"وقف النزيف".. ماذا وراء التعديل الوزاري المفاجئ في الحكومة البريطانية؟
تعديل وزاري كبير ومفاجئ أعلنت عنه الحكومة البريطانية بقرار من رئيس الوزراء ريشي سوناك، في 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، حيث أطاح بوزيرة الداخلية سويلا برافرمان التي تعرضت لانتقادات طوال عدة أشهر؛ بسبب مواقفها المتطرفة بشأن الهجرة وقضايا أخرى.
وعيّن سوناك مكانها جيمس كليفرلي، وزير الخارجية الحالي الذي ترك منصبه بشكل مفاجئ لرئيس الوزراء الأسبق ديفيد كاميرون ليعود بذلك الأخير إلى العمل الحكومي بعد 7 سنوات.
وسيحتفظ وزير المالية جيريمي هانت بمنصبه الذي يشغله منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2022، في حين استقال أو أقيل وكلاء سبع وزارات مختلفة.
بدورها، استقالت وزيرة البيئة تيريز كوفي من الحكومة وحل محلها وزير الصحة والرعاية الاجتماعية الحالي ستيف باركلي الذي ترك المنصب بدوره للسياسية فيكتوريا أتكينز.
جماعات مؤثرة
وتطرقت صحيفة "إيل بوست" الإيطالية إلى أسباب ومبررات إجراء رئيس وزراء بريطانيا لهذا التعديل "الكبير والمفاجئ" على حد وصفها وخاصة قراره تعيين رئيس الوزراء السابق كاميرون في منصب وزير الخارجية.
ويذكر أن كاميرون شغل منصب رئيس الحكومة سابقا منذ 11 مايو/ آيار 2010 إلى غاية استقالته في 13 يوليو/ تموز 2016 وتسليم تيريزا ماي رئاسة الحكومة.
وهو أول رئيس وزراء يقود حكومة ائتلافية منذ حكومة ونستون تشرشل أثناء الحرب العالمية الثانية كما أنه كان زعيم حزب المحافظين ما بين 2005 إلى 2006.
وأوضحت "إيل بوست" أن "هذا التعديل الحكومي جرى تفسيره على أنه محاولة لوقف نزيف التراجع في نسبة الإجماع حول حزب المحافظين المستمر منذ أشهر، وذلك قبل الانتخابات المقرر إجراؤها بحلول يناير/ كانون الثاني 2025".
كما لاحظت بأنها "ليست المرة الأولى التي تستنجد فيها حكومة تشكو صعوبات في المملكة المتحدة بزعيم قديم من حزبها في تعديل وزاري، رغم أن ذلك نادر الحدوث"، مشيرة إلى أن "قرار تعيين كاميرون كان مفاجئا وقوبل بانتقادات واسعة، لا من جانب المعارضة فحسب".
وتشير التحليلات الأولى في الصحف البريطانية الرئيسة إلى أن "كاميرون لم يشارك بأي شكل من الأشكال في السياسة النشطة خلال السنوات الأخيرة، وبدلا من ذلك أصبح إحدى جماعات الضغط المؤثرة".
في المقابل، تذكر تورطه عام 2021 في فضيحة كبرى تتعلق بإفلاس شركة الخدمات المالية "جرينسل كابيتال".
واتهم تحقيقان صادران عن صحيفتي "فاينانشيال تايمز" و"صنداي تايمز" كاميرون بمحاولة إقناع وزير المالية آنذاك، ريشي سوناك، بتخصيص أكبر قدر ممكن من القروض الحكومية لجرينسيل بموجب آلية تمويل الشركات التي تم إنشاؤها أثناء جائحة كورونا.
واستطاع كاميرون الخروج من تلك القضية دون عواقب قانونية واستأنف نشاطه ضمن جماعات الضغط.
علاقات قوية
وفي البيان الصحفي الذي أُعلن فيه تعيينه في منصب وزير للخارجية، توجه بالشكر إلى سوناك والحزب دون أن يوضح الشكوك المرتبطة بنشاطه كعضو في جماعة الضغط.
وأشارت "إيل بوست" إلى أن "الصحف البريطانية لم تتوقع قرار تعيين كاميرون على رأس وزارة الخارجية، خاصة وأنه ليس عضوا في البرلمان، وهو شرط ضروري في المملكة المتحدة لتقلد منصب الوزير".
