السنغال تتوسط وفرنسا تتدخل.. إلى أين تتجه الحرب بين رواندا والكونغو؟

منذ ٩ أيام

12

طباعة

مشاركة

وسط تحذيرات من اتساع رقعة النزاع العسكري بالمنطقة، سارع الرئيس السنغالي بشير جمعة فاي لتولي دور الوساطة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

حيث أعلن “فاي”  في تغريدة عبر منصة إكس، في 1 فبراير/ شباط 2025 أنه أجرى اتصالات هاتفية بنظيريه الرواندي بول كاغامي والكونغولي غيليكس تشيسكدي، داعيا إلى “حوار صريح من أجل سلام دائم”، وذلك بعد دخول عناصر حركة 23 مارس/ آذار، المتمردة إلى غوما، شرق الكونغو، بدعم من الجيش الرواندي.

وجاء في تغريدته: "أردت الاطلاع على تطورات الأحداث، واستكشاف سبل حوار صريح مع الزعيمين من أجل تحقيق سلام دائم في المنطقة، ستظل السنغال ملتزمة بالاستقرار والأمن في إفريقيا والعالم".

وساطة سنغالية

وتأتي هذه المبادرة من الدبلوماسية السنغالية في وقت أدانت قمة استثنائية لدول مجموعة التنمية لإفريقيا الجنوبية في عاصمة زيمبابوي "هراري"، أعمال العنف بشرق الكونغو الديمقراطية، وتدخل رواندا.

وفي مواجهة هذا التصعيد، اتخذت المجموعة عدة تدابير، من بينها الإرسال الفوري لوزراء الدفاع إلى المنطقة، بالإضافة إلى التخطيط لقمة مشتركة مع دول مجموعة شرق إفريقيا، مؤكدة دعمها لعمليات السلام.

وتعيش الكونغو الديمقراطية حرب استنزاف منذ أكثر من ثلاثة عقود، تصاعدت أخيرا حين استولت الحركة المتمردة "23 مارس" على غوما عاصمة إقليم كيفو، شرق الكونغو، بدعم من مئات عناصر الجيش الرواندي.

وتتوالى الاتفاقات لوقف إطلاق النار في الكونغو، لكنها تفشل في وضع حد للأعمال العدائية التي تشهدها البلاد.

وحركة "أم 23" هي جماعة مسلحة متمردة، وتعرف أيضا باسم "جيش الكونغو الثوري" تأسست بعد انهيار اتفاق السلام الموقع في 23 مارس/آذار 2009.

وتنشط في المناطق الشرقية من الكونغو الديمقراطية، وبالأخص في مقاطعة كيفو الشمالية، التي تحد كلا من أوغندا ورواندا، غالبية أفرادها من قبيلة "التوتسي" التي ينتمي إليها الرئيس الرواندي بول كاغامي.

ومنذ اندلاع المعارك، تتهم الكونغو الديمقراطية رواندا بالسعي للاستفادة من المعادن الوفيرة في المنطقة، والتي تشمل الذهب والكولتان والنحاس والكوبالت.

في المقابل، نفت رواندا هذه المزاعم قائلة: إن هدفها هو التصدي لجماعة مسلحة تسمى "القوات الديمقراطية لتحرير رواندا"، وتتألف في المقام الأول من مسلحين من الهوتو، تشكلت في أعقاب الإبادة الجماعية في رواندا.

تدخل عاجل

في السياق، قالت فيفيان فان دي بيري، نائبة الممثل الخاص لحماية العمليات في بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في الكونغو الديمقراطية، لمجلس الأمن الدولي في نيويورك، إن "الوضع في غوما يتطلب تدخلا دوليا عاجلا ومنسقا".

وأضافت فان دي بيري في 29 يناير/كانون ثاني 2025، أن متمردي حركة "مارس 23" إلى جانب القوات الرواندية، شنّوا هجوما على مدينة غوما في 26 يناير 2025 باستخدام الأسلحة الثقيلة.

وأوضحت أن "هذه الهجمات لا تزال تدمر المدينة، مما أسفر عن مقتل وإصابة وتهجير المدنيين وتفاقم الأزمة".

من جانبه، قال المتحدث باسم مكتب الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة ينس لايركه، إن هناك تقارير وردت عن ارتكاب مقاتلي "مارس 23" أعمال عنف جنسي ونهب للممتلكات، بما في ذلك مستودع للمساعدات الإنسانية، فضلا عن استهداف منشآت إنسانية وصحية في المدينة.

