حزب الله العراقي يعلق عملياته ضد واشنطن "خشية إحراج بغداد".. ما الحقيقة؟

9 months ago

12

طباعة

مشاركة

شهدت مواقف فصائل ما يعرف بـ"المقاومة الإسلامية" في العراق، تباينا إزاء إعلان أحد أبرز مكوناتها تعليق عملياته ضد القوات الأميركية، وذلك بعد آخر عملية نفذتها ضد قاعدة عسكرية أميركية في الأردن، أودت بحياة ثلاثة جنود وإصابة نحو25 آخرين.

وفي 28 يناير/ كانون الثاني 2024، أعلنت "المقاومة الإسلامية" في العراق تبنيها مسؤولية الهجوم على قاعدة أميركية في شمال شرقي الأردن، مؤكدة أنها "ستواصل شن هجماتها  ضد القواعد الأميركية دعما لغزة وردا على المجازر الإسرائيلية بحق القطاع".

وأوضحت في بيانها أنها استهدفت 4 قواعد أميركية وهي: الشدادي والركبان في الأراضي السورية، وأخرى في التنف (المثلث الحدودي الرابط بين العراق والأردن وسوريا)، أما الرابعة فكانت داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة وتعرف باسم منشأة زفولون البحرية.

"تجمّع وكلاء"

في سياق الرد على العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، أعلن عدد من المليشيات العراقية الموالية لإيران، تشكيل ما أطلقت عليه "المقاومة الإسلامية" في العراق، وذلك بعد تبنيها العديد من الهجمات ضد القوات الأميركية بالمنطقة.

وبشكل أساسي تشكل "المقاومة الإسلامية" في العراق، خمس جماعات، هي: "كتائب حزب الله العراقية"، بقيادة أحمد محسن (أبو حسين) الحميداوي و"عصائب أهل الحق"، بزعامة قيس الخزعلي، و"حركة النجباء"، يرأسها أكرم الكعبي، و"كتائب سيد الشهداء" يقودها هاشم بنيان السراجي (أبو آلاء الولائي)، و"كتائب الإمام علي" يتزعمها شبل الزيدي.

وتعمل أيضا تحت لوائها بعض الفصائل الصغيرة مثل: (أنصار الله الأوفياء، لواء الطفوف، وأخرى واجهات للجماعات الخمس الرئيسة المُشكّلة لما يسمى "المقاومة الإسلامية" في العراق، هي: (أصحاب الكهف، وسرايا أولياء الدم، وألوية الوعد الحق، وأبناء الجزيرة العربية).

وفي تقرير نشره "معهد واشنطن" الأميركي في 21 أكتوبر 2023، أوضح فيه أن تسمية "المقاومة الاسلامية" في العراق،  ظهرت على تطبيق "تلغرام" أواسط شهر أكتوبر ذاته، وهو اسم عام يُستخدَم للدلالة على الوحدة بين الجماعات المسلحة المدعومة من إيران والتأكيد على هوياتها الفردية خلال الهجمات التي أثارتها أزمة غزة.

وأوضح المعهد أن تلك التسمية هي مصطلح شامل يُستخدَم لوصف العمليات التي تنفّذها جميع المليشيات المدعومة من إيران في العراق، بما في ذلك الضربات على سوريا خلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة الذي تفجر في السابع من شهر أكتوبر 2023.

أما عن نوع النشاطات التي تقوم بها "المقاومة الاسلامية" في العراق، يشير المعهد إلى أنها "عمليات عسكرية حركية، وطنية وعابرة للحدود على حد سواء تستهدف الولايات المتحدة في العراق وسوريا، وناجمة عن الدور الأميركي في أزمة غزة".

وأفاد المعهد بأن خلال الحرب في غزة تبنت "المقاومة الإسلامية" هجمات تجاوز عددها المئة، مستهدفة بالصواريخ والطائرات المسيرة قاعدتي "عين الأسد" بالأنبار العراقية و"حرير الجوية" في أربيل بإقليم كردستان العراق، ثم قاعدتي "التنف"، وأخرى في حقل الغاز الطبيعي التابع لشركة "كونوكو" في سوريا.

وعن أهداف التنظيم الجديد، أشار المعهد إلى أنها ترمي إلى السماح لمختلف مليشيات "المقاومة الإسلامية" بشن هجمات ضد القوات الأميركية في العراق وسوريا تحت مظلة واحدة.

ورأى المعهد أن المليشيات ترى أن عدم تحديد الجماعات المسؤولة عن مهاجمة القواعد الأميركية قد يعود بالفائدة عليها، إذ إنه يكون استخدام تسمية عامة بدون شعار هو الامتداد الأقصى لـ"إستراتيجية الواجهة" التي اتبعتها إيران ووكلاؤها منذ عام 2019 لتجنب المساءلة عن الهجمات على الأميركيين.

وتشكيل "المقاومة الإسلامية"، هدفه أيضا إظهار الوحدة الكامنة وراء الهجمات المنفَّذة ضد المصالح الأميركية، خلال حرب غزة.

