على غرار "فاغنر" الروسية.. ماذا تعرف عن مليشيا "الرجال الزرق" الصينية؟

8 months ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع القلق الأميركي والغربي من تصاعد النفوذ الصيني في المياه الإقليمية والعالمية، بدأت دوريات غربية تشير إلى مخاطر مليشيا متنامية منذ سنوات في الصين يُطلق عليها " الرجال الزرق".

هذه المليشيا تعمل بالتبعية لحكومة الصين على غرار شركة مرتزقة "فاغنر" التي أسستها موسكو للقيام بمهام لا يرغب الجيش الروسي في الظهور علانية فيها، كما أن بكين تنفي وجودها حين تُسأل عن هذه المليشيا.

وتُسمى "المليشيا البحرية للقوات المسلحة الشعبية الصينية" (PAFMM)، وتعمل في المياه الساحلية للصين، خاصة بحر الصين الجنوبي.

وتلعب دورا مركزيا قد يكون أكثر حسما من وجود بحرية "جيش التحرير الشعبي" التقليدية، نظرا لعملها السري في مناطق نزاعات، خصوصا مع جيرانها دون شن حروب بما يستهدف السيادة البحرية الصينية على المنطقة بهدوء.

ويغطي بحر الصين الجنوبي مساحة أكثر من ثلاثة ملايين كيلومتر مربع، وتمر من خلاله سنويا أكثر من خمسة تريليونات دولار من التجارة، وبه مخزونات ضخمة من النفط والغاز.

وتتنازع عليه سبع دول تطالب بالسيادة على أجزاء منه، لكن الصين تطالب بالسيادة على كل المياه الغنية بالطاقة فيه تقريبا، وأقامت مواقع عسكرية على جزر اصطناعية هناك، وفق وكالة "رويترز" البريطانية في 9 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

الرجال الزرق

وتتنازع 7 دول مطلة على بحر الصين الجنوبي، وعلى وجه التحديد الصين وفيتنام والفلبين وتايوان وماليزيا وبروناي، بجانب إندونيسيا، السيادة على مناطق منه منذ عدة قرون، ولكن التوترات في المنطقة تصاعدت في الآونة الأخيرة.

وتطالب غالبية دول جوار الصين بالسيادة على بعض الجزر والأراضي البرية في محيط بحر الصين الجنوبي.

وتتمسك فيتنام بالسيادة على جزر باراسيل وسبراتلي، وتطالب الفلبين بالسيادة على جزيرة أيونجين بحكم قربها الجغرافي الشديد منها.

وتطالب ماليزيا وبروناي بأراضٍ برية في بحر الصين الجنوبي، لأنها تقع ضمن المياه الاقتصادية لهما على النحو المحدد في اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار. 

ومقابل هذه المطالب، تقول الصين إن مجمل هذه الجزر والأراضي البرية الواقعة في المنطقة، تعود لها منذ قرون ماضية، عندما كانت سلاسل جزر باراسيل وسبراتلي جزءا لا يتجزأ من "الأُمة الصينية".


 

وفي سياق محاولاتها لفرض سيادتها الإقليمية على هذه المناطق المتنازع عليها وأغلبها جزر بحرية، سعت الصين للسيطرة على أجزاء واسعة من هذا البحر عن طريق تشييد الجزر الاصطناعية فيه وتسيير الدوريات في مياهه.

وتصر بكين على سيادتها على 90 بالمئة من بحر الصين الجنوبي، بينما تعترض دول مجاورة مثل الفلبين وماليزيا وبروناي وإندونيسيا وسنغافورة وفيتنام على مطالبات بكين في المنطقة.

ولتفادي الدخول في حروب مع هذه الدول المتنازعة معها، بدأت تظهر في هذه المنطقة البحرية منذ بضع سنوات، قوارب صيد أشبه بقوارب القوات البحرية الصينية عليها صيادون، لكنهم في واقع الأمر مليشيات بملابس مدنية تابعة للصين.

هذه القوارب والقوات أطلق عليها الإعلام الغربي "مليشيا الرجال الزرق" أو "المليشيا الزرقاء" وقالوا إنهم مرتزقة رسميون تابعون للصين، على غرار مليشيا "فاغنر" التابعة وتنفذ مهامه القذرة بطرق سرية.

ودعمت الولايات المتحدة حقوق هذه الدول السبعة في بحر الصين الجنوبي، ضمن سيادة حصار نفوذ بكين الإقليمي الذي يضر حلفاء أميركا في المنطقة.

