بين تقليدية الخطاب وبراغماتية التطبيع.. كيف تقرأ إسرائيل سياسات السعودية؟
"نتنياهو يعول على الإمارات والسعودية لتولي ملف تمويل إعادة الإعمار في قطاع غزة"
في 18 سبتمبر/ أيلول 2024، أعلن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان رفضه تطبيع العلاقات مع إسرائيل دون قيام دولة فلسطينية، منددا في الوقت نفسه بـ"جرائم الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني".
وذلك على عكس بوادر التقارب بين الطرفين التي لاحت في الأفق قبل نحو عام عندما صرح بأن التطبيع بين الرياض وتل أبيب "يقترب كل يوم أكثر فأكثر".
وفي هذا السياق، ناقش المعهد الإسرائيلي للسياسات الخارجية الإقليمية (ميتفيم) العقبات والفرص الكامنة أمام السعودية للتطبيع وللمشاركة فيما أسماها عملية السلام المستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
علاقة ثلاثية
يدحض المعهد في مطلع حديثه، "التحليلات السياسية الخاطئة، التي تسعى لفهم العلاقة بين إسرائيل والسعودية من منظور ثنائي فقط، فيما يتعلق بموقف الرياض من القضية الفلسطينية".
وذلك لأن هناك ما يمكن تسميته بـ"تثليث الخطاب السعودي الأميركي الإسرائيلي"، فيقول: "يمكن القول إنه توجد علاقة ثلاثية بين السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، وهذا يعني أن الخطاب السعودي تجاه إسرائيل، فيما يتعلق السلام والتطبيع، لا يمكن فصله عن حسابات السعودية في علاقاتها مع الولايات المتحدة".
وتابع: "وهذه الديناميكية تفسر الطبيعة الغامضة للإعلام السعودي، ومن هنا نلاحظ صعوبة وغموضا في تحليل الموقف السعودي، كما أن التسييس العميق للعلاقات بين السعودية وإسرائيل من قبل صناع القرار في تل أبيب وواشنطن يزيد من الارتباك".
واستدرك قائلا: "مع هذا لا ينبغي المبالغة وعدّ إسرائيل عنصرا ثانويا ليس أكثر، في إطار العلاقة بين السعودية وأميركا".
"وبينما تسعى إسرائيل للتطبيع انطلاقا من مبدأ "السلام مقابل السلام"، تضغط واشنطن لإتمام التطبيع كون ذلك يمثل الإستراتيجية الوحيدة الواضحة التي تملكها إدارة بايدن فيما يتعلق بالشرق الأوسط، ويمكن وصف تلك العملية بمصطلح المضاربة الإستراتيجية"، وفق وصف المعهد.
أما السعودية، فقد رأى المعهد أن سياستها "تتسم بحالة من الغموض"، وفسر ذلك بمحاولتها "الموازنة بين موقفها التاريخي من القضية الفلسطينية، وبين مصالحها المتعلقة بالولايات المتحدة وإسرائيل".
وزعم أن "المملكة، عبر تاريخها، نجحت في الموازنة ببراغماتية بين إبداء استعدادها لتطوير علاقات مع إسرائيل، وبين التمسك بموقفها التقليدي المؤيد للفلسطينيين".
ومع ذلك، يقول إنه "من الصعب تحديد الموقف السعودي، بسبب التحريفات والتأويلات العديدة لتصريحاته البراغماتية".
حيث يشير إلى تحوير الساسة والصحفيين، التصريحات السعودية بشكل يشجع عملية التطبيع، فيقول: "إن المسؤولين والصحفيين (خاصة في إسرائيل) يستخدمون عن عمد أجزاء من المواقف السعودية، لبناء سردية تشير إلى موقف مختلف بوضوح عن المقصود من قبل النخبة الحاكمة في السعودية".
