بسبب تزايد الديون السيادية للحكومات.. هل يقترب العالم من سيناريو 2008؟

a month ago

12

طباعة

مشاركة

من سنة إلى أخرى، يتزايد الحديث عن قضية ارتفاع الديون السيادية (الحكومية) العالمية، وأثرها على الاقتصاد العالمي، ومخاطر مواصلة السير في هذا الاتجاه.

وفي هذا السياق، نقل موقع "روسيا اليوم" عن  وزير المالية الروسي، أنطون سيلوانوف، قوله إن “ارتفاع الديون السيادية يمثل تهديدا رئيسا للاقتصاد الدولي”.

إذ وصلت الديون العالمية إلى 92 تريليون دولار في منتصف 2024، وهو ما يعادل تقريبا إجمالي الناتج المحلي العالمي. 

وفي هذا التقرير، يحذر الموقع الروسي من أن استمرار هذا الاتجاه دون اتخاذ قرارات حاسمة قد يؤدي إلى أزمة مالية عالمية مماثلة للأزمة المالية في 2008.

تزايد لافت

يستهل الموقع الروسي تقريره بتصريح الوزير سيلوانوف، الذي قال فيه إن "الوضع المتعلق بالديون الحكومية العالمية أصبح أقل استقرارا ويشكل تهديدا للاقتصاد الدولي".

ووفقا لتصريحاته، تستمر العديد من الدول في زيادة حجم الاقتراض، لكنها تتجاهل المشاكل المرتبطة بذلك لأنها غير مستعدة لاتخاذ قرارات مسؤولة. 

ويشير الموقع إلى أنه "في الوقت الحالي، بلغ إجمالي ديون جميع حكومات العالم ما يقرب من 92 تريليون دولار، وهو ما يعادل تقريبا حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكمله". 

وتسارع هذا النمو بشكل ملحوظ خلال فترة جائحة كورونا؛ حيث اضطرت العديد من الدول إلى زيادة الإنفاق لدعم السكان والأعمال. وفي غضون ذلك، أصبح عبء خدمة الديون أكثر إرهاقا للدول.

وبهذا الشأن، يلفت الموقع النظر إلى أن "الزيادة الملحوظة في عبء الديون في عدد من الدول أخيرا تمثل تهديدا متزايدا للاقتصاد العالمي". 

وجاء ذلك في تصريح أدلى به وزير المالية الروسي، يوم الجمعة 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2024، خلال اجتماع وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لدول البريكس.

حيث قال إن "المشكلات المتعلقة باستدامة الديون تفاقمت وعادت إلى الواجهة مرة أخرى".

مضيفا أن "تجاهل مشكلات الديون المتزايدة في العديد من الدول، خاصة المتقدمة منها، وغياب إستراتيجية موحدة وعدم الاستعداد لاتخاذ قرارات مسؤولة في هذه المجالات يزيد من المخاطر المالية على مستوى العالم".

ووفقا لمعهد التمويل الدولي الأميركي، زاد حجم الدين الحكومي العالمي بنحو الثلث خلال السنوات الخمس الماضية.

وبحلول منتصف عام 2024 اقترب من 92 تريليون دولار، أي ما يعادل 98 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.

علاوة على ذلك، وفقا لتوقعات المعهد، من المتوقع أن يرتفع المبلغ إلى 145 تريليون دولار بحلول عام 2030، وأن يتجاوز 440 تريليون دولار بحلول عام 2050.

ما بعد الوباء

وفي هذا الصدد، يوضح "روسيا اليوم " أن الدين العام يمثل إجمالي ديون الحكومة لدائنيها. حيث تلجأ سلطات العديد من الدول إلى الاقتراض لتمويل النفقات التي لا يمكن تغطيتها من خلال إيرادات الميزانية. 

ووفقا لبيانات موقع "Usdebtclock.org"، تُعد الولايات المتحدة (35.7 تريليون دولار) والصين (14.7 تريليون دولار) واليابان (13.7 تريليون دولار) والمملكة المتحدة وفرنسا (3.8 تريليون دولار لكل منهما) من بين أكبر المقترضين في العالم.

وفي بعض الدول، يتجاوز الدين الحكومي حجم الاقتصاد الوطني، مثل اليابان، حيث يبلغ الدين الحكومي 229 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

بالإضافة إلى اليونان (190 بالمئة) وسنغافورة (174 بالمئة) وإيطاليا (140 بالمئة) والولايات المتحدة (119 بالمئة)، بحسب تقديرات معهد التمويل الدولي.

ومن خلال نظرته للتاريخ، يوضح المحلل كيريل كليمنتييف أن "الدول تسعى إلى تحفيز اقتصاداتها الوطنية للعودة إلى مسار النمو المتوازن في فترات ما بعد الأزمات". 

وهنا، يشير الموقع الروسي إلى أن آخر قفزة في الديون العالمية حدثت بعد جائحة كوفيد-19. وجدير بالذكر أنه خلال جائحة فيروس كورونا، بدأت الدول بشكل واسع بإغلاق الحدود وفرض قيود صارمة على الحجر الصحي. 

وأدى ذلك إلى اضطرابات في سلاسل التوريد وتوقف العديد من الصناعات وموجة من عمليات التسريح في جميع أنحاء العالم. وفي النهاية، واجه الاقتصاد العالمي واحدة من أكبر الانهيارات في التاريخ.

وبحسب بيانات صندوق النقد الدولي، انخفض حجم الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.7 بالمئة في عام 2020. 

