مليشيا فانو.. قوات شرسة تهدد عرش آبي أحمد وإشعال حرب دموية في إثيوبيا

داود علي | 2 months ago

12

طباعة

مشاركة

"أصدقاء الأمس، أعداء اليوم" مقولة تنطبق على الأوضاع المتوترة في إثيوبيا، بعدما قتلت مليشيا “الفانو” -التي تحالفت سابقا مع رئيس الوزراء آبي أحمد والجيش- نحو 100 جندي من الجيش.

يأتي ذلك بعدما فرضت مليشيا “الفانو” -التابعة لقومية الأمهرة ثاني أكبر عرقية في إثيوبيا بعد الأورومو- سيطرتها على عدة قرى حدودية مع السودان، على طريق "ميتيما جزندار" ما تسبب في فرار أكثر من 300 جندي من قوات حرس الحدود الإثيوبية.

وأعلنت “فانو” عبر منصاتها بوسائل التواصل الاجتماعي، أنها أسرت 80 جنديا من القوات الإثيوبية في جوندر بعد تدمير قاعدتهم.

وذكرت أن الجيش الإثيوبي ينهار على جبهات متعددة في منطقة جوندر أمهرة، المتاخمة للحدود السودانية.

وتعد المذبحة الأخيرة التي ارتكبتها مليشيا فانو ضد الجيش، فصلا من فصول الصراع الدموي المسلح الذي تخوضه ضد حكومة أديس أبابا، داخل إقليم أمهرة.

وما يعزز الصراع أن الإقليم يتمتع بموقع إستراتيجي، حيث يحاذي السودان من الغرب والشمال الغربي وإريتريا شمالا، بجانب مجاورته 4 أقاليم بالبلاد.

جنود غير نظاميين

"فانو" مليشيا أمهرية قومية عرقية مسلحة وحركة احتجاج سابقة، تأسست تحت هدف مواجهة التهديدات العرقية لشعب أمهرا.

الحركة تم تدشينها رسميا عام 2016 وكانت في بدايتها سلمية، حتى العام 2018، حيث اتخذت الطابع العسكري وقررت حمل السلاح. 

وقتها انضمت إلى جانب الجيش الفيدرالي الإثيوبي والقوات الخاصة للإقليم الأمهري، ضد جبهة تيغراي في الحرب التي دارت رحاها ما بين الأعوام 2020 إلى 2022.

ويشير مصطلح "فانو" تاريخيا إلى الجنود غير النظاميين الذين شاركوا طواعية في الحملات العسكرية ضد المحتل.

ويحمل مصطلح "فانو" دلالة وطنية قوية، ويعود إلى المقاتلين الذين دافعوا عن إثيوبيا خلال الحرب الإيطالية الإثيوبية الثانية في ثلاثينيات القرن العشرين.

وعلى مدار العقود اللاحقة اكتسب المصطلح أهمية ثقافية أكبر وأطلق عبر العديد من الأغاني الشعبية الوطنية، ومنها أغنية الاحتجاج الشهيرة في الستينيات " فانو تيسيمارا" التي كانت تقول "يا رجال حرب العصابات، يا رجال فانو انهضوا إلى السلاح". 

ورغم أن النشطاء أعادوا نشر المصطلح مرة أخرى، كمجموعة عرقية، إلا أن “فانو” احتفظت باستمرار بمعناها الأصلي بالنسبة للفلاحين أيضا، وتعني بالنسبة لهم "فلاح حر يقاتل للدفاع عن وطنه إثيوبيا". 

ومع ذلك كان السبب الرئيس في تحول "فانو" من كونها حركة احتجاج سلمية إلى مليشيا عسكرية وقوات خاصة، هو الجنرال أسامينو تسيجي.

وكان أسامينو في البداية شخصية إثيوبية عمومية تحولت إلى تبني قضية قومية العرقية الأمهرية، خلال سنوات حكم أعدائهم من جبهة تحرير تيغراي.

لذلك أمضى ما يقرب من عقد من الزمان في السجن قبل إطلاق سراحه عام 2018 في ظل الإصلاحات السياسية التي أجراها آبي أحمد. 

وبعد فترة وجيزة، تولى قيادة جهاز الأمن الإقليمي وقاد تجنيد الآلاف من المقاتلين ودمج القوميين العرقيين الأمهريين في جهاز الأمن. 

