لجوء فمواطنة ثم تمثيل بالبلديات.. سر اندماج السوريين في المجتمع البلجيكي
"تتمتع البلديات في بلجيكا بقدر كبير من السلطة والاستقلالية"
في وقت تتسارع الدعوات لترحيلهم، ينجح لاجئون سوريون في إثبات الاندماج والحصول على المواطنة والانتقال كذلك إلى مرحلة التمثيل السياسي في الدول الأوروبية.
فقد حققت سيدتان سوريتان "إنجازا لافتا" بفوزهما في الانتخابات البلدية البلجيكية، التي جرت في 13 أكتوبر/تشرين الأول 2024 لانتخاب مجالس بلدية لجميع البلديات البالغ عددها 581 للسنوات الست المقبلة.
خدمة الجالية
وفازت البلجيكية السورية سالي غنوم (44 عاما)، المرشحة عن قائمة “الحزب القومي الفلمنكي” (يمين الوسط) بالانتخابات المحلية بمجلس منطقة دورنه التي يسكن فيها نحو 85 ألف نسمة.
وتعد درونه أكبر منطقة ضمن مدينة انتويرب كبرى المدن الفلامانية في بلجيكا، ومركز مقاطعة تحمل اسمها وعصب الحياة الاقتصادية فيها.
غادرت غنوم سوريا عام 2015 وقبل وصولها إلى بلجيكا، عملت مدرسة للغة الإنجليزية للأطفال في حلب، حيث لجأت مع عائلتها الصغيرة إلى مدينة أنتويرب وافتتحت هي وزوجها مطعما هناك.
كما فازت البلجيكة السورية سهام حزوري في الانتخابات البلدية عن "حزب العمل" أو "PVDA" في بلدية درونه.
وحصلت حزوري على 1449 صوتا على مستوى مدينة أنتويرب، و415 صوتا على مستوى منطقة درونه، وبالتالي استطاعت الحصول على مقعد في بلديتها.
وتنحدر حزوري من مدينة حلب وكانت مرشحة للانتخابات البلدية على قائمة "حزب العمل" في مدينة أنتويرب، وقد عملت كمتطوعة اجتماعية ومعلمة لغة عربية.
ما كان لافتا أن أربع سوريات تقدمن بترشيحاتهن في الانتخابات البلدية البلجيكية، بهدف إحداث تغيير يخدم أبناء الجالية السورية، حيث نجحت اثنتان منهن في الفوز.
وتأتي هذه الترشيحات وسط مشاركة واسعة من السوريين الذين حصلوا على الجنسية البلجيكية، في مؤشر على دمجهم في المجتمع الجديد ورغبتهم في المشاركة في صنع القرار ودعم قضاياهم.
وبحسب ما كشف مركز الهجرة الفيدرالي في بلجيكا نهاية ديسمبر/كانون الأول 2023 فإن السوريين كانوا في المرتبة الثانية في أعداد الحاصلين على الجنسية خلال عام 2022، حيث منح 3615 لاجئا سوريا الجنسية البلجيكية من أصل 48 ألفا و472 شخصا من جنسيات مختلفة.
ومن متطلبات الحصول على الجنسية البلجيكية الإقامة بشكل قانوني في البلاد لمدة 5 سنوات، وأن يكون لديك عمل وتتحدث إحدى اللغات الوطنية الثلاث (الهولندية، الفرنسية، الألمانية).
وتتكون بلجيكا من 3 أقاليم وهي الإقليم الفلمنكي ويتألف من 5 محافظات، وإقليم والونيا (يسود فيه استخدام اللغة الفرنسية)، إضافة إلى إقليم بروكسل العاصمة ويتألف من 19 بلدية.
ولكل إقليم حكومة وبرلمان، يجرى عبرهما اتخاذ القرارات في الشؤون الاقتصادية والبيئية وأمور المواصلات وغير ذلك.
ومعروف في بلجيكا أن السياسيين الذين يديرون البلديات لديهم تأثير كبير على حياة السكان اليومية.
إذ تتمتع البلديات في بلجيكا بقدر كبير من السلطة والاستقلالية مقارنة بنظيراتها في البلدان الأوروبية الأخرى، لهذا من المهم هناك معرفة هوية المسؤول في البلدية.
فهي تتخذ العديد من القرارات بشأن المساحات العامة والتنقل والتخطيط، كما تدير تنظيف الشوارع والمدارس والخدمات الاجتماعية.
ويعد مبنى البلدية وجهة المواطن الأولى في جميع أنواع الإجراءات الإدارية، من تصاريح وقوف السيارات إلى طلبات الجنسية.
وهذه الانتخابات هي فرصة للأحزاب البلجيكية للدخول في ائتلافات تدافع عن الإسكان بأسعار معقولة والتعليم الجيد والأحياء النظيفة والأكثر أمانا.
"حل مشكلات الناس"
وضمن هذا السياق، تحدثت غنوم عن مشاريعها القادمة في البلدية بقولها "بما أني نجحت بمنطقة صغيرة فسأهتم بالعمل الخدمي وسأركز على حل مشكلات الناس الخدمية والحياتية، بالإضافة لدعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة ضمن الإمكانيات المتاحة".
وأشارت في حديث لـ "تلفزيون سوريا" المعارض أنه "على المستوى المستقبلي، سيكون هدفي إذا نجحت بالانتخابات الإقليمية القادمة تغيير قانون العمل المجحف وخفض الضرائب، الأمر الذي سيفيد الاقتصاد بشكل عام وبالتالي ينعكس بشكل إيجابي على أهل البلد والقادمين الجدد".
