انتهاء الحرب في أوكرانيا.. هل تخسر إيران أحد أقوى حلفائها؟

"عززت الحروب العلاقات الروسية الإيرانية وتسويتها ستفرض تحديات على هذه الشراكة"
مثّل العقد الممتد من عام 2015 إلى عام 2025 فترة محورية في العلاقات الروسية- الإيرانية؛ ففي سبتمبر/أيلول 2015، أسّست روسيا وإيران وسوريا والعراق شبكة مشتركة لتبادل المعلومات الاستخباراتية عُرفت باسم التحالف الرباعي للتنسيق الأمني لمحاربة تنظيم الدولة.
وبعد أيام قليلة، شنّت إيران وروسيا -اللّتان قاتلتا جنبا إلى جنب في القرن السادس عشر ضد العثمانيين- حملة عسكرية مشتركة غير متوقعة، لدعم نظام بشار الأسد المأزوم في سوريا.
لكن من المحتمل أن يؤدي سقوط الأسد ووقف محتمل لإطلاق النار في أوكرانيا إلى تغيير في موازين القوى، وفق آرمان محموديان، وهو زميل باحث في معهد الأمن العالمي والوطني، ومحاضر محترف في جامعة جنوب فلوريدا الأميركية.
تحالف ظرفي
ووصف "محموديان"، في مقال له نشرته مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" الأميركية، العلاقات الإيرانية-الروسية بأنها "تحالف ظرفي قد لا يصمد أمام توقف حرب أوكرانيا".
وأوضح أن التعاون بين الدولتين في سوريا، "أسفر عن إستراتيجية عسكرية غير تقليدية؛ حيث فرضت القوات الجوية الروسية سيطرتها على الأجواء عبر حملات قصف مكثفة ضد الفصائل السورية، بينما تقدّمت القوات الإيرانية على الأرض".
وبعيدا عن ساحة المعركة، توسّعت العلاقات الثنائية بين روسيا وإيران في مجالات متعددة، ففي عام 2016، سلّمت موسكو أخيرا منظومة الدفاع الجوي (إس-300) لطهران بعد سنوات من التأخير.
بل وأدّت موسكو دور الوسيط بين طهران والرياض في مفاوضات (أوبك)، ما أسفر عن امتناع السعودية عن ربط خفض إنتاجها النفطي بقيام إيران بتخفيضات مماثلة.
"ومع ذلك، ورغم تنامي التعاون، استمرت التوترات؛ حيث برزت خلافات حول تقاسم عقود إعادة الإعمار في سوريا، وتنافس الجانبان على حصة أكبر من المكاسب الاقتصادية"، وفق المقال.
"كما سعت إيران للحصول على أسلحة متقدمة، بما في ذلك مقاتلات (سو-35)، لكن روسيا ماطلت مرارا في إتمام صفقات التسليح".
"ورغم هذه الخلافات، واصل الجانبان ترسيخ التعاون، غير أنّ الكفة بقيت راجحة لصالح روسيا في تلك المرحلة؛ إذ لعب سلاحها الجوي الدور الحاسم في سوريا، وظلّت موسكو القوة العسكرية والاقتصادية المهيمنة".
وأضاف محموديان: "بدأ هذا التوازن في التغير عام 2022 مع الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا؛ حيث أعادت الحرب تشكيل العلاقات الروسية-الإيرانية بشكل جذري".
"ومع استمرار الحرب، وجدت موسكو أن عزلتها تتفاقم، وأنها مثقلة بالعقوبات الدولية، وغير مستعدة عسكريا لحرب طويلة الأمد، وفي ظل حاجتها الماسة للدعم العسكري والقيود الغربية المفروضة عليها، لجأت روسيا إلى طهران".
"من جهتها، رأت إيران -التي كانت بالفعل ترزح تحت وطأة العقوبات- فرصة سانحة في هذا الموقف، خاصة بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي".