وتابع، "كما ورد في التقارير أنه تم نقل أكثر من 100 قتيل ونحو ألف جريح إلى المستشفيات في غوما خلال الأيام الثلاثة الأخيرة من الاشتباكات".

وخلال مؤتمر صحفي في 28 يناير 2025، قال لايركه إن "الوضع الإنساني في غوما والمناطق المحيطة بها لا يزال مقلقا للغاية، وهناك إطلاق نار كثيف من الأسلحة الصغيرة وقصف بالهاون في جميع أنحاء المدينة، مع وجود العديد من الجثث في الشوارع". 

وأضاف أن "المستشفيات تكافح لإدارة تدفق الجرحى".

أميركا وفرنسا

ووصف الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في 30 يناير 2025، الأزمة بين رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية بأنها "مشكلة خطيرة جدا".

ووفق وكالة روتيرز، علق ترامب على الأزمة بين البلدين الإفريقيين خلال مؤتمر صحفي تحدث فيه عن حادث تصادم طائرة مدنية ومروحية عسكرية في بلاده.

وسُئل عما إذا كان لديه خطة لإحلال السلام في جمهورية الكونغو الديمقراطية بعد أن تصاعد في مناطقها الشرقية صراع تقول واشنطن والأمم المتحدة وآخرون: إن رواندا ضالعة فيه.

وردّ ترامب قائلا للصحفيين: "أنتم تسألونني عن رواندا، إنها مشكلة خطيرة جدا، أقر بهذا، لكنني لا أعتقد أن من المناسب التحدث عنها الآن. لكنها مشكلة خطيرة جدا".

من جانب آخر، قلصت السفارة الأميركية في كينشاسا عدد الموظفين الأميركيين العاملين في السفارة. ونصحت السفارة "المواطنين الأميركيين في جمهورية الكونغو الديمقراطية بمغادرة البلاد فورا باستخدام الوسائل التجارية".

وأوضحت السفارة في بيان أنها "لن تجري أي مقابلات للحصول على التأشيرات ولن تتمكن من تقديم الخدمات الروتينية للمواطنين الأميركيين، نظرا للوضع الأمني في كينشاسا".

من جانبه، وصل وزير الخارجية الفرنسي جان نويل بارو، رواندا، في 30 يناير 2025، بعد محادثات في الكونغو الديمقراطية، في إطار جهود رامية إلى منع تصعيد إقليمي في أعقاب استيلاء مسلحي حركة 23 مارس وقوات تابعة للجيش الرواندي على مدينة جوما بشرق الكونغو.

وتسعى فرنسا التي تتولى زمام المبادرة في التعامل مع الأزمة نيابة عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، لأن تلعب دورا حذرا منذ أن شنت حركة 23 مارس هجومها على جوما واستمرت في التقدم جنوبا، بأكبر تصعيد منذ 2012 في صراع مستمر منذ عقود.

وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية كريستوف لوموان، إن جان نويل بارو تولى المهمة بعد أن تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون مع نظيريه الكونغولي فيليكس تشيسكيدي والرواندي بول كاجامي، مضيفا أن "الهدف هو التوصل إلى حل دبلوماسي لهذا الصراع الذي لا بد أن ينتهي فورا".

يأتي هذا التحرك الفرنسي بعد أن اقتحم محتجون سفارات أجنبية في العاصمة الكونغولية كينشاسا، الثلاثاء 28 يناير 2025، منها مقر البعثة الفرنسية، واتهم متظاهرون فرنسا بالتدخل في الشؤون الداخلية للكونغو.

وقال لوموان: "على حركة 23 مارس الانسحاب فورا من الأراضي التي سيطرت عليها، وعلى القوات الرواندية أن تغادر أراضي جمهورية الكونغو الديمقراطية على وجه السرعة، وسيادة جمهورية الكونغو الديمقراطية وسلامة أراضيها أمران غير قابلين للتفاوض".

مصالح فرنسية

وفي تقييمه لأهداف فرنسا من التحرك، قال الخبير التشادي في الشؤون الإفريقية محمد شريف جاكو، إن فرنسا لديها مصلحة مباشرة لاحتواء الصراع، كونها مستفيدة من المعادن الخام في شرق الكونغو الديمقراطية، كما أنها تخشى من أن كينشاسا قد تلجأ إلى روسيا بحثا عن حليف في خضم الأزمة.

