إذاعة "أبراهام".. خطوة جديدة في مسلسل الاختراق الصهيوني لنسيج المجتمع المغربي؟

"هذه الإذاعة محاولة مكشوفة لاستغلال المنصات الإعلامية لنشر السردية الصهيونية”
يواصل تيار “كلنا إسرائيليون” في المغرب، العملَ على اتخاذ خطوات تطبيعية جديدة، وآخرها الإعلان عن إذاعة موجَّهة تحت مبرر “التعايش والحوار”.
وأعلنت إذاعة "ميد راديو"، لصاحبها أحمد الشرعي، في 24 فبراير/شباط 2025، عن إطلاق "راديو أبراهام"، قائلة: إنه "جسر بين الثقافات وصلة وصل للتآخي والتفاهم".
وعُرفت إذاعة "ميد راديو" بدعمها لتطبيع المغرب وإسرائيل، وموالاة جيش الاحتلال في حربه الدموية ضد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
جدير بالذكر أن أحمد الشرعي كتب مقالا تحت عنوان "كلنا إسرائيليون" بموقع "جيروزاليم بوست" في 8 أكتوبر 2023، يدافع فيه عن إسرائيل ويهاجم المقاومة، ويحرض عليها الدول العربية والغربية.
تغلغل صهيوني
وقالت الإذاعة عبر منشور: "في عالمنا المعاصر؛ حيث تتلاقى الحضارات وتتباين الأفكار، ينطلق راديو أبراهام كمنارة للأمل، يشق طريقه بهدوء وثقة".
ورأت أن "راديو أبراهام ليس مجرد إذاعة عادية، بل هو مبادرة جريئة تسعى إلى تعزيز السلام والحوار، ونشر بذور التفاهم والازدهار في عالم مليء بالتحديات".
واسترسلت: "وفي ظل الحاجة الملحة اليوم إلى منصات تشجع الحوار وتبني الجسور، يبرز هذا المشروع كمبادرة رائدة، خصوصا في الشرق الأوسط، هذه المنطقة التي لطالما كانت مهدا للحضارات وملتقى للأديان".
وفي تفاعل مع ذلك، أكدت صفحة باسم "حراس الفضيلة"، أن الإعلان عن إطلاق إذاعة "أبراهام"، أثار استياء واسعا في المغرب، خاصة من لدن القوى المناهضة للتطبيع، مشيرة إلى أن الإذاعة “تسعى إلى التغلغل في المشهد الإعلامي المغربي”.
وشددت الصفحة عبر منشور على "فيسبوك" في 25 فبراير 2025، أن هذه المبادرة الإعلامية “تعكس توجها تطبيعيا مرفوضا من قبل شريحة واسعة من الشعب المغربي، الذي لطالما عُرف بدعمه الثابت للقضية الفلسطينية ورفضه القاطع لكل أشكال التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي”.
ورأت أن "راديو أبراهام" يمثل محاولة مكشوفة لتطويع الرأي العام المغربي واستغلال المنصات الإعلامية لنشر السردية الصهيونية.
وذكرت أن أحمد الشرعي، الذي يعد أحد الأسماء البارزة في هذا المشروع، “يُتهم بالوقوف وراء الترويج لأجندات تطبيعية تخدم مصالح الكيان الصهيوني، من خلال دعم منصات إعلامية تعمل على تقديم إسرائيل بصورة إيجابية وتجميل وجه الاحتلال”.
وأردفت: "يُعتقد أن هذه التحركات الإعلامية تهدف إلى تغيير مواقف المغاربة تدريجيا إزاء القضية الفلسطينية، ومحاولة زرع أفكار تتعارض مع الهوية الوطنية والثقافية للمغرب".
وشددت على أن هذا التغلغل الإعلامي “أثار تساؤلات حول الأجندات الخفية لبعض المؤسسات والشخصيات التي تدّعي دعم السلام بينما تعمل على طمس الحقائق والترويج لمحتوى يتعارض مع قيم المجتمع المغربي”.
