مخاوف جديدة.. ما أسباب توتر العلاقات المستمر بين إيران والأرجنتين منذ 30 سنة؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

توتر متصاعد يسود العلاقات الإيرانية الأرجنتينية، أصبحت علاماته جلية بعد تبادل الاتهامات على لسان المسؤولين في البلدين.

كما تعمق بعد أن اتخذت بوينس آيرس عدة تدابير لمواجهة تنامي نشاط الحرس الثوري وأذرعه في دول أميركا اللاتينية القريبة من حدودها.

وفي وقت تتوتر العلاقة بين طهران وبوينس آيرس، كثفت إيران جهودها لتوسيع نفوذها في أميركا اللاتينية، ولاسيما مع فنزويلا ونيكاراغوا وبوليفيا.

إذ تعمقت العلاقات مع الأخيرة خلال رئاسة إيفو موراليس، واستمرت حتى عهد رئيسها الحالي، لويس آرسي.

حقبة التفجيرات

ما أثار التوتر مجددا، هو فتح السلطات الأرجنتينية قضية التفجيرات التي وقعت على أراضيها في تسعينيات القرن العشرين واستهدفت مواقع يهودية، أوقعت العديد من القتلى في صفوفهم، والتي تحمل بوينس آيرس مسؤولياتها لإيران، ولكن بتنفيذ من "حزب الله" اللبناني.

وفي 13 يوليو/ تموز 2024، جدد مكتب الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، اتهاماته لإيران بالوقوف وراء هجومين استهدفا مواقع يهودية في البلاد، وذلك بالتزامن مع الذكرى الثلاثين لتفجير مبنى الجمعية التعاضدية اليهودية الأرجنتينية (آميا) في بوينس آيرس عام 1994.

وقع تفجير آميا في 18 يوليو 1994، وأسفر عن مقتل 85 شخصا وإصابة 300 آخرين، بعد عامين من هجوم استهدف السفارة الإسرائيلية في العاصمة الأرجنتينية عام 1992، قتل فيه أكثر من 20 شخصا وجرح 32.

واتهم القضاء الأرجنتيني "حزب الله" اللبناني الموالي لإيران بتنفيذ الهجومين.

وفي 24 أبريل/نيسان 2024، أعلنت الأرجنتين، أنها طلبت من الشرطة الدولية "الإنتربول" توقيف وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي بتهمة ضلوعه في التفجير الذي استهدف مركزا يهوديا في بوينس آيرس عام 1994.

وكان وحيدي في ذلك الوقت قائدا لفيلق القدس، ووحدة العمليات السرية في الحرس الثوري الإيراني، فيما عُين عام 2021 وزيرا للداخلية بعد أن شغل سابقا منصب وزير الدفاع.

وقالت وزارة الداخلية الأرجنتينية إن وحيدي حاليا في عداد وفد إيراني يزور باكستان وسريلانكا، مضيفةً أنها طلبت أيضا من حكومتي البلدين توقيف الوزير الإيراني وتسليمها إياه.

وقد أصدر "الإنتربول"، بناء على طلب الأرجنتين، "نشرة حمراء" بحقه، فيما قالت وزارة الخارجية الأرجنتينية، في بيان، إن أحمد وحيدي مطلوب بها "بصفته أحد المسؤولين عن الهجوم على مركز آميا". 

وتوجد في الأرجنتين أكبر جالية يهودية بأميركا اللاتينية يبلغ تعداد أفرادها نحو 300 ألف شخص. كما يعد هذا البلد موطنا لمجتمعات مهاجرين من الشرق الأوسط، خصوصا من سوريا ولبنان.

وفي 12 أبريل 2024، حمّلت محكمة أرجنتينية إيران المسؤولية عن هجومين دمويين استهدفا، قبل 3 عقود، الجالية اليهودية في البلاد.

