أمير الكويت يغلق البرلمان ويعطل بعض مواد الدستور.. ما الدوافع والتداعيات؟

داود علي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

مساء 10 مايو/ أيار 2024، اتجهت قوات أمن كويتية مدججة بالسلاح إلى مجلس الأمة وحاصرته، بينما التليفزيون الحكومي يبث أناشيد وطنية وأهازيج شعرية تشيد بأمير البلاد مشعل الأحمد الجابر الصباح، قبل خطاب مرتقب بدا أنه سيكون غير عادي. 

وبالفعل جاء خطاب الأمير عاصفا، إذ قرر حل مجلس الأمة "البرلمان"، وتعليق العمل ببعض مواد الدستور لمدة لا تزيد عن أربع سنوات.

وقال الأمير في خطابه المتلفز: “لن أسمح على الإطلاق بأن تستغل الديمقراطية لتحطيم الدولة”، مدعيا أنه سيتم خلال هذه المدة “دراسة الممارسة الديمقراطية في البلاد”، فيما سيتولى الأمير ومجلس الوزراء اختصاصات البرلمان.

وكان لافتا أن وصل الأمير مشعل اتصال هاتفي من الرئيس الإماراتي محمد بن زايد عقب إذاعة الخطاب، ونشرت فحواه وكالة الأنباء الكويتية.

وأعرب رئيس الإمارات الذي تقود بلاده ثورة مضادة ضد الحركات الديمقراطية بالمنطقة، خلال الاتصال عن وقوف بلاده إلى جانب الكويت في القرارات كافة التي اتخذتها "للحفاظ على استقرارها"، مؤكدا أن "استقرار الكويت هو من استقرار الإمارات".

انقلاب على الديمقراطية

ومثلت عاصفة قرارات الأمير مشعل صدمة للشارع الكويتي، وغضبا لقطاع عريض من السياسيين، خاصة أن التجربة الديمقراطية في الدولة الخليجية كانت نموذجا يحتذى به. 

فخلافا لدول بالمنطقة، عرفت الكويت بحياة سياسية نشطة، وحظي مجلس الأمة فيها، الذي ينتخب أعضاؤه لولاية مدتها 4 سنوات، بسلطات تشريعية واسعة.

وبدأت الحياة البرلمانية في الكويت عقب الاستقلال عام 1961، ومع ذلك شهدت العديد من الأزمات التشريعية، وقد تم حل مجلس الأمة 12 مرة، إضافة إلى هذه المرة لتكون الثالثة عشرة. 

ورغم أن الدولة الخليجية تحظر الأحزاب السياسية لكن البرلمان يتمتع بصلاحيات كبيرة مقارنة بباقي دول مجلس التعاون الخليجي.

منها قدرته على استجواب رئيس الوزراء والوزراء وإقرار القوانين ورفضها وإلغائها. لكن للأمير دائما الكلمة الفصل في شؤون البلاد وله صلاحية حل البرلمان.

وتلك الجزئية تحديدا كانت بمثابة كعب أخيل (مصطلح يشير إلى نقطة ضعف مميتة)، إذ بسببها تكرر حل المجلس وإجراء الانتخابات.

ما أدى في كثير من الأحيان إلى حالة من الجمود السياسي على مدى عقود والإحباط العام لدى الكويتيين راغبي الإصلاح. 

كيف بدأت الأزمة؟ 

تعيش الكويت منذ سنوات أزمات متتالية بسبب الخلافات المستمرة والصراعات بين الحكومات التي يعينها الأمير والبرلمانات المنتخبة انتخابا مباشرا.

وعندما صعد الأمير الحالي الشيخ مشعل الصباح إلى سدة الحكم في 16 ديسمبر/ كانون الأول 2023، كان ملف مجلس الأمة، وتقليل الفجوة بينه وبين الحكومة، أحد أهم التحديات على طاولة أعماله. 

لكن الأمير في جلسة أدائه اليمين الدستورية يوم 20 ديسمبر، شن هجوما حادا على المجلس، ووجه له انتقادات لاذعة، ومن هنا بدأت الأزمة بين الطرفين. 

