مواقف دول أميركا اللاتينية ضد إسرائيل تحدث "زلزالا دبلوماسيا".. ما القصة؟
رأى معهد دراسات إيطالي أن مواقف عدة دول في أميركا اللاتينية المنددة بالعدوان الإسرائيلي على قطاع غزة المتواصل منذ أسابيع تحدث "زلزالا دبلوماسيا حقيقيا" قد تتسع رقعته أكثر مع تفاقم الصراع.
وقال معهد الدراسات السياسية الدولية إن "مختلف أنحاء أميركا اللاتينية تتابع الأزمة في الشرق الأوسط بقدر من القلق حيث تدعم أغلب البلدان القضية الفلسطينية فيما تتنامى كذلك الأصوات المناهضة للعدوان العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة".
ووصل عدد الشهداء في غزة إلى أكثر من 10 آلاف شهيد وما يزيد عن 25 ألف جريح في العدوان المستمر منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
مواقف قوية
نتيجة لهذه الحصيلة المرتفعة التي تسبب فيها العدوان، أشار معهد الدراسات الإيطالي إلى أن المزيد من الدول باتت تنأى بنفسها عن الغارات والتوغلات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة.
ونوه بأن الموقف الأقوى صدر عن بوليفيا التي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع دولة الاحتلال في 31 أكتوبر.
وقال نائب وزير الخارجية فريدي ماماني في مؤتمر صحفي بثه التلفزيون البوليفي: "الحكومة قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إسرائيل".
وأضاف ماماني أن بلاده "تدين الأعمال العدوانية والجرائم ضد الإنسانية التي ترتكبها إسرائيل في هجماتها على قطاع غزة، وتصفها بأنها تهديد للسلام والاستقرار الدوليين".
وسبق للدولة اللاتينية أن قطعت بالفعل علاقاتها مع الكيان المحتل عام 2009، في أعقاب تجدد عدوانه العسكري على قطاع غزة قبل أن تعيدها الرئيسة المؤقتة جانين أنييز عام 2020.
أما اليوم فقد تغيرت الأمور جذريا، يبين المعهد، مشيرا إلى عودة اليسار إلى السلطة مع لويس آرسي والحكم على الرئيسة السابقة أنييز بالسجن لمدة عشر سنوات بتهمة التحريض والانقلاب على السلطة.
ومن هنا جاء قرار قطع العلاقات الذي أشادت به حركة المقاومة الإسلامية حماس في بيان جاء فيه "نثمن عاليا قطع بوليفيا علاقاتها الدبلوماسية مع الكيان المحتل، ونجدد دعوتنا لدولنا العربية والإسلامية المطبّعة بقطع علاقاتها كافة مع هذا الكيان المارق".
وأضافت الحركة: "نثمن عاليا الموقف الشجاع لحكومة بوليفيا والتي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني المحتل في ضوء عدوانه الفاشي وجرائمه ومجازره البشعة بحق شعبنا في قطاع غزة".
انتقادات شديدة
كما تعرضت حكومة بنيامين نتنياهو لانتقادات شديدة من قبل دول أخرى في المنطقة، إذ استدعى الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو سفيره لدى إسرائيل وهدد بقطع العلاقات معها إذا استمر الهجوم العسكري على غزة.
وقال الرئيس الكولومبي إن "بلادنا لا تدعم الإبادة الجماعية، ما يحدث في غزة غير مقبول".
تعد كولومبيا حليفًا تاريخيًا لإسرائيل، خاصة فيما يتعلق بالتعاون العسكري، وقد هدد الاحتلال على الفور بوغوتا باحتمال تعليق الاتفاقيات الجارية.
من جانبه، أوضح بيترو، أول رئيس يساري في تاريخ الدولة الواقعة في أميركا الجنوبية، أنه لا يخشى الانتقام وأنه على استعداد للسير على خطى بوليفيا.
