تسعى للزعامة.. هل نجحت أنقرة في تنفيذ إستراتيجيتها لقيادة منظمة "الدول التركية"؟
في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، استضافت أستانا القمة السنوية العاشرة لمنظمة الدول التركية، تحت شعار "الحضارة التركية".
وحسب صحيفة "إزفستيا" الروسية، ناقش رؤساء الدول المشاركون في القمة القضايا الرئيسة للاقتصاد والتجارة والنقل والجمارك.
ومنظمة الدول التركية تضم أذربيجان وتركيا وكازاخستان وقرغيزستان وأوزبكستان، إضافة إلى المجر وتركمانستان باعتبارهما عضوا مراقبا.
وحاول الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن يلعب دورا خاصا في اللقاء، فيما أدلى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان بتصريح غير متوقع.
تصريحات القادة
وقال الرئيس الكازاخستاني قاسم جومارت توكاييف: "أصبح المدنيون في قطاع غزة، وخاصة الأطفال وكبار السن، ضحايا للحرب الإسرائيلية على قطاع غزة. إن مهمتنا الرئيسة هي ضمان سلامتهم".
وخلال القمة، قرر أيضا تقديم مساعدات إنسانية للشعب الفلسطيني قيمتها مليون دولار.
بدوره، قال رئيس أوزبكستان شوكت ميرزيوييف، إن "طشقند تدعم حق الشعب الفلسطيني في تأسيس دولته الخاصة"، وأعلن عن قرار بتخصيص 1.5 مليون دولار لمساعدة سكان قطاع غزة.
وتابع: "الاشتباكات المسلحة بين الجيش الإسرائيلي وحركة (المقاومة الإسلامية) حماس تؤدي إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وسقوط العديد من الضحايا في صفوف المدنيين".
وأشار إلى أن الأطفال والنساء يموتون، ويفقد الناس منازلهم بعد هدمها فوق رؤوسهم ويضطر من بقي منهم أحياء إلى مغادرتها.
من جانبه، دعا وزير الخارجية الكازاخستاني، مراد نورتيلو، إلى فتح ممرات إنسانية للمدنيين في قطاع غزة.
أما الرئيس التركي أردوغان، فقد تطرق -وفقا للصحيفة الروسية- إلى العديد من المواضيع؛ ابتداء من الكارثة الإنسانية في قطاع غزة، وصولا إلى أهمية إرساء دعائم الاستقرار في أفغانستان.
ومستدلا بالأحداث العالمية الأخيرة، أكد الرئيس التركي أن "أهم قوة لدينا في مكافحة التحديات العالمية هي وحدة وتضامن العالم التركي".
وندد أردوغان بشدة بما وصفه بـ "المأساة الإنسانية غير المسبوقة في فلسطين". وأفاد بأن "أولويتنا هي التوصل بسرعة إلى وقف إنساني لإطلاق النار".
وحث الدول التركية على ضرورة توحد الموقف في هذه القضية، وذلك كي "تصبح مثالا للدول الأخرى".
أما المجر، العضو المراقب في المنظمة، فجمعت بين المشاركة في قمة الدول التركية، وإجراء زيارة رسمية إلى كازاخستان.
وركز رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان على العلاقات الثنائية بين المجريين وكازاخستان، وذلك باعتبار الجذور التاريخية الممتدة لآلاف السنين.
وخلال حديثه في القمة، انصب تركيز أوربان بشكل أكبر على ما يحدث في الاتحاد الأوروبي، وليس الشرق الأوسط.
وذكر رئيس الحكومة المجري أن أوروبا بحاجة إلى نظام أمني جديد يكون مقبولا لكل من روسيا وأوكرانيا، مشددا على أن هذا النظام "يجب أن يشمل تركيا".
ولفت إلى أن حسابات الزعماء الأوروبيين وتقديراتهم بأن روسيا ستهزم في الصراع الأوكراني "لا أساس لها من الصحة".
وحسب أوربان: "إنهم يعتقدون أن أوكرانيا ستفوز وروسيا ستخسر، وبعد ذلك ستتغير قيادة موسكو ومن ثم يتفاوضون مع القيادة الجديدة".
وهنا أكد أن "هذه خطة فاشلة ولن تنجح"، مشددا على أن "أوروبا بحاجة إلى إستراتيجية مختلفة".
التفاعل الاقتصادي
ووفقا لـ "إزفستيا" الروسية، انبثق عن الاجتماع توقيع زعماء الدول الأعضاء على 12 وثيقة. وشددت القمة بشكل خاص على ضرورة وأهمية التكامل الاقتصادي.
وحسب ما صرح به الأمين العام للمنظمة كوبانيشبيك أومورالييف، فقد وصل حجم التجارة بين الدول التركية إلى 42 مليار دولار سنويا.
