لم تطلب تحريرهم رغم أنها تستعبدهم.. تايلانديون يغادرون إسرائيل بلا رجعة

a year ago

12

طباعة

مشاركة

أثارت قصة العمال التايلانديين الذين أطلقت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) سراحهم، في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، ضمن صفقة الأسرى مع الاحتلال، اهتماما واسعا عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وعلى مدار عدة أيام، أعلنت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، أنها سلمت الصليب الأحمر الدولي نحو 20 محتجزا تايلانديا.

وتفاجأ كثيرون بوجود هؤلاء التايلانديين ضمن الأسرى في غزة، بسبب تجاهل إسرائيل لهم في بياناتها، فلا هي دافعت عنهم، ولا طالبت بإطلاق سراحهم على غرار الإسرائيليين.

كما ظهرت تساؤلات حول أسباب وجودهم في مستوطنات غير قانونية، ولماذا جاؤوا إلى الأراضي المحتلة من الأساس؟ وكيف يعيشون داخل مجتمعات المستوطنين المنتشرة في حدود غزة؟ 

البداية 

بدأت عملية استقدام العمال التايلانديين إلى الأراضي المحتلة، منذ عام 1987، تحديدا بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى أو "انتفاضة الحجارة". 

وكانت بداية الانتفاضة في الأساس قيام سائق شاحنة "صهيوني" بدهس مجموعة من العمال الفلسطينيين على حاجز "إريز"، الذي يفصل قطاع غزة عن بقية الأراضي الفلسطينية المحتلة.

بعدها انطلقت مظاهرات الغضب إلى مدن وقرى ومخيمات فلسطين كافة، بمشاركة شعبية غير مسبوقة، كان العمال من متصدريها حيث أضربوا عن العمل في جميع القطاعات منها القطاع الزراعي.

وفي أعقاب الانتفاضة، عملت إسرائيل على استقدام أعداد كبيرة من العمالة التايلاندية، لتوظيفهم كبديل للفلسطينيين. 

ووقع الاختيار على تايلاند تحديدا، لطبيعتها الزراعية، ولامتهان أهلها الزراعة من قديم الأزل، وفوق ذلك أنهم يعدون عمالة رخيصة زهيدة الثمن. 

وسرعان ما توافد التايلانديون فرادى وجماعات وانتشروا في القطاع الزراعي الإسرائيلي، سواء كعمالة رسمية لدى حكومة الاحتلال، أو عمالة خاصة لدى المستوطنين ورجال الأعمال. 

وفي 30 نوفمبر 2023، أعلنت وزارة الخارجية التايلاندية أنه يوجد في إسرائيل نحو 30 ألف تايلاندي يعملون في قطاع الزراعة، ويمثلون أحد أكبر جاليات العمال المهاجرين في إسرائيل.

فيما تحدث موقع "نيكاي آسيا" التايلاندي، عن رواتب العمال، وقال: "إنهم يتلقون في المتوسط نحو ألف دولار شهريا".

وأكد الموقع المحلي "أن 83 بالمئة منهم قادمون من منطقة شمال شرقي تايلاند المعروفة بفقر سكانها".


يعملون في الجحيم 

في 21 يناير/ كانون الثاني 2015، كشفت منظمة "هيومن رايتس ووتش" الحقوقية الدولية عن حجم المعاناة والانتهاكات التي تعيشها العمالة التايلاندية في إسرائيل. 

وذكرت: "أنهم يعيشون في بيوت كقن الدجاج، وأن أجورهم متدنية، وساعات عملهم طويلة وظروف حياتهم بائسة".

وأضافت: "يتعرض العمال لتأثيرات المواد الكيماوية في الحقول، فلا يرتدون ملابس واقية، كما يعيشون في بيئة تفتقر لمتطلبات النظافة الآدمية". 