لا سيما "تلبية النداء" كقوة واحدة وهو ما يشير بشدة إلى أن "فيلق القدس" التابع "للحرس الثوري الإيراني" يجمع بين وكلائه المتعددين في العراق الذين يميلون في الأحوال العادية إلى الجدال حول القيادة المحلية.

تباين بالمواقف

على وقع التهديدات الأميركية بالرد على الهجوم الذي أدى إلى مقتل 3 من جنود الولايات المتحدة بالأردن في 28 يناير 2024، أعلنت "كتائب حزب الله" في العراق، تعليق عملياتها العسكرية، وذلك تجنبا لإحراج الحكومة العراقية، موصية مقاتليها بـ"الدفاع السلبي مؤقتا".

وأضافت "كتائب حزب الله" خلال بيان لها في 30 يناير، أن "إخوتنا في محور المقاومة - لا سيما في الجمهورية الإسلامية (إيران)- لا يعلمون كيفية عملنا الجهادي، وكثيرا ما كانوا يعترضون على الضغط والتصعيد ضد قوات الاحتلال الأميركي في العراق وسوريا".

وفي المقابل، أعرب أكرم الكعبي الأمين العام لـ"حركة النجباء" المنضوية أيضا تحت لواء فصائل "المقاومة الإسلامية" في العراق عن أمله بإنهاء "كتائب حزب الله" ما وصفه بـ"التعليق المؤقت" لعملياتها العسكرية ضد القوات الأميركية داخل وخارج البلاد.

وقال الكعبي خلال بيان له في 2 فبراير 2024: "قلنا ونكرر ونؤكد أنّ قرارنا عراقي وأننا لن نتوقف حتى تحقيق أمرين هما: إيقاف العمليات على غزة وانسحاب الاحتلال الأميركي من العراق".

pic.twitter.com/erJ9JFg71F

— الشيخ اكرم الكعبي (@Akram_Alkabee) February 2, 2024

وبخصوص تعليق "كتائب حزب الله" عملياتها، قال الكعبي إنه "بعد حديثنا مع (أبو حسين الحميداوي) وهو (الأمين العام للكتائب) واستيضاح الأسباب انجلت لنا الحقيقة والحكمة فيما قرر، وإننا نحترم ونقدر ذلك ونثمن تضحيته في هذه الظروف، حيث سيثبت في المستقبل أنّ قراره اتخذه بشجاعة ونكران ذات".

وأضاف: "بانتظار العودة الميمونة القريبة للكتائب، وإلغاء التعليق حينما يُرفع الحرج والأسباب الحاكمة".

ولفت إلى أن "ما يصدر عن ماكنة الحرب النفسية الأميركية التي ما برحت ترعد وتزبد بالتهديد والوعيد لن تهز لنا شعرة ولن تثنينا"، مردفا "إنّ أيّ استهداف سيواجه برد يناسبه، ونؤكد أنّ المقاومة الإسلامية في العراق بفصائلها الأخرى مستمرة بقرارها حتى تحقيق مطالبها".

ومن دون أن يبارك العملية، علق زعيم مليشيا "كتائب سيد الشهداء" أبو آلاء الولائي على مقتل الجنود الأميركيين الثلاثة، قائلا: "قلب أميركا مثقل من قتل (3) جنود لها في الشرق الاوسط، لكنه لم يُثقل من قتل وجرح مئة ألف فلسطيني بسلاح أميركي ويد صهيونية في غزة".

وأضاف الولائي عبر منصة "إكس" (تويتر سابقا) في 29 يناير، أن "انتقائية وتناقض السلوك الأميركي أسقطا عنها إنسانيتها المدعاة وكشفا وجهها الإجرامي القبيح أمام العالم، لدرجةٍ فقدت فيها حتى التعاطف والتضامن الدولي، وباتت اليوم تعيش عزلة حقيقية".

في 2 فبراير 2023، أعلنت الولايات المتحدة أنها شنت غارات على 7 منشآت في سوريا والعراق، تضمنت أكثر من 85 هدفا في العراق وسوريا، واستهدفت فيلق القدس الإيراني و"المليشيات المرتبطة به".

وفي الوقت الذي أعلنت فيه سوريا مقتل 10 من "الحلفاء" بهذه الهجمات، أكد العراق أن 16 من عناصر الحشد الشعبي قتلوا في الغارات الأميركية، بينما التزمت المليشيات المسلحة الصمت حيال هذه الضربات ولم يصدر عنها أي تعليق حتى يوم 4 فبراير.

قلب امريكا مثقل من قتل (3) جنود لها في الشرق الاوسط، لكنه لم يُثقل من قتل وجرح مائة الف فلسطيني بسلاح امريكي ويد صهيونية في غزة

ان انتقائية وتناقض السلوك الامريكي اسقطا عنها انسانيتها المدعاة وكشفا وجهها الاجرامي القبيح امام العالم، لدرجةٍ فقدت فيها حتى التعاطف والتضامن الدولي،…

— ابو الاء الولائي (@aboalaa_alwalae) January 28, 2024

تحكّم إيراني

وبخصوص التباين في المواقف بين المليشيات المنضوية تحت "المقاومة الإسلامية" في العراق، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، حامد العبيدي إن "توقف فصيل دون آخر عن الهجمات الأميركية مرتبط بالمتحكّم الأساسي وهي إيران، وكل هؤلاء خيوطهم بيد فيلق القدس الإيراني وهو من يتحكم بهم، وهم مجرّد أدوات للتنفيذ".