وهو الدمج الذي كان نواة تكوين مجموعات فانو في ثوبها العسكري، حيث قام الجنرال أسامينو بتدريبهم وتسليحهم، وإمدادهم بالبنادق والقنابل اليدوية، ووصل الأمر إلى امتلاكهم مدفعية ثقيلة. 

هيكل فانو 

لا يوجد تقدير رسمي عن عدد مقاتلي مليشيا “فانو”، لكن وفق معطيات سابقة للحكومة الإثيوبية، نقلتها عن القوات الخاصة التي خدمت في إقليم أمهرة، فإن "فانو" تضم قرابة 10 آلاف مقاتل، مع ترجيح تزايد قوتهم منذ اندلاع الصراع الحالي.

وخلال صيف 2024، جرى دمج قوات فانو تحت قيادة واحدة وتم تسمية "إسكندر نيغا" رئيسا للمليشيا. 

وكانت المجموعات الست الرئيسة العاملة تحت مظلة فانو، هي جيش شعب أمهرة (بقيادة إسكندر نيغا)، وأمهرة فانو في ولو (بقيادة ميري ويداجو)، وأمهرة فانو غوجام (بقيادة زيمين كاسي).

ثم أمهرة فانو من جوندار (بقيادة هابت وولد)، وأمهرة فانو في جوندار (بقيادة باي كينجاو)، إضافة إلى أمهرة محافظة شيوا (بقيادة ميكيتاو مامو).

لكن تعد قوة أمهرة فانو غوجام أي "جيش شعب أمهرا" أبرز قوى فانو، والتي يقودها كاسي، وقد اكتسبت سمعتها كقوة مدافعة عن شعب الأمهرة من الهجمات العرقية التي يتعرض لها في أجزاء مختلفة من البلاد.

حتى لقب كاسي من قبل بعض أنصاره بأنه "بطل قضية الدفاع عن الأمهرة". ومما يذكر لهذه القوة أنه حين تصاعدت لاشتباكات مع القوات الحكومية تمكنت مع حلفائها من السيطرة لفترة وجيزة على بحر دار، العاصمة الإقليمية.

مكمن القوة

كذلك تمثل أمهرة فانو في ولو أي "فانو شرق أمهرة" كبرى مجموعات فانو المسلحة، وقد أسهمت بفعالية إلى جانب الجيش الإثيوبي (خلال التحالف) في الحرب مع قوات دفاع التيغراي، لا سيما على "جبهة رايا"

ومع ذلك، ففي 25 مارس/ آذار 2024، كتب المحاضر في قسم العلوم السياسية بجامعة أديس أبابا،  أسراو نيتشو، وأستاذ العلوم السياسية بجامعة غوندر، ياريد دبيبي، ورقة بحثية عن "فانو".

وذكروا أن صعوبة وقوة هذه المليشيا تحديدا يكمن في أنها  تشمل مجموعة واسعة من الجماعات غير المتحالفة، وأغلبها صغيرة وتعمل بشكل مستقل.

ويتسم نشاط هذه الفرق المسلحة بعدم المركزية والتجزؤ، إضافة إلى التنظيم الممتد من القاعدة إلى القمة، والافتقار إلى هيكل تنظيمي رسمي، ما يجعل توجيه ضربة حاسمة لها أمرا في غاية الصعوبة.

لعبت مليشيا فانو مع قوات إقليم أمهرة، دورا رائدا في دعم قوات الدفاع الوطني الإثيوبية خلال حرب تيغراي ، التي بدأت في 4 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.

وقتها هاجمت قوات جبهة تحرير شعب تيغراي، مقر القيادة الشمالية لقوات الدفاع الوطني الإثيوبية، فيما وصفه المتحدث باسم الجبهة بأنه “عملية استباقية” بينما شن الجيش هجوما مضادا.

ولعبت فانو دورا مهما في غزو غرب تيغراي، واستطاعت هزيمة جبهة تحرير شعب تيغراي، في عدد من المواقع، كما بقي العديد من مقاتلي فانو لحماية المنطقة المحتلة حديثا، وهو ما ساعد الجيش الإثيوبي في التقدم والثبات. 

لكن يمكن القول إن "فانو" تطورت واكتسبت زخما شعبيا هائلا بين شعب أمهرا، في 11 يونيو/ حزيران 2021، خلال ما يعرف في الحرب بعملية “علولة”، حينها تقدمت قوات تحرير تيغراي سريعا إلى منطقة أمهرة، واستولت على مدن وبلدات مختلفة. 

