الهجرة والاقتصاد وأزمة الحكم.. ثلاثية كسرت ظهر ألمانيا عام 2024
التعافي الاقتصادي في ألمانيا "سيستغرق بعض الوقت"
من بين دول الاتحاد الأوروبي، ستكون ألمانيا الدولة الأولى التي ستختبر مدى صلابتها عبر صناديق الاقتراع، خاصة في وجه الأزمة الاقتصادية وصعود اليمين المتطرف.
وفي هذه المناسبة الانتخابية، سيكون المحافظون من حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي هم الأوفر حظا في استطلاعات الرأي، وفق ما ترى صحيفة "إلباييس" الإسبانية.
وبيّنت الصحيفة أن السنة المنتهية (2024) لم تكن جيدة بالنسبة لألمانيا؛ حيث لا تزال الدولة الأوروبية في حالة ركود، مع غرق صناعتها المهمة في أزمة عميقة، في ظل نقاش ساخن حول سياسة الهجرة، والذي تفاقم بعد الهجوم الأخير على سوق عيد الميلاد.
وقتل 6 أشخاص وأصيب آخرون بعد أن اقتحم رجل سعودي بسيارته سوقا لهدايا عيد الميلاد في ماغديبورغ وسط ألمانيا، في 20 ديسمبر/ كانون الأول 2024، في هجوم أثار صدمة في البلاد وتوترا بشأن مسألة الهجرة.
وأعلن مسؤولون أن المشتبه به طبيب نفسي من السعودية، يدعى طالب آل عبد المحسن، يبلغ من العمر 50 عاما، وله تاريخ من الخطاب المناهض للإسلام، وتعاطف مع حزب البديل من أجل ألمانيا المنتمي إلى أقصى اليمين.
كما تغرق البلاد في أزمة ثقة سياسية، لا يستهان بها، بعد أن قرر المستشار أولاف شولتس، تفكيك الحكومة الائتلافية بسبب خلافات لا يمكن التغلب عليها مع شريكه الليبرالي بشأن المسائل الاقتصادية.
تراجع اقتصادي
وتتوقع الصحيفة أن يستغرق التعافي الاقتصادي في ألمانيا بعض الوقت.
كما أن احتمال تشكيل ائتلاف كبير بين المحافظين والديمقراطيين الاشتراكيين بعد الانتخابات المبكرة في 23 فبراير/ شباط 2025، مثلما تشير استطلاعات نوايا التصويت، لا يطمئن الاقتصاديين الرئيسين في البلاد.
ويحذر هؤلاء من خلافات قوية بين الحزبين، الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي، حول قضايا مفصلية مثل الضرائب والاستثمارات والديون.
ونقلت الصحيفة أن إرساء حكومة قوية في ألمانيا أصبح ضرورة؛ حيث إن البلاد في حاجة إلى إجراء إصلاحات جذرية.
وفي هذا السياق، حذرت رئيسة المجلس الألماني للخبراء الاقتصاديين الذي يقدم المشورة للحكومة، مونيكا شنيتزر، من أن “الاتحاد الديمقراطي المسيحي والحزب الديمقراطي الاشتراكي يأتيان من عوالم مختلفة لا تجتمع معا بسهولة”.
لذلك، يحدق بالبلاد خطر توقف الإصلاحات وخسارة المزيد من الازدهار الاقتصادي، وفق تقديرها.
ومن جهته، يحذر البنك المركزي الألماني من أنه إذا لم يتم إجراء تغييرات، فقد يستمر الركود لمدة تصل إلى عقد من الزمان تقريبا، وهو أمر غير مسبوق في تاريخ ألمانيا الحديث.
ونقلت الصحيفة أن برلين وصلت إلى هذه النقطة بعد أن أصبحت الصناعة الألمانية التي كانت مزدهرة ذات يوم - وهي العمود الفقري للاقتصاد الألماني - تنتج أقل فأقل منذ سنة 2017. وزيادة على ذلك، تسارع الانحدار في الآونة الأخيرة.
إنتاج متدهور
ووفقا للخبراء، فإن الاتجاه السلبي يرجع جزئيا إلى القرارات الإدارية السيئة، على سبيل المثال في قطاع السيارات، الأمر الذي دفع شركة فولكس فاجن إلى الإعلان عن أنها ستخفض 35 ألف وظيفة بحلول سنة 2030.
علاوة على ذلك، يجب أن يؤخذ في الحسبان أن ألمانيا هي أكبر منتج للصلب في أوروبا.
ويعمل أكثر من أربعة ملايين شخص في قطاعات كثيفة الاستخدام للصلب، مثل صناعة السيارات والهندسة الميكانيكية والبناء، والتي تكافح من أجل البقاء متأثرة بارتفاع التكاليف.
ويتزايد الضغط على هذه الصناعة، وكذلك على الصناعة الكيميائية التي تعاني من ارتفاع تكاليف الطاقة.
وإلى جانب كل هذه المشاكل، تعاني ألمانيا من نقص الاستثمارات الخاصة والعامة، والضرائب المرتفعة.
كما أن لها تنظيمات حكومية معقدة ومتطلبات توثيق صعبة، فضلا عن النقص الهائل في العمالة الماهرة.