ودعت واشنطن عدة مرات الصين لسحب سفنها من مناطق التوتر مع الفلبين وتايوان وغيرها، وحدثت عدة احتكاكات بين بحريتها ونظيرتها الصينية، نتيجة دخولها المنطقة الاقتصادية الخالصة للصين، لكن ظل النزاع يدار على طريقة "المليشيات الزرقاء".

وغالبا ما تندد وزارة الخارجية الأميركية بالأفعال الصينية في بحر الصين الجنوبي، وقالت إن التوترات في هذه المنطقة نُفذت على يد خفر السواحل و"مليشيا بحرية"، وتتهم الصين بتهديد السلام والاستقرار الإقليمي.

ماهية وتاريخ

بحسب تقرير لمحطة "سي إن إن" الأميركية في 12 أغسطس/آب 2023، تمتلك هذه المليشيا المعروفة باسم "الرجال الزرق الصغار"، مئات القوارب، يُزعم أن الجيش الصيني هو من يمولها ويسيطر عليها.

ويقول خبراء غربيون إنها "قوة لا يستهان بها"، إذ يمكن استخدامها لحصار أي جزر أو مناطق متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، وتعمل بمفردها أو بالتنسيق مع خفر السواحل الصيني، أو القوات البحرية التابعة للجيش، بحسب "سي إن إن".

ووفق تقارير لموقعي "جيوبوليتيكال مونيتور" في 15 ديسمبر 2023، و"معهد البحرية الأميركي" في نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، تعد العديد من قوارب الصيد الصينية بمثابة أعضاء رسميين أو فعليين في هذه المليشيا البحرية التابعة.

وأن هذا يجعلها مثالية للعمليات في المناطق الرمادية، مثل بحر الصين الجنوبي، دون إثارة مواجهة عسكرية مباشرة أو حروب، أي تنفيذ "أدوار قذرة" بشكل غير رسمي لصالح بكين.

وأوضح "جيوبوليتيكال مونيتور" في 15 ديسمبر 2023، أن هذه المليشيات ليست سوى "خفر سواحل مدني" زائف، بغلاف عسكري، تشارك في عمليات المنطقة الرمادية.

ونقل الموقع عن خبير كلية الحرب البحرية الأميركية، أندرو إريكسون، تقديره أن عدد السفن الكبيرة التابعة لمليشيا "الرجال الصغار الزرقاء" في حدود 84، وذلك، بخلاف ثلاثة آلاف سفينة صغيرة.


 

وتتشكل هذه المليشيا من "مزيج من العمال البحريين، الذين يتلقون تدريبا عسكريا مشابها للاحتياطي أو الحرس الوطني، يؤهلهم لاحقا للاستدعاء، مع مجندين عسكريين تقليديين بدوام كامل بلباس مدني لفرض سيطرة بكين على المياه المتنازع عليها".

وأكدت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 22 مارس/آذار 2021 أن "طواقم هذه القوارب يتقاضون رواتب كاملة، وتم تجنيدهم جزئيا من منتسبين سابقين في الجيش الصيني".

كما "تحتوي هذه السفن على خزانات للأسلحة، ويحمل أفرادها أسلحة خفيفة".

وترجع تسميتها "المليشيا البحرية للقوات المسلحة الشعبية" إلى ما أطلقته عليها وزارة الدفاع الأميركية، لأن الصين لا تعترف بوجود هذه المليشيا أصلا حتى لا تتحمل نتائج أعمالها السرية.

ورغم رصد صحف غربية ظهور هذه المليشيا الزرقاء بقواربهم التي تشبه قوارب الصين بجوار قوات البحرية الصينية في أي منازعات ببحر الصين الجنوبي، تنفي بكين علاقتها بهم وتقول إنهم "صيادون" يحتمون في خفر السواحل الصيني.

ويشير موقع "جيوبوليتيكال مونيتور" إلى أن هذه المليشيا تم إنشاؤها بعد فترة وجيزة من الحرب الأهلية الصينية (1927– 1949)، وكانت في معظمها تضم صيادين غير مدربين للدفاع عن البلاد، وتم استخدامها أيضا في محاولات استعادة الجزر الساحلية من حزب الكومينتانغ خلال الخمسينيات (أزمة مضيق تايوان الأولى والثانية).

أدوار المليشيا

خلال توتر في المنطقة بين الصين والفلبين في أغسطس 2023، اتهمت مانيلا بكين باستخدام هؤلاء الرجال الزرق لارتكاب أفعال "غير قانونية وخطيرة"، مؤكدة أنها "تابعة للجيش الصيني".  