إلا أن مذكرة صادرة عن الحكومة أفادت بأن الملك تشارلز الثالث منح كاميرون لقب بارون المملكة المتحدة مدى الحياة، مما سمح له بالحصول على مقعد داخل مجلس اللوردات، وتعيينه على إثر ذلك وزيرا للخارجية.
على جانب آخر، أشارت الصحيفة الإيطالية إلى أن "وزير الخارجية البريطاني الجديد كان في الأعوام الأخيرة مقربا جدا من الحكومة الصينية".
وقد وُصفت فترة ولايته كرئيس للوزراء بأنها "العصر الذهبي" للعلاقات بين المملكة المتحدة والصين، كما اتُهم بالعمل لصالح حكومة بكين خلال نشاطه ضمن جماعات الضغط.
وذكرت الصحيفة، مشاركته في سبتمبر/ أيلول 2023 في حدثين مهمين في الشرق الأوسط في إطار تمويل مشروع "بورت سيتي كولومبو" وإنشاء منطقة اقتصادية خاصة ومركز مالي في كولومبو، أهم مدينة في سريلانكا.
ورغم أن وزير الخارجية الجديد نفى لقاءه بمسؤولين في حكومة بكين، إلا أن هذا المشروع يعد جزءا أساسيا من مشروع "طريق الحرير" الذي يروج له الرئيس الصيني شي جين بينغ.
ومع ذلك، ذهبت تحليلات أخرى إلى القول إن قرار تعيينه يعكس رغبة من سوناك في ضم شخصية إلى حكومته تتمتع بالفعل بعلاقات قوية مع العديد من القادة الدوليين بفضل ماضيه كرئيس للوزراء في مرحلة تتسم بحالة من "عدم الاستقرار السياسي الكبير".
طموحات شخصية
وفيما يتعلق بإقالة وزيرة الداخلية برافرمان، أوضحت الصحيفة الإيطالية أن الأخيرة "تعرضت لكثير من الانتقادات بسبب مواقفها أو سلوكيات وأفعال عدت غير مناسبة لأدوارها".
وفي هذا الصدد، ذكرت تعرضها لانتقادات شديدة بسبب مقال نشرته في صحيفة "التايمز" انتقدت فيه شرطة لندن لأنها، بحسب قولها، "تعاملت مع المظاهرات اليمينية بقسوة أكبر مما فعلت مع المظاهرات المؤيدة لفلسطين".
ووفقا للمنتقدين، شككت بذلك في استقلالية الشرطة وقوضت سمعتها وهو ما دفع الكثيرين، بما في ذلك العديد من أعضاء حزب المحافظين الذي تنتمي إليه هي وسوناك، إلى مطالبتها بالاستقالة.
وبحسب البعض، حاولت برافرمان بهذا المقال أن تبرز طموحاتها الشخصية على حساب دورها وأولويات الحكومة.
بدورهم، اتهم بعض نواب حزب المحافظين، برافرمان بالسعي إلى "زعامة الحزب بهدف الوصول إلى منصب رئاسة للوزراء".
يذكر في هذا الصدد أن برافرمان ترشحت عام 2022 لتقلد منصب بوريس جونسون كزعيمة للمحافظين وبالتالي رئاسة الوزراء، إلا أنها أُقصيت في الجولة الثانية من الانتخابات التمهيدية.
ولفتت الصحيفة الإيطالية إلى أنه من المقرر إجراء الانتخابات المقبلة بعد أكثر من عام، مبينة أن هشاشة الحكومات الأخيرة وفقدان حزب المحافظين للإجماع حوله "تجعل الوضع السياسي غير مستقر".
وكانت برافرمان قد شغلت منصب وزيرة الداخلية في الحكومة التي سبقت حكومة سوناك تحت قيادة ليز تروس التي استمرت لمدة شهر واحد فقط بين سبتمبر وأكتوبر 2022.
واضطرت إلى الاستقالة بعدما قامت بإرسال وثائق رسمية تحتوي على اقتراح مكتوب لمشروع قانون بشأن الهجرة عبر بريدها الإلكتروني الشخصي.
وهو الأمر الذي يشكل خرقا للقواعد الأمنية لتصرفات الوزراء والمسؤولين الحكوميين البارزين في المملكة المتحدة، وفي اليوم التالي استقالت تروس أيضا.