في ظل هذا الوضع، يرى اتحاد الصناعات الألمانية أن السنتين الأخيرتين لحكومة شولتس مع الليبراليين والخضر كانتا "سنتين ضائعتين". ويحذر من خسارة "ملحوظة" للازدهار وتراجع القدرة التنافسية.
وكتب في وثيقة مطالب أعدّها للحكومة المقبلة: "لن تتمكن ألمانيا من التخلي عن مسار التراجع التدريجي عن التصنيع إلا إذا تمكنت من تحديد مسار جديد من خلال إصلاحات هيكلية بعيدة المدى وجذب المزيد من الاستثمارات".
ونقلت الصحيفة أن الحرب في أوكرانيا، وتآكل النظام الاقتصادي العالمي، والارتفاع العالمي المحتمل في الحمائية (سياسة تجارية تهدف إلى حماية الإنتاج الوطني من المنافسة الأجنبية)، كلها جوانب تقوض اقتصاد ألمانيا.
وأوضح رئيس البنك المركزي الألماني، يواكيم ناجل، أن "اقتصادنا لا يكافح فقط ضد الرياح المعاكسة المستمرة، ولكن أيضا ضد المشاكل الهيكلية".
ويتوقع انكماش الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.2 بالمئة عام 2024، وسينمو بنسبة 0.2 بالمئة فقط في 2025، بشرط تنفيذ الإصلاحات اللازمة.
ونوهت الصحيفة إلى أن هذه الظروف تزيد من الضغط على الحكومة المقبلة في وقت يسود فيه الاستياء الكبير من السياسة والاقتصاد.
وحذّر الرئيس الاتحادي الألماني، فرانك فالتر شتاينماير، من أن "هناك العديد من التحديات التي يتعين على ألمانيا مواجهتها".
وفي الإجمال، ستظل إحدى نقاط الاختلاف الرئيسة متمثلة في الإصلاح المحتمل؛ لكبح جماح الديون المنصوص عليه في الدستور الألماني، والذي طالب به الحزب الاشتراكي الديمقراطي لإعادة تنشيط الاقتصاد.
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية مونيكا شنيتزر أن "هناك جانبا مهما للغاية في إصلاح سياسة كبح جماح الديون يختزل في النص القانوني الذي ينص على إنفاق الأموال الإضافية حصريا على الاستثمارات الموجهة نحو المستقبل: الدفاع والبنية التحتية والتعليم".
ومن المتوقع أن تكون الحملة الانتخابية صعبة للغاية، حيث تتزامن هذه المناسبة مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في 20 يناير/كانون الثاني.
وفي هذا السياق، يوضح أستاذ العلوم السياسية في جامعة برلين الحرة هاجو فونكي، أن الأزمة الاقتصادية ستكون القضية الأكثر أهمية بلا شك.
وأردف: "نحن الآن في عامنا الثاني من الركود، وفي القاع مقارنة بالدول الأوروبية وغير الأوروبية الأخرى. إنها دائرة محبطة؛ لأن هناك الكثير من الجدل حول كيفية الخروج من هذه الأزمة".
قضية الهجرة
وتتمثل المسألة الثانية المثيرة للجدل في قضية الهجرة، خاصة أن رجلا من السعودية نفذ عملية دهس في سوق عيد الميلاد في مدينة ماغديبورغ.
وقد استغل حزب البديل من أجل ألمانيا هذا الحادث متجاهلا أن المهاجم كان معاديا للإسلام ومتعاطفا مع أيديولوجيته.
ويأتي الحزب في المركز الثاني في النسبة التصويتية بنسبة 19 بالمئة، بحسب آخر الاستطلاعات، ولا يتردد عن ترويج الكراهية إذا استطاع تحقيق مكاسب سياسية.
علاوة على ذلك، فإن الفشل المحتمل في اكتشاف الخطر الذي كان يمثله السعودي هو بمثابة ذخيرة لحزب البديل من أجل ألمانيا، ولكن أيضا لأحزاب المعارضة الأخرى، تقول الصحيفة الإسبانية.
وبحسب فونكي، يعد “البديل من أجل ألمانيا” أحد أكثر الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا الغربية، حتى أكثر بكثير من أحزاب مارين لوبان في فرنسا أو جورجيا ميلوني في إيطاليا.
لكن هناك أيضا العديد من الأشخاص الذين يصوتون لحزب البديل من أجل ألمانيا؛ لأنهم يشعرون بخيبة الأمل والاستياء تجاه السياسيين، "فهم في الواقع محبطون من أداء وعدم فعالية ائتلاف شولتس".
أما القضية الكبرى الأخرى في الحملة الانتخابية فهي الحرب الروسية في أوكرانيا.
وفي المجمل، قدمت ألمانيا مساعدات عسكرية لكييف تبلغ قيمتها حوالي 28 مليار يورو، وفقا للأرقام الرسمية.
لكن شولتس ظل ثابتا على رفضه إرسال صواريخ توروس؛ لتجنب تصعيد الصراع الذي قد يؤدي إلى حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي “ناتو”.
وبشكل عام، أصبح الخوف من الحرب واضحا بين السكان، حيث يريد الألمان مواصلة دعم أوكرانيا، لكن دون الاستمرار في إنفاق المليارات في وقت الأزمة الاقتصادية والخوف من التخفيضات الاجتماعية المحتملة.