أما فيما يخص القادمين الجدد، قالت غنوم "سأحاول قدر المستطاع مساعدتهم بالأمور الإدارية والقانونية وأن أكون قربهم فيما لو احتاجوني وهذا ما كنت أفعله قبل الانتخابات وسأستمر بذلك حسب الإمكانيات والسلطة الممنوحة لي".
ويدعو "الحزب القومي الفلمنكي" إلى استعادة السيطرة على الحدود، وأن يجرى تقديم طلب اللجوء وتوفير المأوى والحماية خارج الاتحاد الأوروبي، أي في المنطقة التي قدم منها اللاجئ.
كما يطالب بعدم منح حق اللجوء والإقامة لأي شخص يحاول الدخول إلى الأراضي الأوروبية بشكل غير قانوني، ويريد أن يصبح "اللجوء نعمة وليس حقا مكتسبا".
وتأتي هذه النتائج التي تؤكد سرعة الاندماج في المجتمعات الأوروبية لدرجة دخول المعترك السياسي والمنافسة الديمقراطية في ظل عودة قضايا الهجرة لتطغى على جدول أعمال الاتحاد الأوروبي، بدفع خاص من أحزاب اليمين المتطرف التي تسجل تقدما انتخابيا في كثير من دول أوروبا.
لا سيما أيضا بعد اعتماد الاتحاد الأوروبي في مايو/أيار 2024 ميثاق الهجرة واللجوء الذي يُفترض أن يدخل حيز التنفيذ منتصف عام 2026، مع تشديد التدقيق على الحدود وإنشاء آلية تضامن بين الدول الـ27 في معالجة طلبات اللجوء.
ويؤكد مهتمون بقضايا اللجوء أن سرعة الاندماج للاجئ والتفاعل مع المجتمع الجديد وتعلم اللغة والالتزام بالقوانين هو أسرع الطرق للحصول على المواطنة والتأثير في المجتمع.
وفي مثال على ذلك، ترشح شابان سوريان للانتخابات البرلمانية البلجيكية في يونيو/حزيران 2024 على قائمة "الحزب الاشتراكي التقدمي"، إلا أن الحظ لم يحالفهما في دخول قبة البرلمان.
وحينها قال المرشح دارا الشيخي الذي ينحدر من محافظة الحسكة أن سبب ترشحه على قوائم “الاشتراكي التقدمي”، هو أن “الحزب يؤمن بأن الجميع في المجتمع يجب أن يكون لديهم تكافؤ في الفرص إضافة إلى ضرورة تقوية الفئة الضعيفة لأنها بحاجة لمساعدة أكبر”.
وأضاف في تصريحات صحفية أن "هذا الحزب هو الذي بنى القطاع الصحي في بلجيكا على مدى أكثر من 50 سنة، وأنا خلال مرضي شعرت بأهميته كوني لم أتكلف أي مبالغ مالية خلال فترة علاجي المكلفة جدا".
شواهد الاندماج"
ومن شواهد اندماج السوريين في المجتمع البلجيكي، استقبال ملك بلجيكا فيليب ليوبولد ماري، مطلع أكتوبر 2023 امرأة سورية تدعى نادية كوزم (57 عاما) تكريما لما قدمته من "أعمال تطوعية" في المجتمع البلجيكي لا سيما إزاء القادمين الجدد من اللاجئين في البلد الأوروبي.
وبعد فرار ناديا مع عائلتها من سوريا عقب عام 2011 عاشت في مدينة أوستند التابعة لمقاطعة فلاندرز الغربية.
وهناك نشطت في توزيع المواد الغذائية على المحتاجين كما نظمت محادثة باللغة الهولندية للقادمين الجدد من "اللاجئين"، وفق ما ذكرت صحيفة "نيوزبلاد" البلجيكية.
كما لاقت مبادرة أطلقها لاجئان سوريان عام 2022 لتقديم الطعام للفقراء والمحتاجين في بلجيكا كـ "رد للجميل" إعجابا من الإعلام البلجيكي في الدولة الأوروبية التي تحتضن آلافا من اللاجئين السوريين.
وبحسب ما ذكرت "صحيفة الأخبار" البلجيكية في نوفمبر/تشرين الثاني 2022، فإن اللاجئين السوريين عماد وعلي خليف أعلنا عن مبادرة لتقديم وجبات مجانية في مطعمهما للأشخاص الفقراء في بلجيكا.
ووصل اللاجئان السوريان إلى بلجيكا عام 2016 والآن بعد أن أصبح لديهم مطعم، فإنهما يريدان رد شيء من الجميل لمن يحتاجونه.
ويبدو أن بصمة اللاجئين السوريين الإيجابية في الدول الأوروبية التي وصلوها فرارا من آلة نظام بشار الأسد العسكرية ضدهم، تعكس رغبتهم في بدء حياة جديدة تسهم في بناء المجتمعات التي لجؤوا إليها.
وحينما أبرمت إيطاليا بقيادة جورجيا ميلوني، رئيسة الحكومة وزعيمة حزب "إخوة إيطاليا" اليميني المتطرف، اتفاقا مثيرا للجدل مع ألبانيا في نهاية عام 2023، لمعالجة ملفات المهاجرين الذين يتم اعتراضهم في المياه الإيطالية وإبعاد المرفوضين، انتقد العديد من المسؤولين الأوروبيين هذه الفكرة.
وقال رئيس الوزراء البلجيكي ألكسندر دي كرو خلال قمة في بروكسل في 18 أكتوبر 2024 إن هذه "المراكز" "لم تثبت أبدا في الماضي" أنها "فعالة وكانت دائما مكلفة جدا".