قبل الانتخابات.. ماذا ينتظر اقتصاد تركيا مع تراجع أزمة النقد الأجنبي؟
بعد فوز الرئيس، رجب طيب أردوغان، بولاية جديدة في مايو/أيار 2023، بدأت تركيا خطوات فعلية لتغيير العديد من السياسات الاقتصادية والتي لم تظهر آثارها بشكل كبير حتى الآن.
وعن هذه القضية، قال موقع المونيتور الأميركي "إن هناك مجموعة من العوامل ساعدت تركيا على تخفيف مشاكلها المتعلقة بالعملة الأجنبية خلال فصل الصيف".
"لكن المشكلة قد تظهر مرة أخرى في الأشهر المقبلة مع رفض أنقرة اتخاذ إجراءات لا تحظى بقبول شعبي، قبل الانتخابات المحلية المقرر إجراؤها الربيع المقبل".
تزايد الثقة
وأشار إلى أن "تراجع حالة عدم اليقين بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الأخيرة، مهد لتدفق الأصول بالعملة الأجنبية -سواء من الخارج أو التي كان المواطنون يحتفظون بها- إلى الاقتصاد الرسمي".
ولفت إلى أن "هذه الثقة زادت بعد أن تولى، محمد شيمشك، مقاليد الاقتصاد التركي في يونيو/حزيران 2023، وهو خبير اقتصادي يحظى بتقدير كبير بين المستثمرين الدوليين".
ووفقا لبيانات البنك المركزي التركي، فقد بلغ إجمالي هذه التدفقات -المسجلة تحت مسمى "صافي السهو والخطأ" في ميزان المدفوعات- حوالي 16 مليار دولار في الأشهر الأربعة من يونيو حتى سبتمبر/أيلول 2023.
وخلال الفترة نفسها، استثمر المستثمرون الأجانب نحو 5 مليارات دولار في الأسهم والسندات السيادية التركية، في حين بلغ إجمالي التدفقات الواردة على شكل ودائع مصرفية وقروض نحو 9.5 مليارات دولار.
وكانت الاستثمارات الأجنبية المباشرة هي الحلقة الأضعف، ففي حين جلبت مبيعات العقارات 930 مليون دولار، فإن الاستثمارات المباشرة الفعلية شهدت تدفقات إلى الخارج بلغت حوالي 630 مليون دولار.
وبشكل إجمالي، بلغت التدفقات الأجنبية نحو 15 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى تحت قيادة شيمشك الاقتصادية، مع وصول الرقم إلى حوالي 31 مليار دولار بما في ذلك "صافي السهو والخطأ، المعروف أيضا بالتدفقات من مصادر مجهولة".
ووفق الموقع الأميركي، غطى هذا المبلغ بسهولة عجز الحساب الجاري البالغ 3.4 مليارات دولار في الفترة من يونيو إلى سبتمبر، مما أدى أيضا إلى زيادة قدرها 27 مليار دولار في الاحتياطيات الأجنبية للبلاد.
وأوضح أنه "نتيجة لذلك، ظلت الليرة التركية مستقرة نسبيا، خاصة في شهري أغسطس/آب وسبتمبر".
وأشار إلى أنه "قبل الانتخابات، اتبعت أنقرة سياسة غير تقليدية تتمثل في خفض أسعار الفائدة، على الرغم من ارتفاع التضخم، وتدخلت الحكومة في سوق الصرف الأجنبي لدعم الليرة".
وبعد إعادة انتخابه، عيّن الرئيس أردوغان شيمشك لإدارة الاقتصاد، كما غيّر أيضا رئيس البنك المركزي.
قيادة شيمشك
وتعهد شيمشك بالعودة إلى "الأسس العقلانية"، وهو ما يعني، لفترة من الوقت، أنه سيسمح للسوق بتحديد سعر صرف الدولار مقابل الليرة بحرية.
ونتيجة لذلك، تراجعت الليرة وارتفع سعر الدولار -وهو عامل حاسم للاقتصاد التركي المعتمد على الاستيراد- بنسبة 17.4 بالمئة في يونيو، و14.6 بالمئة في يوليو/تموز 2023.
وأضاف الموقع الأميركي أنه "كما كان متوقعا، أصبح صعود قيمة الدولار هو المحرك الرئيس لزيادات الأسعار، وارتفع التضخم السنوي للمستهلك، الذي بلغ أقل بقليل من 40 بالمئة في مايو/أيار، ليصل لنحو 60 بالمئة في أغسطس 2023".
وأورد ما ذكره أحدث تقرير للبنك المركزي التركي عن التضخم، والذي صدر في أوائل نوفمبر/تشرين الثاني 2023.
وجاء في التقرير أن "ثلث التضخم السنوي الذي بلغ 61.5 بالمئة في أكتوبر/تشرين الأول، كان نابعا من ضغوط التكلفة الناجمة عن سعر الصرف".