فبعدها مباشرة أصر النائب الكويتي، عبد الكريم الكندري، الرد على خطاب الأمير، خلال جلسة برلمانية. 

وقتها رفض رئيس المجلس أحمد السعدون، موقف الكندري، وطلب منه الالتزام باللائحة، والرد حصرا على خطاب آخر ألقاه الأمير عندما كان وليا للعهد، ليحدث سجالا بينهما. 

لكن النائب رفض الالتزام، وقال في رده على السعدون، إن الانتقادات التي وجهها الأمير مشعل لمجلس الأمة والحكومة، في الخطاب الذي ألقاه خلال جلسة أداء اليمين الدستورية تتعلق باختصاصات السلطة التنفيذية، وهي الحكومة، لا اختصاصات السلطة التشريعية، أي مجلس الأمة. 

فما كان من رئيس البرلمان، سوى حذف الكلمة من محضر الجلسة، وحجبها عن العرض التلفزيوني، وهو ما رفضه الكندري؛ إذ يرى أن مداخلته لا تتضمن أي مخالفة للدستور.

وفي الجلسة التالية صوت مجلس الأمة، بغالبية 44 نائبا على رفض شطب كلام الكندري من محضر الجلسة، وبالتالي تم إلغاء قرار السعدون، وتعديل المحضر.

لحظة فارقة 

وفي اليوم التالي، أعلن السعدون، تلقيه اتصالا من رئيس الحكومة (آنذاك) الشيخ محمد صباح السالم، يبلغه فيه اعتراضه ورفضه لسلوك البرلمان. 

ووصلت الأمور إلى لحظة فارقة بإصدار مرسوم أميري بحل مجلس الأمة الكويتي في 16 فبراير/ شباط 2024، وكان هذا الحل الأول في عهد الأمير والثاني عشر في تاريخ الكويت. 

المرسوم صدر على خلفية أن جلسات المجلس الأخيرة مست بالذات الأميرية، وهو أمر يخالف الدستور الكويتي.

ودعا الأمير إلي انتخابات برلمانية جديدة، في 4 أبريل 2024، لكن نتائجها كانت غير مرضية لا للأمير ولا للحكومة. 

إد أسفرت عن تغيير محدود تمثل في دخول 11 نائبا جديدا من أصل 50 عضوا منتخبا في البرلمان، ما أشار إلى استمرار حالة الجمود السياسي.

وبعدها بيومين فقط، قدمت حكومة الشيخ محمد صباح السالم الصباح، استقالتها كخطوة إجرائية بعد الانتخابات.

ثم اعتذر الشيخ محمد صباح السالم الصباح عن عدم تشكيل حكومة جديدة الأمر الذي أربك المشهد، وزاد من تعقيده عزوف شخصيات أخرى من أسرة الصباح الحاكمة عن تولي المنصب.

وفي 15 أبريل 2024، تم إصدار مرسوم أميري، بتعيين الشيخ أحمد عبدالله الأحمد الصباح رئيسا جديدا لمجلس الوزراء، وطلب منه تشكيل الحكومة الجديدة، لكنه لم يتمكن من تشكيلها. 

وقبلها في 8 أبريل، صدر مرسوم أميري بتأجيل اجتماع مجلس الأمة الجديد، إلى 14 مايو بدلا من 17 أبريل، مستندا للمادة 106 من الدستور التي تجيز للأمير تأجيل اجتماعات البرلمان لمدة لا تتجاوز شهرا.

وظهر أن الأفق السياسي أغلق تماما ما بين أمير البلاد ومجلس الأمة، وأن الأمور تتجه إلى لحظة صدامية، وهو ما كان أخيرا بحل البرلمان وتعليق العمل ببعض مواد الدستور. 

المواد المعلقة 

والمواد والفقرات التي عطلها الأمير من الدستور الكويتي، جاءت ممثلة في (المادة 51)، وتنص على أن السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقاً للدستور. 

و(المادة 56)، وتقر أن يكون تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم، ولا يزيد عدد الوزراء جميعا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة.