وقال كارلوس ماهيكيس أحد القضاة الثلاثة الذين أصدروا القرار، لراديو "كون فوس"، "حزب الله نفذ عملية استجابت لمخطط سياسي وأيديولوجي وثوري بتفويض من حكومة، من دولة"، في إشارة إلى إيران.

ردود إيرانية

إيران من جانبها ترد باستمرار على الأرجنتين، إذ أدان المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، في 13 يوليو 2024، "الادعاءات والاتهامات غير الموثقة لوزير العدل ومكتب الرئيس الأرجنتيني القاضية بتورط مواطنين إيرانيين في انفجار مبنى آميا".

وضمن تجديده تعازيه لعوائل ضحايا انفجار آميا عشية الذكرى الـ30 للحادث، قال كنعاني إن "اكتشاف الحقيقة وحل هذه القضية بشكل نهائي لن يكون ممكنا إلا عندما تنأى الأطراف المعنية في الأرجنتين بنفسها عن تسييسها وأيضا عدم الخضوع لتأثيرات أطراف ثالثة".

ودعا كنعاني السطات الأرجنتينية إلى تجنب التصريحات والإجراءات العدائية ضد إيران، وطالبها بعدم تعريض مصالحها الوطنية والعلاقات الثنائية لسيناريوهات معادية مبنية على "محور الشر الأميركي- الصهيوني".

وقبلها، وصف كنعاني طلب الأرجنتين من "الإنتربول" توقيف وزير الداخلية الإيراني أحمد وحيدي، بأنه "غير قانوني".

وأعرب عن "إدانة إيران بشدة تكرار الطلبات غير القانونية المبنية على أكاذيب، من بعض القضاة الأرجنتينيين بشأن مواطنين إيرانيين في قضية جمعية آميا". 

ووفقا لوكالة "مهر" الإيرانية، شدد كنعاني، على أن "الاتهامات التي وجهت في قضية آميا ضد المواطنين الإيرانيين لا أساس لها، وخالية من أي وثائق وبالتالي، فإن تقديم مثل هذه الطلبات من السلطات القضائية في الدول الأخرى ليس له أي سند قانوني أو صحة".

وأكد أن إيران تدعم "تنفيذ العدالة ومحاكمة الذين تسببوا، من خلال إتلاف الوثائق، في انحرافات خطيرة في سياق قضية آميا، وأفلتوا من العقاب على هذا الحادث".

ودعا السلطات الأرجنتينية لـ"تجنب توجيه اتهامات لا أساس لها ضد مواطني الدول الأخرى، وعدم التأثر بأعداء العلاقات الثنائية بين إيران والأرجنتين".

وفي 31 أكتوبر/ تشرين الأول 2012، أعلنت وزارة الخارجية الإيرانية انتهاء المباحثات بين الخبراء القانونين الإيرانيين والأرجنتينيين المتعلقة بتفجير جمعية (آميا) اليهودية، لكنها فشلت ولم تصل إلى أي نتيجة.

وحذرت إسرائيل في حينها الأرجنتين من مغبة إبرام صفقة مع إيران بشأن الحادث، حسبما أفادت به صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في أكتوبر/تشرين الأول 2012.

وأوضحت الصحيفة أن "وزارة الخارجية الإسرائيلية بعثت وفدا رفيع المستوى إلى الأرجنتين، للتوضيح بأن تل أبيب سترد بقوة على أي محاولة لإبرام صفقة مع إيران تحول دون تسليم الإيرانيين المشتبه بتورطهم".

تأهب أرجنتيني

ورغم مرور ثلاثة عقود على التفجيرات، تتخذ الأرجنتين أعلى مستويات التأهب والأمن على الحدود مع بوليفيا، بسبب مخاوف من احتمال تسلل "عملاء" إيرانيين إلى بوينس آيرس، عبر هذه الدولة وأيضا عن طريق فنزويلا، حسبما ذكرت صحيفة "إيران إنترناشوينال" الإيرانية المعارضة.

