رفضه السنة وأقره الشيعة.. هل يشعل "عيد الغدير" حربا طائفية في العراق؟

يوسف العلي | 6 months ago

12

طباعة

مشاركة

رغم رفض الفعاليات السنية السياسية والدينية في العراق، مررت القوى الشيعية في البرلمان، قانونا يشرّع ما يسمى بـ"عيد الغدير"، ضمن العطل الرسمية للبلاد، الأمر الذي ينذر بعودة التصعيد الطائفي في البلد الذي شهد سنوات من الاقتتال على الهوية راح ضحيتها مئات الآلاف.

وصوت البرلمان في 22 مايو/ أيار 2024، على قانون العطل الرسمية للبلاد، بينها عطلة ما يسمى "عيد الغدير"، وذلك في ظل مقاطعة الكتل البرلمانية السنية للجلسة، وغياب شخصية سنية ترأس جلسات المجلس، إذ يديرها نائبه الأول الشيعي محسن المندلاوي.

وفي 18 ذي الحجة من كل عام هجري، يحتفل الشيعة بما يسمى "عيد الغدير"، مدّعين بذلك أن خلافة رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الأحق بها ابن عمه الصحابي علي بن أبي طالب وذريته من بعده، وليس الخلفاء الراشدون الذين تولوا الخلافة بعد وفاة النبي.

ويستند الشيعة بذلك على حديث للرسول محمد صلى الله عليه وسلم، قال فيه: "من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم والِ من والاه، وعادِ من عاداه"، رغم أن النص النبوي لا يظهر فيه ما يمكن أن يُعد إعطاء قيادة الأمة الإسلامية بشكل حصري أو عام لعلي وذريته من بعده.

تصعيد مباشر

عقب تصويت البرلمان على القانون، أمر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر أتباعه مباشرة بالتوجه إلى المساجد ورفع "راية الغدير"، والصلاة ركعتين شكرا لله، ورفع نداء "أشهد أن عليا ولي الله" في مكبرات الصوت، واصفا إياه بـ"عيد الله الأكبر". 

وقال الصدر، خلال منشور له على منصة "إكس" في 22 مايو، إنه “صار لزاما على العراقيين أجمع لا سيما أبناء التيار الوطني الشيعي التوجه إلى المساجد رافعين راية الغدير، ومتشحين بالوشاح الأخضر؛ للصلاة ركعتين شكرا لله تعالى، ورفع الشهادات الثلاث من منائرها: ”أشهد أن لا اله إلا الله، أشهد أن محمدا رسول الله، أشهد أن عليا ولي الله".

وتابع: "كل ذلك في أقرب مسجد ممكن مع عدم التعدي على الآخرين وعلى مسؤولي المساجد، فإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا. ويمنع إطلاق العيارات النارية منعا باتا".

وبناء على توجيهات الصدر هذه، اقتحمت مجموعة من أنصاره عددا من مساجد أهل السنة في العاصمة بغداد وتحديدا جامع الرحمن بمنطقة الزعفرانية، ورقصوا في حرمها، على أنغام هتافات طائفية تتعلق بـ"عيد الغدير"، حسب مقطع فيديو تداوله ناشطون في 22 مايو.

وعلى ضوء ذلك، صدرت توجيهات أمنية بالمنع البات لدخول أي شخص إلى الجوامع التابعة إلى الوقف السني واستخدام المكبرات للاحتفالات بمناسبة جعل "يوم الغدير" عطلة رسمية، وتنسب تأمين الحماية لها فورا"، حسبما أوردت وكالة "بغداد اليوم" في 23 مايو.

ونقلت الوكالة المحلية عن مصدر أمني (لم تكشف هويته) أن "قوة من وزارة الداخلية توجهت إلى عدد من المساجد في بغداد ووضعت عشرة عناصر من قوات حماية المنشآت بداخلها مع أسلحتهم ودورية ثابتة عند باب كل مسجد تحسبا لأي طارئ".

من جانبه، قال رئيس تحالف "السيادة" السني، خميس الخنجر، إن "الاعتداء على بيوت الله وترويع المصلين الآمنين سلوك مرفوض ويعرض أمن البلاد والسلم المجتمعي إلى مخاطر جمّة".