وأوضح جاكو لـ"الاستقلال"، أن "الأزمة في الكونغو الديمقراطية تصاعدت بشكل دراماتيكي بعد فشل المفاوضات في أنغولا للمصالحة في البلاد".

وتابع: "إنها أزمة تاريخية ولها تداعيات معقدة"، مشيرا إلى المظاهرات في الكونغو وحرق سفارات فرنسا ورواندا وكينيا وبلجيكا، مرجحا أن تكون المظاهرات جاءت بـ"تحريض من النظام الكونغولي نفسه"، حسب وصفه.

وأضاف: "فرنسا متورطة وليست بعيدة عن القضية، وربما تحاول أن تدخل لمعالجة هذه الأزمة لهدفين، أولهما تغطية تورطها، وثانيهما لتظهر أمام العالم خاصة بعض الدول الإفريقية الناقمة عليها، بأنها لا تزال لديها دور يمكن أن تلعبه في إفريقيا لتحسين صورتها".

وبحسب الخبير التشادي فإنه من الصعب جدا أن تستطيع فرنسا التعامل مع الأزمة دون الوصول إلى تسوية بين الأطراف المتصارعة.

وأوضح جاكو أن حركة "مارس 23" تتكون في غالبيتها من إثنية التوتسي (تعرضت لمجازر في رواندا حيث قتل نحو مليون شخص منها خلال صراعها مع الهوتو)، وهذا أساس المشكلة.

وأضاف: "بعد هروب عدد كبير جدا من الذين كانوا في الحكومة السابقة التي ارتكبت جرائم ضد الإنسانية في رواندا إلى الكونغو الديمقراطية، شكلوا حركة معادية لرواندا باسم القوات الديمقراطية لتحرير رواندا، وأغلبيتها من إثنية الهوتو، والتي باتت تشكل عبئا على حكومة كينشاسا وقلقا للحكومة في كيغالي".

وأشار جاكو إلى أن حركة "مارس 23" تسيطر على مناجم من المعادن في شرق الكونغو الديمقراطية لتمويل نشاطها، ويتم تصديرها إلى الخارج عبر رواندا، وأن ذلك يؤدي إلى وجود مصالح بينهما.

من جانبه، قال الباحث المتخصص في الشؤون الإفريقية محمد تورشين، إن فرنسا ستبقى حاضرة من حيث البعد الثقافي والاجتماعي والاستثمارات والنفوذ الاقتصادي في إفريقيا، مشيرا إلى أن "ما حدث في دول الساحل كان الغرض منه تقليل الاعتماد على فرنسا في المقاربة الأمنية".

وأضاف تورشين لموقع "إرم نيوز"، في 1 فبراير، "ليست الكونغو ولا رواندا مستعمرتين فرنسيتين، غير أنهما تأثرتا بنفوذ باريس في عدة مناطق في القارة، ويمكن لفرنسا أن تلعب أدوارا مهمة في الدولتين".

وأوضح: "باريس تدرك أن غيابها سوف يفتح المجال لاعتماد كينشاسا على روسيا، وبالنسبة لها هذه المسألة في غاية الأهمية".

وتوقع تعزيز حضور فرنسا عن طريق أميركا ودعم أوروبي؛ لأن الغياب الغربي عن إدارة الوضع سيعزز مكانة روسيا، وربما يعتمد رئيس الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسكيدي على موسكو لاستعادة الأراضي الكونغولية التي سيطر عليها المتمردون.

جذور الخلاف

في خضم تطورات المشهد، تحدث وزير الخارجية الرواندي أوليفييه ندوهونجيرهي في مقابلة مع الجزيرة نت، في 3 فبراير 2025، عن جذور خلاف بلاده مع الكونغو الديمقراطية، متهما إياها بعرقلة جهود إحلال السلام بسبب تنصلها من الاتفاقيات السابقة مع المتمردين.

وقال الوزير الرواندي: إن هناك مقاتلين أجانب ممن وصفهم بالمرتزقة كانوا يقاتلون مع الجيش الكونغولي دخلوا بدورهم أراضي رواندا، وتم تنسيق إعادتهم إلى دولهم.

كما نفى في الوقت نفسه وجود وحدات أو جنود للجيش الرواندي داخل أراضي الكونغو.

وقال ندوهونجيرهي: إن قوات حركة "إم 23" باتت تسيطر حاليا على غوما ومطارها شرق الكونغو الديمقراطية، مضيفا أن بعض قوات بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار (مونوسكو) لا تزال داخل المدينة.