والتقت هيومن رايتس ووتش بـ "173" عاملا تايلانديا في 10 مجتمعات زراعية معروفة باسم المستوطنات الزراعية الصغيرة في شمال ووسط وجنوب الأراضي المحتلة. 

أجمع الجميع على أنهم يجنون أقل من الحد الأدنى القانوني للأجر، ويجبرون على العمل لساعات أكثر بكثير من الحد القانوني، ويتعرضون لظروف عمل غير آمنة.

وذكروا أنهم يواجهون صعوبات وانتهاكات تصل إلى حد الضرب والاعتداء إذا ما حاولوا تغيير أرباب العمل. 

كما اشتكى العمال في عدة مزارع من الصداع، ومشاكل في الجهاز التنفسي، وأمراض أخرى، بما في ذلك شعور بالحرقة في عيونهم عزوها إلى رش المبيدات الحشرية دون حماية كافية. 

وأخبر بعض العمال المنظمة الحقوقية أن أقاربهم في تايلاند أرسلوا لهم الأدوية لعدم قدرتهم على الحصول على الرعاية الطبية في إسرائيل. 


يتم إيواء غالبية التايلانديين الذين وثقتهم "هيومن رايتس ووتش" في مبان غير سكنية، كالمخازن والسقائف، التي تحوي المطابخ ومرافق الغسيل المؤقتة. 

وفي إحدى المزارع، أطلع عمال تايلانديون المنظمة على المأوى الذي بنوه من صناديق الكرتون داخل سقائف المزرعة، في ظروف مناخية لا تلائم أجسادهم.

وقد أظهرت أرقام حكومية إسرائيلية نمطا مقلقا من وفيات العمال التايلانديين، فمنذ 2008 وحتى 2013، توفي 122 عاملا تايلانديا داخل إسرائيل. 

منهم 43 نسبت السلطات وفياتهم إلى "متلازمة الموت المفاجئ"، وهو مرض يصيب القلب ويؤثر على الشباب وغيرهم من الأصحاء من الرجال الآسيويين.

بينما توفى 22 نتيجة أسباب غير معروفة لأن السلطات لم تطلب تشريحا للجثث.

ومن بين هؤلاء الـ22، كان بريوان سيسوكا (37 عاما)، الذي توفي أثناء نومه عام 2013. 

وشهد زملاؤه في العمل أنهم ينامون في غرف ضيقة في سقيفة مزرعة حولها رب العمل الإسرائيلي إلى مساكن للعمال. 

وأضافوا أنهم يعملون لما يصل إلى 17 ساعة في اليوم، كل يوم، بلا يوم عطلة". 

وقال عامل في مستوطنة زراعية صغيرة أخرى "إنه يشعر وكأنه (جيفة) بعد يوم عمل يبدأ عادة في الساعة 4:30 صباحا وينتهي في الساعة 7 مساء".

يوم الطوفان 

لم تكن المخاطر السابقة شيئا أمام الأهوال التي سيجابهها هؤلاء العمال في 7 أكتوبر 2023، عندما أطلقت حركة المقاومة حماس عملية "طوفان الأقصى" ضد الاحتلال الإسرائيلي. 

إذ وجد التايلانديون أنفسهم بين رحى حرب طاحنة لا ناقة لهم فيها ولا جمل، غير أن ظروف حياتهم البائسة ساقتهم إلى خدمة المستوطنين الصهاينة في منطقة غلاف غزة. 

وفي 28 نوفمبر 2023، ذكرت وكالة "رويترز" البريطانية أن 6 آلاف تايلاندي توزعوا في مستوطنات غلاف غزة قبيل انطلاق عملية طوفان الأقصى.

وقال أحد الأسرى التايلانديين لـ"رويترز"، عن يوم الهجوم، إن التايلنديين كانوا يصيحون أنهم تايلانديون ما جعل مقاتلي (حماس) يكتفون بأسرهم.. مؤكدا أنه تلقى معاملة جيدة أثناء الأسر".

