توفيق القاسمي.. حارس قصر قرطاج في عصر ابن علي يعود للواجهة بتونس

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

توفيق القاسمي، أحد أفراد النخبة الأمنية التونسية التي لعبت أدوارا متعددة ومختلفة من قبل “ثورة الكرامة” أواخر ديسمبر/ كانون الأول 2010، وصولا إلى فترة الرئيس الحالي قيس سعيد. 

وأسس القاسمي مسيرته المهنية في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، الذي منحه في 25 يوليو/ تموز 2007 وسام الجمهورية إلى جانب 8 ضباط كبار آخرين من وزارة الداخلية. 

مراحل كثيرة مر بها القاسمي صعودا وهبوطا، قبل أن يعود إلى الواجهة مرة أخرى في 1 أغسطس/ آب 2024، عندما أصدر الرئيس سعيّد قرارا بتعيينه رئيسا للأمن والحماية بوزارة الخارجية.

وذلك بعد أن أنهى سعيد مهمة القاسمي في ليبيا مطلع عام 2024، حيث عمل قنصلا عاما لتونس في طرابلس منذ أغسطس 2015.

وألقت عودة القاسمي الذي شغل منصب مدير أمن الرئاسة في عهد الرئيس السابق المنصف المرزوقي (بين عامي 2011 و2014)، التساؤلات بعد فترة غياب دامت ثماني سنوات.

“يوم الثورة”

توفيق بلقاسم القاسمي على غرار الشخصيات الأمنية الرفيعة، حياته غامضة بعض الشيء، فلا توجد معلومات عن تاريخ ميلاده أو عائلته أو محل إقامته وطبيعة نشأته.

لكن دوره في بلاط الأمن الوطني على مدار سنوات طويلة لا يمكن إغفاله، خاصة أنه من طليعة الجنرالات الذين دخلوا في إطار إعادة هيكلة الجهاز الأمني بعد الثورة، ومع ذلك استمر في تولي المناصب الحساسة والرفيعة. 

وما يدل على أهمية القاسمي الدور الذي لعبه خلال أحداث الثورة، فبحسب صحيفة "الخبير" المحلية، في 23 يناير/ كانون الثاني 2023، كان للقاسمي دور بارز خلال الثورة إلى جانب ثلة من الإطارات الأمنية من بينهم المدير العام للأمن الرئاسي آنذاك، سامي سيك سالم.

ووصفت الصحيفة القاسمي أنه “مهندس الاتصالات” بين الأجهزة الأمنية، وهو الذي خرج من القصر الرئاسي بقرطاج وسط أجواء مشحونة للغاية وبحوزته تسجيل الكلمة التي ألقاها يومها الوزير الأول الأسبق محمد الغنوشي.

وأمر القاسمي مؤسسة التلفزة الوطنية أن يتم بث الكلمة فورا حتى يستطيع تهدئة الرأي العام في ذلك اليوم التاريخي والمفصلي في الحياة السياسية للبلاد.

وأوردت الصحيفة التونسية أن القاسمي هو الذي بادر وتوجه على رأس قوة أمنية إلى مقر إقامة "فؤاد المبزع" واصطحبه إلى قصر قرطاج.

وبعدها شغل المبزع منصب رئيس الجمهورية بالإنابة بعد إعلان المجلس الدستوري شغور منصب الرئيس بشكل نهائي، بسبب هروب الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي من البلاد في 14 يناير/ كانون الثاني 2011. 

تهريب المخلوع 

لكن الدور الأكثر أهمية وخطورة الذي لعبه القاسمي مع الجنرالات وكبار ضباط الجهاز الأمني، هو وضعهم لخطة تهريب ابن علي، وزوجته ليلى الطرابلسي، وبقية أفراد العائلة. 

وفي 14 يناير 2012، عرضت قناة “العربية” الفيلم الوثائقي "الفرار من قرطاج"، الذي يروي أسرار الساعات الحاسمة في تاريخ تونس.

وسرد وقائع وأحداثا تمت في كواليس وأروقة السلطة بمختلف مراتبها، منقولة على لسان كل الشخصيات المهمة التي خضعت للتحقيق لتقديم شهاداتهم عن تفاصيل الأيام الثلاثة الأخيرة في تاريخ الثورة التونسية. 

ومما جاء في حق القاسمي، ذلك الاجتماع المفصلي الذي عقد ليل 13 يناير 2011، بمكتب ، مدير الأمن الرئاسي، علي السرياطي.

وقالت إن “السرياطي ترأس الاجتماع الأمني الخطير، وكان من الحضور كل من العقيد عدنان الحطاب وتوفيق القاسمي وإلياس الزلاق والعقيد سامي سيك سالم. وقد تمحور الاجتماع حول الاحتياطات الواجب اتخاذها لمواجهة التطورات، واتخاذ الخطة اللازمة لإجلاء أو تهريب ابن علي وعائلته”.