وتابعت: "كما أن توقيت إطلاق راديو أبراهام في ظل التصعيد الإسرائيلي ضد الفلسطينيين يزيد من الشكوك حول نوايا هذه المبادرات وارتباطاتها المحتملة بمخططات أوسع لتمرير مشاريع التطبيع على حساب الحقوق الفلسطينية".
وعليه، تقول الصفحة: "تتعالى الأصوات المطالبة بضرورة التصدي لمثل هذه المحاولات، وتوجيه الإعلام المغربي نحو تعزيز الوعي الوطني والدفاع عن القضايا العادلة بعيدا عن التأثيرات الخارجية المشبوهة".
أجندة تخريبية
وأكد الناشط الإعلامي وعضو المجلس الوطني لحزب العدالة والتنمية، حسن حمورو، أن الترويج والتسويق لما يسمى “راديو أبراهام الصهيوني، من طرف منابر صحفية مغربية، تأكيد على وقاحة انخراطها في أجندة التطبيع التخريبية”.
وأضاف حمورو لموقع "العدالة والتنمية"، في 26 فبراير 2025، أنه "إذا كان للدولة تقديرات معينة في موضوع استئناف العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل المجرمة، حَكَمها سياق دولي خاص، فإن الشعب المغربي بمختلف مكوناته وحساسياته، لم يكن يوما مع التطبيع، ولن يكون معه".
واستطرد: "لذلك لن تنطلي عليه كل الحيل والمبررات بما فيها رفع شعارات تتعلق باليهود المغاربة، والاستدعاء الانتهازي لمفاهيم الحوار والتسامح والتعايش، التي لم يكن المغاربة يوما ما في حاجة لتذكيرهم بها؛ لأنهم طبقوها وكانوا نموذجا في العمل بها حقيقة، بفضل تديّنهم بدين الإسلام وتمثلهم لقيمه ومبادئه".
ورأى حمورو أن "ما يسمى راديو أبراهام هو بمثابة حصان طروادة جديد، تحاول الصهيونية من خلاله اختراق المجتمعات الإسلامية ومنها المجتمع المغربي".
وأردف: "لا يُعقل بعد ما كشفت عنه الحرب على غزة من وحشية متأصلة في الصهاينة، أن يتم تصديق شعاراتهم عن الجَد المشترك وعن الحوار والتسامح".
لذلك، يقول حمورو "وجب التصدي لهذا الراديو، وقبله للمنابر الصحفية المغربية التي تروّج وتسوق له؛ لأنها تسهم من حيث تدري أو لا تدري، في ضخّ السموم داخل المجتمع المغربي، هذه السموم ستتحول إلى خلايا سرطانية تهدد بالتفكك وفقدان المناعة".
واسترسل: "دون أن ننسى أن هذه المنابر المغرر بها تستفيد من الدعم المالي العمومي الذي تُقتطع قيمته بدون شك من اعتمادات تمويل برامج ومشاريع المغاربة في حاجة إليها، سواء في الصحة أو التعليم أو التشغيل أو البنية التحتية خاصة بالمناطق النائية".
من جانبه، رأى الناشط المدني حمزة الخالدي، أن إطلاق هذه الإذاعة "هو استفزاز جديد للمغاربة، واستغلال قيم التسامح والانفتاح بالمغرب لأجل إلحاق الضرر بالدولة والمجتمع".
وأضاف الخالدي في مقطع مصور عبر حسابه على منصة “يوتيوب” في 28 فبراير، "يتحدثون عن التعايش والحوار وكأن المغاربة لا يعرفون شيئا عن هذه المعاني، في حين نعلم جميعا من شواهد التاريخ والحاضر أن المغاربة والمسلمين عموما كانوا مصدر أمان لليهود، ولم يشكلوا عليهم أي خطر أو ضرر".
واسترسل: "هذا نداء نوجهه إلى كل حر، أن لا يقبلوا بهذه المهزلة، بصرف النظر عمن يتزعمها"، كما ندعو إلى “عدم قبول هذه المصيبة والكارثة التي ستمرر أشياء مخرّبة للمجتمع وللشعب”.
