واشنطن تترقب وموسكو تستعد.. هل تتجه فنزويلا نحو حرب مع غويانا؟

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن صداعا كبيرا في رأس الولايات المتحدة قادم، وقد تشهد أميركا الجنوبية حربا تعكر صفو هدوئها الحالي، وربما تتدخل فيه روسيا انتقاما لتدخل واشنطن قرب حدودها في أزمة أوكرانيا. 

وفي 4 ديسمبر/كانون الأول 2023 أيد ناخبون فنزويليون الموافقة على سيادة بلادهم الإقليمية على ثلثي مساحة دولة صغيرة مجاورة، غنية بالنفط والغاز، وهي "غويانا" بنسبة 95 بالمئة، وأن تقوم بلادهم بضمها بـ"قوة المساحة".

وبعد موافقة شعب فنزويلا بالأغلبية الساحقة على ضم إقليم "إيسيكويبو" الذي يشكل غالبية هذه الدولة، لم يعد أمام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو سوى تحديد موعد الغزو، والاستيلاء على الإقليم الذي يضم 800 ألف نسمة فقط وعدد أفراد جيشه 3500 جندي.

ولأن أميركا حليفة غويانا يتوقع بالطبع أن تعترض على ذلك، ما سيعني اندلاع حرب في المنطقة، قد تتدخل فيها أميركا، أو روسيا حليفة فنزويلا، خاصة أن مليشيا "فاغنر" الروسية موجودة هناك بالفعل.

ولأن غويانا تعوم على البترول، ستزيد النار المشتعلة حولها، حيث يبلغ احتياطي غويانا من المواد النفطية، أكثر من 10 مليارات برميل في 12 منطقة تحت مياه بحر الكاريبي تم حتى الآن التنقيب فيها.

وهو ما قد يعني دخول الرئيس الأميركي جو بايدن، المتورط في حربي أوكرانيا وقطاع غزة، مأزقا وربما حربا جديدة في حديقة منزله الخلفية، وهو أميركا اللاتينية.

ما القصة؟

في 3 ديسمبر 2023، ذهب نحو 20 مليون فنزويلي للإدلاء بأصواتهم في أغرب استفتاء في العالم، حيث طُلب منهم التصويت على خمسة أسئلة تتلخص في دعوتهم للموافقة على ضم ثلثي دولتهم المجاورة "غويانا".

الاستفتاء الذي تستهدف من ورائه حكومة كراكاس ضم منطقة "إيسيكويبو" الغنية بالنفط، الخاضعة لإدارة دولة "غويانا" المجاورة، والتي تُشكل ثلثي هذه الدولة، انتهى بموافقة الفنزويليين، ما يعني فتح الطريق أمام ضمها بالقوة.

ومنطقة "إيسيكويبو" يقول الفنزويليون منذ فترة طويلة إنها سُرقت منهم عند رسم الحدود مع غيانا الحالية قبل أكثر من قرن من الزمان، حيث كانت إيسيكويبو داخل حدود فنزويلا خلال الفترة الاستعمارية الإسبانية.

وبحسب الأرقام الرسمية، حصلت كل الأسئلة الخمسة المطروحة في الاستفتاء على أغلبية مؤيدة تتراوح بين 95.4 بالمئة و98.11 بالمئة.

وكان السؤال الأكثر إثارة للجدل، بحسب شبكة "بي بي سي" البريطانية في 4 ديسمبر 2023 هو الخامس، الذي سأل الفنزويليين عما إذا كانوا يوافقون على "إنشاء ولاية غوايانا إسكويبا" و"إدماجها في خريطة الأراضي الفنزويلية"، ووافق عليه 95.9 بالمئة.

مشكلة هذا التطور الخطير أن الرئيس الفنزويلي اليساري مادورو معادٍ لواشنطن ومقرب من روسيا، وقد دعا شعبه في إطار الحملة المكثفة لحكومته للموافقة تحت شعار "إيسيكويبو لنا"، وهو ما رفضته دولة غويانا الحليفة لأميركا.

وهذا يعني وفقا لاستفتاء "الخمسة أسئلة" سعي فنزويلا لتأسيس ولاية فنزويلية يطلق عليها "غويانا إيسيكويبو" ومنح سكانها الجنسية الفنزويلية.