وأضاف لـ"الاستقلال" أن "حجة إحراج الحكومة العراقية الذي تذرّعت به مليشيا كتائب حزب الله لن يصدقه أحد، كونه جاء بعد التهديدات الأميركية وتعهداتها بالرد على مقتل جنودها، وهذا هو المتغيّر الوحيد، لأنها كانت قبل ذلك تستهدف الأميركيين، فلماذا لم تفكّر في موضوع الإحراج؟".

الأمر الآخر، يضيف العبيدي، أن "البرلمانيين التابعين للمليشيات، يحاولون صرف أنظار العراقيين عن إيقاف عملياتها العسكرية، وذلك من خلال اتهام الأردن بالمشاركة في القصف الأميركي الذي استهدف عناصرها في سوريا والعراق، وجمع تواقيع للمطالبة بقطع النفط عن عمّان".

وقال النائب في البرلمان العراقي، مصطفى جبار سند خلال بيان له في 3 فبراير، إنه "جمع تواقيع برلمانيين لإصدار قرار بإيقاف تصدير النفط إلى الأردن، وذلك على خلفية الضربات الجوية التي نفذتها الطائرات الأميركية في مناطق غربي العراق ليلية أمس بمشاركة الأردن".

يبدوا بأن التسريبات التي تحدثت عن زيارة قائاني للعراق اصبحت نتائجها واضحة فبيان كتائب حزب الله الاخير فيه اعتراف كامل بأن ايقاف العمليات جاء بعد ضغوط خارجية وداخلية ، لكن في وجهة نظر عسكرية واستراتيجية هو ليس سوى وقف عمليات جزئي ومازال قرار حركة النجباء واصحاب اهل الكهف وبعض…

— سيف رعد طالب (@Saif_Raad_Talib) January 30, 2024

من جهته، قال الخبير الأمني العراقي، سيف رعد طالب، عبر "إكس" في 30 يناير، إن "التسريبات التي تحدثت عن زيارة (إسماعيل) قاآني (قائد فيلق القدس الإيراني) للعراق أصبحت نتائجها واضحة، فإن بيان كتائب حزب الله الأخير فيه اعتراف كامل بأن إيقاف العمليات جاء بعد ضغوط خارجية وداخلية".

وتابع: "لكن في وجهة نظر عسكرية وإستراتيجية، هو ليس سوى وقف عمليات جزئي ومازال قرار حركة النجباء وأصحاب الكهف وبعض الفصائل قائما، لذلك تعد مناورة مكشوفة لتخفيف الضغط عن إيران ومحاولة تهدئة الولايات المتحدة الأميركية أو حرف أنظارها عن أهداف محددة تخشى من استهدافها أو لتخفيف عن الهجمات المقترحة".

وتناقلت حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي في 28 يناير، أن قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني يزور بغداد اليوم، وسيظهر قائد الأمن القومي الإيراني (علي أكبر أحمديان) في بغداد خلال الساعات المقبلة. سيحاولون تجنب الحرب المباشرة وتوجيه المليشيات نحو الحرب من دون إيران".

إن إدراج قوات الحشد الشعبي الإرهابية على قائمة الإرهاب الدولي أمر سيحدث ، وكذلك إدراج المسؤولين العراقيين المنتمين إلى الميليشيات الإرهابية.
يزور قائد فيلق القدس الإرهابي إسماعيل قاآني بغداد اليوم ، وسيظهر قائد الأمن القومي الإيراني في بغداد خلال الساعات المقبلة. سيتحدثون في هذا…

— David Yassin (@_DavidYassin) January 28, 2024

وفي المقابل، تناولت صحيفة "بوليتيكو" الأميركية خلال تقرير لها في 1 فبراير 2024، اختلاف المواقف من الفصائل المسلحة في العراق بشأن وقف العمليات ضد واشنطن، ونقلت رؤية مسؤولين في المخابرات الأميركية.

وقال المسؤولون الأميركيون (لم تكشف هويتهم) إن "طهران لا تتمتع بالسيطرة الكاملة على مجموعاتها الوكيلة في الشرق الأوسط، بما في ذلك تلك المسؤولة عن مهاجمة وقتل القوات الأميركية في الأسابيع الأخيرة".

وأضافوا إن "الجماعات المسلحة لديها طموحات وأجندات مختلفة، تتداخل في بعض الأحيان، لكن لا يبدو أن طهران تتمتع بسلطة كاملة على اتخاذ القرارات العملياتية"، وفق تقديرهم الاستخباري.

وأفادت الصحيفة بأنه "رغم أن إيران تدعم الجماعات الوكيلة ماليا ومعدات عسكرية في العراق، لكن مسؤولي الاستخبارات لا يعتقدون أنها تقود الهجمات، إضافة إلى أنهم يحملونها المسؤولية بسبب دعمها لها".