وأضاف الخنجر عبر "إكس" في 23 مايو، قائلا: "نخاطب العقلاء من أبناء العراق كافة إلى موقف مسؤول لوأد الفتنة"، داعيا "الحكومة بجميع مؤسساتها إلى حماية مكتسباتها الأمنية واتخاذ الإجراءات القانونية بحق كل من تسول له نفسه العبث بالأمن العام وسلامة المواطنين".

تداعيات محتملة

وبخصوص ما إذا كان تشريع "عيد الغدير" عطلة رسمية للاحتفال به، سيعقبه تداعيات تعيد التوتر الطائفي في البلاد، قال الباحث في الشأن السياسي العراقي، بهاء الدين البرزنجي، إن "إقرار هذا القانون له ما بعده، ولن يكتفي الفاعل السياسي الشيعي إلى هذا الحد".

وأوضح البرزنجي لـ"الاستقلال" أن "تشريع القانون هذا على أساس طائفي بعد 20 عاما من حكم الشيعة للعراق، جاء لأهداف سياسية، وأن استغلاله لا سيما مع الانتخابات أمر حتمي، وبذلك سيطالبون بتشريع قوانين أخرى، وزج مثل هذه المناسبة في المناهج الدراسية".

وأكد أنه "إذا لم تكن هناك حالة سنّية مكافئة سواء في البرلمان أو بالمجتمع، فإن دائرة المطالبات الشيعية والتشريعات على أساس طائفي تستغل للأهداف السياسية، ستتوسع في المرحلة المقبلة، وهذا قد يعيدنا إلى حالة التوتر الطائفي، التي دائما ما يشعلها التيار الصدري ويكون أداتها".

وفي السياق ذاته، استغرب الكاتب العراقي، صادق الطائي، في مقال نشرته صحيفة "القدس العربي" في 24 مايو، أن "يصدر مشروع العطلات الرسمية بهذه الصيغة، من حكومة تؤكد أنها تسعى إلى الحلول، وإعلاء شأن الهوية الوطنية، وتكريم رموزها، والاحتفاء بالمناسبات الوطنية".

ولفت إلى أن "الرفض السني لإقرار عطلة عيد الغدير كمناسبة وطنية متواصل، وفي هذا السياق جاء تلويح بعض الأصوات السنية، كرد فعل طائفي، بالمطالبة بإقرار ذكرى يوم السقيفة الذي آلت فيه الخلافة بعد وفاة النبي محمّد (صلى الله عليه وسلم) إلى الصحابي أبي بكر الصدّيق (رضي الله عنه)، كعيد وطني وعطلة رسمية في العراق".

وأشار الطائي إلى “بعض الأصوات المعتدلة اقترحت حلا للخروج من الأزمة الطائفية عبر تولي مجالس المحافظات تشريع قوانين تتلاءم مع توجهات ساكنيها، ويمنح القانون العراقي بالفعل الحكومات المحلية السلطة لإعلان يوم عطلة تقتصر على ساكني المدينة دون غيرها، لأسباب مختلفة”.

واستطرد متسائلا: "هل سيتمكن الفرقاء من تجاوز هذه الأزمة الطائفية؟".

وبموازاة ذلك، طالبت النائبة عن كتلة "صادقون" التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق"، زينب الموسوي، وزارتي التربية والتعليم العالي بإضافة مواد دراسية تبين سيرة علي بن أبي طالب، و"عيد الغدير" بالمناهج ضمن المناهج الخاصة بالوزارتين .

ونقل موقع "صادقون" عن الموسوي في 24 مايو، قولها إن "أعضاء البرلمان قاموا بأقل الواجبات البرلمانية تجاه الإمام علي وأمام الشعب عندما قاموا بالتصويت على قانون العطلات الرسمية الذي يتضمن عطلة وطنية عيد الغدير".

رفض سني

وبدأ الحراك الشيعي نحو تشريع هذا القانون، بعد دعوة وجهها زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى البرلمان في 19 أبريل/ نيسان 2024، لجعل "يوم الغدير" عطلة رسمية في عموم البلاد.

وقال الصدر، في بيان، إنه "بأمر من الشعب والأغلبية الوطنية المعتدلة بكل طوائفها: يجب على مجلس النواب تشريع قانون يجعل من الثامن عشر من شهر ذي الحجة عيد الغدير الأغر عطلة رسمية عامة لكل العراقيين بغض النظر عن انتمائهم وعقيدتهم".