وقتها اقترح القاسمي إمكانية تهريب ابن علي من جهة البحر إن استدعى الأمر، وهو ما رفضه علي السرياطي، ليتم الاتفاق بينهم على تركيز وحدات إضافية من الحرس الوطني بنقاط متقدمة من القصر الرئاسي.

مدير أمن الرئاسة 

بعد انتهاء الثورة وبداية المرحلة الانتقالية، لعب القاسمي دورا محوريا، رغم الدعوات بإعادة هيكلة جهاز الشرطة. 

وفي 5 أكتوبر/ تشرين الأول 2013، قام رئيس الجمهورية (آنذاك) المنصف المرزوقي، بتعيين القاسمي، مديرا جديدا للأمن الرئاسي بدلا من العميد سامي سيك سالم، الذي أصبح مستشارا للرئيس للشؤون الأمنية.

كان وقت تعيين القاسمي عصيبا في ظل إخفاقات متعددة للمؤسسة الأمنية، في أعقاب تسريب وثائق أمنية سرية أحرجت الوزارة، حيث كشفت علم كبار المسؤولين الأمنيين المسبق باغتيال القياديين في المعارضة، محمد البراهمي وشكري بلعيد.

وكشف الحقوقي الطيب العقيلي، عضو "هيئة كشف الحقيقة"، عن وثائق ومعلومات تثبت تقصير وتخاذل مدير الأمن العمومي مصطفى بن عمر في منع عملية اغتيال بلعيد.

وذلك بعد أن وردت إليه تحذيرات بوجود تحركات مشبوهة أمام بيت القتيل، عندما كان مديرا للأمن في إقليم قرطاج.

وخلال تولي القاسمي مهمته برئاسة أمن قصر قرطاج، اشتهر بحادثة رفضه السماح لرئيسة هيئة الحقيقة والكرامة آنذاك سهام بن سدرين بالوصول إلى الأرشيف الرئاسي في أواخر عهد المرزوقي. 

وخرج القاسمي لوسائل الإعلام وقال إنه أبلغ المرزوقي بأن عملية نقل الأرشيف يجب أن تكون في يد السلطة المنتخبة، أي سلطة الرئيس القادم حينها الباجي قايد السبسي. 

لكن المثير أنه في 2 مارس/ آذار 2015 تمت الإطاحة بالقاسمي من منصبه، بقرار رئاسي من السبسي، هو ومجموعة أخرى من كبار ضباط الأمن الرئاسي.

وقتها ذكر موقع "الحصري" المحلي أن من احتمالات إقالة القاسمي قربه واتصالاته بالعقيد عدنان الحطاب، الذي يوصف بأنه "الابن المدلل" للرئيس المخلوع ابن علي، حتى قيل إن الأخير كان لا يتحرك إلا باستشارة الحطاب على الصعيد الأمني.

سبب البقاء 

وطرحت كثير من التساؤلات عن سبب بقاء القاسمي وتبدل أدواره بين الصعود والهبوط، ولماذا لم تتم الإطاحة به على غرار بعض الجنرالات، كجزء من إصلاح الجهاز الأمني، خاصة أنه من الضباط المقربين لابن علي والذي ترقى في التراتبية الأمنية لسنوات طويلة. 

وأجاب عن هذا السؤال الورقة البحثية التي أصدرها مركز "مالكوم كير - كارنيغي" لدراسات الشرق الأوسط في 16 مارس 2015، تحت عنوان "الفرصة الضائعة: السياسة وإصلاح الشرطة في مصر وتونس". 

وقالت: "إنه لاتزال وزارة الداخلية التونسية تشكل صندوقا أسود، وتختفي عمليات صنع القرار فيها وراء ستار من الإبهام".

واستطردت: "يعتقد على نطاق واسع أن ثمة شبكات غير رسمية أو جماعات ضغط، وتعرف محليا بلقب اللوبيات، تحكم الوزارة وتعمل على مقاومة الإصلاح الهادف والشفافية المالية والرقابة السياسية، وتشكل ما يعدها البعض دولة عميقة".

وأضافت ورقة "كارنيغي" أن القطاع الأمني التونسي صمد إلى حد كبير أمام تحدّيات المرحلة الانتقالية، دون أن يخضع إلى عملية إعادة هيكلة كبيرة، ناهيك عن خضوعه لعملية تحول.

ولفتت إلى أن تفاقم الأزمة السياسية في البلاد وداخل الحكومات الائتلافية المتعاقبة، أسهم في ترسيخ وجود كبار ضباط الجهاز الأمني.

فيما تراجعت الأحزاب السياسية عن أجندة إصلاح القطاع الأمني. 

وكانت النتيجة بروز بيئة متساهلة على نحو متزايد، ما أدى إلى حصول انتهاكات من جانب الشرطة تذكر بعهد ابن علي، وفوق ذلك الإبقاء على رجال بعينهم تحت دعوى الخبرة والقدرة على حل المعضلات، ومنهم توفيق بلقاسم القاسمي.