مستقبل سوريا خلال 2024.. لماذا يرجح تزايد الهجرة والاضطرابات والأزمات؟
تحدث مركز دراسات تركي عن التحديات المستمرة داخل سوريا، في العام الثالث عشر للثورة وتدهور الوضع الاقتصادي وزيادة الهجرة.
وقال مركز "فيكير تورو": "تنقسم سوريا إلى أربعة أجزاء؛ جزء كبير من البلاد في أيدي الحكومة السورية، فيما تخضع معظم محافظات الرقة والجزيرة ودير الزور ومنبج لسيطرة حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي".
أمّا إدلب والمناطق المحيطة فهي تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، في حين تسيطر الحكومة السورية المؤقتة والمدعومة من الجيش الوطني السوري على مناطق مثل عفرين والباب وأعزاز و جرابلس وتل أبيض.
أسباب الاضطرابات
وأشار الكاتب التركي "سرحات أركمان" إلى أنه بالرغم من التوتر وعدم استقرار الوضع في سوريا، فإنه يجري تجاهل أسباب وعوامل الاضطرابات الجذرية، وأبرزها تدهور الاقتصاد في البلاد.
إذ تجاوزت تكلفة الحرب على الاقتصاد السوري 1.2 تريليون دولار، وسيستغرق الأمر 20 عاما على الأقل للوصول إلى الوضع الاقتصادي قبل عام 2011، تاريخ انطلاق الثورة، بالإضافة إلى انخفاض الرواتب وارتفاع الأسعار بشكل كبير وعدم وجود استثمار.
وأضاف أركمان: العامل الآخر الذي يؤثر على التطورات في سوريا هو "الحروب الأخرى".
فبسبب الحرب التي بدأت بين روسيا وأوكرانيا وبعدها هجمات إسرائيل على غزة تراجعت أهمية القضية السورية في جدول الأعمال الغربي.
وأردف الكاتب التركي: تحاول الجهات الفاعلة المحلية الأربع التي تسيطر على المناطق المتفرقة في سوريا تعزيز سلطتها في مناطقها.
ففي عام 2023 ركز النظام السوري على اكتساب السيطرة الاجتماعية والسياسية الكاملة على المناطق التي سيطر عليها من خلال العمليات العسكرية والقضاء على مشكلة الشرعية في السياسة الدولية.
واتخذت حكومة دمشق خطوات مهمة من حيث الاجتماعات الوزارية مع تركيا، ثم مشاركة جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، والتي أظهرت أن النظام أعيد قبوله دبلوماسياً.
ومن ناحية أخرى، لم تقف الجهات الفاعلة الأخرى مكتوفة الأيدي، حيث سيطرت هيئة تحرير الشام بالكامل على إدلب وطردت الحكومة السورية المؤقتة من إدلب ثمّ شكّلت حكومة جديدة.
وبالمثل، استبعد حزب الاتحاد الديمقراطي جميع المعارضين المحتملين في الأراضي التي يسيطر عليها، وفق الكاتب.
أزمة الغذاء
وأردف أركمان: "كان برنامج الأغذية العالمي الذي يعمل في إطار الأمم المتحدة أحد أهم الجهات الفاعلة في منع تطور أزمة الجوع في سوريا وتحول الجروح العميقة الناجمة عن الحرب الأهلية إلى كارثة أكبر لسنوات عديدة".
وبحسب بيانات برنامج الأغذية العالمي، فإن عدد الأشخاص الذين يواجهون مشكلات في الحصول على المواد الغذائية في سوريا هو 12.9 مليون شخص.
ووفق بياناتها أيضاً أعلنت المنظمة أنها ستواصل بعض أنشطتها في سوريا عام 2024، لكنها ستتوقف عن توزيع المواد الغذائية بسبب نقص الميزانية.
من المحتمل أن يواجه أولئك الذين يعيشون في المخيمات والمستوطنات المؤقتة مشكلة غذائية كبيرة بدءا من يناير/كانون الثاني 2024، وفقا لبيانات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا".
كما أظهرت بيانات برنامج الأغذية العالمي أن المنطقة التي ستواجه صعوبة أكبر في الوصول إلى الغذاء نتيجة لتعليق البرنامج أي ستكون أكثر عرضة لخطر الجوع هي إدلب.
ويبدو أن معظم المدن التي لا تزال تحت سيطرة النظام السوري ستواجه وضعا مماثلا أيضا. ويتوقع أن يواجه حوالي 5.5 ملايين شخص مشاكل كبيرة في الحصول على الغذاء.
ونتيجة لذلك سترتفع أسعار المواد الغذائية، وسيضطر مئات الآلاف إلى الذهاب إلى أماكن أخرى للبقاء على قيد الحياة.
وإذا نحينا جانبا عمليات النزوح داخل سوريا، فإن إحدى الوجهات الأكثر احتمالا لانتقال السكان هي حتما تركيا، يقول الكاتب.
وقد أدت الحالة المؤسفة للاقتصاد السوري بالفعل إلى حركة سكانية داخل البلاد على مدى العامين الماضيين.
فكان الآلاف من الناس يبيعون ما تبقى لهم ويسلكون وجهاتٍ وطرقاً عديدة للتوجه للمناطق التي تسيطر عليها المعارضة ثم إلى خارج سوريا.
