أسلحة مقابل البوكسيت.. ماذا وراء العلاقات المتنامية بين الإمارات وغينيا؟
أبرمت "مجموعة ستريت" الإماراتية، المتخصصة في مجال تصنيع المركبات المدرعة، صفقة لم تكشف تفاصيلها تنص على بيع مئات المركبات المدرعة إلى المجلس العسكري الحاكم في غينيا.
في مقابل حصول أبو ظبي على امتيازات لاستغلال معادن الدولة الإفريقية وخاصة البُوكسيت أو أكسيد الألمنيوم المائي، وهو خام طبيعي يصنع منه معظم معدن الألومنيوم.
وتستخدم بعض أنواعه في تصنيع الصنفرة التي تستخدم في الشحذ والتلميع للمعادن والأخشاب، ويتم خلطه بالصلصال لصناعة الطوب أو الطابوق الذي يبطن أفران صهر الصلب.
أسلحة مقابل البُوكسيت
وقالت صحيفة "نيغريسيا" الإيطالية في تقرير تطرقت فيه إلى خفايا هذه الصفقة إن "غينيا لطالما شكلت قاعدة أمامية للتغلغل الاقتصادي والدبلوماسي لدولة الامارات في منطقة غرب إفريقيا".
وأضافت أن الاتفاق الأساس الذي تعمل عليه الشركة الإماراتية مع حكومة غينيا ينص على بيع عشرات المركبات المدرعة مقابل الحصول على تراخيص التنقيب عن معدن البوكسيت.
ويحكم الدولة الإفريقية مجلس عسكري بقيادة العقيد مامادي دومبيا بعد أن استولى على السلطة من خلال انقلاب كان قد أطاح بالرئيس السابق ألفا كوندي في سبتمبر/أيلول 2021.
وتبلغ قيمة الصفقة حوالي 150 مليون يورو تحصل من خلاله القوات المسلحة الغينية على مئات المركبات المدرعة في إطار صفقة شراء.
ونظرا لعدم قدرتها على سداد قيمة الصفقة بالكامل، تبدي حكومة البلاد في المقابل استعدادها لتقديم امتيازات لاستخراج البُوكسيت الذي تعد المصدر الرئيس له في العالم، وفق الصحيفة.
وبموجب الاتفاق، يتعين على مجموعة ستريت التي يقودها رجل الأعمال غيرمان جوتوروف، رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي للشركة الذي يحمل الجنسيتين الروسية والكندية، توفير مئات من المركبات المدرعة الخفيفة للجيش والقوات الخاصة والدرك والشرطة في غينيا.
وسيشمل ذلك 200 ناقلة جنود مدرعة من طراز سبارطان، بالإضافة إلى 200 مركبة من طراز كوغار، إلى جانب 150 سيارة بيك آب تويوتا TLC79 وTLC300، وحوالي 20 قاربا مدرعا من فئة تريتون 850.
وتأتي الصفقة على خلفية مخاوف غينية من تزايد عمليات توغل الجماعات المسلحة إلى داخل حدودها انطلاقا من مالي المجاورة.
ويذكر في هذا الصدد قيامها منذ بداية عام 2023 بتشديد عمليات المراقبة خاصة في الجزء الشمالي من البلاد، تحديدا في مقاطعة مويين-غينيه.
وتستهدف هذه الجماعات المسلحة مواقع التعدين الواقعة على طول هذه الحدود، وهذا التهديد يثير قلقا كبيرا لدى الشركات الأجنبية النشطة في غينيا، خاصة الفرنسية والأميركية وكذلك اليابانية.
نفوذ الإمارات
وتشرح نيغريسيا أن الإمارات وجهت أنظارها منذ سنوات إلى هذه الدولة الصغيرة الواقعة في غرب إفريقيا وتعاملت معها على أنها قاعدة أمامية لإستراتيجيتها للتغلغل الاقتصادي والدبلوماسي في هذه المنطقة من القارة.
