نظام عالمي جديد.. كيف تؤثر الصراعات العالمية على دول الشرق الأوسط؟
سلطت صحيفة إندبندنت البريطانية - النسخة التركية الضوء على بؤر الصراع العالمية حاليا والتي تتركز في الشرق الأوسط وجنوب القوقاز بالإضافة إلى شرق أوروبا والبحر الأسود.
وبينت الصحيفة في مقال للكاتب التركي "إسماعيل حقي بيكين" أن إفريقيا وشرق آسيا والهند تشهد كذلك حالة من الاضطراب والتوتر.
وبين الكاتب أنّ هناك العديد من التساؤلات بشأن من سيحدد شروط النظام الجديد ومن سيحميه. ونظرا لذلك فإن الصراع مستمرٌّ بشكل عنيف ومدمر ومستهلك للموارد.
ويمكن وصف الوضع في منطقة الشرق الأوسط بأنه فوضوي، حيث تطورت هذه الفوضى من التوتر إلى حالة صراع مستمرة.
ولا تزال الاشتباكات بين وكلاء الجهات الفاعلة الرئيسة في المنطقة مستمرة، على الأقل في الوقت الحالي.
ومع ذلك، فإن احتمال تأثير الحرب على الأطراف الرئيسة والقوى الإقليمية في المنطقة بأكملها وارد.
ولهذا تتحرك الأطراف بحذر شديد وتتجنب حدوث حرب إقليمية. ومع ذلك، يمكن القول بأن هذا الخطر لا يزال موجود جزئيًا.
النقل البحري
وأضاف: تشارك القوى العالمية بما في ذلك الإقليمية مثل تركيا في إدارة المخاطر وهو أمر بالغ الأهمية ويتطلب إستراتيجية شاملة.
وفي ضوء كل هذه التحليلات؛ عندما ننظر إلى المنطقة نرى شرقا أوسط محاطا بإحكام تماما كما تمت محاصرة الاتحاد الروسي.
ولفت الكاتب التركي إلى أن الخطة الكبرى للشرق الأوسط ما زالت قائمة، والهدف منها استغلال ثروات روسيا وآسيا الوسطى لصالح النظام الرأسمالي.
والسؤال هنا هو: كيف يخططون لتنفيذ هذا؟ والجواب بسيط؛ لن يترددوا في إشعال نار الصراعات الداخلية في العالم التركي-الإسلامي، أو حتى في اشعال صراع بين المسيحية-اليهودية إذا لزم الأمر.
وأحد أبرز الأمثلة على هذا هو الصراع بين إيران وباكستان، حيث تتم التحريضات عن طريق التمييز العرقي والديني، التي قد تؤدي إلى امتداد الحرب إلى تركيا وإيران في الشمال.
واستدرك الكاتب: لقد مكّن فتح الطرق البحرية التجارية من الوصول إلى أبعاد مختلفة. فلا يزال النقل البري والجوي غير قادر على منافسة كفاءة وسهولة النقل البحري.
إذ يجرى تنفيذ أكثر من 80 بالمئة من النقل العالمي عن طريق البحر. وتعد الممرات البحرية عروقَ التجارة العالمية.
وقد كان التحدي الأول للنقل البحري عن طريق البر هو مشروع الحزام والطريق الصيني.وتابع: من الواضح أن المضائق والممرات المهمة في منطقة الشرق الأوسط هي باب المندب ومضيق هرمز وقناة السويس والبحر الأحمر.
ولا يؤثر إغلاق باب المندب وقناة السويس والبحر الأحمر على التجارة العالمية كثيراً، لأن أهمية المضائق والممرات تعتمد على حجم التجارة فيها والطرق البديلة والموقع، أما مضيق هرمز فهو مختلف جداً، وفق تقدير الكاتب.
فإغلاق المضيق الذي يبلغ عرضه 33 كيلومترا وطوله 3 كيلومترات يؤثر على الاقتصاد العالمي ويضع التجارة في موقف حرج.
إذ إنه لا يوجد بديل آخر لمضيق هرمز بسبب موقعه وحجمه وأهميته للتجارة العالمية.
ويوضح الكاتب أن "هذه المسألة لا تتعلّق فقط بتأمين تدفق النفط والغاز، بل يمكن أن يؤدي إغلاقه أيضا إلى منع تلبية الاحتياجات الأساسية للدول العربية وربما أكثر من ذلك".
وأشار إلى أنه كان بإمكان دول الخليج إنشاء بيئة من الأمن والبنية التحتية اللازمة في سوريا ولبنان والأردن والعراق، ولكن لم تتمكن هذه الدول من تطوير حل دائم حتى الآن.
