“بي بي سي” تقول إن روح موسوليني تعود من جديد إلى إيطاليا.. ما الدلائل؟

5 months ago

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن الفاشية الإيطالية "مازالت قائمة، وتكتسب زخما متصاعدا في الآونة الأخيرة"، من خلال مظاهر اجتماعية مختلفة، وتصريحات سياسية عديدة.

ورصدت هيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” بنسختها البرتغالية، مظاهر هذه الفاشية المنتشرة في إيطاليا.

وقالت الهيئة إن "المراسم الاحتفالية السنوية لأنصار الفاشية، وتولي اليمين المتطرف سدة الحكم، تعيد روح بينيتو موسوليني من جديد، حيث مازالت أفكار الفاشية متجذرة في العقل الإيطالي".

وتناولت تاريخ الفاشية الإيطالية وجهود مناهضتها، وصولا إلى نشأة صورة أخرى جديدة للفكر الفاشي خلال السنوات الأخيرة.

فاشية متجذرة

وتوقف الموقع، عند مشهد احتفالي لألف شخص من أنصار الفاشية في ميلانو، ثاني أكبر مدينة إيطالية، وتحديدا في أحد الأماكن التي شهدت مقتل يميني متطرف على يد مناهضين للفاشية قبل ما يقرب من 50 عاما. 

وتجمع العديد من الأشخاص في اصطفاف كتشكيل عسكري، مرتدين ملابس سوداء، محلقين رؤوسهم، رافعين التحية الفاشية ومرددين شعاراتها، في مشهد يتكرر كل عام.

وعلى الجانب السياسي، يرى الموقع أن "جذور الفكر الفاشي تحكم إيطاليا حاليا"، وهو يقصد بذلك قيادة حزب "فراتيلي ديتا ليا (إخوة إيطاليا)"، التي تقود الحكومة الحالية.

من جهتها، قالت رئيسة وزراء البلاد وزعيمة الحزب جورجيا ميلوني، إن حركتها "تغيرت بالكامل وابتعدت عن الفاشية".

ويتفق الموقع جزئيا مع تصريحاتها، فيرى أن سياستها “لا تشبه المحتفلين بالفاشية في العصر الحالي”، إلا أنه في الوقت ذاته يرى أن "الحزب لم يبتعد بالقدر الكافي من أصوله السياسية، وأن ما كان يعد في السابق متطرفا أصبح اليوم سائدا".

ونقل عن أحد الصحفيين المناهضين للفاشية، الذي يعيش تحت حماية الشرطة بعد تلقيه تهديدات من متطرفين قوله: "لم تمت الفاشية في عام 1945، بل هُزمت عسكريا، لكنها استمرت في العيش في أذهان العديد من الإيطاليين".

وعرج على نشأة الفاشية وأفكارها، على يد زعيمها موسوليني الذي "تميز نظامه الشمولي بالقمع الوحشي لجميع المعارضين ومعسكرات الاعتقال والحروب في الخارج".

لكن بحسب الموقع، "عادت الفاشية مرة أخرى من الأبواب الخلفية"، فقد "سُمح للحركة بالاستمرار بأشكال مختلفة، وأُنشئت الحركة الاجتماعية الإيطالية (MSI) من قبل أنصار موسوليني بهدف إحياء الفاشية ومكافحة الشيوعية".

بل يكشف الموقع عن "حصول مسؤولين من نظام موسوليني على مناصب في مؤسسات الدولة، كما لم يُقدم أي إيطالي إلى المحكمة لمحاكمته بتهمة ارتكاب جرائم حرب".

من جانب آخر، نُفذت بعض المحاولات القانونية لتدارك انتشار الفكر الفاشي، فتم إصدار "قانون سيلبا" عام 1952، ليشمل عملية حظر الجماعات التي تسعى إلى تحقيق أهداف معادية للديمقراطية، أو تمجد مبادئ الفاشية أو قادتها، أو تستخدم العنف في خدمة مصالحها، ولكن نادرا ما طُبق هذا القانون، وفق الموقع.

