قيود متزايدة.. كيف تهدد سياسة محاربة الهجرة سوق العمل في أوروبا؟

a year ago

12

طباعة

مشاركة

سلطت صحيفة إسبانية الضوء على سياسة الهجرة التي اتبعها الاتحاد الأوروبي طوال السنوات الأخيرة والتي تميزت بقيودها المتزايدة، والتي يتقلص بالتوازي معها، عدد الأيدي العاملة في سوق العمل داخل القارة العجوز. 

وقالت صحيفة الكونفدنسيال الإسبانية إن الحروب التي اندلعت من كييف إلى غزة، والجفاف في القرن الإفريقي، وعدم الاستقرار في منطقة الساحل، والآثار التي خلفتها الكوارث الطبيعية الناجمة عن تغير المناخ؛ قد انتشرت في جميع أركان العالم.

في الأثناء، سُجّلت في العالم، الذي يشهد توترا وتحولا متزايدين، أعداد قياسية من النزوح أو الهجرة؛ فلم يحدث من قبل أن أُجبر هذا العدد الكبير من الناس على مغادرة منازلهم قسرا ولأسباب خارجية. 

خطاب مناهض

على الصعيد السياسي، أصبح الخطاب المناهض للهجرة هو السائد في غالبية العواصم الأوروبية.

لكن في الوقت نفسه، تواجه القارة القديمة معضلة ديموغرافية معقدة للغاية، حيث يتقلص عدد سكانها ويسجل تقدما في السن العام، الأمر الذي يدق أجراس الخطر بشأن نقص العمالة. وهنا، يطرح السؤال نفسه؛ حول ما إذا كانت الهجرة تحديا أم فرصة؟ 

ونوهت الصحيفة بأن أزمة الهجرة لسنة 2015 هزت أسس لائحة دبلن، التي كانت إحدى ركائز سياسة الهجرة الأوروبية لعقود من الزمن.

أمام هذا الوضع، واجه الأوروبيون ظاهرة الهجرة المتزايدة بنوع من الارتجال، وخاصة مع العديد من الاختلافات الداخلية التي لا يمكن التغلب عليها بين الدول السبع والعشرين، وفق الصحيفة.

ووفقا للمنظمة الدولية للهجرة، فقد أكثر من 27 ألف شخص حياتهم في البحر الأبيض المتوسط ​​في السنوات السبع الماضية. وقد أصبح هذا الطريق مقبرة بحرية وأخطر طريق للهجرة في العالم.

وتكشف دراسة للمنظمة ذاتها أن 77 بالمئة من المهاجرين غير الشرعيين تعرضوا للاضطهاد أو الصراع في بلدانهم الأصلية، وربما أجبروا على الوصول إلى أوروبا بشكل غير نظامي بسبب عدم وجود بدائل قانونية.

وفي سنة 2021، حذر البرلمان الأوروبي من أن "تحسين قنوات الهجرة القانونية الكافية من شأنه أن يساعد في الحد من الهجرة غير الشرعية واستغلال العمالة، وتحسين تكافؤ الفرص لجميع العمال وتوفير مسار قانوني لأولئك الذين يفكرون في الهجرة إلى هذه المنطقة". 

180 مليون نازح

خلال السنوات الأخيرة، أُجبر واحد من كل 74 شخصا في العالم على مغادرة منزله هربا من الصراع والعنف. وبحلول نهاية سنة 2022، بلغ عدد النازحين قسرا 180 مليون شخص.

وتمثل هذه النسبة زيادة بأكثر من 19 مليون شخص مقارنة بالسنة الماضية، وهو ما يعادل إجمالي سكان الإكوادور، وفقا لتحذيرات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. زيادة على ذلك، فإن 40 بالمئة من اللاجئين في العالم هم أيضا من القُصّر.

بشكل عام، تقول الصحيفة: "أدى عدم الاستقرار في منطقة الساحل، والحرب في أوكرانيا، والمجاعات التي تفاقمت بسبب أزمة الحبوب والتضخم أو الجفاف الشديد الناجم عن تغير المناخ، إلى تحركات سكانية كبيرة في جميع أنحاء العالم، وأيضا في أوروبا".

وتوقعت دراسة أجراها مركز الإستراتيجية السياسية الأوروبية أنه "نظرا لموقعها الجغرافي، لا يمكن للقارة العجوز استبعاد فترات تتميز بتدفقات هائلة من الناس، خاصة الباحثين عن الحماية أو فرص أفضل، في العقود المقبلة".

لكن هذه التدفقات ستعتمد على كيفية إدارة الاتحاد الأوروبي للوافدين إلى حدوده الخارجية وفعالية إجراءات الموافقة على اللجوء وإعادة التوطين والعودة".