وزعم أن "هذا الأمر فيه نصرة للدين والمذهب والعقيدة والوطن ولكل محبي الاعتدال من الشيعة والسنة والمستضعفين الذين دافع عنهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب".

على ضوء الحراك الشيعي، أعربت القوى السنية عن غضبها من محاولة تشريع أي قانون من شأنه أن "يغذي الانقسام المجتمعي" في البلاد، محذرين من تبعات فرض مناسبات ذات أبعاد طائفية يعتقد بها مكوّن واحد على كل شرائح المجتمع. 

وشدد الشيخ أحمد حسن الطه، كبير علماء المجمع الفقهي العراقي (أكبر مرجعية دينية للسنة)، على ضرورة "تعزيز التعايش السلمي بين مكونات الشعب، والابتعاد عن تشريع أي قانون يغذي الانقسام المجتمعي، ويهدد الهوية الوطنية والقيم الأصيلة، لا سيما أن العراق يشهد استقرارا وازدهارا نسبيا منذ سنوات".

جاء ذلك خلال استقبال الطه، رئيس لجنة الأوقاف والعشائر في البرلمان، النائب حسين اليساري، الذي أثنى على جهود المجمع الفقهي في الإصلاح المجتمعي، و"التميز بخطابه الديني المعتدل في مواجهة الأفكار المتطرفة والمظاهر الدخيلة على المجتمع"، وفق بيان للمجمع في 2 مايو 2024.

وفي السياق ذاته، قالت حركة "العدل والإحسان"، الذراع السياسي للإخوان المسلمين في العراق، إنها تشعر بقلق بالغ تجاه التحركات السياسية بخصوص مقترح "عيد الغدير"، والذي يتناقض مع الدستور ومصالح البلد العليا ويتعارض مع ما يتطلبه المجتمع من احترام متبادل في الحقوق والحريات.

وأعربت الحركة خلال بيان لها في 30 أبريل، عن اعتقادها بأن "هذه الدعوة تحمل أبعادا طائفية تثير الفرقة بين أبناء البلد الواحد، فضلا عن الأبعاد السياسية في تحقيق المكاسب الفئوية"، داعية إلى "التصدي لمحاولات إعادة إنتاج الصراع الطائفي والعنصري البغيض".

وأصدر حزب السيادة، أكبر القوى العربية السنية في العراق، بيانا في 2 مايو، حذّر فيه من "تحول النظام السياسي تدريجيا إلى نظام دولة ثيوقراطية (حكم رجال الدين أو الحكم الديني)"، مشيرا إلى "محاولات تشريع أعياد دينية لا تنال الإجماع الوطني بسبب الطبيعة التعددية الاجتماعية والمذهبية والدينية التي يعرف بها العراق".

وتابع: "إننا إذ نحترم المدارس الدينية والمذهبية بمختلف مرجعياتها، لكننا نرفض فرضها على المجتمع العراقي المتعدد كتشريع ملزم"، مقترحا أن "تتولى مجالس المحافظات بعينها تشريع القوانين ذات البعد الديني بما يتلاءم مع توجهات أبنائها".

بدوره، طالب حزب "متحدون" السني، بزعامة رئيس البرلمان الأسبق أسامة النجيفي، خلال بيان له في 2 مايو، أعضاء البرلمان بمقاطعة أي جلسة تشرع المقترح المتعلّق بـ"عيد الغدير".

وأكد الحزب السني أنّ "عيد الغدير أو عيد الولاية، وحسب السردية التي يعتنقها الفقه الشيعي، يُكفَّر من لا يعتقد بذلك، وهذا يعني أن اعتماد سردية طائفية تكفر نصف الشعب العراقي أمر في غاية الخطورة، بل إنه ينسف الهوية الوطنية التي تجمعنا جميعا". 

كما اعترض الحزب الإسلامي العراقي على مقترح القانون، وقال خلال بيان له في 30 أبريل، إن "المقترح لا يتوافق مع احتياجات العراق اليوم، وهذه مناسبة لها خصوصيتها لدى مكون دون آخر"، مؤكدا أن "المناسبة ستعيد إنتاج دوامة الفعل وردة الفعل بما لا يخدم المصلحة الوطنية العليا للبلاد".