بينما تراجع هذا المؤشر في الدول النامية بنسبة 1.8 بالمئة في المتوسط، وكان الانخفاض أكبر في الدول المتقدمة حيث بلغ 3.9 بالمئة.

وفي هذا السياق، يقول الموقع إنه "للخروج من الأزمة، اعتمدت العديد من الدول تدابير دعم واسعة النطاق للسكان والشركات، مما أدى إلى تضخم عجز الموازنات، وبالتالي زيادة الاقتراض". 

وأضاف أنه "في الوقت نفسه، بدأت حكومات عدة دول بطباعة النقود بشكل مكثف وضخها في اقتصاداتها لتحفيز النمو. وهذا بدوره، إلى جانب الاضطرابات في سلاسل التوريد، أدى إلى تسارع التضخم".

علاوة على ذلك، يذكر أن الأوضاع تفاقمت في عام 2022، عندما ارتفعت أسعار موارد الطاقة بشكل ملحوظ في السوق العالمية بعدما فرض الغرب عقوبات غير مسبوقة على روسيا.

وفي ذلك الوقت، في محاولة لكبح ارتفاع الأسعار، اضطرت البنوك المركزية في العديد من الدول، خاصة المتقدمة منها، إلى رفع أسعار الفائدة لأول مرة منذ فترة طويلة.

وفي هذا الصدد، ف يقول المحلل أوليغ كالمانوفيتش: "بالفعل، تطلبت الجائحة ضخ مبالغ مالية ضخمة لدعم الاقتصادات. ومع ذلك، فإن التضخم المرتفع وارتفاع أسعار الفائدة جعل خدمة الديون المتراكمة بالفعل أكثر تعقيدا، خصوصا في الولايات المتحدة".

وهنا، يبرز الموقع، وفقا لأحدث التقديرات الصادرة عن وزارة الخزانة الأميركية، أن "واشنطن أنفقت 843 مليار دولار على دفع الفوائد على التزاماتها خلال 11 شهرا من السنة المالية 2024".

وهذا أكثر مما أنفقته الولايات المتحدة على الرعاية الصحية (824 مليار دولار) أو الدفاع (798 مليار دولار) أو التعليم (285 مليار دولار).

وبهذا الشأن، يعلق الوزير سيلوانوف، قائلا: "السياسات التي تنتهجها الدول التي تصدر ما يُسمى بالعملات الاحتياطية، بما في ذلك الدولار، تثير لدينا العديد من التساؤلات، إذ لديهم عجز متزايد في الميزانيات، كما يرتفع لديهم الدين العام".

وأكمل: "في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، بلغ الدين حوالي 120 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. وكل هذا يحدث دون أي قيود، ولذلك نتساءل ما هو مصيرهم في المستقبل؟".

ويؤكد وزير المالية أن "هذا الوضع غير المستقر وغياب أي رؤية واضحة للمستقبل مقلق للغاية".

من جانبه، يرى المحلل أوليغ كالمانوفيتش أن "زيادة الدين تؤدي إلى ارتفاع المخاطر المالية، مثل الزيادة المحتملة في التضخم وعدم الاستقرار في أسواق الأسهم".

مضيفا أن "مدفوعات الفوائد الكبيرة على الديون تحد من قدرة الدول على الاستثمار في البنية التحتية والبرامج الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى تباطؤ النمو الاقتصادي".

وعلى جانب آخر، يعرب الخبير ألكسندر شنايدرمان عن قلقه قائلا إن "الزيادة السريعة في عبء الديون في عدد من الدول قد تؤدي في المستقبل إلى أزمة عالمية جديدة". 

تقديرات متحفظة

ومسلطا الضوء على وضع روسيا، يذكر الموقع أن الدين الحكومي الروسي بلغ حوالي 447 مليار دولار بحلول نهاية يونيو 2024. 

وللمقارنة، لفت الموقع إلى أن هذا الرقم كان يتجاوز 543 مليار دولار قبل عامين، وفقا لبيانات معهد التمويل الدولي.

علاوة على ذلك، يقدر خبراء المعهد أن نسبة ديون الحكومة الروسية إلى حجم اقتصاد البلاد تبلغ حوالي 21 بالمئة، وهو أدنى مستوى اليوم بين جميع الدول المصنفة في تقرير المنظمة.

ويلفت الموقع الروسي النظر إلى أن السلطات الروسية، في غصون ذلك، تتبنى تقديرات أكثر تحفظا. 

ووفقا لبيانات وزارة المالية، بلغ الدين الحكومي في عام 2023 حوالي 15 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي. 

ومن المتوقع أن يرتفع هذا الرقم فقط إلى 18 بالمئة خلال السنوات الثلاث المقبلة، وفق ما ورد عن الموقع.

وبحسب توقعات الوزارة، سيظل الدين الحكومي عند مستوى آمن اقتصاديا، أي أقل من 20 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وفي النهاية، يوضح الموقع أن هذا المستوى الآمن للدين الحكومي الروسي تحقق بسبب الفترة التي ارتفعت فيها أسعار النفط في الأعوام 2013-2015.

حيث حققت الدولة إيرادات قياسية من قطاع النفط والغاز وسددت الجزء الأكبر من التزاماتها الخارجية.

ومنذ ذلك الحين، لم تقم روسيا بزيادة عبء ديونها بشكل كبير، وهذا يجعلها أقل اعتمادا على الأزمات العالمية وتأثرا بحالة عدم الاستقرار العامة، يختم الموقع.