وأوضحت الصحيفة أن الأوروبيين ينظرون إلى ظاهرة الهجرة بعين الشك والمجازفة والكثير من المخاطر.

ومن ألمانيا إلى هولندا، تواصل القوى اليمينية المتطرفة جعل القيود المفروضة على سياسة الهجرة آلة التصويت الكبرى بالنسبة لها للفوز في الانتخابات. ولكن بعيدا عن الخطابة، هناك حقيقة لا يمكن غض الطرف عنها.

إذ أصبح الهرم الديمغرافي للقارة القديمة متفجرا، حيث يستمر متوسط ​​العمر المتوقع في الزيادة على عكس متوسط معدل الخصوبة. ويثار هذا السؤال حول إذا ما كان المشرّع الأوروبي سيكون قادرا على معالجة النقص الإضافي في العمالة دون المهاجرين. 

هجرة العمالة

كشفت الصحيفة أن غالبية المهاجرين المقيمين في أوروبا هم من ذوي المؤهلات العالية.

ووفقا لبيانات من بروكسل، في سنة 2019، عمل حوالي 48 بالمئة من المهاجرين ذوي المؤهلات العالية في وظائف منخفضة أو متوسطة المهارات، مقارنة بحوالي 20 بالمئة فقط من مواطني الاتحاد الأوروبي.

ويعمل المهاجرون من ذوي المهارات العالية في الغالب في خدمات التنظيف أو العمالة المنزلية، على الرغم من أن 62 بالمئة من شركات برمجة الكمبيوتر و43 بالمئة من شركات البناء تشير إلى نقص العمالة، وفق الصحيفة الإسبانية. 

وحذرت عضو البرلمان الأوروبي السويدية عبير السهلاني، من أن "أوروبا القوية والتنافسية تحتاج إلى هجرة قانونية للتصدي بشكل مناسب للتحديات الديموغرافية والاقتصادية التي تواجهها".

وفي بداية هذه السنة، دق رجال الأعمال الإيطاليون ناقوس الخطر، مستنكرين أن البلاد تواجه وضعا حادا حيث تفتقر إلى 48 بالمئة من القوى العاملة.

ولهذا السبب، تعمل بعض الدول الأوروبية، مثل بلجيكا أو أسبانيا، على تصميم إستراتيجيات لتخفيف هذه الفجوة. 

التركيبة السكانية

ونقلت الصحيفة أن عدد سكان أوروبا سينخفض بنسبة ستة بالمئة من الآن وحتى عام 2100. أي أنه في نهاية القرن، سينخفض ​​عدد مواطني القارة القديمة بنحو 27 مليون نسمة، وفقا للبيانات التي كشف عنها مكتب إحصاءات الاتحاد الأوروبي.

في بداية القرن الجديد، سيرتفع عدد الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 100 سنة أو أكثر. وبشكل عام، تدل المؤشرات على قفزة نحو عدد متزايد من السكان الأكبر سنا.

عموما، لا يعد التأثير هينا ويمكن أن يصبح عبئا على الميزانيات الأوروبية ويمثل تحولا هائلا في نموذج الإنتاج.

وتشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أنه إذا كان 70 بالمئة من السكان في سن العمل الآن، فإن هذا الرقم سينخفض ​​إلى 54 بالمئة بحلول سنة 2070. 

ووفقا لأحدث مقياس لـ "يوروباروميتر" (سلسلة من الدراسات الاستقصائية تجري بانتظام نيابة عن المفوضية الأوروبية)، يقدر سبعة من بين كل 10 أوروبيين أن السيناريو الديموغرافي الذي يلوح في الأفق في الاتحاد الأوروبي يشكل خطرا على الرخاء الاقتصادي.

عموما، لا يمكن إنكار أن الاتجاه نحو انخفاض عدد السكان وزيادة شيخوختهم يهدد بالتأثير على الاقتصاد الأوروبي وإضعاف مكانته في العالم.

بالتوازي مع ذلك، تكتسب الدول الناشئة مثل مجموعة البريكس (تكتل اقتصادي سياسي يضم عدة دول) المزيد والمزيد من القوة العالمية، وفق الصحيفة الإسبانية.

وأردفت: "يريد الاتحاد الأوروبي الاستفادة من هذه الرياح للترحيب بالأعضاء الجدد. وتتمثل إحدى الحجج السائدة في بروكسل للدفاع عن دخول دول مثل غرب البلقان أو أوكرانيا أو مولدوفا إلى الكتلة في أنها ستجلب سكانا وقوى عاملة جديدة، بالإضافة إلى توسيع الوصول إلى الأسواق". 

الكلمات المفتاحية