ويستشهد المعهد بمساعدة وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأدنى، باربرا ليف، التي صرحت في يوليو/ تموز 2023: "هناك الكثير من التقارير الخاطئة والتهويل في الصحافة"، وذلك في معرض حديثها عن التكهنات حول صفقة تطبيع مرتقبة.
من جهتها، انتقدت الخارجية السعودية بشدة تصريحات مستشار الاتصالات للأمن القومي في البيت الأبيض، جون كيربي، حين سُئل عما كان التطبيع السعودي الإسرائيلي لا يزال على الطاولة في ظل حرب غزة.
فأجاب قائلا: "إن مسار التطبيع يسير بشكل منفصل عن الجهود المبذولة لوقف إطلاق النار"، وهو التصريح الذي "أكدت الرياض بوضوح أنه لا يمثل موقفها".
لذلك، يشدد المعهد على أن "الجمع بين التسييس الإسرائيلي والأميركي مع اللغة البراغماتية للسعودية، يخلق واقعا من الغموض حول الموقف السعودي".
الرأي العام السعودي
ويشير المعهد إلى أن "العامل الفلسطيني الحالي" يدخل من ضمن مطالب السعودية لإتمام التطبيع مع إسرائيل.
وينظر إلى الصفقة بصفتها "وسيلة للخروج من الوضع المأساوي الحالي، والتي تهدف في النهاية إلى السلام الفلسطيني الإسرائيلي".
ورأى أنه "إذا لم يسهم الاتفاق في إنشاء دولة فلسطينية مستدامة، فقد يتبين أن عملية التطبيع السعودية الإسرائيلية، هي فرصة ضائعة لتعزيز عملية سلام حقيقية".
في هذا الإطار، يدعو المعهد إلى رسم الخطوط العريضة لمثل هذه الصفقة ووضع العنصر الفلسطيني ضمن "الصفقة الواسعة"، لتجنب سوء الفهم والغموض.
وينتقل للحديث عن عامل آخر مهم يدخل في حسبان القيادة السعودية بشأن مسار التطبيع، وهو الرأي العام السعودي.
وتابع موضحا: "فعلى مدار عقود، كانت يُنظر لإسرائيل بشكل سلبي للغاية داخل المملكة، حتى قبل الحرب التي عمقت هذا الموقف".
وأردف: "وعلى الرغم من أن الحكومة السعودية لا تدعي أنها نظام ديمقراطي، إلا أنها تعتمد بشكل كبير على الشرعية والدعم المحلي، وهو ما يتطلب توازنا دقيقا بين الحفاظ على هوية السعودية كدولة مسلمة وعربية رائدة، وبين إدارة المصالح السعودية مع الشركاء الدوليين الذين لا ينظر إليهم المواطنون السعوديون دائما بشكل إيجابي".
وهو ما دعا المعهد للقول: "الرأي العام السعودي، يشكل عائقا كبيرا أمام أي التزام أمني أو اقتصادي سعودي تجاه غزة بعد الحرب".
وأضاف: "إن أي مؤشر، ولو ضئيل، على التعاون مع إسرائيل في غياب عملية سياسية تهدف إلى حل القضية الفلسطينية، لن يكون مقبولا من قبل غالبية السعوديين".
وهو ما يفسر تبني وزارة الخارجية السعودية "لهجة حادة تجاه إسرائيل"، وهو ما "يعكس النقاش الاجتماعي السعودي ويحول المشاعر المعادية لإسرائيل إلى تعبير عن الولاء الوطني للنخبة الحاكمة السعودية"، حسب المعهد.
حيث جرى تداول هاشتاغات مثل: "السعودية تدعم القضية الفلسطينية"، كما أعيد نشر صور للملك فيصل، الذي قاد حظر النفط خلال حرب 1973، وبسبب هذا الموقف يحظى حتى اليوم بمكانة مميزة بين الشعب السعودي والشعوب العربية.
