على عكس المتوقع.. هل يقدم ترامب لإيران ما عجز عنه بايدن؟
"الطريق إلى الاتفاق يبدو معقدا، لكنه ليس مستحيلا"
مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومع وعود بسياسات مختلفة عن سلفه الديمقراطي جو بايدن، نشرت صحيفة "آرمان ديلي" الإيرانية الإصلاحية تقريرا تحاجج فيه بأن هناك عوامل عديدة تجعل الوصول إلى اتفاق بين إيران وأميركا ممكنا.
وفي مقابلة تلفزيونية في 23 يناير/ كانون الثاني 2025، كشف ترامب أنه يأمل في التوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وتجنب توجيه ضربات ضد مواقعها النووية.
وأضاف: "أريد أن يكون لديهم (الإيرانيين) بلد عظيم وإمكانات كبيرة، الشعب مذهل (..) والشيء الوحيد الذي قلته عن إيران، هو أنهم لا يستطيعون امتلاك سلاح نووي".
عوامل دافعة
أول هذه العوامل التي أوردتها الصحيفة الإصلاحية ما وصفته بـ "البراغماتية المتأصلة في السياسة الخارجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية، والتي ظهرت بوضوح على مدار الـ 45 عاما الماضية".
وأردفت موضحة: "فعندما يتطلب الحفاظ على النظام اتخاذ قرارات براغماتية، تكون القيادة على استعداد للقيام بذلك، ما يعد عاملا مساعدا للوصول إلى اتفاق مع الأميركيين".
والعامل الثاني -وفق التقرير- يكمن في "نهج حكومة الرئيس الحالي مسعود بزشكيان، الذي يؤكد التفاعل الإيجابي المنفتح مع العالم".
فخلال حملته الانتخابية، تحدث الرئيس بزشكيان بوضوح عن الحاجة إلى التوصل إلى اتفاق مع أميركا لرفع العقوبات المفروضة على إيران.
وأشار أيضا إلى مفهوم "إدارة الصراع مع أميركا"، مما يعكس استعداد الجهاز الدبلوماسي في الحكومة الحالية للنظر في الخيارات المتاحة للتفاوض، وفق الصحيفة ذات التوجهات الإصلاحية.
أما العامل الثالث، الذي لفت إليه التقرير، فيتمثل في أن "العقوبات الاقتصادية الظالمة المفروضة على إيران تشكل ضغطا كبيرا".
مشيرا إلى أن "هذه العقوبات، التي باتت تشكل شبكة دولية معقدة، دفعت كل الأطراف، بمن فيهم حلفاء إيران المقربون، إلى التماشي مع السياسة الأميركية في بعض الحالات".
وذكر التقرير أن الاتفاق النووي السابق بين طهران والدول الكبرى أثبت أنه أداة جيدة لتخفيف تلك العقوبات، واستجلاب نوع من الاستقرار الاقتصادي النسبي.
ولكن مع خروج الرئيس ترامب، خلال دورته الأولى، من الاتفاق، واجهت إيران تراجعا اقتصاديا كبيرا، وفق الصحيفة الإيرانية.
ومع إقراره بأن "إدارة جو بايدن أبدت بعض المرونة، في محاولة لتهدئة التوترات"، إلا أن "استمرار العقوبات، ظل يمثل تحديا كبيرا أمام طهران".
في حين رأت الصحيفة أن "العامل الرابع يكمن في القلق الإيراني المتزايد من ولاية ترامب الجديدة، التي قد تعني مزيدا من العقوبات ضد البلاد".
حيث إن "سياسات ترامب تجاه الجمهورية الإيرانية، والتي يعدها منخفضة التكلفة لكنها فعالة، تثير مخاوف من تصعيد إضافي في المنطقة ضد إيران".
وهذا التهديد -حسب التقرير- يشمل دافعا إضافيا للوصول إلى اتفاق بين البلدين في الوقت الراهن.
ويُختتم التقرير بتأكيد على أن الإيرانيين المنتمين للتيار الإصلاحي يمثلون قوة ضغط إضافية، تدفع صوب التفاوض حول اتفاق جديد مع الولايات المتحدة الأميركية.
مذكرا بأن "نسبة المشاركة في الانتخابات الأخيرة أعطى دفعة جديدة للإصلاحيين لطرح قضية تخفيف التوترات مع أميركا كأولوية.
عوامل معوِّقة
على الجانب الآخر، يلفت التقرير إلى وجود عوامل قد تعيق هذا الاتفاق، بل تدفع نحو زيادة التوتر أو حتى الوصول إلى مواجهة مباشرة.
أول هذه العوامل "الذاكرة التاريخية السلبية تجاه أميركا، بدءا من انقلاب 1953، وصولا إلى التدخلات الأميركية في الحرب الأخيرة مع قطاع غزة، تجعل الكثيرين في إيران ينظرون بعين الشك إلى أي محاولة للتقارب".
وثانيها هو "المعارضة الداخلية لأي اتفاق مع الولايات المتحدة، سواء من التيارات المحافظة أو بعض الشخصيات النافذة، والتي تعيق بدورها جهود التفاوض".
وأردف: "هؤلاء يرون أن أي تنازل قد يُفسر على أنه ضعف، مما يجعلهم يدفعون باتجاه التصعيد بدلا من الحوار".
في حين تأتي الأوضاع الإقليمية المعقدة والدور الأميركي في الشرق الأوسط كعامل ثالث يضفي تحديات إضافية على الحوار بين البلدين. فالتدخلات الأميركية في العراق وسوريا، إلى جانب دعمها لإسرائيل، تجعل من الصعب بناء ثقة متبادلة بين الجانبين، حسب التقرير الإيراني.
أما العامل الرابع والأخير؛ فهو المخاوف من أن يكون أي اتفاق تعقده إيران مؤقتا وغير مستدام، لا سيما إذا تغيرت الإدارة الأميركية مجددا.
ولذا، فإن "إيران بحاجة إلى ضمانات قوية تمنع أي إدارة مستقبلية من التنصل من الاتفاق، وهو أمر يبدو صعب المنال في ظل السياسة الداخلية الأميركية".
وبناء على هذه العوامل، خلص التقرير إلى أن "الطريق إلى الاتفاق يبدو معقدا، لكنه ليس مستحيلا".
مشيرا إلى أن "السياسة البراغماتية والضغوط الاقتصادية قد تدفع نحو التفاوض، بينما الذاكرة التاريخية والمعارضة الداخلية تشكل عقبات حقيقية".