لكن "فانو" حشدت الآلاف من الشباب للانضمام إلى المليشيا، وتصدت للجبهة وهزمتها، وهي العملية التي ساعدت على إنهاء الحرب، بعدما تكبدت تحرير تيغراي خسائر فادحة.

الانقلاب على آبي 

بعد انتهاء الحرب، أصبح تزايد نفوذ فانو، والمليشيات الأمهرية، يقلق آبي أحمد، الذي يؤمن بالحكم المركزي لإثيوبيا.

ويرفض فكرة الحكم الفيدرالي الذي يقسم البلاد إلى 11 ولاية، تضم عرقيات وديانات مختلفة.

وبدأت الأمور تتصاعد في أبريل/نيسان 2023، حين أصدر آبي أحمد، قراره بدمج المليشيات المسلحة في جميع الولايات في الجيش أو الشرطة أو الحياة المدنية.

حينها عارضت "فانو" كبرى المليشيات الأمهرية، هذا القرار، ورأت أنه يستهدفها بشكل رئيس، وشاركت في المظاهرات التي اندلعت في مدن الإقليم ضد قرار آبي.

وما لبث الوضع أن تطور مطلع أغسطس/ آب 2023، إذ اندلعت حرب شاملة بين فانو والجيش الإثيوبي، عرفت في سياق الأحداث بحرب أمهرة.

وفي اليوم الأول اشتعلت جبهة واسعة من المعارك في جوندار ودبري تابور ودبري ماركوس.

وفي 2 أغسطس، أي اليوم الثاني من الحرب، استولت فانو على مدينة "لاليبيلا" الإستراتيجية والتاريخية المعروفة بكنائسها العريقة.

سقوط "لاليبيلا" في يد فانو مثل صدمة للشعب الإثيوبي، خاصة المسيحيين الذين يقصدون المدينة للحج، ويعدونها “مقدسة”. 

وردا على ذلك، قام آبي أحمد بالتصعيد، وأعلنت حكومته حالة الطوارئ في الرابع من أغسطس.

كما فرضت حظرا على التجمعات العامة، وأقدمت على الاعتقالات بحق قومية الأمهرا دون أوامر قضائية بالإضافة إلى فرض حظر التجوال في سائر الإقليم. 

خطورة فانو

وفي 9 أغسطس 2024، أورد تقرير وكالة "الأناضول" التركية الرسمية، مدى تأثير المعارك بين فانو وأديس أبابا على إثيوبيا كدولة وحكومة.

وذكر أن إقليم أمهرة إستراتيجي ومؤثر كونه يتوسط إقليمي تيغراي في الشمال، وأورومو في الجنوب.

وبين تلك الأقاليم خصومات ونزاعات طويلة على السلطة والحدود داخل الدولة الواحدة، ومعظمهم يميل إلى الانفصال.

لكن ما يميز إقليم أمهرة عن بقية الأقاليم أن لديها حدودا مع إقليمي العفر في الشرق، وتعود أصوله إلى شبه الجزيرة العربية، وبني شنقول في الغرب وتعود أصولهم إلى السودان.

لذلك فتمرد فانو، دفع مليشيات مسلحة في ولايات أخرى على غرار العفر، الذين أثبتوا شراستهم في القتال خلال حرب التيغراي، إلى التمرد ورفض نزع أسلحتهم والاندماج في الجيش والشرطة.

كما أن قتال "فانو" أثر على تواجد الجيش الإثيوبي على الجبهة السودانية، بعد أن انشغل عن دخول معارك مع الجيش السوداني في إقليم الفشقة.

وذهبت "الأناضول" إلى أن احتدام القتال في أمهرة، يؤدي لزياد الأعباء الاقتصادية على بلاد يحتاج أكثر من نصف سكانها إلى المساعدات الإنسانية.

وأوردت أن أخطر ما في الأمر ويدركه المسؤولون الإثيوبيون من خطورة تمرد فانو، هو التأثير المباشر على وحدة البلاد، وإمكانية تفككها وقيام دول جديدة على أرضها.

أو انضمامها إلى دول أخرى تربطها بها روابط عرقية وقبلية، مثل إقليم الصومال، وإقليم بني شنقول (السودان)، وإقليم العفر (جيبوتي)، وإقليم غامبيلا (جنوب السودان).