وتحت إدارة أميركا وبريطانيا، استُخدِمَت ثروات العرب في الخليج لتشجيع قمع المجموعات "الجهادية" المختلفة والإدارات المحلية في المنطقة، وفق وصفه.
فمنذ عام 1948 وحتى الآن عندما استولى اليهود على أراضي فلسطين وحقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، لم تتمكن دول الخليج من بناء ممر بري من شبه الجزيرة العربية إلى البحر الأبيض المتوسط أو حتى طرق جديدة أو خطوط سكك حديدية أو خطوط غاز أو خطوط أنابيب للنفط.
فبدلا من بناء الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا الذي ينتهي في عمان والذي يشمل موانئ عميقة، استثمروا في خطط مثل رؤية 2030 وغيرها من الخيالات بتكلفة تصل إلى مليارات الدولارات ولا يزالون، بحسب تعبير الكاتب التركي.
من ناحية أخرى ركزت إيران على القطاعات الحيوية كالبرمجيات والبناء (الملاجئ) وتقنيات الأسلحة والطائرات بدون طيار والصواريخ الباليستية. وبمساعدة الهند يعد ميناء جابهار بوابة إلى آسيا الوسطى.
خطة ثنائية
وأردف الكاتب: يهدف تفعيل الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا من قبل الولايات المتحدة إلى منع باكستان من استغلال ميناء جوادر الذي تديره الصين على ساحل المحيط الهندي.
ويعد هذا الميناء جزءا من مشروع الحزام والطريق الصيني، والذي يهدف إلى تعزيز النفوذ الاقتصادي والسياسي للصين في المنطقة وإلى منع وصول النفط الروسي من الشمال.
وأوضح أن الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا هو جزء من خطة الولايات المتحدة وإسرائيل لتحرير الخليج والمنطقة العربية من الحصار الجيوسياسي، وهدفه فتح العالم العربي لعالم أوسع وربط موانئ عمان وإسرائيل بالطرق البرية والسكك الحديدية والكابلات البحرية.
وكما يهدف أيضا إلى تحقيق التقارب بين إسرائيل والسعودية، بالإضافة إلى تعطيل السيطرة الإيرانية على مضيق هرمز.
الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يشمل كذلك سوريا والعراق والأردن وفلسطين ولبنان ومصر والمملكة العربية السعودية والكويت والبحرين وقطر والإمارات العربية المتحدة.
ومع أن تطوير الممر الاقتصادي بين الهند والشرق الأوسط وأوروبا يعد مفتاحا لحل المشاكل الجيوسياسية للشرق الأوسط إلا أن القادة العرب تجاهلوا التطوير وأهدروا الأموال على مشاريع خيالية، وفق الكاتب.
وعلق: يمكننا أن نقول أن الدول العربية تواجه خيارين: أولاً، التقارب الدائم مع إيران وتقليل مخاطر مضيق هرمز.
إذ يمكن للدول العربية أن تهدف إلى تحسين علاقاتها مع إيران وزيادة الحوار بينهم بهدف تقليل المخاطر في مضيق هرمز.
وبين أنّ هذا النهج لديه القدرة على تخفيف التوتر في المنطقة وتحقيق الاستقرار.
إذ يمكن أن توفر المفاوضات والاتفاقيات مع إيران تدابير عديدة تدل على زيادة الثقة وفرص التعاون بين الأطراف. وبهذه الطريقة يمكن أن ينخفض التوتر في المنطقة ويقل خطر الصراع.
والخيار الآخر هو أن تتورط الدول العربية في صراع مدمر مع جيرانها الشماليين بدعم من الولايات المتحدة وإسرائيل.
ويهدف هذا النهج إلى تغيير توازنات القوة في المنطقة وتقييد تأثير إيران. ومع ذلك، يمكن أن يزيد هذا الخيار من التوتر في المنطقة ويؤدي إلى صراعات جديدة.
علاوة على ذلك، يجب الأخذ في الحسبان الديناميكيات المعقدة للعلاقات الدولية وتضارب المصالح بين اللاعبين الإقليميين.
وأوضح أنّ الخيار الذي ستتخذه الدول العربية متوقّف على مصالحها الوطنية ومخاوف الأمن والسياسات الإقليمية لديها.
فعند اتخاذ أحد الخيارين من المهم أن يتم النظر في الاستقرار على المدى الطويل والحلول السلمية وأهداف التعاون الإقليمي.