لكن منذ أغسطس، تباطأ انخفاض الليرة بشكل ملحوظ، مع ارتفاع سعر الدولار بنسبة 2 بالمئة، والذي ظل مستقرا في الغالب في سبتمبر، ثم ارتفع بنسبة 3.2 بالمئة في أكتوبر.
وحسب المونيتور، فقد كان لتدفق الأموال الأجنبية وتلك الأموال مجهولة المصدر دور فعال في تحقيق الهدوء النسبي لسعر الصرف.
علاوة على ذلك، هناك أسباب أسهمت في تقليص عجز الحساب الجاري، منها تباطؤ وتيرة النمو، وبالتالي الواردات، والأهم من ذلك زيادة عائدات النقد الأجنبي.
وأضاف أن "عائدات النقد الأجنبي لقطاع السياحة تجاوزت 20 مليار دولار في فترة الأربعة أشهر، ونتيجة لذلك، سجلت تركيا فوائض في الحساب الجاري في يونيو، وسبتمبر".
ومع إمكانية إدارة عجز الحساب الآن، ساعدت التدفقات من العملات الأجنبية على تجديد احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، مما أعطى أنقرة فترة راحة لمعالجة هذه المشكلة التي طال أمدها.
ووفق المونيتور، فلم تُنشر بيانات الحساب الجاري لشهر أكتوبر بعد، ولكن هناك إشارة مهمة تدلل على وجود فائض.
إذ حددت أرقام وزارة التجارة العجز الشهري في التجارة الخارجية في أكتوبر عند 6.7 مليارات دولار، وهي فجوة يمكن أن تغطيها إيرادات السياحة.
ومع ذلك، من المرجح أن تكون الأمور مختلفة بعض الشيء في الأشهر القادمة، ففي نوفمبر، عادة ما تنخفض عائدات تركيا من العملة الأجنبية من السياحة إلى نصف ما كانت عليه في سبتمبر وأكتوبر.
وفي المواسم منخفضة الدخل، تتراوح إيرادات السياحة من العملات الأجنبية عادة بين مليار وملياري دولار، مما يجعل من الصعب الحفاظ على أداء الحساب الجاري في الصيف، حسب تقييم المونيتور.
الانتخابات المحلية
وأشار أن "في هذه الأثناء، تتجه تركيا إلى الانتخابات المحلية في مارس/آذار 2024، حيث يتطلع أردوغان إلى استعادة الإدارات المحلية في عدد من المدن الكبرى التي فازت بها المعارضة عام 2019، بما في ذلك إسطنبول وأنقرة".
ومن ثم، يُعتقد أن أردوغان يعارض تطبيق بعض الإجراءات الاقتصادية حتى نهاية مارس 2024.
وقال المونيتور: "يبدو أن شيمشك وقيادة البنك المركزي غير راغبين في الصدام مع الرئيس، على الرغم من رغبتهم في تطبيق برنامج حازم لخفض التضخم".
وأضاف: "لقد أخفقوا في تنفيذ التدابير المطلوبة للحد من الطلب، على الرغم من أنهم يتحدثون عنها بشكل متكرر، ومن بين هذه الإجراءات الحد من زيادات الأجور والرفع الحاد لأسعار الفائدة".
وألمح الموقع إلى أن "من المتوقع أن تعلن الحكومة عن زيادات جديدة في رواتب القطاع العام والحد الأدنى للأجور في ديسمبر/كانون الأول 2023".
وتابع: "من الواضح أن شيمشك وفريقه سيذعنون لقرارات أردوغان في الفترة التي تسبق الانتخابات المحلية".
وأردف أنه "بدون الانكماش المرغوب في الطلب، لن يتباطأ النمو الاقتصادي وبالتالي لن تنخفض الواردات، وهذا يثير احتمال تجدد مشكلات الحساب الجاري خلال فصل الشتاء، مع عجز شهري يتراوح بين 4 و5 مليارات دولار".
وأضاف أنه "إلى جانب الواردات، فإن سداد الديون الخارجية قصيرة الأجل سيؤدي أيضا إلى زيادة الطلب على النقد الأجنبي، مما يعني أن الاحتياطيات الأجنبية قد تذوب مرة أخرى".
ومع ذلك، فبعد الانتخابات المحلية، ستتحرر أنقرة من المخاوف السياسية الداخلية الرئيسة، ومن المتوقع أن تسن برنامجا صارما لخفض التضخم، من شأنه أن يبرد الاقتصاد ويبطئ الواردات لإحراز تقدم في مكافحة التضخم.
وختم الموقع بالإشارة إلى أن "شيمشك نفسه قد قال مرارا وتكرارا إن تحسين الظروف الاقتصادية ستصبح أكثر وضوحا في النصف الثاني من عام 2024".