ويقارن الوضع الإيطالي بالواقع الألماني، حيث القانون واضح هناك، فيعد "أداء التحية الفاشية جريمة يعاقب عليها بالسجن لمدة تصل إلى ثلاث سنوات، أما في روما يعود الأمر للقضاة ليقرروا ما إذا كانت هذه الإشارة تعد جريمة أم لا، مما يعني استمرار استخدامها".

إضفاء الشرعية

وسعى العديد من الأشخاص إلى إضفاء الشرعية للفكر الفاشي الجديد في البلاد، واستدل الموقع على ادعائه بضرب المثل بقرار رئيس الوزراء الإيطالي سيلفيو برلسكوني عام 1994، "ضم الفاشيين الجدد إلى ائتلافه، بعد أن عانوا عقودا من التهميش".

وبالانتقال إلى الوقت الحالي، فإن رئيسة الوزراء ميلوني، التي بدأت حياتها السياسية في جناح الشباب في الحركة الاجتماعية الإيطالية، وأصبحت بعد ذلك الزعيمة الوطنية للحزب الوريث للفاشية، أشادت ذات مرة بموسوليني ووصفته بأنه "سياسي جيد".

وأضافت: "كل ما فعله، فعله من أجل إيطاليا"، وفي عام 2008، عينها برلسكوني وزيرة في الحكومة.

ولفت الموقع إلى أن "حزب (أخوة إيطاليا) الذي تتزعمه ميلوني يحمل نفس شعار اللهب ثلاثي الألوان الذي تبنته الجماعات الفاشية الجديدة بعد الحرب، لكنها حولت حركتها تدريجيا بعيدا عن اليمين المتطرف".

في المقابل، رصد الموقع تراجعا في حدة خطابها السابق ضد "الاستبدال العرقي" للإيطاليين بالمهاجرين و"لوبي المثليين" منذ انتخابها رئيسة للوزراء عام 2022.

وتابع: "حاليا تستخدم لغة أكثر انسجاما مع اليمين الأوروبي التقليدي، وتتحدث عن حماية الحدود وزيادة معدل المواليد في إيطاليا".

وأردف: "لقد تخلت عن انتقاداتها لمنطقة اليورو، وأقامت علاقات وثيقة مع زعماء من واشنطن إلى بروكسل، وتحدثت بصوت عال عن دعمها أوكرانيا في أعقاب الغزو الروسي".

واستطرد: "لكن منتقديها يقولون إنها لا تزال تغازل جذورها السياسية، مما جعل البعض يعتقد أن هذا يجعلها أقل احتمالا لدعم الحملة ضد الجماعات المتطرفة".

وحسب الموقع، "تطور الفكر الفاشي الجديد ليتخذ شكلا من مظاهر العنف على أرض الواقع".

وأوضح أن "مقر النقابة الإيطالية الرئيسة CGIL، تعرض لهجوم عنيف خلال احتجاج على القيود المفروضة بسبب جائحة كورونا، بقيادة حشد ضم أعضاء من الحزب اليميني المتطرف فورزا نوفا (القوى الجديدة)".

وواصل: "حطم المتظاهرون النوافذ وحاولوا اقتحام المبنى، في حركة تذكرنا بعصر موسوليني، عندما تعرضت النقابات لهجوم من قبل جحافل من أصحاب القمصان السوداء".

وأوضح الموقع مدى التطرف الشديد لحزب القوى الجديدة، الذي ظل موجودا منذ أكثر من ربع قرن، "حيث يدعو إلى التعليق الكامل للهجرة والخروج من منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) والاتحاد الأوروبي، ويشيد أعضاؤها بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين".

ووفقه، "لا يبدو أن هناك أصداء كافية بين الجمهور لأفكار الحزب"، إذ أفاد التقرير بأنه "لم يفز قط بما يكفي من الأصوات لانتخاب أعضاء البرلمان".