إضافة إلى الدعوة لرفض الاختصاص القضائي لمحكمة العدل الدولية، ومن ثم الدخول في حرب قد تشعل أميركا اللاتينية وهي الحديقة الخلفية للبيت الأبيض، وبدعم روسي، ربما للانتقام من عبث أميركا بأمنها وتدخلها في حرب أوكرانيا.

مع هذا، قال سياسيون فنزويليون معارضون، منهم ماريا كورينا ماتشادو التي تأمل بمنافسة مادورو في رئاسيات 2024، إن الاستفتاء محاولة "لتشتيت الانتباه"، رغم دعمهم لضم غويانا لبلادهم.

ووصف بعض المحللين السياسيين والأمنيين الاستفتاء بأنه "استعراض لقوة مادورو واختبار لدعم حكومته قبل الانتخابات الرئاسية المقررة عام 2024"، بحسب وكالة "رويترز" البريطانية في 4 ديسمبر 2023.

وأكدت حكومة مادورو أنها لا تبحث عن مبرر لغزو أو ضم المنطقة الشاسعة كما يخشى البعض في غويانا التي كانت مستعمرة بريطانية، لكنه أشار إلى سعيه أولا لضمها بحلول ودية، لكنها شددت لهجتها وأجرت مناورات عسكرية في المنطقة.

ورد رئيس غويانا، عرفان علي، وهو مسلم، قائلا إن الحكومة تعمل لحماية حدود البلاد وإبقاء المواطنين آمنين.

وقال الرئيس علي "خطنا الدفاعي الأول هو الدبلوماسية" مضيفا "موقفنا قوي جدا في خط الدفاع الأول".

أوضح في مداخلة نشرها عبر فيسبوك "أود أن أؤكد للغواينيين أن لا شيء يدعو للخوف في المقبل من الساعات والأيام والأشهر"، فيما خرجت تجمعات في البلاد تؤكد تمسّكهم بإقليم "إيسيكويبو".

وذكرت صحيفة "غويانا كرونيكل" في 5 ديسمبر 2023، أن رئيس غويانا قال خلال خطاب شعبي "لدي رسالة للرئيس الفنزويلي مادورو: "لا شيء تقوله ولا دعاية أو كذبة سيملأ قلوب مواطني غويانا بالخوف".

وأضاف: "حتى أكون واضحا تماما لا يمكن (لأحد) أن يدوس علينا"، وذلك وسط حالة قلق تسود البلاد من احتمالات اندلاع حرب غير متكافئة مع فنزويلا.

كما نقلت الصحيفة عن نائب الرئيس بهارات جاغديو إن بلاده "لن تتخلى عن أراضيها وترصد تصرفات فنزويلا التي لا يمكن التنبؤ بها"، ووصف ما يقوله مادورو بأنه "دعاية وروايات كاذبة"، مؤكدا مواصلة بلاده تعزيز دفاعاتها.

غويانا وإيسيكويبو

دولة "غويانا" أو "غيانا" في أميركا اللاتينية على البحر الكاريبي، كانت مستعمرة بريطانية، واستقلت عام 1966.

تبلغ مساحتها 215 ألف كيلومتر مربع، وتشكل منطقة "إيسيكويبو" التي تطالب بها فنزويلا حوالي 160 ألف كيلومتر مربع، أي حوالي ثلثي أراضي غويانا، وأكبر من اليونان.

وسكانها أقل من 800 ألف، والمسلمون هم ثالث أكبر ديانة بعد المسيحيين والهندوس، هي الوحيدة التي يرأسها مسلم بين 12 دولة في أميركا الجنوبية، ويرأسها هندي الأصل يُدعى "محمد عرفان علي". 

ووفقا لويكيبيديا، يشير تعداد عام 2012، إلى أن سكان غويانا يتوزعون دينيا إلى حوالي 63 بالمئة بين عدة جماعات مسيحية، 25 بالمئة هندوس و7 بالمئة مسلمين، بخلاف "غير المتدينين" أي أن المسلمين هم ثالث أقلية دينية.

وترجع أهميتها إلى أن احتياطاتها النفطية مماثلة لتلك التي في الكويت، إذ تعد الاحتياطات النفطية الأعلى نسبة للفرد على مستوى العالم.

وما يزال يتم اكتشاف مناطق بحرية بها غنية بالنفط للتنقيب، آخرها في أكتوبر 2023، ما سيزيد الصراع الدولي حولها.