يمكن القول إنّ الاقتصاد السوري يتّجه نحو أزمة كبيرة، ويعود السبب الرئيس لذلك إلى الانخفاض المفرط والسريع لقيمة العملة المحلية، فضلاً عن نقص الدعم الاقتصادي المتوقع.
ولا يمكن للاقتصاد أن يتعافى في البلد الذي أنهكته الحرب بدون تمويل أجنبي. لذلك قد يكون من الممكن أن تؤدي الأزمة الاقتصادية إلى عواقب اجتماعية وخيمة في عام 2024، يتوقع الكاتب.
مستقبل إدلب
واستدرك: هيئة تحرير الشام تواجه مشاكل في السيطرة على سلطتها في إدلب بالإضافة إلى ضغط دمشق عليها، ونقص الغذاء في سوريا، والكشف عن الصراع الداخلي، وهذا يخلق فرصة لسيطرة النظام على تلك المنطقة.
وأردف أن "نقص الغذاء وسوء الأحوال الجوية وقصف المنازل وغيرها من المشاكل التي تواجه قوات الأمن الداخلي التابعة لهيئة تحرير الشام قد تجعل تكلفة شن الحكومة السورية لعملية في إدلب أقل".
وأشار إلى أنه في حال توتر الأوضاع فإن أكثر من مليوني شخص سيهاجر إلى منطقة أطمة في إدلب وعدد من القرى المجاورة التي تعد آمنة لأنها قريبة جداً من الحدود التركية.
وإذا بدأ تنقل السكان سيبدأ هؤلاء الأشخاص في التقدم إلى تركيا أو إلى الأراضي التي تسيطر عليها الحكومة السورية المؤقتة.
في هذا السياق، ستواجه الحكومة السورية المؤقتة تحديات عديدة للحد من الهجرة. ويمكن أن تصبح هذه الجهة أكثر أهمية مما كانت عليه في أي وقت مضى إذا استطاعت أن تحل المشكلة.
علاوة على ذلك، قد تصبح الحكومة السورية المؤقتة أكثر قوة ومركزية في المنطقة الواقعة في شمال سوريا.
وبذلك ستصبح الفاعل الرئيس في منع وإدارة أزمة إنسانية محتملة وتحركات سكانية (للهجرة عبر الحدود).
العلاقات مع تركيا
وأشار الكاتب إلى أن العلاقات التركية السورية قد تكون على جدول الأعمال مرة أخرى، حيث تنفذ تركيا عمليات ضد حزب العمال الكردستاني/حزب الاتحاد الديمقراطي في إطار مكافحة الإرهاب.
وإذا لم تتمكن سوريا من حل قضية حزب الاتحاد الديمقراطي (كردي سوري) قبل الانتخابات في الولايات المتحدة، فقد تضطر إلى حل المبادرة الانفصالية في شمال شرق سوريا مع الرئيس السابق دونالد ترامب.
و“حزب الاتحاد الديمقراطي” (PYD) -الذي تقود “قوات سوريا الديمقراطية”- الذراع السوري لـ”حزب العمال الكردستاني” (PKK)، مصنف على لوائح الإرهاب التركية والأوروبية والأميركية.
ويواصل الكاتب: "السيناريو المحتمل الذي سنواجهه على الأرجح عام 2024 سيبدو كما يلي: سيزداد التهديد الذي تتصوره دمشق من حزب الاتحاد الديمقراطي، وستكون قادرة على إطلاق عمليات حاسمة في إدلب بتكلفة منخفضة".
وبالنظر إلى أن إيران لن تكون قادرة على تلقي الدعم من لبنان والعراق بسبب انخراطها (في توتر) مع الولايات المتحدة وإسرائيل، سيتعين على النظام السوري احتضان جهة فاعلة واحدة فقط يمكنها التعاون ضد المشاكل المشتركة، وهي تركيا.
وفي هذه الحالة يمكننا أن نرى استمرار جولات التقارب بين أنقرة ودمشق، والتي بدأت في عام 2023، ومن الممكن أن تتطور العلاقات بين الطرفين بشكل أكبر، وفق تقدير الكاتب.
وعلى الرغم من غياب الثقة المتبادلة بين الحكومتين، فإن لديهما رؤية عقلانية لا تستبعد إمكانية التعاون على أساس التهديدات المشتركة.
وأضاف الكاتب: في ظل عدم انتهاء الحرب في أوكرانيا، يمكن أن تكون الخطوات المتخذة لحل المشاكل في سوريا بطيئة جدًا.
وقد تؤدي الخطوات الأميركية-الإيرانية-الإسرائيلية المحدودة من غزة إلى لبنان والعراق إلى إعادة توجيه مركز الصراع العالمي إلى الشرق الأوسط.
وختم الكاتب مقاله قائلا إنه مع عودة الحرب بالقرب من سوريا هناك خياران أمامنا: إما أن تتعاون الأطراف هناك وتستقر بشكل دائم أو أن يتحول ذلك البلد إلى ساحة قتال جديدة مثل العراق ولبنان.
وفي كلتا الحالتين، ستكون سوريا القضية الأكثر طرحاً على جدول الأعمال في عام 2024 مقارنة بالأعوام السابقة، وفق تقديره.