واستدرك الموقع: “لكن يبقى خطره قائما” .

وريث أيديولوجي

وسلط الموقع الضوء على نأي حزب إخوة إيطاليا بنفسه بعيدا عن عنف حزب القوى الجديدة، حيث أدانت رئيسة الوزراء الهجوم على مقر النقابة.

في المقابل، انتقد قادة حزب القوى الجديدة ميلوني علنا بسبب بعض مواقفها، بما في ذلك دعمها القوي لأوكرانيا.

في ذات السياق، أشار الموقع إلى أن "ميلوني سعت قبل الانتخابات، إلى طمأنة المنتقدين من خلال نشر رسالة فيديو قالت فيها إن اليمين الإيطالي (أحال الفاشية إلى التاريخ)، وأدانت بشدة قمع الديمقراطية و(القوانين ضد اليهود)".

واستطرد: "لكن ميلوني لم تتخل عن إرثها بالكامل، فهي لا تزال تستخدم شعار العصر الفاشي؛ (الله، البلد، العائلة)، على سبيل المثال".

وقال أحد الصحفيين إن "حزب إخوة إيطاليا ليس حزبا فاشيا، ولكنه وريث أيديولوجي لتقاليد ما بعد الفاشية، وبالتالي فإن الجماعات المتطرفة تشعر بالشرعية بسبب هذا".

ولفت الموقع الانتباه إلى أن "حزب إخوة إيطاليا، آخذ في الارتفاع في استطلاعات نوايا التصويت قبل الانتخابات الأوروبية، متقدما بفارق كبير على أي حزب إيطالي آخر".

وتابع: "وإذا فاز جناح ميلوني من اليمينيين الأوروبيين، كما هو متوقع، بانتصار مدوٍّ في التصويت، فإنها ستعزز هيمنتها السياسية في إيطاليا ومكانتها كنموذج للسياسيين اليمنيين، وتلهم اليمين المتطرف الآخر الذي يسعى إلى قيادة بلاده".

وعرض الموقع رأي نائبة عمدة مدينة بولونيا، إميلي كلانسي، قائلة: "إن الحرب ضد الفاشية لا تزال ذات أهمية كبيرة في يومنا هذا، حيث يحاول اليمين المتطرف، ليس فقط في إيطاليا، بل في جميع أنحاء العالم، إيجاد كبش فداء للصعوبات التي يواجهها الناس، من خلال مهاجمة الأجانب أو المهاجرين".

وأضافت أن "هناك أوجه تشابه مع الأيام الأولى للفاشية"، مشيرة إلى "الهجمات على حرية الصحافة، والرقابة، وحرية الأقليات، والهجمات على حرية المرأة".

واستنكرت كلانسي التحية الفاشية التي لا تزال تُرى بانتظام في المظاهرات، عادّة إياها "أمرا خطيرا ينبغي التعامل معه".

ويختلف معها عضو البرلمان الأوروبي، نيكولا بروكاتشيني، الذي يقول إن حظر هذه التحية سيكون "جنونا". 

وأضاف: "إنها ليست دعوة لإعادة تقديم الفاشية، بل هي لافتة تاريخية مستمدة من روما القديمة، رغم اعتمادها لاحقا، من قبل النظام الفاشي".

ونبه الموقع إلى أنه “رغم أن عدد أتباع موسوليني صغير، ولكن هناك تقاطعات بين دعاة موسوليني والفاشيين الجدد المعاصرين”.

وشدد على أنه "في مجتمع لا يزال يتسامح مع مثل هذه الأفكار والصور والمعتقدات، فإن السؤال هو إلى أي مدى تم تطبيق هذا الأمر"

وحذر الموقع من أنه "لطالما كان لدى الفاشيين رغبة في الانتقام، وأنهم يعدون أنفسهم حاليا عادوا إلى السلطة للانتقام من التاريخ".