من جانبهم، أعلن المتمردون في شرق الكونغو الديمقراطية في بيان وقفا لإطلاق النار بدءا من 3 فبراير 2025 لأسباب إنسانية.

وأضاف بيان المتمردين عدم رغبتهم في الاستيلاء على بوكافو، عاصمة جنوب كيفو، بعد أن استولوا على أكبر مدينة غوما الرئيسة شرق البلاد الأسبوع الماضي.

على الصعيد نفسه، يحضر رئيسا الكونغو الديمقراطية فيليكس تشيسيكيدي والرواندي بول كاغامي قمة مشتركة في تنزانيا لبحث الأزمة في شرق الكونغو.

وتغيّب تشيسيكيدي وكاغامي عن المحادثات السابقة التي كانت ترمي إلى التوسط في السلام بين الجانبين.

ومن المقرر أن تبدأ القمة المشتركة لمجموعة شرق إفريقيا والجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي والتي تستمر يومين، في تنزانيا الجمعة 07 فبراير 2025 باجتماعات وزارية.

ثم سيجتمع الرئيسان السبت 08 فبراير 2025 مع عدد من القادة الإقليميين، وفقا لبيان صادر عن مكتب الرئيس الكيني وليام روتو.

قضية خطيرة

وفي السياق، يرى الباحث في الشأن الإفريقي عطية عيسوي، أن رواندا تقوم بمساعدة حركة "20 مارس" وتدعمها بالسلاح، وأحيانا تتدخل من خلال قواتها العسكرية "بحجة الحفاظ على التوتسي المقيمين في الكونغو الديموقراطية والقضاء على المتمردين الهوتو بذريعة أنهم يشنون هجمات على رواندا لتغيير الحكم".

وذكر عيسوي لـ "الاستقلال" أن بوادر الصراع بدأت تتأجج منتصف ديسمبر/كانون الأول 2024، مع الإعلان عن إلغاء قمة بين جمهورية الكونغو الديمقراطية ورواندا بشكل مفاجئ.

واسترسل قائلا: وذلك بعد وصول محادثات إنهاء القتال في شرق الكونغو الديمقراطية إلى طريق مسدود، ما أحبط الآمال بالتوصل إلى اتفاق سلام في المنطقة التي تشهد نزاعا مسلحا منذ 30 عاما.

ومن الأسباب التي أدت إلى تعثر المحادثات، وفق الخبير في الشأن الإفريقي، طلب رواندا من جمهورية الكونغو الديمقراطية فتح حوار مباشر مع حركة "مارس 23"، الأمر الذي رفضته كينشاسا بوصفها الحركة من "أعداء الجمهورية"، وقالت: إنها مستعدة فقط للتفاوض مع رواندا التي تدعمها.

وفي هذا السياق، أوضح عيسوي أن "هذا الصراع هو إقليمي تتدخل فيه رواندا بشكل مباشر وأحيانا أوغندا؛ لأن هناك حركة متمردة ذات توجهات إسلامية تشن هجمات على أوغندا من داخل الكونغو الديموقراطية".

ونبه إلى أنها لم تتدخل عسكريا بشكل واسع، لكن يمكن ذلك إذا اقتضى الأمر، خصوصا في ظل وجود "مخاوف من تكرار ما وقع عام 2004 من تدخل دول أخرى مثل أنغولا حفاظا على مصالحها وتكرار ما سميت الحرب العالمية الصغرى عندما امتد الصراع إلى خمس دول".

وأشار عيسوي إلى أن رواندا الدولة الصغيرة من ناحية المساحة مقارنة بالكونغو الديمقراطية، "مجهزة عسكريا ولديها جيش قوي عملت على إنشائه منذ حرب الإبادة الجماعية.

وذكر أن هذه القوات المسلحة تدربت في تنزانيا وحصلت على السلاح، وباتت تشكل خطرا على الكونغو الديمقراطية؛ لأن جيشها غير مدرب بشكل جيد، ولا يستطيع أن يسيطر على الأراضي كاملة، ومن هنا يأتي الفرق بين القوتين العسكريتين.

وعبر عيسوي عن أمله في أن تنجح الوساطة الحالية من السنغال وغيرها في وقف التصعيد، وأن يكون اللقاء المرتقب بين رئيسي رواندا والكونغو سبيل ذلك، بما يحقن الدماء ويحفظ المنطقة من توتر هي في غنى عنه، حالا ومستقبلا.