و(المادة 71) وتشير إلى وجوب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال 15 يوما من تاريخ صدورها، إذا كان المجلس قائما.

وفي أول اجتماع له في حالة الحل أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك. 

أما إذا عرضت ولم يقرها المجلس زال بأثر رجعي ما كان لها قوة القانون، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة أو تسوية ما ترتب من آثارها بوجه آخر.

وكذلك (المادة 79)، وتقول لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير.

و(المادة 107)، وتنص أن للأمير أحقية حل مجلس الأمة بمرسوم تبين فيه أسباب الحل على أنه لا يجوز حل المجلس لذات الأسباب مرة أخرى .

وإذا حل المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل . 

فإن لم تجر الانتخابات خلال تلك المدة يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع فور اكأن الحل لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن ينتخب المجلس الجديد.

وكذلك تأتي (المادة 174)، وتقر أن للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو بإضافة أحكام جديدة إليه. 

فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة، وتشترط لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس.

ولا يكون التنقيح نافذا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره، وذلك بالاستثناء من حكم المادتين 65 و 66 من هذا الدستور.

 وإذا رفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض. 

ولا يجوز اقتراح تعديل هذا الدستور قبل مضي 5 سنوات على العمل به.

وأخير (المادة 181) وتشمل أنه لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون. 

ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه.

الجنسية الكويتية 

قرارات الأمير التي ضربت الحياة الديمقراطية الكويتية عرض الحائط، تخللتها أزمة حقوقية أخرى لا تقل فداحة. وهي مسألة الجنسية الكويتية التي تثير جدلا في المشهد.

حيث قال الأمير مشعل في خطابه: “من دخل البلاد على حين غفلة وتدثر في عباءة جنسيتها بغير حق ومن انتحل نسبا غير نسبه أو من يحمل ازدواجا في الجنسية أو وسوست له نفس أن يسلك طريق التزوير للحصول عليها. فالدولة تقوم على دعامتين أساسيتين، الأمن والقضاء”، في إشارة إلى إمكانية نزع الجنسية.

ونزع المواطنة في الكويت من القضايا الشائكة، التي يضرب بها النظام معارضيه. 

وتشهد الدولة منذ 4 مارس/ آذار 2024، موجة سحب جنسيات غير مسبوقة، حيث أوردت صحيفة “القبس” المحلية، أن عدد من تم تجريدهم من جنسيتهم وصل إلى 211 مواطنا. 

فيما نقلت صحيفة "الرأي" المحلية عن مصادر لم تسمها، أن اللجنة العليا لتحقيق الجنسية تواصل دراسة الملفات والتقارير، وذكرت أنه من المتوقع أن يصل إجمالي حالات سحب الجنسية خلال الفترة المقبلة إلى أكثر من ألف شخص. 

كما يوجد أشخاص آخرون وسياسيون بارزون شملتهم قرارات إسقاط الجنسية، على رأسهم الدكتور حاكم المطيري، الأمين العام لمؤتمر الأمة، رئيس حزب الأمة، وهو أيضا أستاذ التفسير والحديث بجامعة الكويت.

وجاء في المرسوم الخاص بالمطيري في 5 مارس/ آذار 2024، أن "الجنسية سحبت منه، رفقة أربعة آخرين هم: سارة العجمي، عبد الرحمن العيسى، ظافر العجمي، وجميلة العتيبي".

وكان الدكتور المطيري قد غادر الكويت منذ سنوات، بعد أن تم ترصده على خلفية مواقفه المعارضة، ووصل الأمر إلى أن السلطات أصدرت ضده أحكاما بالسجن وصلت إلى المؤبد. 

تداعيات خطيرة 

وتعقيبا على قرارات الأمير، سرعان ما أصدر "حزب الأمة" الكويتي المعارض، بيانا في 10 مايو، قال فيه، إنه "إذ يؤكد حق الشعب الكويتي في الشورى - كما فرضها الله عز وجل في كتابه الحكيم وسنة نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم، ونظمها دستور الدولة في اختيار من يمثله في مجلس الأمة وحقه في مراقبة ومحاسبة الحكومة بصفته مصدر السلطات جميعا".