"وبما أن الخسائر كانت محدودة مقارنة بالمكاسب المحتملة، سارعت طهران إلى ترسيخ موقعها كمورّد رئيس للأسلحة لروسيا، مقدمةً لها الطائرات المسيرة وغيرها من العتاد العسكري".
وتابع: "لم يكن دعم إيران لروسيا مدفوعا بالمكاسب المالية فحسب، بل عكَس في جوهره طموح طهران الإستراتيجي لإعادة تشكيل موازين القوى في علاقتها غير المتكافئة مع موسكو".
"فعلى مدى عقود، كانت روسيا الطرف المهيمن، مستفيدة من تفوقها الاقتصادي والعسكري لفرض شروطها، لكن عبر تزويد موسكو بمنظومات عسكرية حيوية، سعت إيران إلى تعزيز نفوذها وترسيخ مكانتها كشريك لا غنى عنه".
وبدأت هذه الإستراتيجية تؤتي ثمارها؛ حيث أطلقت روسيا القمر الصناعي العسكري الإيراني "خيّام"، في إشارة إلى تعمّق التعاون التكنولوجي بين البلدين.

شراكة محدودة
ومع ذلك، كان النفوذ الذي اكتسبته إيران محدودا -وفق المقال- إذ واصلت روسيا الامتناع عن تزويدها بالطائرات المتقدمة، كما أحجمت عن تقديم دعم يُذكر لطهران خلال مواجهاتها مع إسرائيل في أبريل/نيسان وأكتوبر/تشرين الأول 2024.
"وهذا ما كشف عن حدود الشراكة بينهما، فبالرغم من تعمّق التعاون، ظلّت العلاقة محكومة بمصالح متنافسة واختلالات في ميزان القوى"، وفق محموديان.
"ومع ذلك، من الواضح أن الحرب في أوكرانيا وجهود موسكو وطهران المشتركة للحفاظ على نظام الأسد في سوريا شكّلت ملامح علاقتهما".
"لكن السؤال الذي يطرح نفسه الآن: ما مصير هذا التحالف في ظل غياب الأسد وتزايد احتمالات التوصل إلى وقف لإطلاق النار أو اتفاق سلام في أوكرانيا؟"
في هذا السياق، يرى محموديان أن "انهيار نظام الأسد خلق فراغا متزايدا في العلاقات الروسية-الإيرانية".
وأوضح: "فمن جهة، انتهى مشروعهما العسكري المشترك الأبرز وهو التعاون في سوريا، ومن جهة أخرى، ومع تراجع التهديدات المشتركة هناك، تقلّصت مساحة المصالح المتداخلة بينهما في الشرق الأوسط".
وقال: "تاريخيا، لطالما شابت العلاقة بين إيران وروسيا خلافات جوهرية، خاصة فيما يتعلق بعداء طهران لإسرائيل وعلاقاتها مع الدول العربية في الخليج".
علاوة على ذلك، فإن انتهاء الحرب في أوكرانيا سيقوّض النفوذ المؤقت الذي اكتسبته إيران على روسيا، فبانتهاء الصراع، ستتراجع الأهمية الإستراتيجية لطهران في نظر موسكو، وفق تقييم الباحث.
وأكد أنه "ببساطة، مادامت روسيا لم تعد بحاجة إلى الطائرات المسيّرة والدعم العسكري الإيراني، فلن يكون لدى طهران ما تقدّمه لتلبية احتياجات موسكو الملحّة، وسيؤدي هذا التحول إلى إعادة ترسيخ اختلال التوازن في العلاقة بينهما، مما يعيد روسيا إلى موقع الهيمنة مجددا".
"إضافة إلى ذلك، من المرجح أن تسعى روسيا، في محاولة لتأمين وقف إطلاق نار أو اتفاق سلام يخدم مصالحها في أوكرانيا وإعادة بناء علاقاتها مع الولايات المتحدة، إلى تهدئة التوترات في ملفات أخرى محل الخلاف مع واشنطن".