ووفقا له، فمنذ إنشاء منظمة الدول التركية، زاد عدد مجالات التعاون بين الدول الأعضاء بشكل ملحوظ، وعلى مدى العامين الماضيين، وصل التعاون إلى 30 مجالا.
وأضاف: "ترتبط إنجازات المنظمة بالتنفيذ الناجح لمبادرات قادة الدول الأعضاء في المنظمة. عقدت منظمتنا 47 حدثا عام 2021، و62 حدثا في عام 2022".
وأشار الأمين العام إلى أنه "على مدى 11 شهرا من عام 2023، أقيمت 110 فعاليات في مجالات السياسة والتجارة والاقتصاد والنقل والتعاون الجمركي والأمن والتعليم".
وعلى وجه الخصوص، منذ عام 2015، اعتُبرت مجالات مثل الاستثمار والخدمات اللوجستية والنقل والاتصالات وقطاع الطاقة بمثابة "محركات للتنمية الاقتصادية" للمنظمة، وفقا لأومورالييف.
وأضاف الأمين العام أن "الدول المشاركة بحاجة إلى تنفيذ مشاريع تجارية مشتركة".
وعلى وجه الخصوص، نحن نتحدث عن زيادة المساحة المواتية الشاملة للتجارة في الخدمات والسلع وحركة رأس المال، وكذلك لتطوير البنية التحتية للنقل والمراكز اللوجستية، وفق أومورالييف.
الدور التركي
وبخصوص الدور التركي، أشار رازيل جوزايروف، الباحث في شؤون الشرق الأوسط وما بعد الاتحاد السوفيتي، إلى أن "تركيا تحاول القيام بدور زعيم العالم التركي".
وألمح في مقابلة مع إزفستيا، إلى أن تصريحات السياسيين الأتراك وطريقة أدائهم تشهد بوضوح على الرغبة التركية في أداء هذا الدور.
وأوضح أنه من خلال تطوير منظمة الدول التركية، وإنشاء مؤسسات مختلفة فيها (على سبيل المثال، إنشاء صندوق استثمار تركي)، تسعى أنقرة إلى أن تصبح رئيسة عمليات التكامل والتعاون في المنطقة، لكنه يشكك في قدرة تركيا على تنفيذ إستراتيجيتها في المنطقة.
ويأتي هذا بالرغم من تأكيده على أن تركيا تتمتع بعدد من المزايا مع الدول الأعضاء، مثل القرب اللغوي والعرقي مع شعوب المنطقة، وهو العامل الذي سلط السياسيون الأتراك الضوء عليه بشكل خاص عند حديثهم عن تطوير المنظمة.
وأكد أنه "من المستحيل في الوقت الحالي الحديث عن قيادة تركيا غير المشروطة في المنطقة".
وعزا ذلك إلى "حقيقة أن دول آسيا الوسطى الأعضاء في المنظمة ترتبط اقتصاديا ارتباطا وثيقا بقوى أخرى، لا سيما روسيا".
ويعتقد جوزايروف أن أنقرة ليس لديها الفرصة للتنافس في هذا الصدد مع روسيا أو الصين في تطوير علاقاتها الاقتصادية مع هذه الدول.
وأشار إلى قيادة تركيا للمنظمة ستعتمد بشكل مباشر على نجاح تنسيق المواقف العالمية المشتركة وتطوير العلاقات الثنائية مع الدول الأعضاء.
وفي هذا الصدد، يرى أن أنقرة نفذت أنشطتها الرئيسة بالمنطقة في المجالات الإنسانية.
وأضاف: "وحتى في إطار مكتب التجارة الخارجية، فإن هذا الجانب من التعاون بين البلدان هو السائد. على سبيل المثال، عقد منتديات إعلامية، وإنشاء كتب مدرسية مشتركة، وتنظيم النقابات العمالية، وما إلى ذلك”.
ولفت إلى أن القيادة التركية تسعى بشكل جاد لزيادة عدد الدول الأعضاء في المنظمة، وذلك لإبراز أنها "تتطور ولديها آفاق مستقبلية".
وفي هذا السياق، أشار أستاذ العلوم السياسية فلاديمير أفاتكوف، لضرورة الانتباه إلى أن الرئيس التركي اقترح أن تتعامل الدول التركية بأبجدية واحدة.
واعتبر الخبير السياسي أن الرئيس التركي كان يقصد تحول تلك الدول إلى اللغة التركية والأبجدية اللاتينية بشكل واضح.
ولفتت الصحيفة إلى أن الأتراك اقترحوا ذلك بالفعل منذ تسعينيات القرن الماضي. وتابعت: "ولكن بعد ذلك لم ينجح الأمر، لأن الدول الأخرى استخدمت الأبجدية السيريلية".
ومع ذلك، أكدت أنه منذ التسعينيات، حدث انتقال تدريجي إلى الأبجدية اللاتينية في أذربيجان وأوزبكستان وتركمانستان.