وقد أوضحت الخارجية التايلاندية، أن 39 تايلانديا تم قتلهم خلال المعارك التي جرت يوم طوفان الأقصى.

كما نقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن الحكومة الإسرائيلية، أن 59 أسيرا تايلانديا ما زالوا متواجدين بقطاع غزة

وأوردت أن الأحزاب الإسلامية التايلاندية زارت إيران وأجرت مفاوضات مع مسؤول من حركة حماس، ما أدى لتحرير الأسرى التايلانديين في الدفعة الأولى.

ثم تنوعت الدول الوسيطة في دفعات التايلانديين المحررين، حيث كانت قطر وتركيا الوسطاء في ثاني دفعة، بينما تم تحرير الدفعتين الثالثة والرابعة دون أي وساطة.

نذالة الصهاينة 

وفي الوقت الذي أشاد فيه رئيس الوزراء التايلاندي "سريتا تافيسين" بجهود الوساطة التي أسهمت في إطلاق سراح مواطنيه، مؤكدا أن جميعهم بصحة جيدة ولم يحتج أي واحد منهم لرعاية طبية عاجلة.

استنكر آخرون عدم تضمن المفاوضات الإسرائيلية لهؤلاء، رغم أنهم عمال في مستوطناتها غير القانونية، وهي المسؤولة عنهم.

وهو ما ذكرته البرلمانية البريطانية ديانا أبوت، التي غردت عبر حسابها بموقع إكس: "ومع الرهائن الآخرين، أطلقت حماس أيضا سراح 10 رجال تايلانديين وفلبيني واحد، والغريب أنه لم يذكرهم أحد من قبل، لكن حياة البشر كلهم ذات قيمة".



وكذلك استنكر الصحفي الأميركي مايكل تراسي تجاهل إسرائيل لهؤلاء الأسرى، مبينا أنهم لم يتحدثوا عنهم، ولم تحظ قصصهم باهتمام عالمي، وندرت الملصقات التي حملت صورهم.

وتسبب التجاهل الإسرائيلي غير الإنساني لمأساة التايلانديين الأسرى، في رغبة الكثيرين منهم في العودة إلى بلادهم.

ففي 25 نوفمبر 2023، أشارت وكالة "فرانس برس" أن هذه المأساة أثارت فزع 30 ألف تايلاندي يعملون في إسرائيل.

وطلب "بورنشاي سومنوان" العامل التايلاندي في حديثه مع "الوكالة الفرنسية" المساعدة لمغادرة البلاد، وترك عمله في حقول الأفوكادو، على غرار آلاف آخرين من التايلانديين العاملين في الزراعة.

وذكر أنه في أحد فنادق تل أبيب يتم تنظيم عمليات الإجلاء، وأضاف "طلبت عائلتي مني العودة، إنهم قلقون". ثم عقب: "لدي سبعة أصدقاء، عاد أربعة منهم، وثلاثة ما زالوا هنا".

وأعلن نائب رئيس الشؤون القنصلية في وزارة الخارجية التايلاندية، "ناروشاي نيناد" الذي جاء لتنسيق عمليات مغادرة العمال، أن "أولوية بلاده هي إعادة أكبر عدد ممكن من التايلانديين الراغبين بذلك".

وشدد أن "بانكوك  نظمت بالفعل عشرات الرحلات الجوية لإعادة نحو 7500 شخص، بينما غادر حوالى 1500 آخرين بمفردهم". 

وكان رئيس الوزراء التايلاندي "سريثا تافيسين" قد حث رعاياه مرارا على العودة إلى تايلاند، بسبب الأخطار المحدقة في إسرائيل. 

ووافقت حكومته على منح تعويض بقيمة 50 ألف باهت (1300 دولار) لكل عامل يعود من إسرائيل. 

كما أعلنت الحكومة أن العائدين سيستفيدون من قرض ذي فائدة مخفضة، يضمن لهم بداية حياة جديدة، بعيدا عن أجواء الصراع في بلاد بعيدة.