"وفي هذا السياق، تبدو إيران الطرف الأكثر قابلية للتخلي عنه بالنسبة لموسكو، فمع غياب الأسد وانتهاء الحرب في أوكرانيا، ستتراجع الدوافع الإستراتيجية التي تحتم على روسيا الإبقاء على علاقتها الوثيقة بطهران، مما يجعل إيران مرشحة بقوة لأن تكون مهمشة دبلوماسيا".

إسرائيل والخليج
"وبالإضافة إلى مساعيها لتخفيف التوتر مع أميركا، تملك روسيا دوافع أخرى للابتعاد عن إيران في مرحلة ما بعد الأسد وما بعد الحرب الأوكرانية، وأحد أبرز هذه الدوافع هو علاقتها بإسرائيل، وهو تعاون سعت موسكو باستمرار إلى الحفاظ عليه وتعزيزه"، وفق محموديان.
عامل آخر بالغ الأهمية هو التحولات الجيوسياسية في الخليج، فمع إعادة إدارة الرئيس ترامب تفعيل حملة "الضغط الأقصى" ضد إيران، من المرجح أن تصطف الدول الخليجية، بما في ذلك السعودية والإمارات، بشكل أوثق مع الولايات المتحدة ضد طهران، أو على الأقل ستشعر بضغط يدفعها في هذا الاتجاه.
"وفي هذا السياق، قد يكون ابتعاد روسيا عن إيران وسيلة للحفاظ على علاقاتها مع الدول العربية دون إثارة حفيظة شركائها الإقليميين الرئيسيين"، بحسب المقال.
وأكد أن "هذا التحول قد يشكل تحديا كبيرا لطهران، فمع عودة حملة الضغوط القصوى، ستصبح إيران في حاجة ماسّة إلى دعم روسيا الدبلوماسي في الأمم المتحدة لعرقلة القرارات وعرقلة فرض العقوبات".
كما ستعتمد على المساندة العسكرية الروسية لإعادة بناء قدراتها الدفاعية الجوية التي تعرضت لضربات قاسية؛ حيث دمرت الضربات الإسرائيلية أربع بطاريات من أصل خمس من منظومة (إس-300) الإيرانية.
وهذا يجعل طهران بحاجة ماسة إلى أنظمة رادار جديدة، وتقنيات الإنذار المبكر، ومنصات الدفاع الجوي، والطائرات القتالية.
وأردف أن "إيران قد تسعى، ولو جزئيا، إلى الاعتماد على روسيا للحفاظ على نفوذها في سوريا، خاصة أن موسكو تمكنت حتى الآن من إبقاء بعض قواتها هناك، ومع ذلك، يظل المستقبل غير واضح المعالم، مما يضع طهران تحت ضغوط كبيرة".
"لكن في المقابل، قد يوفر انتهاء الحرب في أوكرانيا بعض المكاسب لإيران، فإذا انتهت الحرب ورفعت العقوبات الأميركية عن روسيا، فستستعيد موسكو قدرتها على الوصول إلى جزء كبير من السوق العالمية للطاقة".
"وهذا بدوره سيخفف من أزمتها الاقتصادية ويقلل حاجتها إلى بيع النفط بأسعار مخفضة في الأسواق الآسيوية، لا سيما في الهند والصين؛ حيث تنافست مباشرة مع إيران، ونتيجة لذلك، قد تتمكن طهران من استعادة جزء من حصتها المفقودة في السوق"، بحسب المقال.
"ومع ذلك، ونظرا لاحتمال فرض واشنطن موجة جديدة من العقوبات على إيران، فقد تجد طهران نفسها مضطرة إلى تقديم أسعار مخفضة للحفاظ على صادراتها النفطية".
وختم محموديان قائلا: "في النهاية، وكما عززت الحرب السورية والحرب في أوكرانيا العلاقات الروسية-الإيرانية، فإن تسويتهما ستفرض تحديات جديدة على هذه الشراكة".