منظور سعودي
من زاوية أخرى، تحدث المعهد عن المكاسب الإستراتيجية التي ستظفر بها السعودية من أميركا في حال إتمام التطبيع مع إسرائيل.
حيث "ستوقع الرياض وواشنطن اتفاقية دفاع مشترك، وستساعد الولايات المتحدة المملكة في تطوير قدراتها النووية، هذا بالإضافة إلى تسريع الموافقة على بيع الأسلحة الأميركية المتقدمة للسعودية، كما تشمل الصفقة توقيع اتفاقيات إستراتيجية اقتصادية تركز على التكنولوجيا".
في الوقت الحالي، يشير المعهد إلى أن الأطراف ما زالت تناقش تفاصيل الترتيبات الأمنية، لكن الاتفاق يبدو في الأفق.
فبعد زيارة مستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان إلى مدينة الظهران شرق المملكة، في مايو/ أيار 2024، أفادت وزارة الخارجية السعودية بأن "نسخة شبه نهائية من مسودة الاتفاقيات الإستراتيجية بين البلدين قد اكتملت تقريبا".
ووفق المعهد، فإن السعودية تسير صوب عملية التطبيع، "بدافع القلق الذي ينتابها بشأن مدى الالتزام الأميركي القوي في مواجهة التهديدات الخطيرة لأمنها، خاصة بعد تخلي واشنطن في الدفاع عنها عام 2019، إثر الهجمات التي استهدفت منشآتها النفطية".
من هذا المنطلق، "عد التطبيع مع إسرائيل فرصة لمعالجة هذه المسألة، وضمان التزام أميركي يكون محصنا من تقلبات السياسة الأميركية".
مع ذلك، يوضح أن "واشنطن لم تلبِّ آمال الرياض كلها"، حيث "كانت السعودية تأمل في الحصول على التزام مشابه لما قدمته الولايات المتحدة لأعضاء حلف الناتو (المادة 5)، حيث تكون القوات الأميركية ملزمة بالدفاع عن السعودية في حال تعرضت لهجوم على أراضيها".
لكن لا يرجح أن تُنفذ اتفاقية من هذا النوع بين الجانبين. مؤكدا، في ذات الوقت، أن السعوديين "يتوقعون -على الأقل- اتفاقية توفر التزاما أميركيا قويا بمساعدة السعودية حال تعرض أمنها للضرر".
ومن جانب آخر، يذكر المعهد أنه مثل هذا الاتفاق "سيتيح، في ذات الوقت، للسعودية المجال الكامل للمناورة لتطوير تعاونها مع الصين، ودول أخرى على الساحة الدولية".
وأردف: "من المرجح أن تُلزم هذه الاتفاقية الولايات المتحدة بتنسيق تحركاتها الإقليمية مع القوات السعودية، ولكن ليس بالضرورة العمل المشترك معها".
وفيما يتعلق بموقف السعودية من حل القضية الفلسطينية، يشير المعهد إلى أن الرياض ظلت متمسكة بمبدأ “حل الدولتين على أساس حدود 1967”.
لكنها أيضا "دعمت بشكل مبدئي أي تسوية فلسطينية-إسرائيلية تكون مقبولة لدى الفلسطينيين، وهو الموقف الذي منحها بعض المرونة".
وادعى المعهد أن “النخبة الحاكمة في السعودية لم تستبعد التطبيع مع إسرائيل حتى بعد هجمات السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023”، مضيفا: "لكنها أصرت على مسار نهائي وموثوق لحل الدولتين".
وأكمل: "السؤال حول ما يعد "موثوقا" و"نهائيا"، تُرك عمدا للتفاوض بين الطرفين. كنتيجة لذلك، ستكون الجوانب الأخرى المتعلقة بانخراط السعودية في "اليوم التالي" موضوعا للتفاوض أيضا".
وألقى المعهد باللوم على رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في عدم إتمام عملية التطبيع، قائلا: "نظرا لعدم احتمال أن تلتزم حكومة نتنياهو بمسار يؤدي إلى حل الدولتين، واستمرار الحرب والصدمات المتوقعة، يبدو أن التطبيع السعودي-الإسرائيلي في الوقت الحالي غير مرجح إلى حد كبير".
واستطرد: "قد يحدث التطبيع السعودي-الإسرائيلي إذا قدم رئيس وزراء إسرائيل بيانا يشير إلى التزامه بأفق حل الدولتين وأوقف الحرب، على الرغم من أن احتمالية حدوث ذلك منخفضة. ومع ذلك، من المهم توضيح الطريقة التي ترى بها النخبة الحاكمة في السعودية إسرائيل في إطار المفاوضات المستمرة".
حماسة أميركية
"وتأتي الرغبة السعودية في التطبيع مع إسرائيل استجابة للحماسة الكبيرة التي أبدتها كل من إدارتي ترامب وبايدن تجاه تطبيع علاقات السعودية مع إسرائيل، وليست من رغبة عميقة بالأساس بالتعاون من إسرائيل"، وفق وجهة نظر المعهد.
وتابع: "يشير الثمن الباهظ الذي تطالب به النخبة الحاكمة السعودية من الولايات المتحدة إلى أن إسرائيل ليس لها وزن كبير في التصور السعودي".
حيث "يأتي التطبيع السعودي مع إسرائيل أساسا من رغبة في الحصول على تنازلات إستراتيجية من الولايات المتحدة، وليس من فوائد التطبيع مع إسرائيل نفسها. بعبارة أخرى، النخبة الحاكمة السعودية لا ترى في إسرائيل فائدة إستراتيجية كافية لتبرير تطبيع يتجاوز القضية الفلسطينية".
وبحسب المعهد، فقد "تعززت هذه النظرة بعد "اتفاقيات أبراهام"، حيث أعطت معنى جديدا للتطبيع مع إسرائيل".
وأكمل: "لقد نقل الدور الاستباقي الذي لعبته الولايات المتحدة في تشجيع الدول العربية على فتح عصر جديد من العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، العبء الفعلي للتنازلات في النظرة السعودية من إسرائيل إلى الولايات المتحدة".
وبذلك، "دُحض الافتراض بأن السعودية ستطبع علاقاتها مع إسرائيل دون مطالب كبيرة".
وفند المعهد الافتراض القائل بأن "الخوف المشترك للسعودية وإسرائيل من التهديد الإيراني، سيؤدي إلى تطبيع بينهما"، إذ عد أن هذا الطرح "مبسط تماما".
مضيفا: "السعودية وإسرائيل تتعاملان مع تهديدات مشتركة منذ تأسيسهما، لذا فإن التهديد الإيراني المشترك ليس عاملا جديدا أو استثنائيا في علاقاتهما".
وفيما يتعلق بإيران، ذكر المعهد ثلاثة أهداف مشتركة تجمع "التحالف السعودي-الإسرائيلي" ضد طهران، إذ "تثير أذرع إيران من اللاعبين غير الحكوميين قلق الطرفين، اللذين يريان أن هذه الجماعات مصدر لعدم الاستقرار الإقليمي، وتمثل تهديدات أمنية كبيرة".
كما يتفق الطرفان كذلك حول موقفهما بشأن التهديد النووي الإيراني، حيث أبدى الجانبان، وفق مزاعم المعهد العبري، توافقا بشأن الاتفاق النووي (JCPOA)، الذي تم التوصل إليه في عام 2015.
وأكمل: "يرغب الطرفان في استمرار الوجود الأميركي في المنطقة، وذلك على الرغم من اختلاف علاقات السعودية وإسرائيل مع الدول العظمى، لا سيما الرياض التي برغم انضمامها أخيرا إلى البريكس، وعلاقاتها الإستراتيجية مع موسكو وبكين، إلا إنها مازالت ترى أن أميركا ـرغم الإحباطات الحالية معها- ضمان أمني رئيس من أجل سلامها".
وعلى الرغم من ذلك التوافق بشأن الرؤية حول التهديد الإيراني، يتباين الجانبان حول كيفية التعامل مع هذا التهديد، حسب المعهد.
وتابع موضحا: "فبينما تتبنى إسرائيل نهجا أكثر تصادمية يهدف إلى التطبيع مع دول الخليج لبناء حاجز أمني بينها وبين إيران، تعول السعودية على دمج إيران والتقارب معها، وتقليل احتمالات المواجهة المباشرة مع إيران".
وهو ما يؤكد أن "القلق المشترك من إيران ليس المحفز الرئيس الذي سيدفع نحو تطبيع العلاقات السعودية-الإسرائيلية".
ويلفت المعهد إلى أن التعاون الأمني "غير الرسمي" بين السعودية وإسرائيل، لن يغني الرياض في حال وجدت وسيلة لتحقيق مصالحها الأمنية بطرق أخرى، أن تكون أقل رغبة في تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
لذا، يشدد على أن "التطبيع السعودي مع إسرائيل، يُنظر إليه أساسا من قبل السعودية كفرصة للحصول على التزامات إستراتيجية من الولايات المتحدة، لا يمكن تحقيقها بطرق أخرى".
السعودية واليوم التالي
وحول ملف إعادة إعمار غزة، "انتقد المعهد تعويل نتنياهو على الإمارات والسعودية لتولي ملف تمويل إعادة البناء داخل القطاع".
إذ يرى أن "نتنياهو تجاهل مرور المملكة بحالة من الطموح الضخم لبناء مشاريع اقتصادية عملاقة تعطي لها الأولوية، مما يجعلها أكثر حرصا وحذرا في قرار المساهمة في عملية إعادة إعمار، سرعان ما قد تنتهي بحرب جديدة، خاصة في ظل عدم وجود أفق سياسي لحل دائم ومستقر للصراع".
وعن الدور الأمني الذي قد تلعبه الرياض في غزة بعد الحرب، يقول المعهد: "لم تنف النخبة الحاكمة في السعودية بشكل قاطع استعدادها للعب دور أمني في غزة، ولكن هذا لا يعني أن السعودية ستنخرط بسهولة في أي وجود أمني داخل القطاع".
ويعود ذلك إلى عدة أسباب عرضها المعهد، فبداية "يجب أن يأتي هذا الأمر ضمن عملية سياسية تهدف إلى تحقيق حل الدولتين، كما أن نشر تلك القوات خارج إطار عملية سلام موثوقة يعد أمرا خطيرا".
ومن الأمور الأخرى أيضا التي تعقد من هذا الحل، التكلفة المالية التي ستتكبدها المملكة، كما تُثار المخاوف بشأن الجدول الزمني حول انسحاب تلك القوات من القطاع، هذا بالإضافة إلى التداعيات السياسية والدبلوماسية جراء تلك الخطوة.
حيث يرى المعهد أن "السعودية تسعى إلى تجنب إعطاء انطباع أو صورة ذهنية بأن جهود إعادة الإعمار تشكل تعاونا مع إسرائيل، أو أن إرسال قوات أمنية يجعلها شريكة مع الاحتلال الإسرائيلي".
في ضوء ما سبق، يشير المعهد إلى أن "إرسال القوات ليس مستحيلا، إذا مُنح تفويض فلسطيني يدعو إلى جلب قوة عربية بمشاركة سعودية".
ومن وجهة نظر المعهد، فإنه "يجب على السعودية أن تلعب دورا أمنيا تكميليا، حيث تقدم دعما أمنيا في مجالات اللوجستيات والتدريب والإدارة".
وأردف: "من غير المحتمل أن تتمركز القوات السعودية في "الواجهة" الأمنية، ويجب على السعودية والدول الأخرى الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي أن تتجنب المشاركة في مثل هذا الدور".
وأضاف: "إن تكليف القوات الأمنية السعودية (والقوات العربية الأخرى) بأدوار تكميلية مهم أيضا لتجنب تطبيع وجود عربي غير فلسطيني في غزة".
إذ يرى أن "لعب دور أمني تكميلي عربي، سيسهم في تعزيز قدرات الجهاز الأمني الفلسطيني المستقلة، وهي خطوة حيوية لبناء المؤسسات الفلسطينية، ولإحساس الفلسطينيين بالقدرة على التحكم في مصيرهم".
لكن تبقى كل تلك التطلعات مهددة بسبب غياب المسار السياسي، حيث رأى المعهد أن "الوضع الداخلي والسياسي في كل من فلسطين وإسرائيل، لا يسمح بأي عملية سلام من أي نوع".
وأكمل قائلا: "هناك إيمان لدى الدول العربية (وكثير من دول العالم الأخرى)، بأنه بدون أفق سياسي موثوق يتناول المطالب الأساسية للفلسطينيين واهتمامات الأمن الإسرائيلية، فإن العنف سيكون نتيجة لا مفر منها".
وذلك ما وضحه وزير الخارجية السعودي حين صرح قائلا: "إذا عدنا فقط إلى الوضع الراهن الذي كان قبل 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، سيكون من الصعب تجنب جولة أخرى من العنف كما رأينا في الماضي".
كما أكد فيصل بن فرحان في تصريح آخر تمسك بلاده بموقفها المتمثل في أن المشاركة السعودية في مفاوضات "اليوم التالي" وتطبيع العلاقات مع إسرائيل يعتمدان على رسم "مسار موثوق به ولا رجعة فيه نحو إقامة دولة فلسطينية".
ومن التحديات التي ترتبط أيضا بالدور السعودي في فلسطين، هو التعامل مع السلطة الفلسطينية، فالقضايا المثارة بشأن قدرتها على الحكم وشرعيتها وفسادها "تمثل حافزا سلبيا للمشاركة السعودية الكبيرة"، بحسب المعهد.
ووفقا للمعهد، فهناك "علامات استفهام تدور حول فائدة تقديم الدعم للسلطة الفلسطينية، التي يُنظر إليها على أنها تستخدم المساعدات بشكل غير فعال، ولا تبذل جهدا كافيا للحد من المشاعر المعادية للسعودية في الشارع الفلسطيني".
مع ذلك، يشير إلى أنه "لا ينبغي تفسير ذلك على أنه شعور مؤيد لإسرائيل، كما يحاول البعض الإيحاء بذلك".
المستوى الوسيط
ويشرع المعهد في تناول محاولات التأثير على الرأي العام العربي لدفعه نحو قبول التطبيع، إذ يروج لما عده "نشوء نظام جديد في العلاقات الإسرائيلية-العربية"، أطلق عليه اسم "المستوى الوسيط".
يشير "المستوى الوسيط"، وفق تعريف المعهد، إلى "شبكة من الأكاديميين والخبراء والصحفيين العرب والإسرائيليين في الغالب، الذين يهدفون بشكل رئيس إلى التأثير على السياسة من خلال التأثير على الخطاب العام".
وتبرز أهمية تلك المجموعة "في كونها ترمي إلى تحويل عد السلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين شرطا مسبقا للتطبيع السعودي-الإسرائيلي، إلى الاعتراف بأن التطبيع ممكن حتى دون الاعتماد على السلام الفلسطيني-الإسرائيلي"، كما أشار المعهد.
وتابع: "ساعد المستوى الوسيط في تطبيع الخطاب حول التطبيع الخليجي-الإسرائيلي، بعيدا عن عملية السلام الفلسطيني-الإسرائيلي".
واستطرد: "على الرغم من أن التعاون مع إسرائيل لا يزال عقبة أمام الكثيرين في العالم العربي، إلا أن الحظر المفروض على التعاون مع إسرائيل يتناقص على الأقل في بعض أجزاء من العالم العربي والخليج".
ورأى المعهد أن هذا التغيير يمثل "فرصة".
وأضاف: "يمكن للدول الأوروبية أن تلعب دورا رئيسا في تأسيس منتديات للمستوى الوسيط العربي-الإسرائيلي المكون من الباحثين ومراكز الأبحاث والصحفيين ورجال الأعمال الشباب لدفع المبادرات الابتكارية وتعزيز عملية السلام".
وتشمل الأهداف الرئيسة للمستوى الوسيط، حسبما ذكرها المعهد، إلى "وضع حل الدولتين على جدول الأعمال وخلق مساحات جديدة للتعاون وإنشاء تفاعل بين المبادرات التي تنشأ من الأرض وتلك التي تُفرض من أعلى، وإدارة العبء الكبير للدبلوماسية العامة".
التعاون الأوروبي السعودي
وفي إطار السعي نحو مسار السلام والاستثمار في نموذج جديد للاستقرار الإقليمي، دعا المعهد إلى الاعتماد على الجهد السعودي الأوروبي المشترك، للوصول إلى حل الدولتين.
وعدد المعهد المجالات التي يمكن أن تتعاون فيها المملكة والدول الأوروبية، لتعزيز عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية.
أول هذه المجالات يتعلق بالأفق الاقتصادي، فقال المعهد: "إلى جانب بناء وتحسين المؤسسات الحاكمة الفلسطينية الحيوية، يمكن للدول الأوروبية والسعودية التعاون في تطوير رؤية اقتصادية فلسطينية".
وأضاف: "بناء رؤية اقتصادية فلسطينية تتماشى مع المشاريع الاقتصادية الإقليمية سيمكن السعودية والدول الأوروبية وغيرها من الوفاء بالتزاماتها لدعم الأفق الاقتصادي الفلسطيني".
ومن المهم الإشارة إلى أن هذا الأفق الاقتصادي "لن يكون بديلا عن الأفق السياسي، بل سيسهم في تطوير البنية التحتية السياسية اللازمة لحل الدولتين".
وأكمل: "ومن شأن تشكيل زخم لرؤية فلسطينية بدعم سعودي-أوروبي، وربط هذه الرؤية بالمشاريع الإقليمية، أن يعزز أيضا من إمكانية بناء مشاريع اقتصادية فلسطينية-إسرائيلية مشتركة".
وتابع: "ستسهم مثل هذه الجهود أيضا في الاندماج الحقيقي بين العرب الإسرائيليين، وستتيح للقطاع الخاص لعب دور مهم في دعم بناء السلام ضمن إطار سياسي موثوق".
وذهب المعهد إلى أبعد من ذلك، متحدثا عن مجالات "التعاون الأخضر"، حيث يدعو المعهد إلى بناء تعاون فلسطيني إسرائيلي لمواجهة تحديات المناخ والتعامل مع قضايا الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي.
إذ رأى أنه "يمكن لهذه المشاريع أن تعزز ليس فقط بناء الدولة الفلسطينية، بل أيضا تعزيز إطار سعودي-أوروبي-خليجي يربط المؤسسات الفلسطينية المعززة بمشاريع خضراء إسرائيلية".
كذلك رأى المعهد أن "السعودية رغم استعدادها لتقديم التمويل والأمان لمرحلة "اليوم التالي" في غزة، إلا إنها تواجه عقبات هائلة في هذا الأمر".
كما أوصى الدول الأوروبية بـ "ربط المبادرات المشتركة الفلسطينية-الإسرائيلية بالمشاريع الإقليمية (الاقتصادية)"، ودعاها إلى "التعاون مع اللاعبين الإقليميين، لتأسيس نموذج يركز على الأمن والاستقرار الإقليميين، لضمان استمرار استثمار السعودية واللاعبين الإقليميين الآخرين في عملية السلام".