وأردف: "نحن نتبرأ من هذه الإذاعة، والتي تستهدف تخريب قلوب المغاربة وعقولهم، وتشوه سمعة المغرب ومبادئه".
ونبَّه إلى أن إطلاق الإذاعة يأتي في نهاية المأساة التي رآها العالم جميعا في غزة، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، والتي بينت من هو في حاجة إلى أن يتعلم معاني التعايش والسلام والعدل.
وخلص الخالدي إلى التعبير عن تخوفه من آثار التطبيع الوخيمة على كل القطاعات الحيوية في المغرب، مشددا على أن "هوية المغرب وحضارته ومقدراته ليست مجالات للعب بين أيدي الصهاينة وأدواتهم في البلاد".
الثوابت المغربية
وفي تفاعله مع الخبر، قال الباحث المقاصدي والشرعي، محمد عوام، إن "الدولة تؤكد منذ سنوات على الثوابت المغربية، التي تشكل الوحدة الفكرية والسلوكية والاجتماعية للمغاربة ونظامهم، وأنفقت في ذلك وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية أموالا لتثبيت هذه الثوابت وترسيخها".
وأضاف عوام في مقال نشره عبر موقع “هوية بريس” في 26 فبراير، "وذلك بصرف النظر عما إذا كانت تلك الخطط والأساليب ذات فاعلية وجدوى، وبصرف النظر أيضا إذا كان الإعلام المغربي يستجيب لهذا المنحى أم لا، ويمكن التعويل عليه بجدية".
وأردف: "وها نحن اليوم نعيش ميلاد إعلام جديد، جيء به للترويج للإبراهيمية الجديدة، التي تتقمص دور الاستعمار في ثوب الدبلوماسية الروحية، إنه راديو أبراهام الذي أسسه المدعو أحمد الشرعي، عضو المجلس الإداري لـ(jiss) التي يرأسها العقيد الصهيوني عيران ليرمان مستشار بنيامين نتنياهو".
ورأى عوام أن كل هذا يقع في بلاد المغرب المسلم، مما يؤكد، من خلال التوجه الصهيوني لهؤلاء، وخدمتهم للأجندة الصهيونية في المغرب، أن الدعوة إلى الدين الجديد "الإبراهيمية" سيحتل الصدارة، وسيحظى بالترويج والانتشار.
وتابع: "نحن مقبلون على تغيرات خطيرة جدا، تهدد ثوابت المملكة المغربية، وتنقض عراها، إذا لم يتدارك المسؤولون الغيورون هذا الأمر".
وشدد الباحث الشرعي على أن "المغرب المسلم اليوم يعيش خطر امتداد الأخطبوط الصهيوني، وتوسع الأفعى اليهودية، عبر الوكلاء والمأجورين والعملاء والخونة، الذين أصبحوا لا يستحيون من أنفسهم أن يتلقوا التعليمات من الموساد الصهيوني في واضحة النهار، وعلى ملأ من الناس".
وأردف: "بل إن إخفاء ذلك لم يعد مطلوبا منهم؛ لأنهم أصبحوا محميين، مثل إخوانهم السابقين أيام الاحتلال الفرنسي، فينشرون صورهم الكالحة والبئيسة معهم".
وتساءل عوام عن دور للمجلس العلمي الأعلى كأعلى سلطة للعلماء في المغرب وباقي المجالس العلمية المحلية في كشف زيف الدين الإبراهيمي الجديد ومناقضته للإسلام، والتصدي للمخربين والمأجورين والإعلام الخادم للصهيونية.
اختراق صهيوني
من جانبه، أكد رئيس المرصد المغربي لمناهضة التطبيع، أحمد ويحمان، أن "إطلاق راديو أبراهام من قبل عصابة (كلنا إسرائيليون) لم يكن مجرد حدث إعلامي عابر، بل خطوة أخرى فاضحة على طريق التمكين للاختراق الصهيوني".
