بعد ضربة الأردن.. كيف نجحت أميركا في لجم المليشيات الشيعية بالعراق؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

منذ 28 يناير/ كانون الثاني 2024، توقفت تماما هجمات وكلاء إيران في العراق ضد القوات الأميركية، رغم حديثهم عن استمرارها حتى تحقق هدفين هما: إنهاء وجودها على الأراضي العراقية، وإيقاف دعم واشنطن لإسرائيل في عدوانها على غزة.

آخر هجوم شنته مليشيات إيران في العراق ضد القوات الأميركية، كان في 28 يناير 2024، على قاعدة عسكرية في الأردن يطلق عليها "برج 22"، أدى إلى مقتل ثلاثة جنود أميركيين وإصابة 25 آخرين، الأمر الذي دفع الولايات المتحدة للرد على ذلك بضربتين عنيفتين.

وقعت الضربة الأولى بمحافظة الأنبار غرب العراق في 3 فبراير/شباط، أسفرت عن مقتل 16 عنصرا من المليشيات العراقية، بينما أودت الثانية- بعدها بأربعة أيام-، بحياة القائدين في "كتائب حزب الله"، أبو باقر الساعدي، وأركان العلياوي.

أوامر إيرانية

وعن أسباب توقف الهجمات ضد القوات الأميركية، نشرت وكالة "رويترز" تقريرا في 18 فبراير، كشف عن زيارة أجراها، قائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى العاصمة العراقية بغداد، أدت إلى ذلك، في خطوة "تدل على رغبة طهران في الحيلولة دون نشوب صراع أوسع نطاقا".

ونقلت الوكالة عن مصادر عراقية وإيرانية (لم تكشف هويتها) قولها، إن "قاآني التقى بممثلي فصائل مسلحة عدة في مطار بغداد يوم 29 يناير 2024، بعد أقل من 48 ساعة على اتهام واشنطن لهذه الفصائل بالوقوف وراء مقتل ثلاثة جنود أميركيين في موقع البرج 22 العسكري في الأردن".

وقالت عشرة مصادر إن قاآني، الذي قُتل سلفه قاسم سليماني في هجوم بطائرة مسيرة للولايات المتحدة بالقرب من المطار نفسه في 5 يناير/ كانون الثاني 2020، أبلغ الفصائل أن "سفك الدماء الأميركية يحمل خطرا برد أميركي عنيف".

ووفق المصادر، فإن "قاآني أبلغ الفصائل المسلحة أنه يتعين عليها أن تبتعد عن المشهد لتجنب شن ضربات أميركية على كبار قادتها أو تدمير بنيتها التحتية الرئيسة أو حتى الانتقام المباشر من إيران".

ولم توافق إحدى الفصائل في البداية على طلب قاآني، لكن معظمها وافقت، حسب "رويترز" التي أوضحت، أنه في اليوم التالي، أعلنت جماعة كتائب "حزب الله" العراقية أنها ستعلق هجماتها.

ونقلت الوكالة عن قيادي كبير في أحد الفصائل المسلحة المتحالفة مع إيران: "من دون تدخل قاآني المباشر، كان من المستحيل إقناع كتائب حزب الله بوقف عملياتها العسكرية لتهدئة التوتر".

ويسلط النجاح الواضح لزيارة قاآني الضوء على النفوذ الذي تتمتع به إيران على الفصائل المسلحة العراقية التي تعمل تارة على زيادة الضغط وتارة أخرى على تهدئة التوتر لخدمة هدفها المتمثل في إخراج القوات الأميركية من العراق، حسبما ذكرت الوكالة.

وقالت خمسة مصادر إن الحكومة في بغداد، وهي حليف مشترك نادر لطهران وواشنطن، تحاول منع تحول البلاد مرة أخرى إلى ساحة قتال للقوى الأجنبية وطلبت من إيران المساعدة في كبح جماح الفصائل بعد الهجوم في الأردن.

