عبد العزيز النويضي.. محامٍ مغربي دافع عن المضطهدين وتوفي أثناء لقاء صحفي

12

طباعة

مشاركة

بالكوفية والعلم الفلسطيني، ووري الثرى عبدالعزيز النويضي الأستاذ الجامعي المغربي والمحامي البارز في الوسط الحقوقي بالمملكة، بعدما غادر دنيا الناس جراء سكتة قلبية خلال إجراء حوار صحفي مع موقع محلي.

ويعد الراحل من أبرز الوجوه التي نصرت المجال الحقوقي المغربي على مدى عقود من الترافع والنضال عن المظلومين والصحفيين ومعتقلي الرأي، كما لم تغب عنه القضية الفلسطينية في حياته. 

النويضي رحل مطلع مايو/ أيار 2024، عن عمر ناهز 67 سنة، وهو يجري حوارا مع موقع “صوت المغرب” بالعاصمة الرباط، يناقش فيه الوضع الراهن حقوقيا وسياسيا.

وجاء هذا الحوار، بعد عودته من الدفاع بمدينة أغادير عن الناشط المدني رضا الطاوجني، سعيا إلى إسقاط إدانته بالسجن سنتين عقب آراء أدلى بها على مواقع التواصل الاجتماعي.

الممارسة المهنية

ولد في منطقة الحي المحمدي لمدينة الدار البيضاء عام 1956، وتلقى تعليمه الأساسي فيها، قبل أن ينتقل بعدها إلى مدينة فاس، حيث صقل سياسيا ونقابيا، وكان عضوا في الشبيبة الاتحادية وهو في عمر 23 عاما.

بعد تأسيس الكونفدرالية الديمقراطية للشغل (نقابة) عام 1978، انضم لها وتولى فيما بعد منصب مساعد رئيس النقابة، نوبير الأموي، وهي المهمة التي مكنته من زيارة دول أجنبية عدة كالدنمارك، وسويسرا، والعراق، وسوريا، والأردن، والولايات المتحدة.

بدأ مساره المهني أستاذا جامعيا في القانون بجامعة محمد الخامس بالرباط بالموازاة درّس بجامعة أوهايو الأميركية.

وعقب ذلك انتقل إلى ممارسة مهنة المحاماة التي ظل من خلالها حاضرا في ساحات محاكم المملكة.

مسيرة الراحل زاوجت بين التنظير والممارسة المهنية، ما بين التدريس الأكاديمي والترافع في المحاكم، بين القضايا السياسية والاجتماعية.

شغل النويضي مسؤوليات مدنية متعددة، منها مسؤوليات في المنظمة المغربية لحقوق الإنسان، والكتابة العامة للجمعية المغربية لمحاربة الرشا (ترانسبرانسي المغرب)، ورئاسة جمعية "عدالة". 

وشغل النويضي عضوية “الهيئة العليا للحوار الوطني حول إصلاح القضاء”، ورفض إلى جانب آخرين تلقي أي تعويض مادي عن مهمته.

كان مستشارا في مجال حقوق الإنسان للوزير الأول (رئيس الحكومة) الراحل عبدالرحمن اليوسفي في فترة انتقالية حساسة من تاريخ المغرب (ما بين 1997 و2002)، وهي انتقال الحُكم من الملك الحسن الثاني إلى ابنه محمد السادس، ومعالجة قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في العقود المعروفة اليوم بـ"سنوات الرصاص".

وعن تلك الفترة كتب، مذكرات عنونها بـ“مذكرات مستشار للوزير الأول عبدالرحمن اليوسفي، دروس من تجربة التناوب وما بعدها".

وإلى جانب عمله الميداني، ألف أيضا كتبا منها "المحكمة الدستورية ومسألة الدفع بعدم دستورية القوانين"، و"نزاهة واستقلال النظام القضائي بالمغرب"، و"الصحافة أمام القضاء".

كما ألف كتب "الإصلاح الدستوري بالمملكة المغربية"، و"المجلس الدستوري بالمغرب"، و"الحق في التنمية بين القانون الدولي والعلاقات الدولية"، و"الأمم المتحدة، التنمية وحقوق الإنسان".

ومن ضمن أعماله الأكاديمية بالاشتراك مع باحثين نجد أيضا، "مقارنة هيئات مكافحة الفساد في خمس دول عربية المغرب تونس ليبيا الأردن وفلسطين"، و"مراقبة المحاكمات"، و"المغرب والمحكمة الجنائية الدولية، و"الاقتصاد المغربي الفلاحة والاستثمار الأجنبي".

داعم المظلومين

كان في الصف الأول من المدافعين عن المعتقلين في ملفات يرجح حقوقيون طابعها السياسي، وناشطا مدنيا يطالب باستقلالية مهن عديدة بينها المحاماة والقضاء والصحافة.

وأسهم الراحل في إصدار مجموعة من الأبحاث والدراسات والمذكرات الترافعية من أجل إصلاح العدالة بالمغرب.

فجمعية “عدالة” التي أسسها النويضي عام 2005 اتخذت الحق في محاكمة عادلة نبراسا أضاء به الراحل مساره الطويل في الدفاع عن حقوق المتهمين.

كما ارتبط اسم النويضي بالدفاع باستماتة عن معتقلي “حراك الريف” شمالي المغرب، في قضية “التآمر ضد المس بأمن الدولة” عام 2017.

فيما حضر منذ عام 2018 جميع جلسات محاكمة الصحفي توفيق بوعشرين، مالك صحيفة “أخبار اليوم” المتوقفة عن الصدور، نيابة عن منظمة “هيومن رايتس ووتش”.

وكانت علاقته بالسلطة علاقة مؤسسات فقط، وينتقد انطلاقا من روح وفصول القانون ومواده، وظل يحظى باحترام وتقدير.

