تسبب في واحدة من أبشع الجرائم في مصر بالسنوات الأخيرة.. ما هو "الدارك ويب"؟
في شبكة "دارك ويب" لا توجد شروط ولا رقابة
حادثة مروعة صدمت المجتمع المصري، مع كشف النيابة العامة عن جريمة قتل صبي يبلغ من العمر 15 عاما، تم العثور على جثته داخل شقة بالقاهرة، بعد أن انتزعت بعض أحشائه وجرى وضعها في كيس مجاور.
وأشار بيان النيابة في 25 أبريل/ نيسان 2024 أن المتهم شاب اعترف بارتكاب جريمة القتل بطلب من مصري مقيم بالكويت.
تفاصيل مفزعة
طلب منه اختيار أحد الأطفال لسرقة أعضائه البشرية مقابل مبلغ 5 ملايين جنيه.
إلى هنا قد يتبادر إلى الذهن أنها جريمة متعلقة بسرقة الأعضاء كما هو دارج، لكن التفاصيل حملت كثيرا من الأشياء الغريبة والمفزعة غير المسبوقة على سياق الجرائم في مصر.
منها أن المحرض المقيم في الكويت هو صبي مصري أيضا عمره 15 عاما، وأنه تعرف على مرتكب الجريمة عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي.
حيث طلب المحرض من القاتل استدراج أحد الأطفال وقتله والتمثيل بجثته عن طريق قطع وتشريح أعضائه البشرية، شريطة تصوير العملية وعرضها عليه عبر تقنية "الفيديو كول".
وأشارت التحقيقات الأولية أنه تم ارتكاب الجريمة بغرض تسويق هذه المشاهد من خلال "شبكة الإنترنت المظلمة" أو ما يعرف بـ “الدارك ويب”.
حيث إن المصري المقيم في الكويت ثبت تجميعه فيديوهات ومقاطع فيديو مماثلة بهدف التربح من نشرها على تلك الشبكة المجهولة لقطاع كبير من المصريين.
وبات السؤال الذي يطرح نفسه ما هو الدارك ويب؟ وكيف يمكن أن ترتكب جرائم مروعة ومتسلسلة من خلاله بهذه الطريقة البشعة؟ وهل يمكن أن تحدث رقابة عليه مثل الشبكة العنكبوتية الطبيعية؟
خاصة أن مصر لم تشهد سابقا أي جريمة معلنة تتعلق بـ"الدارك ويب".
الدراك ويب
والدارك ويب هو نسخة موازية لشبكة الإنترنت العادية، ويضم مواقع خفية ومشفرة صعب الوصول إليها وتحتاج تقنيات خاصة للتعامل معها.
ولا تتم فهرسة محتواها بواسطة محركات البحث التقليدية، وتحتاج لتصفحها إلى برمجيات خاصة مثل برامج (VPN) متقدمة.
وفي شبكة "دارك ويب" أجزاء كبيرة توصف بأنها سرية وخفية ومشفرة، حيث لا توجد شروط ولا رقابة بها، ما يسمح للأفراد بإخفاء هويتهم وموقعهم عن الآخرين، تحديدا الجهات الأمنية والحكومية.
ولذلك يوجد على مواقع "دارك ويب" متاجرة بمنتجات ممنوعة بينها الأسلحة، والمخدرات، والعملات المزورة، والفيروسات المعلوماتية، وتعليمات القرصنة.
وجرائم أشد خطورة مثل المواد الإباحية الخاصة بـ"الأطفال"، وتجارة "البشر" والأعضاء البشرية.
وقد بدأ استخدام مصطلح "الإنترنت المظلم" أو ما يعرف بـ “الدارك ويب” عام 2009، وارتبط اسمه بأعمال القرصنة الإلكترونية.
لكن هناك جانبا آخر لرواد تلك الشبكة، فجزء منهم يعمل من خلالها على إبقاء قواعد بياناته ومعلوماته مخفية عن محركات البحث عبر وضع تشفير لهذه المواقع واستخدام خوارزميات خاصة تمنع إيجادها بسهولة.
ويعد هذا أمرا أساسيا في عمل الأجهزة الأمنية والعسكرية، وسير الحملات الانتخابية بالنسبة للزعماء السياسيين، ويضمن سرية العمل بالنسبة لبعض المؤسسات والشركات.
ويتم إخفاء محتوى الإنترنت العميق "دارك ويب" خلف نماذج تسمى "بروتوكول نقل النص الفائق" (HTTP Hypertext Transfer Protocol).
ويتضمن قواعد بيانات مؤسسات كالمستشفيات والجامعات والمتاحف وغيرها، وهي تفرض إدخال "اسم المستخدم"، وكذلك الحسابات البنكية عبر الإنترنت، ومواقع الأداء مقابل التصفح في بعض المجلات أو الجرائد الإلكترونية.
كما أن عناوين هذه المواقع لا تنتهي بنطاقات الإنترنت المتعارف عليها، مثل دوت كوم أو دوت نت أو دوت أورج وغيرها.
جبل الجليد
وكثير من خبراء البرمجة يشبهون الشبكة العنكبوتية بـ"جبل الجليد" الذي تظهر منه قطعة صغيرة فوق سطح الماء، هو "الإنترنت المرئي" الذي نتصفح مواقعه ومحركات بحثه المعروفة ومواقع التواصل الاجتماعي، أما بقيته فتكون تحت السطح وفي العمق.
ويطلق على الذي يقع تحت السطح مباشرة "الإنترنت العميق"، أما في الأعماق السحيقة فهناك “الإنترنت المظلم”.
ويمثل الدارك ويب كل صفحات الويب التي لا يمكن الوصول إليها من خلال محركات البحث التقليدية، ويحتوي ما يقرب من 90 بالمئة من جميع مواقع الويب على الشبكة.
