انسحاب أنغولا من "أوبك".. هكذا تضرب السعودية وحدة أهم منظمة نفطية

a year ago

12

طباعة

مشاركة

بعد الإكوادور وقطر، أعلنت أنغولا، ثاني أكبر منتج للنفط بإفريقيا، أنها ستنسحب من منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، ما يُعد أحدث ضربة لأهم تحالف نفطي في العالم.

وجاء الإعلان في 21 ديسمبر/كانون الأول 2023، بعد خلافات مع "أوبك" حول تحديد نصيبها من الإنتاج وتقليص نصيبها بالفعل في حصص إنتاج 2024 التي تم إعلانها، وخصوصا السعودية رئيسة المنظمة المتهمة بـ"التحرك وفق مصالحها ومصالح الغرب" دون بقية الأعضاء.

وسيؤدي الانسحاب الجديد إلى مزيد من إضعاف قوة المنظمة العالمية، وقد ينعكس على انخفاض جديد في أسعار النفط، التي انخفضت 2 بالمئة، بعد العدوان على غزة وأزمة البحر الاحمر، كما يثير تساؤلات حول وحدة "أوبك"، وفق محللين.

وتأسست منظمة "أوبك" عام 1960، وتضم 13 عضوا بقيادة السعودية، وبخروج أنغولا، أصبح عدد أعضائها 12.

ثم تشكل تحالف "أوبك بلاس" عام 2016 مع 10 دول أخرى، من بينها روسيا لتقليص الإنتاج بما يؤدي إلى رفع أسعار النفط في ظل منافسة أميركية للمنظمة.

ويمثل إنتاج أنغولا البالغ 1.2 مليون برميل يوميا، حوالي 2 بالمئة من إجمالي إنتاج تحالف "أوبك بلاس"، الذي يضم روسيا أيضا، والذي يزيد عن 28 مليار برميل، من سوق النفط العالمية البالغة 102 مليون برميل يوميا.

غياب الوحدة

وبدأت الخلافات داخل المنظمة وخصوصا مع السعودية، نهاية نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حين أبدت أنغولا ونيجيريا عدم رضاهما عن حصصهما خلال الاجتماع الوزاري الأخير لتحالف "أوبك بلاس" الذي تم تأجيله بسبب الخلافات.

وفي أعقاب قرار مجموعة أوبك بتخفيض إنتاج النفط الأنغولي لعام 2024، ضمن سلسلة التخفيضات التي تقودها السعودية للمساعدة في رفع الأسعار، قررت لواندا الانسحاب.

وقال وزير النفط الأنغولي، ديامانتينو أزفيدو، في تبريره لقرار الانسحاب، إن بلاده "لا تستفيد شيئا بالبقاء في المنظمة، ودفاعا عن مصالحها، قررت المغادرة".

وقال الوزير أزفيدو لتلفزيون "تي بي إيه" الأنغولي الرسمي في 21 ديسمبر، إن الوقت قد حان "للتركيز أكثر" على أهدافنا الخاصة، مؤكدا: "إذا بقينا في أوبك سنعاني من عواقب قرار احترام حصص الإنتاج".

فيما ذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية، أن أنغولا اتخذت القرار بعد "خلافات" مع الرياض، ووصفت اعتزام الانسحاب بأنه "وجه ضربة للمنظمة النفطية التي ترأسها السعودية".

ورأت صحيفة "نيويورك تايمز" أن "إعلان أنغولا لم يكن مفاجئا، لأن قادتها يشعرون بالغضب تجاه السعودية، منذ تزعمت خطوة في يونيو/حزيران 2023 لخفض حصص إنتاج النفط لأنغولا ونيجيريا ودول أخرى، مع زيادة سقف إنتاج الإمارات".

وأوضحت في 21 ديسمبر أن رئيس أنغولا جواو لورينسو (الأكثر قربا في التوجه السياسي لأميركا) عد تخفيض السعودية رئيس أوبك لحصة بلاده "من شأنه أن يردع الاستثمار الذي كان يحاول جذبه لبلاده التي تعتمد على 95 بالمئة من مواردها على النفط، فقرر الانسحاب".

ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية في 21 ديسمبر عن محللين قولهم إن "قرار أنغولا بمغادرة أوبك بعد 16 عاما، بسبب الخلاف مع السعودية على حصتها الإنتاجية، من المتوقع أن يؤثر على تراجع أسعار النفط، لأن هذا سيشجع الأعضاء الآخرين على عدم الالتزام بحصصهم النفطية".

وشددوا على أن "أنغولا أصبحت مستاءة من الاتجاه الذي اتخذته أوبك، والذي تحدده عادة السعودية وروسيا، وعدم الاهتمام بآراء المنتجين الصغار مثلها".

ويرى محللون أن غياب الوحدة في صفوف التحالف "هو ما يثير الشكوك في الأسواق من التزامه بالاقتطاعات المعلنة".

آثار الانسحاب

وقال المحلل لدى"يو بي إس"، جيوفاني ستونوفو، لوكالة "رويترز" إن "الأسعار تراجعت بسبب القلق بشأن وحدة أوبك بلاس كمجموعة، لكن لا يوجد ما يشير إلى أن دولا أخرى ستتبع نهج أنغولا وتنسحب، خاصة الدول غزيرة الإنتاج".