وأردف ويحمان لـ"الاستقلال"، بأنها "خطوة متجاوزة هذه المرة، حتى الأقنعة التي حاولت الدعاية الإبراهيمية ارتداءها طيلة السنوات الماضية".
يشار إلى أن الإعلاميين رضوان الرمضاني ويونس دافقير والأستاذ الجامعي عمر الشرقاوي، ينشطون برنامجا تحت اسم "العصابة"، ويصرّحون بدعم التطبيع، كما يروّجون للسردية الصهيونية بالمغرب.
ورأى ويحمان أن "هذه المبادرة لم تأتِ من فراغ، بل جاءت في لحظة حرجة تتضح فيها معالم المشروع الإبراهيمي الاستعماري، ليُثبت هؤلاء الأدوات أن الإبراهيمية ليست سوى الاسم الجديد لـإسرائيل، وأن إسرائيل هي التجسيد العملي لهذه الإبراهيمية".
واسترسل: "لطالما احتجنا لشرح مشروع الإبراهيمية بجهد كبير، محذرين من كونه العنوان الجديد للاستعمار في القرن الواحد والعشرين كما عنونت بذلك الباحثة المصرية المرموقة الدكتورة هبة جمال الدين في إحدى أهم دراساتها المرجعية في هذا الموضوع".
وأضاف ويحمان: "كنا نبذل الجهد في تحليل مفاهيم (المشترك الإبراهيمي)، و(برنامج الولايات العربية المتحدة)، و(مسار إبراهيم)، وارتباطها بما يعرف بـ(صفقة القرن) التي صاغها الجنرال في جيش الحرب الصهيوني غيورا آيلاند، وعمل على فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب منذ ولايته الأولى".
وأردف: "كما كنا نبذل جهدا إضافيا لشرح طبيعة (لجنة المئة)، التي تضم 50 رجل دين من الديانات السماوية الثلاث؛ (اليهودية والمسيحية والإسلام)، و50 دبلوماسيا تابعين لوزارة الخارجية الأميركية، وكيف أن هذه اللجنة تعمل تحت إمرة وزير الخارجية الأميركي شخصيا منذ عهد هيلاري كلينتون".
وأضاف: "لكن لم يعد كل ذلك ضروريا اليوم، فقد تكفلت عصابة (كلنا إسرائيليون) بكشف الحقيقة كاملة. رئيس العصابة بنفسه أخبرنا أن رئيسه صاحب الشعار/ المقال: (كلنا إسرائيليون)، هو نفسه صاحب هذه المبادرة، وبدون الحاجة لأي جهد إضافي تعرف طبيعة المبادرة".
وتابع: "بقليل من التحليل البسيط، يتضح أن رئيس رئيسه ليس سوى العقيد في جيش الحرب الصهيوني عيران ليرمان، الضابط السابق في شعبة الاستخبارات العسكرية الصهيونية (أمان) والمسؤول عن اختراق المنظومات الإعلامية والثقافية في العالم العربي، وبالتالي مهام راديو أبراهام ".
وشدَّد ويحمان على أن "راديو أبراهام ليس مشروعا إعلاميا، بل هو منصة دعائية صهيونية صِرفة، تهدف إلى غسل العقول وتمهيد الأرضية لقبول الاستعمار الصهيوني الجديد بثوب السلام والتعايش".
وأضاف: "إنه إعلان صريح بأن (الإبراهيمية) لم تعد تحتاج إلى وسطاء أو شعارات خادعة، فقد انتقلنا إلى المرحلة العلنية والفضائحية: (إسرائيل) الإبادة الجماعية تتحدث مباشرة إلى العرب، عبر منصاتها وأدواتها، وبدون مواربة".
ورأى الناشط المناهض للتطبيع أن “راديو أبراهام صوت المناولة في خدمة الصهيونية والاختراق الصهيوني الذي قطع أشواطا في التخريب في العقيدة، يستوجب الحذر من مآلاته الخطيرة على الدولة والمجتمع ككل”.