ولم تغب القضية الفلسطينية يوما عن وجدان الراحل، حيث رفض تسلم وسام الشرف الفرنسي عام 2014، احتجاجا منه عن موقف باريس الداعم لإسرائيل في عدوانها على غزة عام 2014.

وآنذاك تحدث النويضي، قائلا إنه رفض الوسام "احتجاجا على موقف الرئيس (آنذاك) فرانسوا هولاند، الذي أعلن فيه تضامن باريس في مواجهة إطلاق الصواريخ من قطاع غزة، وأنه يحق للحكومة الإسرائيلية اتخاذ جميع الإجراءات لحماية شعبها في وجه التهديدات".

وأوضح النويضي لموقع "فرانس 24" في 24 يوليو 2014 ، أنه لم يكن لديه أي مشكل في أن يتلقى هذا الوسام، إلا أن موقف الإليزيه من الوضع في غزة دفعه لاتخاذ هكذا قرار.

وأشار إلى أن "القضية الفلسطينية تلقت أكبر ظلم عرفه القرن الـ 20 ولا يزال مستمرا في القرن الـ 21، وإسرائيل تعمل كل شيء لأجل انتزاع الأرض من الفلسطينيين".

ونعاه "المرصد المغربي لمناهضة التطبيع" في برقية تعزية قائلا: "ببالغ الأسى نزل علينا فجأة نبأ رحيل الدكتور النويضي، رفيقنا وصديقنا الحميم المناضل الحقوقي والمحامي الحاضر دوما بمختلف المحافل الدولية دفاعا عن كفاح الشعب الفلسطيني وضد الاحتلال والأبارتهايد الصهيوني (الفصل العنصري)".

وأضاف المرصد في 2 مايو أن "الأستاذ الجامعي اللامع صديق المعتقلين السياسيين والمطرودين النقابيين وكل المظلومين الذين دافع عنهم بكل قوة في المحاكم ولدى الدوائر الحكومية".

مدافع شرس

ونعى قطاع المحاماة في حزب “فيدرالية اليسار الديمقراطي”، المناضل السياسي والحقوقي النويضي وعضو “لجنة التحكيم والأخلاقيات” بالحزب.

وقال في بيان إن “الصف الحقوقي والأكاديمي وأسرة الدفاع فقد أحد الأسماء التي بصمت بنضالها ووجودها الدائم بالعطاء الفكري والحقوقي”.

أفكاره اليسارية لم تمنعه أن يكون صديق الجميع، تستضيفه جميع التيارات السياسية والهيئات المدنية والمؤسسات الرسمية، لعرض وجهات نظره واجتهاداته والملفات التي يترافع عنها.

يقول نقيب المحامين، عبدالرحيم الجامعي، عن هذا الفقد الجلل، إنها “خسارة السنة بكل معانيها”.

وأضاف لموقع ”الأيام 24” المحلي في 3 مايو: “صدمتُ كالعديد من الحقوقيين والمواطنين المغاربة من مجالات مختلفة، بهذا المصاب الكبير”.

الجامعي أكد وهو يرثي النويضي، أنه “من النادر جدا أن تجد شخصا يحظى بتقدير واحترام الجميع، كما هو الحال بالنسبة للراحل”.

وتابع: ”قلَّما تصادف من يجمع في رصيده وسجل حياته مثل هذا الكم الوافر من الأشخاص المحترمين المقدرين لمواقفه والمبهرين بجديته وعمله سواء على المستوى المهني أو الحقوقي.. قليلون أيضا من يتحلون بالشجاعة والنويضي كان من بين هؤلاء”.

وفي رثائه، قالت الإعلامية فاطمة الإفريقي: “كان متفردا في الحياة والموت، عاش شجاعا منتصرا للعدالة، ومات في حضرة مكروفون الحقيقة”.

وأضافت الإفريقي عبر "فيسبوك" في 3 مايو، “عاش مدافعا شرسا عن الصحفيين، ومات في ليلة اليوم العالمي لحرية الصحافة، وفي بيت صحيفة أشعلت نور الأمل في وجدانه ووجدان القراء والصحفيين المستقلين ”.

واستطردت: "عاش نصيرا لحرية التعبير والرأي، ومات حرا وهو يعبر عن رأيه بشجاعة، عاش بكرامة وأنفة، ومات شامخا وهو يترافع بكبريائه المعهود ضد الفساد والقمع، عاش صانعا للتوافقات المستحيلة، بقدرته المدهشة على بسط الخيوط المشتركة بين المختلفين في أعقد التشابكات والتصادمات السياسة والفكرية".

وبمزيج من الحزن والأسى، نعت "المنظمة العربية لحقوق الإنسان" (أهلية) المفكر الحقوقي النويضي، مبينة أنه “أسهم في العديد من برامج العمل الحقوقي المغربي، لتطوير مفاهيم التنمية”.

من جهته، قال الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله بنكيران: "جمعتني لحظات قليلة فقط، بالحقوقي والمحامي الراحل عبدالعزيز النويضي، وما أعرفه عنه أنه رجل هادئ ومعقول (صادق)، بالمقارنة مع اليساريين الآخرين".

وأضاف بنكيران، لصحيفة "صوت المغرب"، في 3 مايو أن "أولى اللقاءات التي جمعته بالنويضي، كانت مع شباب حراك 20 فبراير (عام 2011) في اجتماع مدته لم تتجاوز الساعتين أو ثلاث ساعات"

وتابع أن "مداخلات المحامي والحقوقي الراحل كانت معقولة (صادقة) مقارنة مع اليساريين"، مضيفا "لدي شعور أنه كان من المغاربة الذين حافظوا على نظافة أياديهم".