لكن خبراء اقتصاد رجحوا أن ينعكس ذلك في نهاية المطاف على وحدة أوبك، التي ستظهر مُفككة، كأنه لا يوجد إجماع داخلها.

وأوضح الموقع أن "خروج أنغولا المرتقب وتفتت أوبك قد يؤدي لإحداث تداعيات خطيرة طويلة المدى على قدرتها على تشكيل السوق، بعد النزاع الكبير داخل أوبك بلاس، في ضوء محاولات السعودية منع انهيار أسعار النفط كما يريد الغرب".

وقالت المحللة السابقة في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، هيليما كروفت، لـ"فاينانشال تايمز"، إن أنغولا "رفضت اتفاق يونيو 2023 واختلفت مع السعودية".

وأوضحت أن "ذلك الاتفاق سمح لدول، من بينها الإمارات، العضو في منظمة أوبك، بزيادة خط الأساس لإنتاجها لعام 2024 بينما تم خفض خط الأساس الخاص بأنغولا ونيجيريا ودول أخرى".

ومع رحيل أنغولا الوشيك عن "أوبك"، سينقص إنتاج أوبك من النفط الخام إلى 27 مليون برميل يوميا، أو 26 بالمئة من إجمالي 102 مليون برميل يوميا عالميا.

لكن موقع "فوربس" أكد في 21 ديسمبر 2023 أن الآثار المترتبة على خروج أنغولا من أوبك بالنسبة لـ"أوبك بلاس" وأسعار النفط على المدى القريب "قد تكون جميعها بمثابة صدمة، لكنها ليست زلزالية بأي حال من الأحوال".

تقلص النفوذ

وبرز دور أوبك عام 1973 عندما اتخذت قرار حظر النفط العربي في خضم "حرب أكتوبر 1973" بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا، ما تسبب بأول صدمة نفطية عالميا.

وفي غضون أشهر فقط زادت أسعار النفط أربعة أضعاف، ما عكس سطوة المنظمة.

ودفع هذا دولا مختلفة للبحث عن حلول أخرى وشرعت أميركا في تخزين مخزون إستراتيجي ضخم تحت الأرض من النفط، كما زادت إنتاجها من النفط.

وفي مواجهة تزايد المنافسين في الثمانينيات، اعتمدت المنظمة نظام الحصص الذي أتاح لها تعزيز هيمنتها. 

ومكنتها هذه الإستراتيجية من تخطي تحديات عالمية كبرى مثل الأزمة المالية لعام 2008 وجائحة كورونا، بأداء جيد نسبيا حافظ على استمرار ارتفاع أسعار النفط بما يدعم موازنة دولها.

وفي ظل خفض الإنتاج وأزمات سياسية في دول مثل فنزويلا وليبيا، تراجعت حصة تحالف "أوبك بلاس" من سوق النفط العالمية إلى 51 بالمئة، وهي الأدنى منذ تأسيس المنظمة، وفق أحدث تقرير للوكالة الدولية للطاقة.

وجاء التحدي الأكبر حين تجاوز إنتاج النفط الخام في الولايات المتحدة عتبة 20 مليون برميل يوميا، ما جعلها تتخلص من عقدة حجب النفط عنها عام 1973.

وجاء الغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، ليزيد جهود الدول الغربية، التي تعتمد على نفط موسكو، نحو الاستقلال في مجال الطاقة.

وكانت أنشط الدول المناهضة لروسيا في هذا المجال هي الولايات المتحدة، التي وسعت إنتاجها من النفط بشكل كبير عام 2022، مما أدى إلى إغراق سوقها المحلية بالطاقة.

وأصبحت أخيرا أكبر دولة منتجة للنفط في التاريخ بمعدل 13.2 مليون برميل يوميا، مما أضعف سيطرة أوبك على سوق النفط.

وقالت صحيفة "نيويورك تايمز" في 21 ديسمبر إن "هذا الإنتاج الغزير من خارج أوبك، وخاصة من الولايات المتحدة، الآخذ في الارتفاع، خفض الأسعار عالميا، لذا حاولت أوبك بقيادة السعودية خفض الإنتاج لرفع الأسعار".

وضمن مسعاه لرفع الأسعار، عمد تحالف "أوبك بلاس" إلى خفض الإنتاج تدريجيا بكميات تجاوزت خمسة ملايين برميل يوميا منذ أواخر العام 2022.

لكن خبراء ينظرون إلى تحرك قيادة أوبك بزعامة السعودية بشكوك خشية أن تؤدي لمزيد من انسحاب دول أوبك وتفتت وحدة أكبر وأهم منظمة نفطية في العالم، بسبب مغامرات ولي العهد محمد بن سلمان الاقتصادية والسياسية.

ويرون أن مغادرة أنغولا الوشيكة لأوبك كانت مثال لحالة الغضب التي تنتاب دولا نفطية أخرى، وأثارت تساؤلات حول قيادة السعودية ووحدة أوبك لأن التوترات الأخيرة أظهرت أنه لا يوجد إجماع داخل أوبك نفسها بسبب رفض دول النهج السعودي.

ويخشون أن تستغل أميركا ودول غربية ذلك في مزيد من التجاذبات وزيادة الانتاج لتقليل فعالية أوبك وتشجيع دول داخله على خرق التزاماتها، ما يهدد وحدة أهم منظمة نفطية كانت تتحكم في الأسواق بالكامل ثم بدأ دورها يتآكل تدريجيا.

الكلمات المفتاحية