ويتجلى ذلك من خلال الزيارة التي قام بها الشيخ شخبوط بن نهيان آل نهيان وزير الدولة الإماراتي إلى كوناكري عاصمة غينيا في سبتمبر/ أيلول 2023.
والتقى بوزيري الخارجية والمعادن الغينيين موريساندا كوياتي وموسى ماغاسوبا قبل أن يلتقي العقيد مامادي دومبيا، رئيس المجلس العسكري الحاكم.
وبحث اللقاء بحسب بيان وزارة الخارجية الاماراتية "العلاقات التي تجمع دولة الإمارات وجمهورية غينيا، وفرص وإمكانيات تطويرها ودفعها إلى الأمام، لما فيه مصلحة البلدين".
في نفس سياق العلاقات الإماراتية مع المجلس العسكري الغيني، ذكرت الصحيفة أن مجموعة ستريت، النشطة للغاية في سوق الدفاع الإفريقي منذ فترة طويلة، في تواصل مع قائدين رئيسين داخل المجلس العسكري الغيني.
أحدهما هو قائد القوات الخاصة، الرائد مختار كابا الملقب بـ "سبارتاكوس"، والذي يتمتع بنفوذ كبير على رئيس المجلس العسكري خصوصا وأن القوات المكلفة بالأمن الشخصي للرئيس تأتمر بأمره.
أما الآخر فهو محمد سامبا كيبي، الضابط المسؤول عن قسم إزالة الألغام بوزارة الدفاع.
وكان للعسكريين الاثنيين دور بارز في تسهيل دخول شركة وساطة إماراتية تدعى "هافانا" التي تأسست مطلع عام 2023 إلى كوناكري لإدارة المرحلة الجديدة من العلاقات الاقتصادية بين كوناكري وأبو ظبي.
وأعادت التأكيد بأن المجلس العسكري في كوناكري غير قادر على توفير مبلغ 150 مليون يورو الذي طلبته مجموعة ستريت (في البداية كان 190 مليونًا) ولهذا السبب اقترحت فتح أبواب مناجم البوكسيت أمام أبو ظبي.
وعود عالقة
بالنسبة للجانب الغيني، تشارك شركة غينيا "ألومينا كوربوريشن" التي تعمل في منطقة بوكي، في شمال غرب البلاد، بشكل مباشر في الاتفاق بين الطرفين.
وهي شركة مختصة في تعدين البوكسيت تعود ملكيتها لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، الرائدة في مجال إنتاج الألمنيوم و التابعة لشركة مبادلة للاستثمار في أبوظبي ومؤسسة دبي للاستثمارات الحكومية، وهي أضخم مشروع مشترك بين إمارة أبوظبي وإمارة دبي.
وقد قامت منذ عام 2020 أي في فترة الرئيس المنقلب عليه ألفا كوندي، بشحن كميات من البُوكسيت إلى مصافي شركة الإمارات العالمية للألمنيوم في الإمارات.
ولفتت الصحيفة الإيطالية إلى أن أبو ظبي لم تف حتى الآن بوعودها الاستثمارية التي قطعتها بشأن بناء مصفاة في غينيا.
وذكرت أنه لا يتم تداول الكثير من التفاصيل حول هذا الاتفاق الجديد المتعلق ببناء مصفاة على الأراضي الغينية.
وتنقل ما كشفه موقع "أفريكا إنتلجنس" الإستخباراتي الفرنسي، بأن الاتفاق لم يحظ بترحيب كل جنرالات المجلس العسكري الغيني.
ومن بينهم خاصة الجنرال ساديبا كوليبالي، رئيس أركان الجيوش السابق، الذي استبدله دومبيا في مايو الماضي بالجنرال إبراهيما سوري بانغورا.
وكان الجنرال كوليبالي قد انتقد بشدة الاتفاقيات المبرمة مع الإمارات وشكل عقبة أمام التحالف الوثيق على نحو متزايد بين البلدين، على حد تعبير الصحيفة الإيطالية.