ملايين طفل سوداني- أي 13 ألف طفل كل يوم لمدة 300 يوم".
وأشار إلدر إلى أن الأمل قد تلاشى وفقد الناس الأمان والممتلكات، فيما انفصل الأصدقاء وأفراد الأسر عن بعضهم البعض أو فقدوا تماما.
وحذر إلدر من أن أكثر من 700 ألف طفل من المحتمل أن يعانوا من أخطر أشكال سوء التغذية هذا العام، قائلا: "لن نتمكن من علاج أكثر من ثلاثمائة ألف منهم دون تحسين الوصول والدعم الإضافي.. ومن المرجح أن يموت عشرات الآلاف من الأطفال".
لكن أكثر ما تحدث عنه المنسق الأممي خطورة، ذكره ارتفاع حالات القتل والعنف الجنسي والتجنيد للأطفال بمقدار خمسة أضعاف عما كانت عليه قبل عام.
وعلق قائلا: "هذا يعادل أعدادا مرعبة من الأطفال الذين قتلوا أو اغتصبوا أو تم تجنيدهم.. وهذه الأرقام ليست سوى غيض من فيض".
بيانات صادمة
ووفقا لتقرير لبرنامج الأغذية العالمي الصادر في 5 فبراير 2024، لا يستطيع 19 مليون طفل في السودان الذهاب إلى المدرسة بسبب الحرب، وهي أكبر نسبة للأطفال المنقطعين عن التعليم قسرا في العالم.
وفي 5 فبراير أيضا كشفت منظمة "أطباء بلا حدود" عن وفاة طفل سوداني كل ساعتين في معسكر "زمزم" للنازحين بولاية شمال دارفور غرب السودان، بسبب سوء التغذية.
وفي 6 مارس، حذر برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة من أن السودان قد يعاني "أكبر أزمة جوع" في العالم ما لم يتوقف القتال، وأن الأطفال سيكونون الخط الأول الذي يسقط جراء الفاجعة المنتظرة.
وفي 14 مارس وصف المنسق العام لمعسكرات النازحين واللاجئين في دارفور، يعقوب محمد عبدالله فوري، في مقابلة مع وكالة "الأناضول" التركية الوضع في السودان بـ"المأساوي".
خاصة مع غياب المساعدات الدولية، وتحدث عن عدم قدرة النساء على الخروج من المخيمات لجلب الطعام خوفا من الاغتصاب، ليزداد الخطر على حياة الأطفال بشكل مخيف.
وقال فوري، الذي يوجد في مخيم "كلمة" بمدينة نيالا في ولاية جنوب دارفور، إنه "حتى أوراق الأشجار انعدمت، والجراد لم يعد موجودا لسد جوع الأطفال في مخيمات النازحين بدارفور".
وأضاف: "كانت النساء تحضر أوراق الأشجار وتضعها على النار لتعد منها حساء للأطفال، كما كانت تمسك الجراد ليتناولوه، وكل ذلك أصبح غير موجود".
وقود الحرب
لم تنته مأساة أطفال السودان عند حد المجاعة وسوء التغذية والحرمان من التعليم، بل كان في انتظارهم ما هو أكثر رعبا وقسوة.
ففي 20 يناير/ كانون الثاني 2024، نشرت صحيفة "التليغراف" البريطانية، تقريرا عن تجنيد الأطفال في السودان، واستخدامهم كوقود حرب من قبل بعض الأطراف المتصارعة.
وكشفت أن قوات الدعم السريع بدأت في تسليح الأطفال مع تدهور الأوضاع في البلاد وإعلان الحرب الأهلية الشاملة.
وذكرت أن صبيانا تبلغ أعمارهم عشر سنوات تلقوا بنادق آلية من قبل ضباط الدعم السريع في ولاية نهر النيل.
وبعد تسليم 300 طلقة لكل منهم، قال لهم الضابط: "نريد منكم قتل 300 مقاتل.. وحذرهم من إهدار الذخيرة".
وحددت أن الدعم السريع تستهدف الأطفال غير المصحوبين بذويهم والأطفال من الأسر الفقيرة في ضواحي الخرطوم، وكذلك في دارفور وغرب كردفان، لتجنيدهم في أدوار قتالية.
وصرح الدكتور "سليمان بلدو" خبير حقوق الإنسان في مشروع السودان للشفافية، للصحيفة البريطانية قائلا: "في كثير من الحالات، ترى صبيانا صغارا جدا يحصلون على أسلحة.. في الأساس يتم تحويلهم إلى وقود للمدافع، ويتم إرسالهم كقربان بلا مقابل".
وأوضحت "التليغراف" أن لقوات الدعم السريع سجلا عنيفا يعيد إلى الأذهان الإبادة الجماعية في السودان التي بدأت منذ ما يقرب من 20 عاما، وسبق لها تجنيد الأطفال في جميع المعارك والمذابح التي ارتكبتها على مدار تلك السنوات.
ولم تخف الصحيفة البريطانية توجيه الاتهامات إلى دولة الإمارات، وتسببها في وصول الحرب إلى هذه الدرجة. خاصة أنها هي التي أمدت قوات الدعم السريع، بالمال والعتاد والتجهيزات، وقدمت توريدات غير محددة عبر أوغندا وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد إلى حليفها "حميدتي".
أطفال البندقية
وتعليقا على المشهد، وصف السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي ما وصلت إليه أوضاع الأطفال السودانيين، بأنها عملية "حرق سريعة وقاسية لمستقبل البلد، الذي كان الأكبر عربيا، والأغنى من حيث الموارد الغذائية".
وأضاف عبد العاطي لـ"الاستقلال": "من يصدق أن السودان سلة غذاء العالم يموت أطفاله نتيجة الجوع وسوء التغذية، من يصدق أنهم لا يجدون المأوى والعلاج والرعاية الصحية".
وتابع: "وأكثر من ذلك هناك أطفال أو قل جيل كامل منقطع تقريبا عن التعليم، ولا أقول منذ بداية الصراع الأخير بين الجيش والجنجويد، بل منذ سنوات".
ومضى السياسي السوداني يقول: "فهناك فجوة تعليمية كبرى حدثت، ستظهر آثارها مستقبلا، عندما تجد ملايين الأشخاص بلا تعليم، بعد أن تعطلت المدارس والمعاهد والجامعات".
وعن ظاهرة تجنيد الأطفال، قال: "خلال الحرب الدائرة انتشرت الظاهرة التي أطلقنا عليها (أطفال البندقية) حيث تم تجنيد الأطفال بصورة مبالغة تخالف الأعراف الإنسانية، وتم إدخالهم في الحروب كدروع بشرية".
وتساءل حزينا: "كم من طفل كهؤلاء فقدنا في هذه الحرب؟ حميدتي مجرم وكان ينكر دوما تجنيد الأطفال في الدعم السريع، وأنا أشدد أنه يجب معاقبته دوليا على ذلك"،
وختم بالقول: "حزين على هؤلاء الأطفال تحديدا وعلى الظروف التي شكلتهم، فلم يحرموا فقط بل سرقت طفولتهم ودفعوا ثمن حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل".