ذباب إلكتروني يهاجم الكويت لـ"رفضها" تمويل “نيوم” ابن سلمان.. ما القصة؟
"الرياض طلبت من جارتها الكويت 16 مليار دولار لمشروع نيوم"
تسريبات إعلامية دولية جديدة، أكدت أن السعودية طلبت من الكويت قرضا يزيد عن 16 مليار دولار؛ لتمويل مشاريع من بينها "نيوم"، بسبب تراجع الاستثمار الأجنبي في المشروع وعزوف رجال الأعمال عنه لعدم جدواه.
وكالة "بلومبيرغ" الأميركية في 4 أبريل/نيسان 2024 تحدثت عن تعثر في خطة ولي العهد محمد بن سلمان بشأن جمع 100 مليار دولار من الاستثمار الأجنبي بحلول عام 2030، بعد أن تبين أن الهدف بعيد المنال في الوقت الحالي، حسب خبراء.
وأوضحت أن حكومة المملكة رغم أنها "تحرق الأموال"، وفق تعبير التقرير، تكثف جهودها لجذب المزيد من الأموال الأجنبية، ولهذا طلبت من جارتها الكويت 16 مليار دولار لمشروع "نيوم".
و"نيوم" مشروع سعودي لبناء مدينة ذكية في الصحراء أطلقه ابن سلمان في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2017.
ويقع أقصى شمال غرب المملكة بـإمارة منطقة تبوك محافظة ضباء، ويمتد 460 كم على ساحل البحر الأحمر، ويعاني من تعثرات عديدة وعزوف عن الاستثمار فيه خاصة مشروع "ذا لاين" لبناء قطار بسرعة الصاروخ.
ثم عادت "بلومبيرغ" لتؤكد في 5 أبريل 2024 أن المملكة قد تتراجع عن خططها لمشروع نيوم 2030 وتقوم بتقليصها.
هل رفضت الكويت؟
لم تعلن المملكة رسميا أنها طلبت قرضا من الكويت، ولم تعلن الأخيرة بدورها أنها رفضت أي قرض للسعودية، لكن ما نشرته "بلومبيرغ" نقلا عن مصادر، وما تبع هذا من سجال بين الذباب السعودي ونشطاء من الكويت أظهر أن الخبر يبدو صحيحا.
ورجح محللون أن يرفض البرلمان الكويتي هذا القرض حال عُرض عليه، للاستثمار في "نيوم" لعلمهم أنه مشروع فاشل اقتصاديا، ويتعارض مع سياسة الكويت في وقف تقديم قروض غير مضمونة.
وظهرت معالم غضب سعودي موجه ضد الكويت، حيث بدأ الذباب الإلكتروني والإعلام السعودي في توجيه محتواهما للهجوم على الكويت.
وبدأ مغردون سعوديون يلمحون لإنفاق السعودية 50 مليار دولار لإعادة الكويتيين إلى بلادهم بعد غزو الرئيس السابق صدام حسين لها، ومطالبتهم ضمنا باستعادة هذا المبلغ، وهو ما أشار له مغردون كويتيون.
وتوقع نشطاء أن تشهد الأيام المقبلة مواجهات بين المغردين السعوديين والكويتيين.
وقال معارضون سعوديون "لو رفضت الكويت رسميا الطلب السعودي بالقرض فستكون العلاقة (عدوانية سرية)، لكن ستظهر من خلال الأذرع الإعلامية".
ولاحظت "الاستقلال" انطلاق حملة سعودية أخرى يقودها نشطاء وإعلاميون لا تنفي خبر "بلومبيرغ" عن قرض كويتي للسعودية، ولكنها تروج إلى أنها "دعوة للاستثمار وليست طلبا أو قرضا".
ورأى آخرون أن ما ذكرته "بلومبيرغ" حول القرض "كذب وتلفيق وغير صحيح مطلقا"، وقالوا إن تقرير الوكالة الأميركية "مدفوع الثمن" للتشويش على مشاريع السعودية والتشكيك بها.
ويرى محللون أن رفض الكويت تقديم قرض للسعودية، وحملات الذباب الإلكتروني السعودي ضد الكويت مؤشر لحملة وصراع وربما حصار سعودي للكويت على غرار ما جرى مع قطر سابقا، وانتهى بتراجع دول الحصار.
وكتب ناشط كويتي يتساءل: هل سيكون على الكويت أي تبعات لرفض القرض السعودي؟
وأشار إلى أن لبلاده "مطلق الحرية" في قبول أو رفض القرض، وإن رجح أن تعطي الكويت القرض للسعودية "من باب رد الجميل أو سدا للذرائع".
وفي 12 فبراير/شباط 2024، أعلنت الكويت سياسية جديدة تقوم على وقف تقديم المنح والقروض بدون ربطها بتحقيق فوائد اقتصادية أو سياسية، أسوة بالسعودية التي أعلنت في وقت سابق عن مراجعات في هذا الإطار.
وقال وزير الخارجية الكويتي سالم عبد الله الجابر الصباح، إن بلاده "تعتزم مراجعة الطريقة التي تنتهجها في تقديم المساعدات للدول العربية والنامية عبر الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية".
وبلغت قيمة المتأخرات الكويتية على بعض الدول 163.5 مليون دينار (535 مليون دولار)، منها 146 مليون دينار (477.8 مليون دولار) مستحقة على الدول العربية، و17 مليون دينار (55.63 مليار دولار) على بقية الدول المقترضة من الكويت.
وللحفاظ على نفس حجم التدفقات المالية لهذه المشايع الباهظة، لجأت المملكة إلى "أداة تجنبتها في العقود الأخيرة، وهي الاقتراض"، بجانب بيع أسهم في شركة النفط العملاقة "أرامكو"، وفق صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية في 20 فبراير/شباط 2024.
وأبرمت "أرامكو" صفقتي ديون، أوائل يناير 2024، بعرض سندات بقيمة 12 مليار دولار، وبعد بضعة أسابيع، باع صندوق الاستثمارات العامة بشكل منفصل سندات بقيمة 5 مليارات دولار أخرى.
ومن المتوقع أن يصل دين المملكة إلى 26 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي عام 2024، بعد أن وصل إلى أدنى مستوى عند 1.5 بالمئة قبل عقد من الزمن.
وتبلغ احتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي السعودي حوالي 400 مليار دولار، بانخفاض عن 700 مليار دولار عام 2015.
وأوضح الباحث في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، تيم كالين، أن المملكة مضطرة للاقتراض، بسبب كم المشروعات التي قال "إنها أمر محير للعقل".
وأكد كالين لصحيفة "بيزنس إنسايدر" الأميركية في 21 فبراير/شباط 2024، أن السعودية قد تحتاج إلى جمع 270 مليار دولار أخرى لصندوق الاستثمارات العامة بحلول عام 2030.
مشاريع وهمية
وصفع تقرير "بلومبيرغ" مشاريع رؤية 2030 بأدلة وأرقام محرجة للحكومة ووصفها بـ"خطط باهظة الثمن بجنون"، وألمح إلى أن الرياض بدأت تتسول من الكويت مليارات الدولارات لتمويل مشاريعها.
وعدت الوكالة الأميركية استثمار ابن سلمان في شركة "لوسيد" للسيارات الكهربائية من أخطر رهاناته، وأكدت أن هذا الاستثمار يستهلك الأموال السعودية للبقاء على قيد الحياة والمشروع لا يحقق عائدا يذكر، ويستنزف الأموال بشكل متزايد.
وحصلت هذه الشركة على تمويل بقيمة مليار دولار من الحكومة، و5.4 مليارات دولار من صندوق الاستثمارات العامة السعودي.
وتعد "لوسيد" مثالا للشركات الأجنبية التي تستثمر في خطة التحول الاقتصادي السعودية "رؤية 2030" التي تبلغ قيمتها عدة تريليونات من الدولارات.
لكن حاجة لوسيد إلى المال السعودي هي علامة على أن محاولة البلاد المتسرعة لإعادة الابتكار يتم دفع ثمنها من مال الرياض الخاص، حيث تعتمد المملكة بشكل كبير على ثرواتها النفطية لإغراء الشركات.
وشددت "بلومبيرغ" على أن إشارات ظهرت تدل على أن تحقيق أهداف جزئية لرؤية 2030 بعيدة المنال في الوقت الحالي، الأمر الذي دفع المستثمرين الأجانب للحذر.
مراجعة متأخرة
ودفع هذا الحكومة السعودية لإعادة حسابتها وبدأت في تقليص المشاريع العملاقة المصممة لإصلاح اقتصادها بهدف سد العجز المالي الذي لم تكن تتوقعه.
وكانت طموحات ابن سلمان هي مشاركة المستثمرين الأجانب في تمويل مشاريع مثل نيوم (500 مليار دولار) والقدية (ترليون دولار) لتحويل المناطق النائية إلى مناطق خالية من الكربون ومليئة بالروبوتات.
لكنه لم يجمع رأس المال اللازم فأصبحت هذه المشاريع ممولة بالكامل من صندوق الاستثمارات بنفقات باهظة، ما تطلب مراجعتها وتقليص بعضها أو إلغاءه مثل مشروع "هايبر لوب" القطار الصاروخي السريع الذي فشل.
وبين عامي 2017 و2022، بلغ متوسط تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر السنوية إلى المملكة ما يزيد قليلا عن 17 مليار دولار.
وتظهر البيانات الأولية لعام 2023 أن الاستثمار الأجنبي المباشر أقل من الهدف، وهو عند حوالي 19 مليار دولار، وفقا لبيان صادر عن وزارة الاستثمار في مارس/ آذار 2024.
وأكد تقرير "بلومبيرغ" في 5 أبريل 2024 أن السعودية تقلص من حجم طموحاتها بشأن "نيوم 2030" بنحو 75 بالمئة.
وأوضح أن المملكة "قلصت طموحاتها متوسطة المدى لتطوير الصحراء في نيوم، وهو أكبر مشروع ضمن خطط ابن سلمان لتنويع الاقتصاد المعتمد على النفط، وفقا لأشخاص مطلعين على الأمر".
وذكر أن الحكومة السعودية كانت تأمل في وقت ما أن يكون هناك 1.5 مليون ساكن يعيشون في "ذا لاين"، وهي مدينة مستقبلية مترامية الأطراف تخطط لاحتوائها داخل ناطحات السحاب المكسوة بالمرايا بحلول عام 2030".
لكن المسؤولين السعوديين يتوقعون أن يستوعب المشروع "أقل من 300 ألف ساكن بحلول ذلك الوقت، وفقا لشخص مطلع على الأمر".
وتأتي خطط التقليص في "ذا لاين" في وقت لم يوافق فيه صندوق الثروة السيادية للمملكة بعد على ميزانية "نيوم" لعام 2024، ما يشير إلى أن الحقائق المالية للاستثمارات التي تبلغ قيمتها تريليونات الدولارات بدأت تثير القلق على أعلى المستويات.
وذكر تقرير لموقع مجلة "Surface" للهندسة المعمارية في 27 مارس 2024 تحت عنوان "هل تكفي ثروات السعودية النفطية لتحقيق مشروع نيوم؟"، أن المخاوف تتزايد بشأن إذا ما كانت ثروات البلاد كافية لتحقيق خطط ابن سلمان الترفيهية.
وذكر أن هناك مخاوف من أن السعودية تنفق الكثير من الأموال في "المشاريع المبهرجة"، مما يؤدي إلى نضوب احتياطياتها النقدية، خصوصا مع انخفاض النقد في صندوق الاستثمارات العامة بمقدار ثلاثة أرباع، إلى 15 مليار دولار، في أدنى مستوى له منذ ديسمبر/ كانون الأول 2020.
وأوضح أنه من أجل الاستمرار في الإنفاق على مشاريع ابن سلمان، لجأت الحكومة إلى الاقتراض، والتخطيط لبيع كميات كبيرة من الأسهم المملوكة للدولة في "أرامكو"، وهذا مدعاة للقلق بشكل أكبر.
ونقلت المجلة عن خبراء توقعهم أن يتم تقليص مشاريع رؤية 2023، أو تأجيل تنفيذها، بسبب الضغط المالي الكبير على ميزانية المملكة، والإنفاق المتزايد على خطط ابن سلمان التي لايزال يقوم بإضافة مشاريع جديدة عليها.
وأشار تقرير نشرته صحيفة "بيزنس إنسايدر" الأميركية في 21 فبراير 2024 إلى أن "المشاريع العملاقة المستقبلية في السعودية مكلفة للغاية، حتى إن ثرواتها النفطية قد لا تكون كافية لتنفيذها".