وللولايات المتحدة حاليا نحو 2500 جندي في العراق و900 آخرون في سوريا في مهمة لتقديم المشورة والمساعدة.

وهذه القوات جزء من تحالف دولي جرى تشكيله عام 2014 لمحاربة تنظيم الدولة خاصة في غرب العراق وشرق سوريا.

ودفعت عشرات الهجمات والعديد من الردود الأميركية عليها، بما في ذلك مقتل قيادي في مليشيا "النجباء" ببغداد في 5 يناير 2024، رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى الإعلان أن التحالف أصبح عاملا لعدم الاستقرار في المنطقة، معلنا بدء محادثات لإنهاء وجوده بالبلاد.

وأكد السوداني، على ملف انسحاب قوات التحالف الدولي من العراق وتحوّل العلاقة بين الدول الأعضاء فيه من عسكرية إلى اقتصادية ومتنوعة، وذلك خلال سلسلة لقاءات عقدها مع مسؤولين أميركيين وغربيين في ألمانيا على هامش مؤتمر ميونخ للأمن (16 إلى 18 فبراير).

تجربة سابقة

لكن توقف العمليات دائما ما يأتي بعد هجوم تشنه المليشيات الإيرانية في العراق، يقع فيه قتل من الجانب الأميركي، ويأتي بعده رد عنيف من الولايات المتحدة يوقع قتلى في صفوف العناصر وقادة حلفاء إيران، وهذا الأمر حصل سابقا.

ففي 27 ديسمبر/ كانون الأول 2019، تعرضت "كي 1" إحدى القواعد الجوية العراقية التي تستضيف قوات التحالف الدولي، في محافظة كركوك بالعراق لهجوم بأكثر من 30 صاروخا، ما أدى إلى مقتل مقاول مدني أميركي وإصابة أربعة جنود أميركيين.

وبعد يومين من هذه الحادثة، شنت القوات الأميركية هجمات عنيفة استهدفت قواعد عسكرية لمليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، أسفرت عن مقتل 25 من عناصر الأخيرة، بينهم قيادات ميدانية.

ونقلت وكالة الأنباء الألمانية في حينها أن قصفا جويا أميركيا استهدف مقار لكتائب حزب الله العراقي في قضاء القائم بمحافظة الأنبار غربي العراق، وكان من بين القتلى آمر لواء في الحشد يدعى الحاج علي مدينة.

وقد أعلن الجيش الأميركي وقتها أنه استهدف خمس قواعد في العراق وسوريا لحزب الله العراقي الموالي لإيران، بعد يومين من مقتل أميركي في هجوم بالصواريخ على قاعدة عسكرية في كركوك.

لم تكتف الولايات المتحدة الأميركية بذلك، بل قتلت قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، ونائب رئيس الحشد الشعبي، قائد "كتائب حزب الله"، جمال جعفر آل إبراهيم المعروف بـ"أبو مهدي المهندس"، ببغداد في 5 يناير 2020.

ومنذ مقتل المهندس برفقة قاسم سليماني، يقود مليشيا "كتائب حزب الله" العراقية، أحمد محمس الحميداوي، الذي لا توجد له أي صورة شخصية في وسائل الإعلام.

وفي 18 يناير، علق الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب على عملية الاغتيال قائلا: إنه ضرب "عصفورين بحجر واحد"، أي المهندس وسليماني، وأن الضربة "هزت العالم"، والأخير "كان يستحق هذه الضربة القاسية لأنه كان شريرا (…) لقد قتل مئات آلاف الأشخاص وآلاف الأميركيين".

ورغم توعد إيران وحلفائها بالعراق بالانتقام وأخذ الثأر لمقتل هذين الشخصين، لكن كل الضربات التي طالت القواعد العسكرية العراقية، تحت هذا العنوان، لم تسفر عن مقتل أو إصابة أي شخصية أميركية.

وفي 2 فبراير 2024، كشف ترامب أن إيران اتصلت به قبل شن ضربات في العراق ردا على اغتيال سليماني، قائلا إن ذلك كان من "باب الاحترام".

