الولايات المتحدة تقرر سحب قواتها من العراق.. هل ترحل عن سوريا أيضا؟
"هذه القواعد العسكرية الأميركية النائية محاطة بعش دبابير من الفاعلين الإقليميين"
مع توصل الولايات المتحدة والعراق إلى تفاهم بشأن خطة تقضي بانسحاب القوات الأميركية من العراق، تساءل أكاديمي أميركي: لماذا لا تسحب واشنطن قواتها من سوريا أيضا؟
وفي 6 سبتمبر/أيلول 2024، نقلت وكالة "رويترز" عن مصادر مطلعة أن واشنطن وبغداد توصلتا إلى خطة تنص على خروج مئات من قوات التحالف، الذي تقوده الولايات المتحدة، بحلول سبتمبر/أيلول 2025، على أن ينسحب باقي الجنود بحلول نهاية 2026.
ويتنظر الاتفاق موافقة قيادة الدولتين وتحديد موعد للإعلان عنه؛ إذ قال مسؤول أميركي كبير: "توصلنا إلى اتفاق، وحاليا يتعلق الأمر فقط بموعد الإعلان عنه".
وفي السياق، نشرت مجلة "ريسبونسيبل ستيتكرافت" الأميركية مقالا للباحث في معهد السلام والدبلوماسية، كريستوفر موت، قال فيه: "لقد حان الوقت لترك دول المنطقة تتولى بنفسها كبح جماح تنظيم الدولة والحفاظ على توازن الإقليم".
ميزان القوى
وأضاف: "على الرغم من تصريحات نائبة الرئيس الأميركي، كامالا هاريس، بأنه لا توجد قوات أميركية في مناطق قتالية نشطة اليوم، فإن العديد من الجنود لا يزالون منتشرين في أماكن خطرة وغير مستقرة حول العالم، بما فيها العراق وسوريا".
واستدرك: "لكن يبدو أن الولايات المتحدة والعراق توصلتا إلى اتفاق لبدء سحب 2500 جندي أميركي مازالوا متمركزين في ذلك البلد".
وأردف أن "من المقرر أن يتم تنفيذ الخطة على مدار عام 2025 وتنتهي في عام 2026، وإذا نجحت فإنها ستضع حدا للوجود العسكري الأميركي في دولة تعود معظم مشاكلها الداخلية إلى الغزو الأميركي لها عام 2003".
وفي يناير/كانون الثاني 2024، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) بدء اجتماعات اللجنة العسكرية العليا بين الولايات المتحدة والعراق لبحث "انتقال مهمة التحالف ضد تنظيم الدولة" وفقا لجدول زمني يتم الاتفاق عليه.
وأفادت حينها الحكومة العراقية بأن المحادثات ستفضي إلى "خفض تدريجي مدروس" لعناصر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة.
وقال "موت": "تقع سوريا بجوار العراق، وهي دولة شهدت حربا وحشية امتدت على مدار أكثر من عقد، وكانت ساحة لتدخل أميركي مستمر".
"بدءا من برنامج "تيمبر سيكامور" الذي يُعد أضخم برنامج تسليح وتجهيز سري لوكالة الاستخبارات المركزية في التاريخ، وصولا إلى الاحتلال الأميركي المباشر من خلال قواعد عسكرية تسيطر على مناطق واسعة في شرق سوريا".
وتابع: "في تلك الأثناء، أخفقت الحملة المنسقة للإطاحة ببشار الأسد، بعد أن زادت من تعقيد الوضع على الأرض".
وأردف: "هكذا، بعد مرور عقد ونيف على أحداث 11 سبتمبر/أيلول، كانت الولايات المتحدة تعمل على تقويض "حربها على الإرهاب" التي ادعتها بنفسها".
واستطرد: "من قلب هذه الفوضى العارمة، نشأ تنظيم الدولة، وهو الأمر الذي لم يكن ليحظى بهذا القدر من الزخم لولا كل الجهات الفاعلة غير الحكومية التي نشأت في أعقاب الحروب في العراق وسوريا".