والدارك ويب هو جزء داخل الشبكة العميقة، ومنطقة على الإنترنت لا يمكن أن يصل إليها إلا من يستخدمون متصفحا مثل "Tor"، الذي طورته البحرية الأميركية خلال تسعينيات القرن الماضي.
و"Tor" يخفي هوية المستخدم، ومن خلاله يمكن متابعة المواقع المحجوبة من الحكومات.
وكل المواقع الموجودة ضمن الدارك ويب لا يمكن الدخول إليها بسهولة إلا بعد دفع الاشتراك أو مقابل الخدمة، عن طريق "البيتكوين" أو العملة الرقمية.
والبيتكوين هي العملة الرقمية الأكثر شهرة ورواجا داخل الدارك ويب، لأنها الأكثر مضمونية وربحية في السنوات الأخيرة، بجانب كونها الأكثر أمانا من حيث إخفاء مصدر التحويل.
ولطالما استخدمت جماعات مسلحة مختلفة مثل "النازيون الجدد" الدارك ويب بغرض التخفي وتبادل المعلومات السرية.
وفي 27 أكتوبر/ تشرين الأول 2021، أعلنت صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية، عن محاولة انقلابية يقودها السياسي اليميني المتطرف "ريمي داييه"، الذي خطط لاقتحام قصر الرئاسة (الإليزيه)، وتبين أنه استخدم الدارك ويب لتحريك أتباعه.
وكان "داييه" يتواصل مع 36 نقيبا عسكريا شاركوه الانقلاب بـ"الرسائل المشفرة لبناء شبكة واسعة من منظري المؤامرة" عبر الدارك ويب.
وكذلك في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، تمت سرقة بيانات حساسة من جهات أميركية وأجنبية، وحذر مكتب التحقيقات الفيدرالي الشركات الأميركية من قراصنة إيرانيين تسللوا للدارك ويب للبحث عن هذه البيانات وشرائها.
وفي 26 أكتوبر 2021، شنت الشرطة الأوروبية "يوروبول"، حملة ضد مستخدمي هذه الشبكة، واعتقلت 150 شخصا منهم، ووجدوا بحوزتهم 27 مليون دولار نقدا، و230 كيلوغراما من المخدرات، غير قطع كبيرة من الأسلحة المتنوعة.
وجاءت تلك العملية بعد تفكيك الشرطة الألمانية منصة "دارك ماركت" (Dark Market) حيث تبعتها عملية أمنية واسعة ضد مستخدمي "الإنترنت المظلم" في 8 دول أوروبية وأميركا، وأطلق عليها اسم "دارك هانتر"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية.
ونفذت العملية ضد موقع يسمى "سيبربانكر" Cyberbunker، تباع عبره مخدرات وعملة مزورة وبطاقات ائتمان مسروقة أو مزورة وشرائح هاتفية بدون أسماء وفيروسات إلكترونية، وغيره.
مآرب أخرى
وليس الدارك ويب شرا محضا، بل هناك كثير من أوجه الاستفادة، حتى إن بعض المؤسسات الإعلامية الكبرى مثل هيئة الإذاعة البريطانية "بي بي سي"، وصحف مثل "الغارديان" و"نيويورك تايمز" تملك مواقع في "الشبكة المظلمة"، تستعملها خصوصا لإحباط محاولات القرصنة.
وقد يضطر الصحفيون كثيرا لعدم الكشف عن هويتهم أو إخفاء معلوماتهم أو مصادرهم من أجل التهرب من الرقابة الحكومية أو الملاحقة القضائية أو الاستهداف بشكل عام.
لهذا يلجأ بعضهم إلى الدارك ويب اعتقادا منهم أنه أداة مفيدة، وكذلك يفعل بعض النشطاء والمعارضين، للبقاء مجهولين رقميا، وعدم ظهور أنشطتهم أمام أجهزة حكوماتهم القمعية، ما يجعل علاقة الصحفيين والإعلام به تزداد يوما بعد يوم.
من جانبها تقول شبكة "الصحفيين الدوليين"، إن الدارك ويب يمكن الصحفي من تواصل آمن مع المصادر من خلال مكالمات هاتفية بالصوت والصورة مشفرة بالكامل ومؤمنة تماما، وبالأخص المصادر الموجودة في المناطق التي تتعرض اتصالاتها لرقابة شديدة من الأجهزة الأمنية".
وتضيف في دراسة نشرتها في 30 أكتوبر 2018، أنه يمكن أيضا للصحفي استخدام بريد إلكتروني مشفر وآمن من خلال الخدمات التي تقدمها بعض مواقع الإنترنت المظلم لحماية مراسلاته والوثائق المرسلة إليه، وضمان عدم سقوطها في يد أجهزة الدول التي تقمع حرية الصحافة أو بها حروب.
كذلك يسمح للصحفي الدخول إلى مواقع أرشفة الوثائق، حيث يستطيع من خلالها الوصول إلى مئات الآلاف من الوثائق السرية بجميع اللغات في شتى المجالات والقضايا حول العالم.
ويفيد استخدام شبكة "ويكيبيديا" المخفية في تقديم معلومات حول شخصيات ودول وكيانات عالمية لا يمكن أن تجدها على شبكة الإنترنت السطحية.
منها على سبيل المثال روابط لسلع السوق السوداء والعملة والخدمات، والمنتديات، والمجموعات السياسية.
إضافة إلى تمكين الصحفيين والباحثين الاحتفاظ بنسخ من الوثائق والصور والمقاطع الخاصة بعملهم داخل مواقع مخفية أو داخل بريده المخفي حتى لا تصل إلى أيدي المتطفلين أو الراصدين.