“الكارثة المحتملة”.. لماذا تخشى أوروبا من عودة ترامب لرئاسة أميركا؟
مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة المقررة في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، برز النقاش حول احتمالية عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى السلطة.
وفي السياق، بدأ الحديث بشأن انعكاسات عودة ترامب على أوروبا واستعدادها لمواجهة ذلك على الأصعدة كافة.
فيما شبه موقع "أتلانتيكو" الفرنسي عودة ترامب المحتملة إلى البيت الأبيض بأنها كـ"الفيل الموجود في الغرفة"، أي "الكارثة التي من المحتمل أن تحدث".
علامات تحذيرية
بعد أن اكتسح ترامب أخيرا الأصوات في ولاية أيوا، ورغم أن المشاركة كانت أقل مما كانت عليه عام 2016، أشار موقع "أتلانتيكو" إلى احتمالية أن يصبح المرشح الجمهوري رئيسا منتخبا مرة أخرى في نوفمبر 2024.
وفي نفس الوقت، لفت الموقع إلى أن "الأوروبيين ليسوا مستعدين على الإطلاق لمثل هذا الاحتمال، وهناك علامات تحذيرية تصور لنا الشكل الذي قد تبدو عليه عملية إعادة انتخابه".
وحذر من أن "عودة ترامب ربما تعني استحالة الاتفاق في الكونغرس على مسألة تقديم المساعدة لأوكرانيا، وهو الأمر الذي من الواضح أنه لا يبشر بالخير بالنسبة لكييف".
وفي السياق، أوضح الموقع أن "دول أوروبا تعتمد حاليا بشكل كبير على الولايات المتحدة على المستوى العسكري".
وتابع: "لهذا، كان من الضروري التفكير في أفضل طريقة لتطوير القدرات العسكرية في القارة العجوز، وذلك لتعويض الضعف في حال رحيل القوات الأميركية".
وذكر الموقع أن "ترامب، بينما كان لا يزال في البيت الأبيض، شكك علنا في أهمية عضوية الولايات المتحدة في حلف شمال الأطلسي (الناتو)".
ومن ناحية أخرى، لفت إلى أن هذا "لا يعني أن الدول الأوروبية لم تفعل شيئا منذ انتخاب الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن، فقد قرر عدد منها زيادة إنفاقها العسكري".
فعلى سبيل المثال، فعلت فرنسا ذلك من خلال قانون البرمجة العسكرية الخاص بها، كما تحدث الرئيس إيمانويل ماكرون أيضا عن إعادة التسلح في يناير/ كانون الثاني 2023.
وبالنظر إلى الشرق، أوضح الموقع أن "بولندا قررت الحفاظ على العقد الموقع مع كوريا الجنوبية، مما يعني تزويد نفسها بقدرة عسكرية كبيرة جدا، حيث ستحصل على حوالي 1000 دبابة و600 مدفع".
والأكثر أهمية من ذلك، نوه الموقع إلى أنه "في بروكسل تُثار فكرة إنشاء صندوق أوروبي لبناء الأسلحة".
وبحسبه، فإن كل هذا "يمكن أن يشكل ردا محتملا على عودة ترامب، إذا أُعيد انتخابه بالفعل".
واستدرك الموقع: "لكن لسوء الحظ، فإن هذه التدابير تأتي في معظمها متأخرة بعض الشيء، وكان ينبغي على الأوروبيين أن يستعدوا لمثل هذا الاحتمال منذ رحيل الرئيس الجمهوري السابق".
وفي هذا الصدد، لفت إلى أن "وصول بايدن إلى الرئاسة لم يمثل قطيعة كاملة مع سياسات سلفه ترامب بشأن سياسات الولايات المتحدة الدفاعية، والتي اقتضت انتقال القوات الأميركية نحو آسيا، في مواجهة الصين".
اعتماد جديد
وعند النظر إلى الناحية الاقتصادية، قال موقع "أتلانتيكو" إن "اعتماد أوروبا على الولايات المتحدة على المستوى الاقتصادي أقل وضوحا بكثير من المستوى العسكري".
وأكد أن "أوروبا تتمتع بأصول كبيرة تظل مستقلة عن جيرانها عبر المحيط الأطلسي".
ومع ذلك، أوضح الموقع أنه "من السذاجة الاعتقاد بأنه لا توجد علاقة تبعية بين أوروبا والولايات المتحدة، لا سيما منذ بدء الحرب في أوكرانيا وقطع العلاقات مع روسيا، حيث أصبحت مسألة الطاقة حتمية في هذا الإطار".
وأدت العقوبات التي فرضتها أوروبا على روسيا منذ عام 2022 إلى الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المسال الأميركي، وبالتالي ظهور "اعتماد جديد" على الولايات المتحدة.
