الاحتجاجات المضادة لإسرائيل.. ما قدرتها على تطهير فساد النظام العالمي؟
تساءلت وكالة الأناضول عن أسباب خروج فئات جديدة لم يعهد تظاهرها من أجل فلسطين إلى الواجهة للمطالبة بإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.
ونظمت الوكالة لقاء صحفياً مع سلمان سيد، المتخصص في قضية الإسلاموفوبيا في جامعة ليدز، تطرق فيه إلى هذه المسألة.
كما تحدث الأخصائي عن انهيار النظام العالمي النيوليبرالي وإمكانية وجود عالم أفضل من خلال الاحتجاجات المناهضة لإسرائيل.
وخلال العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تجتاح المظاهرات دولا غربية عديدة طالبت بوقف عمليات الإبادة الجماعية.
احتجاجات مضادة
أشار سيد إلى المظاهرات والمسيرات والاحتجاجات التي تجري حول العالم والفئات العديدة التي عبرت عن تضامنهم مع فلسطين.
وتساءل: لماذا خرجت مجموعات وأفراد من الجاليات اليهودية في الغرب والملحدين والسود وآخرين ممن لا علاقة لهم بفلسطين أو الإسلام إلى الشوارع من أجل غزة؟
ثم تابع قائلاً: من المهم أن نرى أولاً أن الاحتجاجات لا تجري في الدول العربية أو الغربية فقط، بل طالت جميع أنحاء العالم. وشارك الملايين من الناس في مظاهرات تضامنية مع شعب غزة وفلسطين.
كما أدانت العديد من حكومات أميركا اللاتينية وإفريقيا غير الإسلامية كيان الاحتلال بسبب جرائم الحرب.
وقد كانت حكومة جنوب إفريقيا من بين من انتقدها، حيث إن نظام "الفصل العنصري" التمييزي الذي حاربته هذه الدولة يطبَّق الآن على الفلسطينيين في نظرها.
وبهذه النظرة، فإن الاضطهاد والمعاناة التي تواجه الفلسطينيين تُذكّر الكثير من الشعوب بتجاربهم التاريخية مع الاستعمار والعنصرية والقمع.
وأضاف الأخصائي أنها "ثورة ضد عدم احترام النظام النيوليبرالي لفئات من الناس. فعند ذهابنا إلى هذه المسيرات اليوم سنرى أن هناك الكثير من المتظاهرين اليهود والمسلمين والملحدين".
ولا يمكننا الحديث هنا عن أيّ عاملٍ مشتركٍ بينهم، إذ إن هذه المسيرات تُعد خليطا تجتمع فيه الأفكار المختلفة. لكن نظرتهم المشتركة تجاه غزة تؤكد أن هذه القضية هي أمرٌ يخصنا جميعاً، وفق تقديره.
انعدام العقوبات
عند إعادة النظر في ماضينا وحاضرنا، ندرك مرة أخرى أن النظام العالمي النيوليبرالي غير كفؤ فيما يخص منع جرائم الحرب وعقاب مرتكبيها عند حدوثها، بل وعادة ما يستغرق هذا الأمر سنوات للوصول إلى نتيجة تذكر.
وبسبب عدم كفاية العقوبات في هذا المجال، يقول سيد: "نجد أن جرائم الحرب تتكرر المرة تلو الأخرى؛ مع علم مرتكبيها أن لا رادع لهم حينها".
وعلى سبيل المثال، فإن السماح بحدوث الإبادة الجماعية في البوسنة والهرسك، أدى بالتالي إلى سهولة تنفيذ الإبادة الجماعية تجاه مسلمي الروهينغا.
والنقطة المهمة بخصوص الإبادة الجماعية للروهينغا هو تنفيذ نظام بورما لها دون رادع، على الرغم بأنها أضعف بكثير من العديد من الدول الإسلامية.
ويرى أن فشل المسلمين أو غيرهم في فعل أي شيء حيال هذه الإبادات الجماعية يعني أن العالم يسمح بالعنف المتزايد ضد المسلمين.
واسترسل سيد قائلاً: ما أريد قوله هو أن النظام النيوليبرالي تحول إلى مسخ لم يعد أحد يؤمن به أو يضعه موضع حل.
واليوم هناك حاجة ماسة إلى رؤية عالمية جديدة، لكن لا توجد أي بدائل تلوح في الأفق، وفق تقديره.
ما الحل؟
وقال المختص إن المقاومة التي نشأت تجاه محاولة الإبادة الجماعية في غزة تفتح إمكانية رؤية جديدة لعالم أفضل.
وقد كانت هذه الرؤية ضائعة في كل من قضايا البوسنة والروهينغا والشيشان والإيغور أو حتى الكشميريين.
ولا يزال هذا الضعف موجودا في يومنا هذا، فلا نجد أي إمكانية لعقد اجتماعات عربية أو إسلامية حقيقية وذات نتيجة من أجل فلسطين في الكثير من دول العالم الإسلامي.
وفي المسيرات الكبيرة في البلدان الإسلامية الأخرى، بذلت العديد من الحكومات جهدها لتقييد الاحتجاجات العامة مدركة أن الشيء الوحيد الذي يمكن أن يطيح بها هو قوة الشعب.
وكحل، فإن جزءا من مهمة المنظمات مثل وكالة الأناضول هو تنوير وتثقيف الناس حول النضال السياسي، وذلك لأن الحلول لا تأتي بشكل عفوي، بل إنها تتطلب العمل والمعرفة والنظر إلى إمكانيات المقاطعة، وفق تقديره.
وأكد أن المقاطعة أثبتت نجاحها وستستمر في ذلك، لكنها ليست القوة الوحيدة التي لدينا.
وتابع أن "السبب الذي يجعلنا نلجأ إلى المقاطعة هو أنها الشيء الوحيد الذي يمكننا التحكم فيه، لأنه لا يمكننا إجبار حكوماتنا بشكل مباشر على اتخاذ إجراءات أكثر صرامة".
وحسب رأي المختص في الإسلاموفوبيا، فإن الناس يفتقرون إلى النية أو القدرة أو المعرفة. لذلك فإنّ جزءاً من عملية النضال هو أن ندرك إمكانيات عالم أفضل، وأن نثقف أنفسنا ونتعلم كيفية القيام بذلك من خلال النظر إلى الأمثلة المشابهة.
وتساءل عن عدد المسلمين الذين يعرفون عن نضال أشخاص مثل "مالكوم إكس" الداعية الإسلامي الأميركي الإفريقي، أو عن نضال الجزائريين، أو عن النضال ضد الاستعمار، أو عن "الإمام شامل" أحد أشهر مقاومي الضم الروسي للقوقاز؛ مشيراً إلى أن هذه الأمثلة قد دخلت طي النسيان.
ولأننا لا ندرس هذه الأمور في نظامنا التعليمي، فقد ضاع تاريخ النضال هذا بأكمله، وفق تقديره.
وأشار سيد إلى الحل بالقول إن "الرؤية الجديدة ممكنة بتثقيف أنفسنا وتمسكنا بالأمل، وبأن ننظر إلى التغيير على أنّه واجبٌ على كلّ فرد في المجتمع".