بدوره، اتخذ الرئيس التشيلي غابرييل بوريتش أيضًا نفس الموقف باستدعائه سفيره لدى إسرائيل للتشاور بعد انتهاكات الأخيرة للقانون الإنساني الدولي في قطاع غزة وأدان مرارا وتكرارا الهجمات المتواصلة في الأسابيع الأخيرة.
علق معهد الدراسات الإيطالي بالقول إن "أزمة الشرق الأوسط محسوسة بعمق في تشيلي، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى وجود جالية كبيرة من أصل فلسطيني يبلغ عددها حوالي 400 ألف شخص يحشدون بكل الوسائل لمحاولة مساعدة السكان المدنيين في غزة".
وجدير بالذكر أن أغلب دول أميركا اللاتينية كانت قد صوتت لصالح القرار الأخير للأمم المتحدة الذي يدعو إلى هدنة إنسانية لحماية المدنيين في غزة ولم تعارض القرار سوى غواتيمالا، الحليف الوثيق لإسرائيل، فيما امتنعت أوروغواي وباراغواي عن التصويت.
محاولات التوسط
أكد معهد الدراسات الإيطالي أن موقف البرازيل في عهد الرئيس الحالي لولا دا سيلفا "دقيق للغاية" خصوصا وأن البلاد ترأست خلال شهر أكتوبر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة وحاولت إيجاد طريقة للتفاوض دبلوماسيًا بشأن الصراع.
وحصل القرار الذي اقترحه البرازيليون على 12 صوتا مؤيدا من أصل 15، لكن جرى رفضه بسبب حق النقض من قبل العضوين الدائمين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، بينما اختارت روسيا الامتناع عن التصويت.
لفت المعهد إلى أن البرازيل تحاول منذ فترة طويلة أن تتموضع كدولة وسيطة في الصراعات الدولية الكبرى في الوقت الراهن، مؤكدا أن جهودها لم تكن مثمرة حتى الآن فيما يتعلق بكل من أوكرانيا وأزمة الشرق الأوسط.
في الأثناء، تحادث الرئيس لولا هاتفياً مع كل نظرائه والقياديين في الشرق الأوسط تقريباً، وبذل الكثير من الجهد من أجل إعادة المواطنين البرازيليين من إسرائيل وغزة.
وسمحت عملية الاجلاء العسكرية، التي شملت عشر رحلات خاصة شاركت فيها أيضا طائرة رئاسة الجمهورية، بعودة أكثر من 1400 برازيلي إلى وطنهم، بينما ينتظر حوالي ثلاثين آخرين مقيمين في غزة الحصول على إذن بالدخول إلى مصر عبر معبر رفح.
كما أن موقف الأرجنتين هو الآخر دقيق للغاية، يضيف المعهد، مشيرا إلى إدانة الرئيس المنتهية ولايته ألبرتو فرنانديز الهجمات التي تشنها حركة حماس وكذلك الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة.
وينقسم الرأي العام بشدة بشأن الصراع الدائر، لا سيما وأن أكبر جالية يهودية في أميركا اللاتينية تعيش في بوينس آيرس.
وقُتل ثمانية أشخاص يحملون الجنسيتين الإسرائيلية والأرجنتينية في هجمات حماس في 7 أكتوبر، بينما أعيد مئات الأرجنتينيين من إسرائيل.
أشار المعهد إلى خروج مظاهرات مختلفة تنظمها الجاليات اليهودية أو المتعاطفون مع القضية الفلسطينية في عدة دول في أميركا اللاتينية من ساو باولو إلى بوينس آيرس، ومن مكسيكو سيتي إلى سانتياغو دي تشيلي.
ولاحظ في ختام تقريره أن هذه الاحتجاجات والمظاهرات تتواصل دون تسجيل أحداث عنف أو أي شكل من أشكال معاداة السامية أو الإسلاموفوبيا على عكس ما تشهده أوروبا.