ومع ذلك، يعتقد الموقع أن هذا "الاعتماد والتقارب الاقتصادي لا يثير القلق مثل الاعتماد العسكري".
ففي رأيه، "سيكون ترامب حريصا على الحفاظ على الصادرات الأميركية إلى القارة الأوروبية، كما سيكون حريصا على الحفاظ على صادرات الأسلحة إلى الموانئ الأوروبية كذلك".
ولكن الخطر الحقيقي -بحسب الموقع الفرنسي- يأتي من العودة المحتملة لأجندة الدفاع والحماية في واشنطن.
ففي عام 2016، قرر ترامب الخروج من معاهدة التجارة الحرة التي ربطت الولايات المتحدة بالاتحاد الأوروبي.
وإذا كانت تعتزم أوروبا الخروج من مأزق جديد من هذا النوع، فسيتعين عليها أن تعيد إطلاق أجندة التجارة الحرة، الأمر الذي يعد ضروريا أيضا للنمو العالمي.
ولكن نوه الموقع إلى أن هذا سيجعلها "تواجه مجموعة من العقبات الخاصة بها، حيث لا ينظر عدد كبير من أعضاء الاتحاد الأوروبي بشكل إيجابي إلى هذه المعاهدات".
الاحتلال "الترامبي"
مقارنة بولايته الأولى، يتوقع الموقع الفرنسي أن "تكون ولاية ترامب الثانية -إذا أُعيد انتخابه- أكثر راديكالية".
وأوضح أن "ترامب لديه رغبة شخصية في الانتقام من شخصيات سياسية أميركية، وهي الحاجة التي نشأت عن ظروف خروجه من السلطة والدعاوى القضائية المتعددة التي أُقيمت ضده منذ ذلك الحين".
وبهذا الشأن، أكد الموقع أن ترامب لديه ثأر شخصي ضد ما يسميه بـ"الدولة العميقة" لواشنطن، وهو ما قد يؤدي إلى "عواقب مزعجة للغاية" بالنسبة لشركائه الأجانب المحتملين.
واستطرد: "إذا استعاد السلطة، فمن المتوقع أنه سيجري تغييرات كبيرة في المهام داخل وزارتي الخارجية والدفاع، والتي يمكن أن يكون لها تأثير على العلاقات الخارجية".
وأضاف "أتلانتيكو" أنه في الواقع، قد تصبح المؤسسات الأميركية تحت تأثيره أكثر مما كانت عليه في عام 2016.
فخلال فترة ولايته الأولى، عين ترامب العديد من القضاة، الأكثر تحفظا من ذي قبل، في المحكمة العليا للولايات المتحدة.
وكما ورد عن الموقع، "لا يشكل هذا الأمر موضع قلق بالنسبة لدول أوروبا، ولكن له عواقب حقيقية فيما يتصل بالسياسة الداخلية، ولا سيما ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل الحق في الإجهاض".
على الساحة الدولية، أشار "أتلانتيكو" إلى أن "تأثير ترامب ضعيف إلى حد ما، مما يبعث الأمل لدى بعض الزعماء الأوروبيين، وكذلك لدى العديد من حلفاء الولايات المتحدة الذين يراقبون هذه الانتخابات المستقبلية بترقب".
وفي حال انتخابه لرئاسة البيت الأبيض، لفت الموقع إلى أن ترامب "سيجد محاورين يعرفهم، والذين اعتاد التحدث معهم في فترته السابقة".
من ناحية أخرى، ذكر الموقع أن الإدارة الأميركية "تعلمت أيضا الحد من خيارات وقرارات الرئيس السابق، كما يظهر ذلك جيدا في المسألة السورية".
فبينما "كان يريد ترامب سحب قواته من الأرض، تمكن الجيش الأميركي من إقناعه بأنه قد يكون من المناسب البقاء للسيطرة على حقول النفط، إن لم يكن من أجل مكافحة الإرهاب".
لذلك يتوقع الموقع الفرنسي أن "تتمكن الولايات المتحدة، في ما يتعلق ببعض قضايا السياسة الخارجية الأساسية، من تطبيق شكل معين من أشكال الحد من الأضرار".
أما بالنسبة للأزمة الفلسطينية، أكد أن "ترامب -إذا فاز بالبيت الأبيض- سيظل داعما لإسرائيل في حربها ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وسيظل كذلك يسعى لاحتواء إيران".
وكونه "معارض بشدة للصين، فمن غير المرجح أن يعيد النظر في الموقف الأميركي الرسمي بشأن مسألة تايوان".
وفيما يتعلق بدعم أوكرانيا، يرى الموقع أنه "يتعين على الأوروبيين أن يفكروا في حلول بديلة محتملة، وخاصة إنشاء (اقتصاد حرب) حقيقي، لأنه من المتوقع أن يستمر الصراع لفترة أطول".