تطالب فنزويلا بالسيادة على منطقة إيسيكويبو منذ استقلالها عن إسبانيا عام 1811.

وبدأت المشكلة عام 1824 حين طالبت فنزويلا بضم إقليم "إيسيكويبو" إليها بصفته جزءا من أراضيها ولا تنتمي لغويانا.

وأخذ الأمر عشرات السنين من المداولات والمباحثات والمحاكم الدولية والاتفاقيات، وانتهى الأمر باستمرار إقليم "إيسيكويبو" في حوزة غويانا.

وتؤكد فنزويلا أن نهر إيسيكويبو الواقع شرق المنطقة يمثل الحدود الطبيعية بين البلدين كما أعلن عام 1777 في ظل الحكم الإسباني، وأن المملكة المتحدة استحوذت على أراضٍ فنزويلية بشكل خاطئ في القرن التاسع عشر.

ضغط على الزناد

واتهم مادورو غويانا، إلى جانب الولايات المتحدة وشركات النفط الدولية العملاقة بالتآمر لسرقة أراضي فنزويلا من خلال "الاستعمار القانوني".

لكن غويانا تؤكد أن الحدود أقيمت في حقبة الاستعمار البريطاني، وثبتتها محكمة تحكيم عام 1899 وتقول إن محكمة العدل الدولية التي تعد أعلى هيئة قضائية أممية صادقت على هذا التقسيم.

ورفعت غويانا دعوى أمام المحكمة العالمية عام 2018 سعيا إلى إقناع قضاة الأمم المتحدة بتأييد الحكم الصادر عام 1899، وهو ما نجحت فيه، فيما تقول فنزويلا إن اتفاق عام 1966 لحل النزاع أبطل فعليا قرار التحكيم الأصلي.

وقبل الاستفتاء طلبت غويانا من محكمة العدل حظر ومنع الاستفتاء أو إعلان عدم الاعتراف بنتائجه، وقالت إنه ينتهك حقوقها الدولية، وقالت إن قرار التحكيم لعام 1899 لا يمكن إلغاؤه عن طريق الاستفتاء الفنزويلي. 

ودعت محكمة العدل الدولية مطلع ديسمبر 2023 حكومة فنزويلا إلى عدم اتخاذ أي خطوة من شأنها إدخال تغييرات على الأراضي المتنازع عليها، وهو ما تجاهلته كراكاس.

ويقول مسؤولون فنزويليون، إن المحكمين في محكمة العدل "تآمروا لخداع بلادهم" وإخراج إيسيكويبو من الأرض التي يطالبون بها، ويقولون إن اتفاقية عام 1966 لحل النزاع أبطلت هذا التحكيم من محكمة العدل.

وقال موقع "إنترناشيونال بيزنس تايمز" في 4 ديسمبر 2023 إنه بهذا الاستفتاء يكون الشعب الفنزويلي قد أعطى حكومته الموافقة على شن حرب عسكريه لاستعادة ما يرونه أرضهم المسلوبة.

وفي الأشهر الأخيرة، زادت فنزويلا من حدة التوترات من خلال نشر موارد عسكرية على حدودها مع غويانا، والإعلان عن خططها لإنشاء مهبط طائرات في المنطقة لتقديم الدعم اللوجستي لتطوير إيسيكويبو، وفق إذاعة "صوت أميركا" في 4 ديسمبر 2023.

ونقلت الإذاعة الأميركية عن كريستوفر ساباتيني، الباحث في شؤون أميركا اللاتينية في مركز أبحاث السياسة الخارجية تشاتام هاوس ومقره لندن، إن "الاستفتاء في فنزويلا ربما كان حيلة دعائية مع اقتراب انتخابات الرئاسة عام 2024، لكنه خرج عن نطاق السيطرة، ويهدد حاليا بالتحول إلى صراع وأزمة خطيرة".

وأضاف: "كان هذا في الغالب للاستهلاك المحلي، ولكن ما جرى هو أن حكومة مادورو ضغطت على الزناد ولا نعرف إلى أين سينتهي ذلك".

ويرى محللون أن "سيناريو الحرب بالنسبة لغويانا سيكون كارثيا تماما، لأنها لا تملك جيشا وعدد جنودها قرابة 3500-4000 فقط، لكنها تعتمد كليا على حماية الولايات المتحدة لها".