وأضاف: "يرفض الحزب تعليق مجلس الأمة وحله حلا غير دستوري ومصادرة إرادة الشعب الكويتي التي عبر عنها في انتخابات 2024، وتعليق مواد الدستور التي تؤكد دور الشعب بصفته مصدر السلطات في ممارسة سيادته ومشاركته في إدارة شؤون الدولة من خلال مجلس الأمة والتي تم تعليقها خارج الأطر الشرعية والدستورية".

وأتبع: "حزب الأمة في ظل هذه الأزمة السياسية الجديدة يدعو السلطة إلى الالتزام بالشورى وبالعقد السياسي والوفاء بالعهد في ميثاق مؤتمر جدة عام 1990، لنزع فتيل هذه الأزمة قبل تفاقمها وتعريض الكويت للاضطرابات الداخلية والأخطار الخارجية كما حدث بعد حل مجلس الأمة سنة 1986".

فيما غرد المعارض السعودي ناصر بن عوض القرني، قائلا: “تنبيهات للشعب الكويتي، أنا من المستقبل وينتظركم الآتي”.

وأضاف: ضريبة وأي انتقاد سجن، تطبيع وأي رفض سجن، أي انتقاد لرئيس حفلة موسيقية نهايته سجن، ممنوع تطالب بالوظيفة، لازم تنزل صورة ولي العهد القادم كل اسبوعين وتدعي له". 

دوليا، نقلت صحيفة "نيويورك تايمز" الأميركية رأي مايكل هيرب، أستاذ العلوم السياسية في جامعة ولاية جورجيا، عن أزمة الكويت، إذ قال: "هذه انتكاسة خطيرة للديمقراطية في الشرق الأوسط".

وأضاف في 11 مايو: "تعليق عمل البرلمان يهدد بجعل الكويت سلطوية مثل غيرها من ممالك الخليج".

وأكمل: "لا يزال هناك أمل في أن تسلك البلاد مسارا مختلفا، فبعد التعليقين السابقين، تمت استعادة البرلمان في نهاية المطاف".

من جانبه، قال شون يوم، الأستاذ المشارك في العلوم السياسية في جامعة تمبل الأميركية، "إنه يشعر بالقلق من كيفية التعامل مع المعارضة الداخلية الآن".

وتساءل "ماذا يحدث للنقاد السياسيين وكتل المعارضة إذا لم يعد لديهم برلمان الذي يجسد دائما تعددية المجتمع الكويتي؟".

لمحة تاريخية

وتاريخيا بدأت عملية التحول نحو إقامة حياة دستورية متطورة في دولة الكويت بوضع دستور دائم للبلاد.

وقد تم تدشين عملية التحول بإصدار القانون رقم (1) لسنة 1962، الخاص بالنظام الأساسي للحكم في فترة الانتقال من الإمارة إلى الدولة.

والذي كان بمثابة دستور مؤقت تم تطبيقه خلال فترة الانتقال لحين صدور الدستور الدائم.

وفي 11 نوفمبر/ تشرين الثاني 1962، أقر أمير البلاد الدستور الدائم الذي أقر المجلس التأسيسي للدستور، دون أي تعديل.

وقد احتوى الدستور الأول للدولة على (183) مادة مقسمة على خمسة أبواب أساسية (الدولة ونظام الحكم- المقومات الأساسية للمجتمع الكويتي- الحقوق والواجبات العامة- السلطات- الأحكام العامة والأحكام المؤقتة)، علاوة على مذكرة تفسيرية للدستور.

وتميزت الكويت بتلك الخطوات، حيث عُدّ البرلمان الكويتي أقوى بكثير من المجالس الرمزية إلى حد كبير في الأنظمة الملكية المجاورة مثل السعودية والإمارات. 

ويكون لأعضائه الحق في استجواب الوزراء علنا، وممارسة النفوذ على ميزانية الدولة، والموافقة على تعيين الأمير وليا جديدا للعهد.