وكانت مانيلا قد اتهمت خفر السواحل الصيني في 6 أغسطس 2023 بإطلاق خراطيم المياه على زوارق تابعة لخفر سواحلها في بحر الصين الجنوبي المتنازع عليه، فيما قالت بكين إنها اتخذت "الإجراءات الضرورية" ضد سفن دخلت مياهها بشكل "غير قانوني".

وحملت أغلب السفن الصينية شعار خفر السواحل الصيني، لكن كان هناك قاربان على الأقل يشبهان في هيكلهما قوارب الصيد.

وقال خبراء غربيون بحريون لشبكة "سي إن إن" إن "مراكب الصيد هذه مرتبطة بالجيش الصيني، وتعمل لصالح بكين بشكل غير معلن، لعرقلة حركة سفن الفلبين ومحاصرتها في بعض الأحيان في المنطقة المتنازع عليها".

وقال خفر السواحل الفلبيني في بيان حينئذ، إن مراكب الصيد الصينية ليست مجرد مركب صيد، بل "مليشيا بحرية صينية تتلقى الأوامر من خفر السواحل الصيني، لدعم عملياتهم".

وطالب وزير الدفاع الفلبيني، ديلفين لورينزانا، بكين في 5 مارس 2021 بسحب نحو 220 قاربا "لمليشيات صينية" شوهدت راسية في المنطقة المرجانية التي تسمى "ويتسون ريف".


 

ووصف الرئيس الفلبيني، بونغ بونغ ماركوس، وجود البحرية الصينية في بحر الصين الجنوبي "مثير للقلق"، وفق وكالة "رويترز" في 28 فبراير 2024.

فيما نشرت مجلة "فورين بوليسي" الأميركية في 22 مارس 2021، أدلة على أن القوارب الصينية التي رصدتها الفلبين هي "قوارب لمليشيات مسلحة تم تدريب أفرادها".

وأوضحت أن هذه القوارب "لم يتم رصدها وهي تقوم بالصيد على عكس ما زعم الصينيون، وشوهدت وهي تصدر أضواء قوية أثناء الليل".

وأضافت "لا يهم حقا ما إذا كانوا يحملون أسلحة صغيرة أم لا، فبالنسبة لعمليات المنطقة الرمادية (المتنازع عليها) التي يتم فيها تكليف سفن وأطقم المليشيا بالاشتباك، فإن السفن نفسها هي السلاح الرئيس".

حرب بلا دخان

ويقول خبراء إن "الصين تبقي عملياتها بحيث لا تصل إلى مستوى المواجهة التي ستتطلب حينها ردا، في ظل اتفاقية الدفاع المشترك بين الفلبين والولايات المتحدة". 

وتؤكد تقارير غربية أن هذه القوارب التي تمتلئ بالرجال الزرق "هي نفسها التي ظهرت عام 2021 في منطقة (ويستون ريف) غير المأهولة، وهي محل نزاع بين الصين والفلبين وفيتنام في بحر الصين الجنوبي، ضمن أدور بكين لضمان نفوذ البحري والإقليمي الصيني.

ويشير تقرير لمجلة "إيكونوميست" البريطانية 29 يونيو/حزيران 2023 لوجود إستراتيجية لدي بكين للسيطرة على بحر الصين الجنوبي تسعى من خلالها لتأكيد سيادتها على بحر الصين الجنوبي، المتنازع عليه.

وهذه الإستراتيجية تتستر بـ"حطام السفن الصينية في المنطقة" كدليل على سيادتها عليها.

وأوضح أن الصين، من أجل تأكيد هذه السيادة، تستخدم بجانب سلاحي البحرية وخفر السواحل والمليشيا الزرقاء إستراتيجية ناعمة هي "حطام السفن الصينية القديمة" في المنطقة للإشارة إلى حدودها التاريخية.

ويشير تقرير إيكونوميست إلى أن بكين تحاول خلق قضية تاريخية من خلال عرض الخرائط والنصوص الصينية القديمة التي تشير إلى البحار الجنوبية.

وتعزز مسألة حطام السفن الحجة التاريخية، ووفقا لمنطق الصين، فإن حطام السفن الصينية القديمة يشير إلى الأراضي التي كانت الدولة تسيطر عليها في الماضي وبالتالي يجب أن تستمر هذه الحدود.

ويطلق الإستراتيجيون الصينيون على تحدي بكين للأعراف الدولية وصف "حرب بلا دخان"، وفق "معهد البحرية الأميركي" في نوفمبر 2022، ربما في إشارة إلى دور هذه المليشيات في تحقيق أهداف الصين في المياه الإقليمية المتنازع عليها.