وفي مقابلة مع قناة "فوكس نيوز" الأميركية، أفاد ترامب بأن الإيرانيين اتصلوا به لإبلاغه بأن الأميركيين لن يتعرضوا للاستهداف وأنهم سيخطئون أهدافهم عمدا.

وقال: "لقد كانت إيران تحت السيطرة. هل تعلم أننا ضربناهم بشدة بسبب شيء فعلوه، وكان عليهم الرد، ويشعرون أن عليهم القيام بذلك وأنا أتفهم ذلك. هل تعلم، لقد اتصلوا بي ليخبروني: سنضرب موقعا معينا لكننا لن نصيبه، سيكون خارج المحيط".

وأضاف: "لقد أبلغونا بذلك، وكنا نعلم أنهم لن يضربونا والآن كشفت ذلك. لقد وجهوا تلك الصواريخ وقالوا: من فضلكم لا تهاجمونا، لن نضربكم. كان هذا احتراما، كان لدينا الاحترام".

"لا حاضنة لهم"

وعن مدى تقبل أتباع وأنصار المليشيات الإيرانية، تحولات قيادتها بتراجعها السريع عن قضية الثأر لمقتل قادتها وعناصرها بغارات أميركية رغم التهديد والوعيد المستمر، يرى مختصون أن هؤلاء لا يمتلكون "حاضنة شعبية" حقيقية، وإنما يقتصر ذلك على المنتفعين فقط.

وقال الباحث في الشأن السياسي العراقي، إياد ثابت لـ"الاستقلال" إن "المليشيات الموالية لإيران في العراق ليس لها قاعدة شعبية، لكن لديها منتفعون فقط، لذلك فإن المكوّن الشيعي يفرح بإيقاف العمليات ضد القوات الأميركية، وليس العكس تماما".

ولفت إلى أن "كتائب حزب الله، لها النصيب الأكبر من الضربات الجوية، لذلك فإن عناصر المليشيات لا شك أنهم يفرحون بإيقاف العمليات ضد الأميركيين لكنهم لا يفصحون عن ذلك".

وتابع: "سبب فرح هؤلاء، يأتي من أنهم موجودون بمناطق في أطراف العراق، ويطلب منهم الاستمرار في صراع مع الأميركيين وهو مكشوف للطيران الأميركي، في وقت تعربد فيه زعامة المليشيات في بغداد ودمشق وبيروت، بأموال ومناصب وحماية ومعيشة فارهة لهم ولعائلاتهم".

وأردف ثابت، قائلا: "لذلك عدا الجعجعة الإعلامية، فإن الكل راضٍ وفرح، خصوصا أن إيران هي من طلبت إيقاف العمليات من وكلائها، حتى تثبت الأخيرة أيضا للولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل أنه لا علاقة لها بما يجري من تصعيد".

وشدد الباحث العراقي على أن "أي صدام حقيقي يوقع قتلى في صفوف القوات الأميركية يعرّي مزاعم المليشيات بأنها هي من قاومت الولايات المتحدة وأخرجتها من العراق بعد عام 2003، لأنه عقب مقتل كل أميركي ورد واشنطن عليها بقتل قادة هذه الجماعات، فإنهم يختفون لسنوات".

وأعلنت كتائب حزب الله، في 30 يناير 2024، "تعليق" العمليات العسكرية والأمنية ضد الولايات المتحدة في البلاد بغية عدم "إحراج" الحكومة العراقية، وذلك بعدما تعهّدت واشنطن بالرد "بالطريقة الملائمة" على الهجوم على قاعدة عسكرية أميركية في الأردن.

وعلى الرغم من إعلانها تعليق هجماتها، أوصت الكتائب الموالية لإيران في بيانها مقاتليها "بالدفاع السلبي مؤقتا، إن حصل أي عمل أميركي عدائي تجاههم"، من دون إعطاء مزيد من التفاصيل.