وقال "موت": "على الرغم من أن الولايات المتحدة لعبت دورا داعما، إلا أن الجزء الأكبر من القتال ضد تنظيم الدولة خلال العقد الماضي كان في الواقع نتيجة تحالف معقد من القوات المحلية والميليشيات المدعومة من إيران".
وأضاف أن "الولايات المتحدة دعمت التنظيمات الكردية بقوة، في حين عارضت حكومة الأسد التي كانت تقاتل تنظيم الدولة في ذلك الوقت".
وفي العراق، عملت الولايات المتحدة مع المليشيات المدعومة من إيران ضد تنظيم الدولة، لكنها سرعان ما أصبحت تخشى نفوذ تلك المليشيات.
وتقول الحكومة الأميركية إن قواعدها العسكرية في سوريا والعراق تهدف إلى منع عودة ظهور شبكة "الإرهاب".
ولا يزال هناك 900 جندي أميركي في سوريا اليوم، يعملون أيضا كقوة مضادة للنفوذ الإيراني، الذي يحول دون عودة تنظيم الدولة.
"عش دبابير"
وفي ضوء ذلك، قال الباحث الأميركي إن "هذه القواعد العسكرية الأميركية النائية محاطة بعش دبابير من الفاعلين الإقليميين، مما يجعل الهدف من هذا الانتشار العسكري وديمومته موضع تساؤل متزايد".
ويرى أن "المشكلة تكمن في أن القوات الأميركية تعد قوات معادية في منطقة محاطة بحكومات حليفة لإيران؛ ما يجعل هذه القوات بمثابة أسلاك تفجيرية".
وبيّن أن أعداد هذه القوات الأميركية ليست كبيرة ولا تستطيع أن تُحدث تأثيرا كبيرا على ميزان القوى في مقابل الجهات المحلية.
علاوة على ذلك، تتعرض هذه القوات لهجمات متكررة، مما تسبب في استمرار وقوع خسائر في القوات الأميركية خلال هذا الصيف.
ويرى "موت" أنه على الرغم من كل المشكلات، إلا أن الحكومتين العراقية والسورية تظلان أقوى قوتين في بلديهما، وهما في الوقت نفسه حليفتان لإيران.
وأوضح أن "مع تأجيج حرب غزة للتوترات الإقليمية، بما في ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية على سوريا ذاتها، فإن المخاطر تتصاعد باستمرار".
وفي الوقت نفسه، ألحقت العقوبات أضرارا جسيمة بالاقتصاد السوري، ولكنها فشلت في تقويض حكومة الأسد أو التمكن من اغتنام أي فرص متاحة للدبلوماسية الأميركية، وفق المقال.
وقال الباحث: "لا يوجد أي عذر للمخاطرة بحياة العسكريين الأميركيين في سلسلة متزايدة من التدخلات الفاشلة التي تنتقل من جيل إلى جيل".
وأكد على أن "احتواء إيران لن يتم إلا من خلال دول محلية أخرى، وليس من خلال مجموعة من القواعد العسكرية الأميركية المعزولة والمعرضة للخطر".
وأضاف: "بصراحة، لا يمكن لهذه القواعد أن تكتسب أهمية حقيقية إلا بتعزيزات هائلة، وهو ما يبدو غير قابل للتحقيق في ظل الاستياء المتزايد للرأي العام الأميركي حيال التدخلات العسكرية في الخارج".
وأوضح أن "مع الأنباء السارة عن انسحاب القوات الأميركية من العراق، فإن الطريق الوحيد البري للوصول إلى القواعد الأميركية في سوريا سيكون عبر الأردن".
وهذا من شأنه أن يجعل خطوط إمداد هذه القواعد العسكرية أكثر عرضة للخطر مما هي عليه الآن، وفق المقال.
ولذلك، يرى الباحث أن "من المنطقي تماما أنه إذا انسحبت الولايات المتحدة من العراق، فإن عليها أن تنسحب أيضا من سوريا".
وختم بالقول: "في ضوء كل هذه الحقائق، أصبح من الضروري إغلاق فصل التدخل الأميركي في سوريا بالتوازي مع إنهاء الوجود الأميركي في العراق".