وأفادت الصحيفة الإيرانية خلال تقرير لها في 13 يوليو 2024، أن وزيرة الأمن الأرجنتينية، باتريشيا بولريتش، أكدت وجود نواة تابعة لـ"حزب الله" اللبناني، المدعوم من إيران، في المنطقة الحدودية الثلاثية بين الأرجنتين والبرازيل وباراغواي.

وأشارت إلى أن أحد المخاوف الأرجنتينية الرئيسة تكمن في إصدار جوازات سفر بوليفية للمواطنين الإيرانيين بهويات مزورة، وهذا من شأنه أن يسمح لهم بالتحرك بحرية في جميع أنحاء أميركا اللاتينية.

وبينت أن الأرجنتين تعتقد أنها أنشطة تجري بتوجيه من فيلق القدس والاستخبارات الإيرانية.

وفي 16 يوليو 2023، التقى وزير الدفاع البوليفي، إدموندو نوفيلو، بنظيره الإيراني، محمد رضا أشتياني، في طهران، ووقّع كلاهما مذكرة تفاهم خاصة بالدفاع والأمن بين البلدين.

أعقبها إعلان من جانب نوفيلو بأن بلاده مهتمة بالاستعانة بخبرة الطائرات المُسيَّرة الإيرانية لاستخدامها في أغراض حماية الحدود، ومكافحة تجارة المخدرات.

وفي حينها سارعت الأرجنتين إلى تقديم مذكرة استيفاء معلومات للسفارة البوليفية في بوينس آيرس، تطالب فيها بمعلومات عن نطاق المناقشات وأي اتفاقيات جرى التوصل إليها خلال زيارة نوفيلو، لطهران، في يوليو 2023.

وجاء الاتفاق البوليفي الإيراني عقب أسابيع قليلة من زيارة الرئيس الإيراني السابق إبراهيم رئيسي لثلاث دول في أميركا اللاتينية هي فنزويلا ونيكاراغوا وكوبا، في يونيو 2023.

فيما يُمثل عودة واضحة لاهتمام طهران بالعلاقات مع حلفائها القدامى في هذه القارة، التي تتمتع بأهمية خاصة في السياسة الخارجية والدفاعية الإيرانية.

وبعد إجراء الأرجنتين تحقيقات مفصلة بخصوص تفجير آميا عام 1994، أعلنت أن التخطيط لهذا التفخيخ جرى في طهران، ونَفّذه "حزب الله" اللبناني بقيادة عماد مغنية، الذي اغتيل في سوريا عام 2008، واتهمت إسرائيل بالوقوف وراء مقتله بتفجير سيارة مفخخة في دمشق.

وتتهم السلطات في الأرجنتين أيضا كلا من القائد العام للحرس الثوري حينها اللواء محسن رضائي، وقائد فيلق القدس آنذاك العميد أحمد وحيدي بالوقوف خلف الحادث، وما يزالان، بطلب من الأرجنتين، مدرجَينِ على لائحة الملاحقين لدى الإنتربول الدولي.

إلى جانب هذين الاثنين، وجهت الأرجنتين أصابع الاتهام رسميا بالتخطيط للتفجير وتنفيذه إلى كلٍ من: “الرئيس الإيراني وقتها أكبر هاشمي رفسنجاني، ووزير استخباراته ، علي فلاحيان، ووزير خارجيته علي أكبر ولايتي”.

كما وجهت نفس الاتهام إلى المستشار الثقافي الإيراني في الأرجنتين حينها محسن رباني، والسكرتير الثالث في السفارة أحمد رضا أصغري.

وفي عام 2003 طالبت الأرجنتين باعتقال هادي سليمان بور، السفير الإيراني في بوينس آيرس أثناء وقوع التفجير.

واعتقلت بريطانيا بور لفترة من الزمن ثم أفرجت عنه من دون أن تستعيده الأرجنتين للمحاكمة أو الاعتقال.